أديان وفرق ومذاهبالأبحاثشبهات وردود

العلم والمعرفة وتأثيرهما على الأنبا بيشوي

بسم الله الرحمن الرحيم

العلم والمعرفة

وتأثيرهما على الأنبا بيشوي

استجابة لتساؤلات الأنبا بيشوي في مؤتمر تثبيت العقيدة 2010

العبد الفقير إلى الله أبو المنتصر شاهين الملقب بـ التاعب

إهداء

إلى كُلِّ مُسْلِمٍ يَفْتَخِرُ بِانْتِسَابِهِ للمُسْلِمِينَ أهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ

ويَتُوقُ إلى مَنَاهِلِ العِرْفَانِ الـمَوْجُودَة فِي كِتَابَاتِ سَلَفِنَا الصَّالِحِ الكِرَامِ

ويُقَدِّرُ العِلْمَ وأقْوَالَ العُلَمَاءِ عَبْر الأزمِنَةِ والعُصُورِ

وإلى كُلِّ مَسِيحِي مُتَشَوِّق لِيَرَى مَاذَا عِنْدَ الـمُسْلِمِينَ مِنْ مَعْرِفَةٍ وَمَنْهَجِيَّةٍ عِلْمِيَّةٍ

وإلى أسَاتِذَتِي الَّذِينَ تَعَلَّمْتُ مِنْهُم التَّوثِيقَ العِلْمِيّ

الشَّيْخ عَبْدِ الله رَمَضَان مُوسَى, والـمُجْتَهِد البَاحِث كُلِّيَّة الشَّرِيعَة, والحبيب أبي عُمَر البَاحِث

إلَيْكم أهْدِي هَذَا البَحْث

مُختصر البحث

في مؤتمر تثبيت العقيدة 2010, تكلم الأنبا بيشوي في محاضرة له بعنوان “الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة” في أمور كثيرة جداً تخص العقيدة المسيحية, ولكنه أيضاً تناول العديد من الآيات القرآنية والتي قام بتفسيرها تفسيراً مسيحياً أرثوذكسياً, حتى وجدنا أنه يستخرج العقائد المسيحية من القرآن الكريم ! حاول الأنبا بيشوي من خلال كلامه هذا أن يُقنع محاوريه بأن القرآن مُطابق للمسيحية ولا اختلاف, وأن القرآن يشهد للمسيحية ولا تعارض بينه وبين المسيحية, وأن القرآن يذكر الآب والكلمة والروح القدس وأنه إله واحد, وأن المعتدلين من كبار علماء المفسرين المسلمين عبر التاريخ يؤيدون المسيحية, وما إلى ذلك من أفكار غريبة عجيبة ما أنزل الله بها سلطان, وقام أيضاً بالتساؤل حول الآية التي تُكَفِّر من قال بأن الله U هو المسيح ابن مريم u, وهل قيلت في وقت نبي الإسلام أم أنها أضيفت فيما بعد في زمن متأخر ! وتكلم أيضاً كثيراً عن الآيات القرآنية التي تخبرنا عن نجاة المسيح u من الصلب, وادَّعى أن القرآن الكريم يقول بموت المسيح u, وأشياء أخرى كثيرة عجيبة. كل ما أورده الأنبا بيشوي بخصوص النقاط السابقة قمنا بالرد عليه فيها بفضل الله U, وأثبتنا بما لا يدع مجالاً للشك أن ما قاله بخصوص الآيات القرآنية باطل محض, ليس له أي دليل من كتابات علمائنا من المفسرين, فبيَّنا أن الإسلام هو دين الرحمن وأن ما عداه من الشيطان, وأن القرآن الكريم لا يُمكن لأحد أن يشكك فيه, فإن وسائل حفظه المختلفة تجعل عملية التشكيك فيه مستحيلة, وأثبتنا أن الآية التي تُكَفِّر من قال بأن الله U هو المسيح ابن مريم u نزلت في عهد نبينا محمد r, وقمنا بإيراد آيات كثيرة جداً ترد على عقيدة التثليث, ثم وضحنا جميع الأمور المتعلقة بالآيات التي تخبرنا عن نجاة المسيح u من الصلب. وهكذا لم ولن نترك لأحد أي فرصة لمحاولة إثبات صحة العقيدة المسيحية من الآيات القرآنية.

الفهرس

* مُقدِّمة أولى: حلم الانتصار في أرض الإسلام

* مُقدِّمة ثانية: عند الاختلاف: الحق أم الصداقة ؟

* الفصل الأول: أقوال الأنبا بيشوي المتداولة في وسائل الإعلام

۩ جريدة المصري اليوم       ۩ جريدة الدستور           ۩ جريدة الوفد

* الفصل الثاني: مُحاضرة الأنبا بيشوي وأهدافها

* الفصل الثالث: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ

۩ الإسلام دين جميع الأنبياء                             ۩ الأديان ستة – خمسة للشيطان وواحد للرحمن

۩ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ              ۩ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ

۩ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ                                 ۩ هكذا رحم الله العالمين وأنعم عليهم

* الفصل الرابع: المُسَمَّيات العريضة والتفاصيل الفرعية

* الفصل الخامس: الطعن في القرآن بسبب تكفير من عبد المسيح

۩ الكُفر البَشِع                                           ۩ وقت نزول الآية {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}

۩ ما كُتب في مصحف عثمان كان مكتوباً في عهد النبي   ۩ عقيدة المسلم في حفظ الله للقرآن الكريم من التحريف

۩ القرآن الكريم لا يعتمد على المخطوطات                ۩ استحالة إضافة شيء على كتاب الله دون أن يكتشفه المسلمون

* الفصل السادس: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ

۩ آيات كثيرة جداً ضِدّ النصارى !     ۩ أهم العقائد المسيحية      ۩ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ

۩ أقانيم أم أسماء وصفات ؟           ۩ كَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ

۩ اللَّهُ الصَّمَدُ                         ۩ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ            ۩ لَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ

۩ التفسير الأرثوذكسي القويم للقرآن الكريم                         ۩ التجسُّد كُفر بالله

* الفصل السابع: الآب والابن والروح القدس إله واحد

۩ لاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ           ۩ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ           ۩ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ

۩ التثليث = ثلاثة آلهة                ۩ مَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ     ۩ التهديد والوعيد وفتح باب التوبة

* الفصل الثامن: حول ادعاء صلب المسيح وموته

۩ وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ          ۩ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ

۩ هل هي “شُبِّه به لهم” أم “شُبِّه لهم” ؟                   ۩ الافتراء على الفخر الرازي

۩ التفسير الأرثوذكسي القويم للقرآن الكريم

* رسالة ختامية: الاهتمام بكتابات السلف الصالح

۩ قائمة المراجع

حلم الانتصار في أرض الإسلام

الحمد لله نحمده, ونستعين به ونستغفره, ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مُضِل له, ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, وصفيه من خلقه وخليله, بلَّغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة, فكشف اللهُ به الغمة, ومحا الظلمة, وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين, وأشهد أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله , وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.

ثم أما بعد ؛

« اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ » (صحيح مسلم-1847).

إنه الحلم الذي راود عشرات القساوسة, والذي طالما حاولوا تحقيقه منذ بزوغ فجر الإسلام, ألا وهو حلم الانتصار في أرض الإسلام, أو بكلمات أخرى, حلم الانتصار للعقيدة المسيحية من داخل المراجع الإسلامية !

نعم, لقد حاول الكثيرون ولكن جميعهم فشلوا, وسيظل الفشل رفيقهم لأن الحق معنا, ومن كان الحق معه فمن عليه ؟! إذا أردنا أن نقوم بحصر أسماء الذين حاولوا تفسير الآيات القرآنية لتوافق عقائدهم الباطلة فلن نستطيع, ففي كل زمن من الأزمنة تضاف إلى هذه القائمة الطويلة عشرات الأسماء, واعتقد أنه قد حان الوقت لإضافة اسم الأنبا بيشوي !

ولكن مهما حاول من حاول فلن يفلح لأن الله U يقول في كتابه الكريم: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان : 33]. قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: [يقول تعالـى ذكره: ولا يأتـيك يا مـحمد هؤلاء الـمشركون بـمثل يضربونه إلا جئناك من الـحقّ، بـما نبطل به ما جاءوا به وأحسن منه تفسيراً.][[1]]

وقال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [{وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} أي: بحجة وشبهة {إِلاَّ جِئْنَـٰكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} أي: ولا يقولون قولاً يعارضون به الحق، إلا أجبناهم بما هو الحق في نفس الأمر، وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم.][[2]]

وهكذا, مهما حاول الأنبا بيشوي أو غيره أن يأتوا بأمثلة عجيبة, وتفسيرات غريبة, حتى يلبسوا على الناس أفهامهم, فسيُسخِّر الله U من يرد على هذه الأباطيل, ويقوم بتفنيدها بكلام واضح بَيِّن للجميع, فإن الله U يقول في كتابه الكريم: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء : 18]

أبو المنتصر محمد شاهين السبت 13 نوفمبر 2010 م 7 ذو الحجة 1431 هـ

أسأل الله U أن يستخدمني دائماً في الدعوة إليه والدلالة عليه, وأن لا يستبدلني ولا أن يحرمني من شرف الدِّفَاع عن الإسلام العظيم, والذي هو فخر لي, ووسام على صدري, وأعوذ بالله تعالى أن يُؤتى الدين من قِبَلي, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

عند الاختلاف: الحق أم الصداقة ؟

          قد يعتقد البعض أن الرد على تساؤلات أحد كبار رجال الدين المسيحيين قد يتسبب في فتنة طائفية, ولكنني على يقين تام بأن نشر الردود العلمية القوية على تساؤلات مطروحة حول الإسلام لن يؤدي إلا إلى الاحترام والتقدير والتفاهم, فهذا المنهج لا يؤدي إلى فتنة طائفية على الإطلاق, ولكن الذي يؤدي إلى الفتنة هو أن يقوم أحد الفريقين بالكذب والافتراء على الآخر, أو أن يدَّعي التساؤل وهو يقصد نشر أفكار غير صحيحة عن الآخر, أو توجيه النقد بطريقة خَفِيَّة. هذا هو الذي يؤدي إلى الغضب واحتقان مشاعر البُغْض والكراهية, لأن هذا يُعتبر هجوماً على الآخر, وهذا غير مقبول بأي حال من الأحوال.

          هناك اعترافات صريحة من الأنبا بيشوي بأن هناك من يُهاجم الإسلام بكل طريقة تتاح له, فنجده يقول: [لماذا يتفننون في مهاجمة الإسلام ؟ لو استمر أسلوب الهجوم بهذه الطريقة فلن تكون العواقب في صالحنا. يجب إيقاف هذا الأسلوب الهجومي.][[3]], وقد قام الأنبا بيشوي بتحديد اسم أحد الذين يقومون بمهاجمة الإسلام وهو: [القمص زكريا بطرس الذي يقوم بمهاجمة الإسلام.][[4]], وقال أيضاً: [التجريح والسباب الذي يقوم به القمص زكريا بطرس ضد الإسلام ورموزه.][[5]], فإن زكريا بطرس لا ينشر الأفكار الخاطئة أو يُهاجم الإسلام فحسب, بل إنه يقوم بالتجريح والسباب ضد الإسلام ورموزه, أي كل ما له علاقة بالإسلام !

          نشكر الأنبا بيشوي على مشاعره الجميلة, فهو يرى وجوب إيقاف الأسلوب الهجومي على المسلمين, لأن هذا هو الذي يُوَلِّد الفتنة الطائفية كما قلنا سابقاً, وهو يعلم جيداً أن نهاية هذا الطريق ليس في صالح المسيحيين على الإطلاق. ونحن أيضاً نرفض التجريح والسباب والهجوم, فليس هذا من تعاليم الإسلام بأي حال من الأحوال, فنحن كمسلمين لنا مع الآخر طريقان: طريق الدعوة وطريق المجادلة, وقد بَيَّن لنا الله U كيف نسلك الطريقين فقال: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل : 125], فمن سلك هاذين الطريقين بمنهج آخر غير ما بينه الله U في كتابه فقد حاد عن الحق.

          مع التزامنا بما قيَّده الله U لنا من منهج في الدعوة والمجادلة, من الطبيعي عندما نجد من الآخر أفكاراً خاطئة عن الإسلام, أن نرد عليها, وأن نقوم بتصحيحها, ونشر ما نعلمه من الصواب والحق عن ديننا الحنيف, فقد قال الله U في كتابه الكريم: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران : 187]

وقد نقل لنا الإمام القرطبي رحمه الله ما قالاه الحسن وقتادة رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: [هي في كل من أُوتي عِلم شيء من الكتاب. فمن عَلم شيئاً فليُعلِّمه، وإيّاكم وكتمانَ العلم فإنه هَلكة.][[6]], وهذا يُذكِّرني بالنص الموجود في هوشع 4/6 {قَدْ هَلَكَ شَعْبِي مِنْ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ}. وهكذا وجب علينا أن ننشر العلم والمعرفة, وننتظر تأثيرهما على من يفتقدهما.

          نقوم بصفة مستمرة بالرد على كل من يشكك في الإسلام العظيم, أو يقوم بنشر أفكار خاطئة, أو يقوم بطرح التساؤلات التي يبحث لها عن إجابات, أو حتى يقوم بإخفاء انتقاداته في هيئة تساؤلات ! وهذا حق أصيل لأتباع أي دين, ولا يُعقل أن يقوم أحد بالإنكار على تابع أحد الأديان لأنه يقوم بالتوضيح والشرح, أو تصحيح الأفكار الخاطئة التي يتم ترويجها, أو يقوم بالإجابة على التساؤلات المطروحة, أو يقوم بتفنيد انتقادات موجهة لدينه.

          ولكن البعض يقول أن مثل هذا الطرح الـمُتبادل بين العقائد المختلفة قد يؤدِّي إلى التنازع والانشقاق, وهذا أمر غير صحيح على الإطلاق, فإن كان هناك عقل وحكمة وأسلوب طيب في الطرح, مع الالتزام التام بالمنهج العلمي المنضبط, سيَتَقَبَّل كل طرف فكر الآخر ويحترمه ويقدره, ولا أقصد بكلمة “يتقبَّل” أن ينتقل من دين إلى آخر, بل أقصد الاحترام المكنون لكلا الطرفين, لعدم استخدام أي أسلوب تجريح أو هجومي. أما إذا وصل الأمر إلى وضع الصداقة بين أطراف الديانتين في كفة, وبيان الحق في مسألة خلافية في كفة؛ فلا أجد أفضل مما قاله الأنبا بيشوي: [الصداقة شيء والحفاظ على الإيمان شيء آخر, ونحن لا نتنازل عن عقيدتنا من أجل الصداقة.][[7]]

          يا لها من كلمات صريحة جريئة رائعة ! كلمات تُوَضِّح بجلاء أن عقيدة الإنسان يجب أن تكون أغلى شيء عنده وفوق كل شيء. أريد أن أقول إننا نُحِب أن يكون هناك تفاهم بين الأطراف التي تتناقش حول الأمور العقائدية, ولكن إذا وصل الأمر إلى الاختيار بين الصداقة والعقيدة – كما قال الأنبا بيشوي – فيجب اختيار العقيدة.

هذا ليس تطرُّفاً, بل أستطيع أن أقول إن هذه هي الحكمة بعينها, وحتى تفهموا قصدي أريد أن أطرح عليكم سؤالاً: ماذا إذا تغافلنا عن المشاكل والاختلافات العقائدية بين المسلمين والمسيحيين, ولم نقم بأي مؤتمرات أو لقاءات لتوضيح المفاهيم المختلفة بيننا, هل ستكون هناك صداقة أو تفاهم بأي شكل ؟ لا أعتقد, بل أجْزِم أن الصداقة ستختفي وإن ظهر لنا من الخارج أفعال الأصدقاء, ولكن من الداخل, لن نجد إلا المشاعر الـمُحتقنة, والبغض الـمُستَتِر في ثنايا الآخر, الذي يشعر بأنه لم يُعْطِي لدينه حقه, فما هو الحل إذاً ؟

قال الأنبا بيشوي: [علينا أن نَرُدّ, ونُدافع عن مسيحيتنا, وندافع عن الحق دون أن نخطئ في حق الآخرين.][[8]], وهكذا أقول: علينا أن نَرُدّ, ونُدافع عن إسلامنا, وعن قرآننا, وعن نبينا r, وعن تراثنا, وعن الحق الذي نحن عليه, دون أن نُخْطِئ في حق الآخرين. وهذا هو حال المسلمين أصلاً, ومن فعل غير ذلك فإن لم يلتزم بما أنزله الله U في كتابه الكريم أو بما فعله نبينا الأمين r.

أقوال الأنبا بيشوي المتداولة في وسائل الإعلام

تناولت وسائل الإعلام الـمُختلفة تصريحات الأنبا بيشوي, و وصلت كلماته إلى كل عالم, فلم تكن محاضرته في الخفاء, ولم تكن مجرد مناقشات داخل البيت المسيحي, بل عَلِمَ الجميع بما يُكِنُّه الأنبا بيشوي من أفكار لها علاقة وثيقة بأهم مُقَدَّسَات ومُعْتَقَدَات المسلمين. قامت عدد من الجرائد بنشر بعضٍ من تصريحات الأنبا بيشوي, سنتناول منها ما جاء في جريدة المصري اليوم[[9]], والدستور[[10]], والوفد[[11]], حيث أن هذه الجرائد الثلاثة تناولت أهم ما أورده الأنبا بيشوي في محاضرته.

حتى لا يحدث تشتيت لعقل القارئ, سنقوم بعرض ما نُشِر في الجرائد الثلاثة, ثم نقوم بالتعليق عليها سريعاً, مع الإشارة إلى الأفكار التي تحملها الكلمات بين طَيَّاتها, ثُمَّ نذهب إلى محاضرة الأنبا بيشوي نفسها, ومن ثَمَّ نقوم بسرد الإجابات الكاملة على تساؤلاته. ولكن يجب على القارئ أن يُلاحظ أمراً مُهِمَّاً, وهو أن اهتمامنا دائماً كان وسيظل بالمناقشات العلمية البحتة, ولكن في حالة تصريحات الأنبا بيشوي هذه, وَجَبَ علينا توضيح بُطلان الأفكار التي يحاول الأنبا بيشوي نشرها عن الإسلام بين مستمعيه, بالإضافة إلى الرد على ادعاءاته أو تساؤلاته أو انتقاداته حول ما يخص مُقَدَّسات المسلمين ومُعْتَقداتهم, مع الالتزام في جميع الأحوال بالأسلوب الطيِّب الذي لا يُسبب تجريحاً أو تنفيراً للقارئ.

* جريدة المصري اليوم:

[كان الأنبا بيشوي قد تساءل في نص محاضرة له، وُزِعَّت ضِمن الكُتَيِّب الرسمي لمُؤتَمَر تَثْبِيت العَقِيدَة، أمس الأول، عَمَّا إذا كانت بعض آيات القرآن الكريم «قد قِيلَت وقتَمَا قال نبي الإسلام القرآن أم أُضِيفَت فيما بعد في عهد عثمان»، ودعا إلى مُرَاجَعَتِها، مُشِيراً إلى أن الحوار والشرح والتفاهم «يجعل الشخص المقابل لك يبحث داخل ذهنه ويُفَتِّش حتى يلغى آية تتهمنا بالكفر».]

          من حق كل إنسان أن يتساءل, ولكن المهم هو أن يتساءل الشخص من أجل العلم والمعرفة, وليس من أجل دسّ الانتقادات في هيئة تساؤلات ! نص مُحاضرة الأنبا بيشوي موجود في “الكُتَيِّب الرسمي لـمُؤتَمَر تَثْبِيت العَقِيدَة”, وليعلم الجميع أن لكل مَقام مقال, فهذه التصريحات إن لم يتكلم الأنبا بيشوي بهذا الكلام في مؤتمر لتثبيت العقيدة فمتى إذاً ؟ نستطيع أن نقول بمنتهى البساطة: إن كل ما قاله الأنبا بيشوي فيما يَخْتَص بمُقَدَّسات المسلمين ومُعْتَقداتهم, وبالأخص محاولة لفت الأنظار إلى احتمالية وجود آيات دَخِيلة في القرآن الكريم, بل والسعي وراء إلغاء آية من قِبَل المسلم, كان لتثبيت عقيدة المسيحي.

* جريدة الدستور:

[وأضاف بيشوي “قلت لهم لابد وأن يكون الحديث في صراحة دون هجوم لأن هناك نصوص أخري لست أدري إن كانت قد قيلت وقتما قال نبي الإسلام القرآن أم أنها أضيفت فيما بعد في زمن متأخر“, مُوَضِّحَاً إلي أنه طالبهم بالبحث في هذا الأمر لأنه طالما يُقال “لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ” فلن يكون هناك اتفاق، وقال إنه سأل ضيوف السفير هل قِيلَت هذه الآية أثناء بعثة نبي الإسلام، أم أُضِيفَت أثناء تَجْمِيع عثمان بن عفَّان للقرآن الشفوي وجعله تحريري لمجرد وضع شيء ضد المسيحية.]

          نحن لا نريد إلا الصراحة ممن يخالفنا, حتى نستطيع أن نتناقش حول اختلافاتنا, أما أن يخفي كل طرف ما يضمره للآخر, ويكشف عمَّا في داخِلِه في الاجتماعات الـمُغلقة فقط, فهذا أمر لا يُوَلِّد إلا الكراهية والحقد, وفي وقت ما سيحدث انفجار لكل هذه المشاعر المكبوتة, وهذا ما لا نريده على الإطلاق.

          هنا نجد أن الأنبا بيشوي يريد أن يكون هناك اتفاقاً بين الإسلام والمسيحية, ولكن ما معنى كلمة “اتفاق” عند الأنبا بيشوي ؟ هل يريد من المسلمين أن يعتقدوا بألوهية المسيح عيسى ابن مريم u ؟ أم أنه يريد من المسلمين أن يعتقدوا بأن الله U إله واحد في ثلاثة أقانيم: آب, وابن, وروح قدس ؟ أم أنه يُريد من المسلمين أن يعتقدوا بأن المسيح عيسى ابن مريم u صُلِب ومات وقام من الأموات بعد ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ من أجل أن يُصبح الإنسان باراً أمام الله ؟ هل هذا هو الاتفاق في مفهوم الأنبا بيشوي ؟ من الواضح أن هذا هو مفهومه حول الاتفاق حيث أنه يقوم بالتشكيك أو التساؤل حول أي آية قرآنية تخالف العقيدة المسيحية !

          انظر إلى المزيد من الأقوال الواردة عن الأنبا بيشوي في جريدة الدستور:

[وقال أنه  أثناء لقاء جمعه بسفير مصر بقبرص حضره كل رجال السفارة هناك فإن السفير أورد له نصوص قرآنية مثل و “أيدناه بروح قدس” وأن المسيح “كلمة منه” وأن القرآن بذلك ذكر الآب والكلمة والروح القدس وأنهم إله واحد.]

[وأضاف ” هم – أي المسلمين – يقولون أن المسيح لم يمت، ونرد عليهم فلماذا يقال في قرآنهم ” السلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً” – مريم 32 ، وكذلك ” لماذا يقال ” يا عيسي إني متوفيك ورافعك إلي – آل عمران 54″ فتلك الآيات مكتوبة في كتابهم – يقصد القرآن الكريم.]

[وأضاف : هم يردون بالنص القائل ” وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم  – النساء 156 ” ، وفي هذا الصدد قلت لهم أن المعتدلين من كبار المفسرين المسلمين عبر التاريخ يؤيدون المسيحية ويفسرون هذه العبارة بقولهم إذا كان المقصود شخص يشبه لقال “شبه به لهم” وليس شبه لهم، فالمقصود أنه خيل إليهم ولم يكن هناك من يشبهه.]

          أرجوا مُلاحظة أسلوب طرح الأنبا بيشوي, لا أعتقد أنه يتساءل هنا, اقرأ جيداً: [ونرد عليهم – فتلك الآيات مكتوبة في كتابهم – وفي هذا الصدد قلت لهم – فالمقصود أنه] هذا الأسلوب لا يدل إلا على أن الأنبا بيشوي يتكلم عن شيء من المفترض أنه قام بدراسته جيداً, ويحاول جاهداً أن يُوَصِّل للمسلمين المفهوم الصحيح الكامن في آيات قرآنهم ! سبحان الله العظيم. لاحظ أيضاً أنه يوحي للناس من خلال كلامه أنه مُطَّلع على أقوال العلماء المسلمين من المفسرين الكبار, ويَدَّعي أنهم يؤيدون المسيحية ! يؤيدون المسيحية بمعنى أن المسيحية تقول: إن المسيح u صُلب ومات وقام من الأموات بعد ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ, وهناك من العلماء المسلمين الكبار الذين يقولون بذلك أيضاً !

طبعاً سنقوم بعرض أقوال العلماء المفسرين من بداية القرن الأول الهجري إلى المعاصرين حالياً لنعلم أين هؤلاء “المعتدلين من كبار المفسرين المسلمين عبر التاريخ” الذين “يؤيدون المسيحية“, ولكن على الأقل قد فهمنا أن الأنبا بيشوي يقصد بكلمة “اتفاق” أن نكون على نفس العقيدة المسيحية وأن لا نخالفها, إن كان الأمر كذلك, فأعتقد أنه لن يحدث بيننا اتفاق إلا إذا صار جميع المسلمين مسيحيين !

صدق الله U حين قال: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة : 120], وقال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: [ولـيست الـيهودُ يا مـحمد ولا النصارى براضية عنك أبداً، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم، وأقبل علـى طلب رضا الله فـي دعائهم إلـى ما بعثك الله به من الـحقّ, فإن الذي تدعوهم إلـيه من ذلك لهو السبـيـل إلـى الاجتـماع فـيه معك علـى الألفة والدين القـيـم.][[12]]

* جريدة الوفد:

[أشار بيشوي إلي الآية الكريمة التي تقول: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}, واستشهد بلقاء عقده بمنزل السفير المصري في قبرص حضره أعضاء السفارة. وأشار إلي أنه ذكر خلال اللقاء أن المسيحية تتطابق مع الإسلام باستثناء هذه الآية الكريمة. وتساءل عن موعد نزولها وطالب المسلمين بالبحث فيها، لأنها لو ثبتت لن يكون هناك اتفاق.]

          طبعاً هنا نرى بوضوح تناقضاً عجيباً مع كلام الأنبا بيشوي السابق: [لأن هناك نصوص أخري], فما معنى نصوص أخرى ؟ ألا يقصد آيات قرآنية أخرى تخالف العقيدة المسيحية ؟ ثم بمنتهى العجب يقول أن المسيحية تتطابق مع الإسلام باستثناء آية واحدة ! سبحان ربي الأعلى.

          لنعمل الآن مقارنة بسيطة بين العقائد الأساسية بين الإسلام والمسيحية, لنرى مدى تطابق الإسلام مع المسيحية ! الجميع يعلم أن المسيحية تقول بأن المسيح عيسى ابن مريم u هو ابن الله I, هل الإسلام يقول بهذا ؟! الإسلام ينفي عن الله I الابن, والقرآن الكريم يعلن صراحة أن هذا الاعتقاد كُفْر !

يقول الله U في كتابه الكريم: {وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة : 30]. قال الإمام الشافعي رحمه الله في تفسير هذه الآية: [بعثه – أي: للنبي r – والناس صنفان: أحدهما: أهل كتاب، بدَّلوا من أحكامه، وكفروا بالله، فافتعلوا كذباً صاغوه بألسنتهم، فخلطوه بحقِّ الله الذي أنزل إليهم، فذكر تبارك وتعالى لنبيه r من كفرهم: {وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.][[13]]

وقال الإمام النسفي رحمه الله: [{وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ} أي قول لا يعضده برهان ولا يستند إلى بيان ، فما هو إلا لفظ يفوهون به فارغ عن معنى تحته كالألفاظ المهملة {يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ} (…) يعني أن الذين كانوا في عهد رسول الله r من اليهود والنصارى يضاهي قولهم قول قدمائهم، يعني أنه كفر قديم فيهم غير مستحدث، أو الضمير للنصارى أي يضاهي قولهم {الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ} قول اليهود {عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ} لأنهم أقدم منهم.][[14]]

هذه مُجَرَّد نقطة واحدة تختلف حولها المسيحية والإسلام, فما بالكم في مُعتقد المسلمين في الأنبياء مثلاً ؟ هل هناك تطابق مع المسيحية ؟ على سبيل المثال لا الحصر, للنظر إلى ما يقوله الكتاب المقدس عن سليمان وداود أبيه عليهما السلام:

{6 وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَتْبَعِ الرَّبَّ تَمَاماً كَدَاوُدَ أَبِيهِ. 7 حِينَئِذٍ بَنَا سُلَيْمَانُ مُرْتَفَعَةً لِكَمُوشَ رِجْسِ الْمُوآبِيِّينَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي تُجَاهَ أُورُشَلِيمَ، وَلِمُولَكَ رِجْسِ بَنِي عَمُّونَ. 8 وَهَكَذَا فَعَلَ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ الْغَرِيبَاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ يُوقِدْنَ وَيَذْبَحْنَ لِآلِهَتِهِنَّ. 9 فَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَى سُلَيْمَانَ لأَنَّ قَلْبَهُ مَالَ عَنِ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَرَاءَى لَهُ مَرَّتَيْنِ، 10 وَأَوْصَاهُ فِي هَذَا الأَمْرِ أَنْ لاَ يَتَّبِعَ آلِهَةً أُخْرَى. فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ.} [الملوك الأول 11/6-10]

          والله إن العين تدمع, والقلب يحزن, لما نقرأه عن الأنبياء الكرام البررة في الكتاب المقدس ! أنظر إلى الكلام, وتأمل هذه العبارة جيداً: [وَأَوْصَاهُ فِي هَذَا الأَمْرِ أَنْ لاَ يَتَّبِعَ آلِهَةً أُخْرَى. فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ.] هل تعلم أيها القارئ معنى هذه العبارة ؟! الكتاب المقدس يقول أن الله Y وَصَّى سليمان u بأن لا يتَّبع آلهة أخرى, فلم يحفظ وصية الله U ! ماذا يقول القرآن الكريم في هذا الشأن ؟ {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ} [البقرة : 102]

          سليمان u يبني معابد للآلهة الوثنية في الكتاب المقدس ! أما في القرآن الكريم, فإنه يقوم بدعوة الذين لا يعبدون الله U إلى الإسلام, اقرأ إن شئت ما قَصَّه الله U عن سليمان u الذي جاءه الهدد وأخبره عن ملكة وقال عنها: {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل : 24], فماذا فعل سليمان u ؟ هل ذهب إليهم وبنا لهم معبداً ؟! كلا والله, بل قال للهدهد: {اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل : 28] فعندما وصل الكتاب للملكة: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)} [النمل]

          أعتقد أن هذا يطابق ما نجده في الكتاب المقدس تماماً ! بالطبع لا, ثم يأتي الأنبا بيشوي ويقول: [أن المسيحية تتطابق مع الإسلام باستثناء هذه الآية الكريمة.] يا قوم, أليس منكم رجل رشيد ؟! أنا آسف على هذا الأسلوب, ولكن كيف يقول رجل في مثل منصب الأنبا بيشوي هذا الكلام ؟! وهو مُطْرَان دمياط وكفر الشيخ والبراري, ورئيس دير القديسة دميانة, وأستاذ اللاهوت العقائدي والحوارات المسكونية. يا حضرة الأنبا المحترم بيشوي, أنت رجل مسئول في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, فكن على قدر المسئولية, ولا تتكلم إلا فيما أنت مُتيقن بأنه صحيح.

          هل تعلمون لماذا أتكلم بهذه القسوة والتي أنا غير مُعتاد على استخدامها ؟ لأن الأنبا بيشوي قد اعترض اعتراضاً شديداً على الدكتور زغلول النجار عندما ظن أنه يتكلم دون دراسة أو سند علمي؛ فقال: [طالبته بدراسة القرآن جيداً قبل أن يهاجم, أي أن يعرف دينه قبل أن يهاجم ديننا, بمعنى أن يعرف ما يقوله دينه عنا قبل أن يهاجمنا, لكن أن يكون أستاذ ودكتور ويقول كلام ليس له أي مرجع على الإطلاق !][[15]]

          الآن أيها الأنبا المحترم بيشوي, أطالبك أنا بدراسة القرآن الكريم جيداً قبل أن تَدَّعِي أي ادعاء غير مسئول, وأن تعرف الإسلام جيداً قبل أن تتكلم عنه, وأن تعرف ما يقوله عن العقائد السابقة قبل أن تدعي أنه يتطابق مع المسيحية باستثناء آية واحدة ! لكن أن تكون مُطراناً, ورئيساً لأحد أكبر الأديرة, وأستاذاً للاهوت وتقول هذا الكلام, ثم تعيب على الدكتور زغلول النجار, والذي سيقوم زميلي الأستاذ مُعاذ عليان بإثبات صحة ما قاله, فلا أجد إلا ما قاله الشاعر: [لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ, عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ][[16]]

          سأكتفي بهذا الآن, ولتكن هذه الكلمات مُجَرَّد بيان لمدى خطورة الكلمات التي صَرَّح بها الأنبا بيشوي, والتي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة. في الأجزاء التالية من البحث, سنجيب عن تساؤلات الأنبا بيشوي بشكل أكثر توسعاً, واسأل الله U أن يُفرغ على جميع القراء صبراً أثناء قراءتهم لهذا البحث, لأنني أعتقد جازماً بأن هناك الكثير من الناس, سواء من المسلمين أو المسيحيين, يعلمون جيداً أن هذه التساؤلات التي طرحها الأنبا بيشوي, يعلم إجابتها أصغر طالب علم من الفريقين, ولكن لعل حضرة الأنبا يبحث عن الإجابات في هيئة بحث علمي مُوَثَّق بالبراهين والأدلة والمراجع العلمية, فسيحصل على ما يريد بإذن الله I.

مُحاضرة الأنبا بيشوي وأهدافها

          مُحاضرة الأنبا بيشوي تم تفريغها في 17 صفحة, تكلم في حوالي خمس صفحات عن الكثير من الآيات القرآنية والمعاني التي تحتويها هذه الآيات, هذا يعني أن حوالي 30% من المحاضرة كانت إسلامية ! لماذا التعجب هنا ؟ التعجب جاء لأكثر من سبب:

أولاً: عنوان المؤتمر كان “عقيدتنا الأرثوذكسية, آبائية وكتابية”, فالمفترض أن جميع محاضرات المؤتمر ستتكلم إما عن العقيدة الأرثوذكسية, أو ما يخص آباء الكنيسة, أو الكتاب المقدس, فلا دخل إذاً لأي موضوع إسلامي بحسب عنوان المؤتمر نفسه.

ثانياً: مُحاضرة الأنبا بيشوي كانت بعنوان “الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة” وتكلم عن الإسلام والقرآن بشكل صريح ومباشر تحت عنوان “القنوات الفضائية الإسلامية” ومع ذلك لم يذكر قناة فضائية إسلامية واحدة, بل بدأ مباشرة بما نشره الدكتور زغلول النجار في جريدة الأهرام ! فهل جريدة الأهرام قناة فضائية إسلامية ؟!

          هذان السببان يجعلان الشخص يميل ناحية الاعتقاد بأن هناك ما يُشبه “التلكيك” للكلام في مواضيع إسلامية. بالإضافة إلى أن الأنبا بيشوي أبدى نواياه بخصوص الكلام عن الإسلام من بداية المحاضرة حيث قال: [لقد دخل الإنجيل إلى السعودية بغير إرادتهم, بل ودخل إلى كل البلاد الإسلامية.][[17]], وكأن هناك حرب ضروس من المسلمين على الإنجيل !

يا حضرة الأنبا بيشوي, المسلمون يقرؤون العهد الجديد صباح مساء, ولم نسمع أبداً عن مسلم أحب المسيحية من أجل ما وجده في أحد الأناجيل الأربعة, أو رسالة من رسائل بولس أو أي رسالة أخرى, أو حتى في سفر الرؤيا. أنت شخصياً عندما تبدأ الكلام عن المسيحية لا تأتي بنصوص كتابية ! بل تذهب مباشرة إلى القرآن الكريم, انظروا إلى كلام الأنبا بيشوي نفسه: [لقد استضافني الإعلامي محمود سعد في برنامج “البيت بيتك” وطلب مني شرح عقيدة الثالوث فشرحت عقيدة الثالوث, وبدأت الحديث بنص من القرآن يقول: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران : 45], فسألته ألا يعني هذا …][[18]]

          طُلب منه شرح العقيدة المسيحية في الثالوث فبدأ كلامه بآية من القرآن الكريم ! سبحان ربي الأعلى, وكأن القرآن الكريم يحمل العقائد المسيحية الأرثوذكسية الآبائية ! ثم يقول إن الإنجيل قد دخل السعودية إلى آخر هذا الكلام العجيب.

طبعاً سنقوم بالرد على كل ما أثاره الأنبا بيشوي من معاني خاطئة حول الآيات القرآنية ولكن السؤال المهم هنا هو: ما فائدة دخول الإنجيل إلى السعودية والأنبا المحترم يشرح الثالوث من القرآن الكريم ؟! لا أجد تفسيراً مناسباً أو إجابة شافية لهذا التضارب العجيب, ولكنني أعلم جيداً أن هناك عادة للقساوسة بشكل عام, ألا وهي شرح العقيدة المسيحية من خلال الآيات القرآنية ! ولكنني كنت أعتقد أن الأنبا بيشوي أكثر اطلاعاً ودرايةً بالمعاني الحقيقية للآيات القرآنية.

لقد تكلم الأنبا بيشوي كثيراً عن القرآن الكريم في محاضرته, وأغلب كلامه كان حول معاني بعض الآيات الكريمة التي تمس عقائد مسيحية رئيسية, منها الآيات التي تتكلم عن المسيح u وساعاته الأخيرة على الأرض قبل أن يُرفع إلى السماء, ومنها آيات تخبرنا بولادة المسيح u بدون زرع بشر وأنه كلمة من الله U و أنه مُؤيَّد من الروح القدس, ثم تكلم في النهاية عن الآية التي يعتقد هو أنها نقطة الاختلاف “الوحيدة” بين الإسلام والمسيحية رغم وجود “نصوص أخرى” ! وبدأ يُشكك أو يتساءل أو ينتقد بشكل خفي  زمن نزول هذه الآية, وهل كانت في حياة النبي محمد r أم أضيفت لاحقاً في زمن عثمان بن عفان t ؟

          أعتقد أن الأنبا بيشوي كان لديه الكثير من الأهداف من وراء الكلام حول هذه الآيات, ولكن جميع هذه الأهداف تذهب في اتجاه واحد, ألا وهو إثبات أن العقيدة الإسلامية لا تختلف مع العقيدة المسيحية ! وأن العقيدة الإسلامية تمشي مع العقيدة المسيحية في طريق واحد, أو على الأقل في طريقين متوازيين !

نعلم هذا يقيناً من خلال العديد من العبارات التي أطلقها الأنبا بيشوي مثل: [لما نقول هذا الكلام لا يغضب منا أحد لأنه مكتوب في كتابهم], و [أن المعتدلين من كبار علماء المفسرين المسلمين عبر التاريخ يؤيدون المسيحية], و [هذا ما يقوله بعض المفسرين من كبار الأئمة من علماء المسلمين][[19]], أو من خلال تعليقات من قاموا بحواره مثل: [إذن ليس هناك فرق بين الإسلام والمسيحية سوى شعرة رفيعة.], و [إذن لا تفصل الإسلام عن المسيحية سوى شعرة رفيعة.], و [إذاً القرآن مُطابق للمسيحية ولا اختلاف, والقرآن يشهد للمسيحية ولا تعارض بينه وبين المسيحية.], و [القرآن بهذا ذكر الله الآب والكلمة والروح القدس وأنه إله واحد.][[20]]

          عبارات كلها صادمة ولكنها واضحة وصريحة. يحاول الأنبا بيشوي مراراً وتكراراً أن يُوَصِّل للناس أن القرآن الكريم يقول بالثالوث, وأن القرآن الكريم يقول بصلب المسيح, بل وادَّعى أن هناك من كبار علماء المفسرين المسلمين المعتدلين عبر التاريخ يؤيدون المسيحية ! وكأننا في الحقيقة دين واحد نختلف فقط في الـمُسَمَّى, بعضنا تحت مسمى الإسلام, والآخر تحت مسمى المسيحية, ولكن في النهاية المسيحية والإسلام وجهان لعملة واحدة.

إن لم تكن العبارات السابقة كافية للكشف عن نوايا الأنبا بيشوي الحقيقية فاقرأ معي هذه العبارة التي قالها الأنبا بيشوي لجميع المسيحيين الذين كانوا حاضرين لمحاضرته في المؤتمر: [هكذا يكون الحوار والشرح والتفاهم الذي يجعل الآخر يبحث داخل ذهنه ويفتش حتى يلغي آية تتهمنا بالكفر, وهذا لأني لم أهاجمه, بل طرحت نقدي بطريقة تساؤل وإذ به يحاول أن يجد حلاً.][[21]]

هكذا ظهرت الحقيقة واضحة جلية ! الأنبا بيشوي لا يتساءل لأنه يريد إجابات, بل لأنه يريد من المسلم أن يتملص من دينه, وأن “يلغي آية” تفرض على المسلم الاعتقاد بكُفْر المسيحيين بسبب أنهم يقولون بأن المسيح u هو الله I الذي تجسد وعاش على الأرض بين الناس كإنسان !

قال الأنبا بيشوي: [قلت لهم أنه لابد أن يكون الحديث في صراحة دون هجوم], أين هذه الصراحة ؟ وأنت تخفي نواياك الحقيقية, وتخدع الناس بأسلوبك الذي يظهر وكأنه تساؤل, ولكنه في الحقيقة نقد, هل هذه هي الصراحة من وجهة نظرك ؟

في الحقيقة, لم أنخدع ولو للحظة من أسلوب الأنبا بيشوي أو غيره عندما يتحدثون في مواضيع إسلامية, ولكنني أريد من كل مسلم أن يفهم ما يدور في صدور أمثال الأنبا بيشوي ويعتقد فيه خيراً عندما يسمعه فيقول: “انظر إلى هذا الكاهن المحترم الذي يتساءل بكل ود ومحبة ووداعة وخوف !”, اعلم أخي رحمك الله أنه قد أعلن عمَّا في نفسه, فهو يريدك أن تترك ما يقوله قرآنك الكريم, ويريد منك أن تلغي مثل هذه الآيات ! بل أن الأنبا بيشوي في كل فرصة تتاح له, يريد أن يثبت للناس أفضلية المسيحية على الإسلام !

تأمل ما قَصَّه الأنبا بيشوي عن حواره مع عمرو أديب: [وسألني عن الصلوات والصوم فأجبته: “عندنا صلاة الفجر هي صلاة باكر, صلاة الظهر هي صلاة الساعة السادسة, صلاة المغرب هي صلاة الغروب, صلاة العشاء هي صلاة النوم, صلاة العصر هي صلاة الساعة التاسعة.”, فقال: “إذن خمس صلوات مثلنا ؟”, فقلت له: “إن عندنا أيضاً صلاة الساعة الثالثة أي التاسعة صباحاً”, فقال: “ونحن عندنا صلاة الضحى الساعة التاسعة صباحاً.”, فقلت: “وعندنا صلاة نصف الليل”, فقال: “ونحن عندنا قيام الليل.”][[22]]

          انظر إلى ما بين السطور, قام الأنبا بيشوي بذكر خمس صلوات, هي في رأيه مقابلة للصلوات الخمسة المفروضة على المسلم, ثم بدأ في محاولة إظهار أفضلية المسيحية على الإسلام من ناحية عدد الصلوات, ولكن المذيع بدأ في مجاراته حتى وَصَلَا في النهاية إلى أن عدد الصلوات متساوٍ في الليل والنهار, وهكذا مرة أخرى لا يوجد فرق بين الإسلام والمسيحية ! ما شاء الله تبارك الله.

          جميع الصلوات التي ذكرها الأنبا بيشوي مجرد استقراء عام لنصوص الكتاب المقدس, ومن وحي ما كان يفعله المسيح u أو أنبياء العهد القديم, وتم وضع قائمة بهذه الصلوات التي ما هي إلا أذكار تُقرأ نجدها في كتاب يُدعى “الأجبية“, وهو كتاب من وضع القساوسة والرهبان يحتوي على بعض النصوص الكتابية والأقوال الآبائية المختلفة. انظر إلى هذا المكتوب في مُقدمة كتاب الأجبية: [إن الصلوات المفروضة على جميع المؤمنين من الرسل القديسين وآباء الكنيسة كل يوم سبع. كما قال المرتل: {سبع مرات في النهار سبحتك على أحكام عدلك} [المزامير 119/164].][[23]]

          هذا يثبت أن هذه الصلوات المسيحية العديدة ما هي إلا من وضع البشر, بالإضافة إلى ذلك فهي مجرد استقراء لبعض النصوص, على سبيل المثال, جاء في المزمور أنه هناك من كان يُسَبِّح الله سبع مرات في النهار, النص يقول سبع مرات في النهار, التسبيح تحوَّل إلى صلوات كاملة ! وكلمة النهار تحولت إلى الليل والنهار على مدار اليوم بأكمله ! سبحان الله العظيم. بعد هذا كله يُريد الأنبا بيشوي أن نساوي هذا بما جاء في الإسلام من فروض واضحة مُنزلة من الله U من فوق سبع سموات, مُفَصَّلَة تفصيلاً كاملاً من الألف إلى الياء, لا أظن أن هذا يصح أبداً.

          الآن, نريد أن نسأل سؤالاً في غاية الأهمية, ألا وهو: ما الفائدة المرجوَّة من وراء القول بأن الإسلام يتَّفِق مع المسيحية ولا خلاف بينهما ؟ الفائدة الحقيقية بالنسبة للأنبا بيشوي هي: أن يكفّ المسلمون عن انتقاد العقائد المسيحية, لأن هذه العقائد التي سيقوم بانتقادها موجودة في القرآن الكريم !

فإذا قال مسلمٌ لمسيحي أن التثليث كُفْر بالله, رَدّ عليه المسيحي بأن القرآن الكريم ذكر الآب والابن والروح القدس وأنهم إله واحد ! وإذا قال مسلمٌ لمسيحي أن المسيح u لم يُصلب, رَدّ عليه المسيحي بأن العديد من كبار المفسرين من العلماء المسلمين أيَّدوا المسيحية في هذا ! وهكذا لم يعد المسلم قادراً على توجيه أي نقد للمسيحي لأنه بهذا سينتقد القرآن الكريم !

إذن, مُلَخَّص الموضوع هو الآتي:

  • تناول الأنبا بيشوي آيات يعتقد أنها تتكلم عن موت المسيح u وعن الثالوث.
  • سنقوم بتفصيل جميع الأمور المتعلقة بجميع هذه الآيات الكريمات ونرد على كل أفكار الأنبا بيشوي.
  • تساءل الأنبا بيشوي حول موعد كتابة أحد الآيات, هل هو في زمن النبي r أم في عصر عثمان بن عفان t.
  • سنقوم بتناول جميع النقاط التي لها علاقة بالآية, وبكل ما يخص تساؤله حول وقت نزول الآية.
  • عرض نقاط رئيسية توضح للجميع سلامة القرآن من الزيادة والنقصان.

هذا مع توسُّع واستفاضة في طرح أقوال العلماء المفسرين, لأن الأنبا بيشوي ادَّعى أن هناك من كبار المفسرين من يؤيدون المسيحية, لذلك وجب علينا أن نوضح للجميع بجلاء, أن هذا الكلام غير صحيح, وأن علماء المسلمين منذ القرن الأول الهجري إلى الذين ما زالوا على قيد الحياة لم يؤيدوا العقيدة المسيحية, بل قاموا بنقضها وتفنيدها وبيان بطلانها, وإثبات أن العقيدة الإسلامية هي وحدها العقيدة الصحيحة والتي لا يقبل الله I غيرها من الإنسان.

إن الدين عند الله الإسلام

          على عكس ما يريد الأنبا بيشوي توصيله للناس, فإننا نجد أن القرآن الكريم يُخبرنا أن دعوة جميع الأنبياء منذ البدء كانت الإسلام, ولكن الناس انحرفوا عن الإسلام فصارت هناك العقائد الوثنية المختلفة, والمجوسية, واليهودية, والصابئة, والنصرانية, ولكن إلى بعثة محمد r, كان الله U يُرسل الرُّسُل والأنبياء عبر الأزمنة والعصور إلى الذين ضلوا عن الإسلام العظيم, حتى يرجعوا إلى صراط الله المستقيم.

القرآن الكريم يَفْصِل جيداً بين العقائد والأديان المختلفة, فنجد تفريقاً واضحاً بين الإسلام والنصرانية واليهودية والصابئة والمجوسية وسائر الأديان الأخرى الوثنية الباطلة, فلا نجد خلطاً بين أي عقيدتين. قد تكون هناك بعض نقاط الاتفاق بين ديانتين ما, مثل أن النصارى ادعوا لله I ابناً, واليهود أيضاً ادعوا ذلك, كما أخبرنا الله I في كتابه الكريم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ} [التوبة : 30], ولكن من المستحيل أن نجد في القرآن ما يقول بأن الإسلام يُطابق المسيحية !

بعد المسيح عيسى ابن مريم u رسول الله U, انحرف الناس عن الإسلام الذي كان عليه المسيح u وحواريه, وأصبحت هناك النصرانية التي فيها من العقائد الكفرية ما فيها. ولكن الله U رحيمٌ بعباده, يُحب لهم كل الخير, {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر : 7], لذلك أرسل الله U نبيه محمد r خاتم الأنبياء والمرسلين, الذي كان نوراً للناس, يُضِيء لهم الطريق إلى الحق, فقد قال الله عن نبيه محمد r: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ} [المائدة : 15]

          نجد في صحيح مسلم: [عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ». قَالُوا كَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاَّتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ فَلَيْسَ بَيْنَنَا نَبِيٌّ».][[24]]

وهكذا كان محمد r رحمة الله المهداة للعالمين, لأنه هكذا رحم الله U العالمين فبعث لهم رسوله الكريم r, لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل ليكون من الفائزين النائلين رحمة الله I ورضاه. فمِن بَعْد بعثة محمد r, لا يُوجد لأحدٍ من العالمين حُجَّة يستطيع أن يقدمها لما هو عليه من كُفْر, وبُعد عن صراط الله المستقيم, ودين الله القويم, ومنهاجه العظيم, الإسلام. فمن آمن بمحمد r ورجع إلى الإسلام, كان من الفائزين الذين لهم الجنة, وإن كفر بمحمد r وما جاء به, فقد أصبح من الخاسرين الكافرين الذين لهم نار جهنم خالدين فيها, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وهكذا نستطيع أن نختصر الرد على مسألة أن الإسلام يُطابق المسيحية بشكل عام كالآتي:

  • جميع الأنبياء جاؤوا بالإسلام كعقيدة, وهو الدين الوحيد المقبول عند الله U.
  • انحرف الناس عن دعوة الأنبياء فأصبح هناك النصراني واليهودي والصابئي والمجوسي وعقائد وثنية أخرى.
  • كان الله U يبعث الأنبياء على مر العصور لتصحيح الانحرافات العقائدية التي وقع فيها الناس.
  • وفي النهاية أرسل الله U خاتم الأنبياء والمرسلين محمد r ليكون البَيِّنَة الفاصلة بين الإيمان والكفر.
  • وهكذا: على أهل الكتاب أن يؤمنوا بمحمد r فيكونوا من أصحاب الجنة, أو أن يكفروا به فيكونوا من أصحاب النار.

* الإسلام دين جميع الأنبياء:

          نعلم كمسلمين بالضرورة أن جميع أنبياء الله كانوا على الإسلام كعقيدة ودين يدينون به لله U, أما شرائعهم فكانت تختلف مع اختلاف الزمن, قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة : 48], ونجد أن القرآن الكريم يخبرنا من بداية أبينا إبراهيم u وابنه إسماعيل u أنهما كانا مُسْلِمَيْن, فيقول الله U في كتابه الكريم: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (217) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)} [البقرة], وأيضاً: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)} [البقرة]

          ويخبرنا الله U أن إبراهيم u وَصَّى أبناءه بالإسلام, وكذلك يعقوب u الذي هو إسرائيل, فيقول الله U: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)} [البقرة], ثم نفي الله U عن إبراهيم u أبو الأنبياء أنه كان يهودياً أو نصرانياً, وأثبت I أن إبراهيم u كان حَنِيفَاً مُسْلِمَاً فقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران : 67]

          وأخبرنا الله U عن موسى u فقال: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} [يونس : 84], وأخبرنا I عن تلاميذ عيسى u فقال: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران : 52], وقال أيضاً: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة : 111], و وأخبرنا I عن يوسف الصديق u فقال: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف : 101]

          ثم أخبرنا الله U بشكل مُجمل عن أن الأنبياء والرُّسُل كلهم كانوا مسلمين ونحن مثلهم فقال: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة : 136] وقال أيضاً: {قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [آل عمران : 84]

          وقد قام الله U بتَوْبِيخ كل من قال أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط عليهم السلام كانوا على الديانة اليهودية أو النصرانية فقال: {أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة : 140], فقد كانوا جميعاً مسلمين وقد أخبرنا الله U بهذا.

          وفي النهاية, نجد أن محمداً r قد أمره الله U بأن يكون من المسلمين: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [النمل : 91], وأن يكون مثل أبينا إبراهيم u: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام]

هكذا نجد أن جميع الأنبياء والمرسلين كانوا على الإسلام, وقاموا بدعوة أقوامهم إلى الإسلام, ولكن انحرف بعض الناس عن طريق الأنبياء, وأصبحت هناك عقائد متعددة مختلفة, ومخالفة لدين الأنبياء, وهو الإسلام, فظهرت اليهودية, والنصرانية “المسيحية”, والصابئة, والمجوسية, ومُختلف العقائد الوثنية الأخرى. هذه العقائد جميعها ليست كالإسلام, بل هي نتاج انحراف البشرية عن الإسلام, ولا توجد عقيدة واحدة من هذه العقائد مُطابقة للإسلام العظيم, وإلا لما كانت عقيدة مختلفة, ولظلت باسم الإسلام !

* الأديان ستة – خمسة للشيطان وواحد للرحمن:

يقول الله U في كتابه الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج : 17], قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: [يخبر تعالى عن أهل هذه الأديان المختلفة من المؤمنين، ومن سواهم من اليهود والصابئين (…) والنصارى والمجوس، والذين أشركوا فعبدوا غير الله معه؛ فإنه تعالى {يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، ويحكم بينهم بالعدل، فيدخل من آمن به الجنة، ومن كفر به النار، فإنه تعالى شهيد على أفعالهم، حفيظ لأقوالهم، عليم بسرائرهم، وما تُكِن ضمائرهم.][[25]]

ونقل الإمام الطبري رحمه الله عن قتادة t أنه قال في تفسير هذه الآية: [والأديان ستة: خمسة للشيطان، وواحد للرحمن.][[26]], وقد أورد شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي رحمه الله كلاماً رائعاً في تفسير هذه الآية فقال: [ففي هذه الآية الكريمة حدثنا القرآن عن ست فرق من الناس: أما الفرقة الأولى، فهي: فرقة الذين آمنوا، والمراد بهم: الذين آمنوا بالنبي r وصدقوه واتبعوه. وابتدأ القرآن بهم، للإشعار بأن دين الإسلام هو الدين الحق، القائم على أساس أن الفوز برضا اللّه تعالى لا ينال إلا بالإيمان والعمل الصالح، ولا فضل لأمة على أمة إلا بذلك، كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ}.][[27]]

إذن, وبعد جمع كلام قتادة t وكلام شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي, نرى بوضوح أن القرآن الكريم يُصَنِّف العقائد بشكل عام إلى ستة أصناف, واحدة فقط منهم هي الإيمان الصحيح السليم, والباقي ضلال مبين, فلا يوجد إلا دين واحد للرحمن, وخمسة للشيطان, ودين الرحمن هو الإسلام ولا شك.

وفي هذا قال الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله: [كل الأديان هي من وحي الشيطان, وأهلها خاسرون, إلا الإسلام فهو دين الله الحق وأهله هم الفائزون، أهله هم القائمون عليه عقيدة وعبادة وحكماً وقضاء.][[28]]

وأضاف الشيخ أبو بكر الجزائري : [هؤلاء جميعاً سيحكم الله بينهم يوم القيامة؛ فيُدخل المؤمنين الجنة ويدخل أهل تلك الملل الباطلة النار, هذا هو الفصل الحق, فالأديان ستة, دين واحد للرحمن, وخمسة للشيطان, فأهل دين الرحمن يدخلهم في رحمته، وأهل دين الشيطان يدخلهم النار مع الشيطان.][[29]], وهذا كلام صريح من الشيخ يدل على أن كل من أتى الله يوم القيامة على غير الإسلام فهو في النار, فكيف يكون الإسلام مُطابقاً للمسيحية ؟ طبعاً سنتناول آيات أخرى تقول بما قال الشيخ حفظه الله, ولكن الآن هناك سؤال في غاية الأهمية.

وفي صحيح مسلم: [عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ «أَلاَ إِنَّ رَبِّى أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلاَلٌ وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ».][[30]]

قال الشيخ أبو الحسن الهروي رحمه الله: [{وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ} أَيْ: مُسْتَعِدِّينَ لِقَبُولِ الْحَقِّ وَمَائِلِينَ إِلَيْهِ عَنِ الْبَاطِلِ {كُلَّهُمْ} أَيْ: جَمِيعُهُمْ لِقَوْلِهِ r: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» وَهِيَ التَّوْحِيدُ الْمُطْلَقُ، وَمَا بِهِ يَتَعَلَّقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] أَيْ: لَا تُبَدِّلُوا مَخْلُوقَاتِهِ بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة: 36] أَيِ الْمُسْتَقِيمِ، فَلَا تَعْدِلُوا عَنِ الْجَادَّةِ إِلَى الطَّرِيقِ الزَّائِغَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] أَيْ: عَنْ طَرِيقِهِ الْحَقِيقِيِّ الْوَاصِلِ إِلَيْهِ، الْمَقْبُولِ لَدَيْهِ لِمَنْ أَرَادَ الْمِنَّةَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: 9] ، ثُمَّ بَيَّنَ سَبَبَ ضَلَالَةِ الْخَلَقِ وَغَوَايَتِهِمْ عَنِ الْحَقِّ بِقَوْلِهِ: {وَإِنَّهُمْ} أَيْ: عِبَادِي الْحُنَفَاءُ {أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ}، أَيْ جَاءُوهُمْ بِالْوَسْوَسَةِ {فَاجْتَالَتْهُمْ} أَيْ: صَرَفَتْهُمْ وَسَاقَتْهُمْ مَائِلِينَ {عَنْ دِينِهِمْ} مِنِ اجْتَالَهُ أَيْ سَاقَهُ وَذَهَبَ بِهِ، وَقِيلَ: الِافْتِعَالُ بِهَا لِلْحَمْلِ عَلَى الْفِعْلِ، كَاخْتَطَبَ زَيْدٌ عُمَرَ أَيْ حَمَلَهُ عَلَى الْخُطْبَةِ، فَالْمَعْنَى: حَمَلَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَلَى جَوَلَانِهِمْ وَمَيَلَانِهِمْ عَنْ دِينِهِمْ.][[31]]

وقال الإمام النووي رحمه الله في شرح كلمة {فَاجْتَالَتْهُمْ}: [أَيْ اسْتَخَفُّوهُمْ فَذَهَبُوا بِهِمْ وَأَزَالُوهُمْ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ وَجَالُوا مَعَهُمْ فِي الْبَاطِلِ كَذَا فَسَّرَهُ الْهَرَوِيُّ وَآخَرُونَ.][[32]], وقال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله: [فَأَخْبَرَ أَنَّ تَغْيِيرَ الْحَنِيفِيَّةِ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا بِأَمْرٍ طَارِئٍ مِنْ جِهَةِ الشَّيْطَانِ، وَلَوْ كَانَ الْكُفَّارُ مِنْهُمْ مَفْطُورِينَ عَلَى الْكُفْرِ لَقَالَ: خَلَقْتُ عِبَادِي مُشْرِكِينَ، فَأَتَتْهُمُ الرُّسُلُ فَاقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ ذَلِكَ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ: {خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ} ؟ فَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.][[33]]

وقال الشيخ أبو الحسن الهروي رحمه الله: [{إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} أَيْ: مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى تَبَرَّأُوا عَنِ الشِّرْكِ، كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ قَوْمِ عِيسَى بَقُوا مُتَابَعَتَهُ إِلَى أَنْ آمَنُوا بِنَبِيِّنَا r.][[34]]

الأنبا بيشوي يُحاول جاهداً أن يُوَصِّل للناس أن المسيحية مثل الإسلام تماماً, والقرآن يقول بالتثليث, والقرآن يقول بما يعتقده المسيحي في موت المسيح u, إلى آخر هذا الكلام العجيب, فهل في النهاية, سيَدْخُل المسلمُ ملكوت السموات جنباً إلى جنب مع المسيحي ؟ لا نحتاج إلى أن ننتظر الإجابة من حضرة الأنبا, فالإجابة واضحة لكل ذي عقل: بالطبع لا, في عقيدة المسيحي, المسلم لن يدخل ملكوت السموات. لماذا هذا التَّمْيِيع إذاً ؟ لماذا يريد الأنبا بيشوي أن يخلط الأوراق ؟ لقد أجبنا على هذا السؤال سابقاً.

* وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ:

الآية السابقة إذاً تُعلن لنا أن هناك عقائد وأديان كثيرة مختلفة, فهناك من اختار اليهودية أو النصرانية أو المجوسية أو أي عقيدة وثنية أخرى, ولكن هناك فريق واحد وصفهم الله U بأنهم “الذين آمنوا”, فمن كان نصرانياً لم يكن على الإيمان الحق, ومن كان يهودياً لم يكن على الإيمان الحق, بل إن المسلمين هم فقط الذين على الإيمان الحق, وهم أصحاب الدين الوحيد المقبول عند الله U: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران : 85]

هل نستطيع أن نستبدل كلمة “الإسلام” ونضع مكانها “المسيحية” ؟ على أساس أن الإسلام والمسيحية مُتطابقين ؟ بالطبع لا, فالله U في كتابه الكريم قد فَرَّق بين هذه العقائد والأديان المختلفة وأعلن أنه لن يقبل من عباده إلا الإسلام. قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: [يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يطلب ديناً غيرَ دين الإسلام ليدين به، فلن يَقْبَلُ اللهُ منه, {وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، يقول: من الباخسين أنفسَهم حظوظَها من رحمة الله عز وجل.][[35]]

فمن طلب المسيحية فلن يَقْبَلُ اللهُ منه, ومن طلب اليهودية فلن يَقْبَلُ اللهُ منه, ومن طلب المجوسية فلن يَقْبَلُ اللهُ منه, ومن طلب البوذية أو غيرها من العقائد الوثنية الأخرى فلن يَقْبَلُ اللهُ منه, لأن الله U لن يقبل من عباده إلا الإسلام.

نقل الإمام السمرقندي رحمه الله ما قاله الضَّحّاك t في تفسير هذه الآية: [قال الضحاك: يعني لا يقبل الله من جميع الخلق من أهل الأديان ديناً غير الإسلام, ومن تدين بدين غير دين الإسلام {فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} أي من المغبونين لأنه ترك منزله في الجنة, واختار منزله في النار.][[36]]

وقال شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي رحمه الله كلاماً رائعاً في تفسير هذه الآية: [أي: ومن يطلب دينا سوى دين الإسلام الذي أتى به محمد r فلن يُقْبَل منه هذا الدين المخالف لدين الإسلام، لأن دين الإسلام الذي جاء به محمد، هو الدين الذي ارتضاه اللّه لعباده قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} ولأنه هو الدين الذي ختم الله به الديانات، وجمع فيه محاسنها. أما عاقبة هذا الطالب لدين سوى دين الإسلام فقد بينها – سبحانه – بقوله: {وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ}. أي وهو في الآخرة من الذين خسروا أنفسهم بحرمانهم من ثواب اللّه، واستحقاقهم لعقابه جزاء ما قدمت أيديهم من كفر وضلال.][[37]]

إذن, الآية السابقة تحمل إعلاناً صريحاً جداً وواضحاً للجميع: إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي هو حق كله, ليس فيه باطل البتَّة, وأن الله U لا يقبل من عباده أي دين سواه, ومن يأتي الله U بدين سواه فهو في الآخرة من الخاسرين. هذه ليست الآية الوحيدة التي تدل دلالة قطعية على أن غير المسلمين غير مقبولين عند الله I, وأن المسلم فقط الذي يتخذ الإسلام ديناً هو المقبول عند الله, بل إن الله U يُعلن صراحة أن الدين عنده هوالإسلام !

* إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ:

يقول الله U في كتابه الكريم: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران : 19]

قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله كلاماً رائعاً في تفسير هذه الآية: [وقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ} إخبار منه تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو إتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين حتى ختموا بمحمد r الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد r فمن لقي الله بعد بعثة محمد r بدين على غير شريعته، فليس بمتقبل، كما قال تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] الآية، وقال في هذه الآية مخبراً بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ}.][[38]]

هذا الكلام الذي قدَّمه لنا الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله في غاية الروعة, فهو يُوَضِّح بجلاء أن جميع الرُّسُل والأنبياء قبل محمد r جاؤوا بالإسلام, وقد أوردنا سابقاً آيات كثيرة تثبت ذلك. ليس هذا فحسب, بل انظر جيداً إلى كلام الإمام عن الله U مرة أخرى: [الذي سَدَّ جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد r فمن لقي الله بعد بعثة محمد r بدين على غير شريعته، فليس بمتقبل], وهذا يعني أنه واجب على كل من عاش في زمن النبي محمد r, أو جاء من بعده وسمع به أن يؤمن به, وإلا لأصبح من الخاسرين, وبما أن الله U قد قال عن نبيه r في كتابه الكريم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء : 107], نستطيع أن نقول ببساطة: إنه هكذا رحم الله U العالمين فبعث لهم رسوله الكريم r, لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل ليكون من الفائزين النائلين رحمة الله I ورضاه.

قال الإمام الشافعي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} المعنى السابق نفسه: [فلم يزل ما حرّم اللَّه تعالى على بني إسرائيل – اليهود خاصة، وغيرهم عامة – مُحَرَّماً حيث حرَّمه حتى بعث اللَّه Y محمداً r، ففرض الإيمان به، وأمر بإتِّباع رسوله r، وطاعة أمره، وأعلم خلقه: أن طاعتَه، طاعتُه، وأن دين الإسلام الذي نسخ به كل دين كان قبله، وجعل من أدركه، وعلم دينه، فلم يتبعه كافراً به، فقال: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} الآية, فكان هذا بالقرآن.][[39]]

وقال الإمام البيضاوي رحمه الله: [أي لا دين مرضي عند الله سوى الإسلام وهو التوحيد والتدرع بالشرع الذي جاء به محمد r.][[40]], وقال الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله: [ثم أخبر أيضاً أن الدين الحق الذي لا يقبل تعالى ديناً سواه، هو الإسلام، القائم على مبدأ الانقياد الكامل لله تعالى بالطاعة، والخلوص التام من سائر أنواع الشرك فقال: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ} في حكمه وقضائه الإسلام، وما عداه فلا يقبله ولا يرضاه.][[41]]

وقال الإمام الخازن رحمه الله في تفسيره: [يعني أن الدين المرضي عند الله هو الإسلام كما قال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} وفيه رد على اليهود والنصارى وذلك لما ادعت اليهود أنه لا دين أفضل من اليهودية, وادعت النصارى أنه لا دين أفضل من النصرانية رد الله عليهم ذلك فقال: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}.][[42]], وهذا توضيح من الشيخ لأفضلية الإسلام على النصرانية واليهودية.

وقال الشيخ محمد طاهر عاشور رحمه الله فيقول: [فقوله: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} صيغة حصر، وهي تقتضي في اللسان حصر المسند إليه، وهو الدين، في المسند، وهو الإسلام، على قاعدة الحصر بتعريف جزئي الجملة، أي لا دين إلا الإسلام، وقد أكّد هذا الانحصار بحرف التوكيد.][[43]], وهذا تحليل لغوي رائع يُوَضِّح أن الآية مُحكَمة في معناها.

أما بخصوص تفسير الجزء الثاني من الآية التي تقول: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ} فقال الشيخ الشوكاني رحمه الله: [فيه الإخبار بأن اختلاف اليهود، والنصارى كان لمجرد البغي بعد أن علموا بأنه يجب عليهم الدخول في دين الإسلام بما تضمنته كتبهم المنزلة إليهم.][[44]]

وقال الإمام الطبري رحمه الله: [وما اختلف الذين أوتوا الإنـجيـل، وهو الكتاب الذي ذكره الله فـي هذه الآية فـي أمر عيسى، وافترائِهِم علـى الله فـيـما قالوه فـيه من الأقوال التـي كَثُرَ بها اختلافُهُم بـينَهم وتَشَتَّتَ بها كَلِمَتُهُم، وبـاين بها بعضُهُم بعضاً، حتـى استـحلَّ بها بعضُهُم دماء بعض، {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ العِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} يعنـي: إلا من بعد ما علـموا الـحقّ فـيـما اختلفوا فـيه من أمره وأيقنوا أنهم فـيـما يقولون فـيه من عظيـم الفرية مبطلون. فأخبر الله عبـادَه أنهم أتوا ما أتوا من البـاطل وقالوا ما قالوا من القول الذي هو كفر بـالله علـى عِلْـم منهم بخطأ ما قالوه، وأنهم لـم يقولوا ذلك جهلاً منهم بخطئه، ولكنهم قالوه واختلفوا فـيه الاختلاف الذي هم علـيه، تعدّيا من بعضِهِم علـى بعض، وطلب الرياسات والـملك والسلطان.][[45]]

ويقدِّم لنا الإمام السعدي رحمه الله مُجملاً رائعاً لتفسير الآية فقال: [يخبر تعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ} أي: الدين الذي لا دين لله سواه، ولا مقبول غيره، هو {الإِسْلامُ} وهو الانقياد لله وحده، ظاهرا وباطنا بما شرعه على ألسنة رسله، قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} فمن دان بغير دين الإسلام، فهو لم يدن لله حقيقة، لأنه لم يسلك الطريق الذي شرعه على ألسنة رسله. ثم أخبر تعالى، أن أهل الكتاب يعلمون ذلك، وإنما اختلفوا، فانحرفوا عنه عناداً وبغياً، وإلا فقد جاءهم العلم المقتضي لعدم الاختلاف الموجب للزوم الدين الحقيقي. ثم لما جاءهم محمد r عرفوه حق المعرفة، ولكن الحسد والبغي والكفر بآيات الله هي التي صدتهم عن إتباع الحق.][[46]]

* فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ:

نجد أيضاً أن الله I قد بَيَّن لنا ما يجب على نبيه محمد r أن يفعله إذا حاجَّه أُنَاسٌ من أهل الكتب, وهو أن يُعلن لهم جميعاً أنه أسلم وجهه لله I, هو ومن اتَّبَعَه من المؤمنين به, وأن يسألهم: هل أسلموا أم لا ؟ فإن أسلموا فقد اهتدوا, وإن أعرضوا عن الإسلام, فما على نبينا محمد r إلا أن يُبَلِّغهم رسالة ربه I. قال الله U: {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران : 20]

قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: [يقول: قل لهم: هل أفردتم التوحيد وأخلصتم العبادة والألوهة لرب العالمين، دون سائر الأنداد والأشراك التي تشركونها معه في عبادتكم إياهم وإقراركم بربوبيتهم، وأنتم تعلمون أنه لا ربّ غيره ولا إله سواه. {فَإِنْ أَسْلَمُواْ} يقول: فإن انقادوا لإفراد الوحدانية لله وإخلاص العبادة والألوهة له. {فَقَدِ اهْتَدَواْ}، يعني: فقد أصابوا سبيل الحق، وسلكوا مَحَجَّة الرشد.][[47]]

وقال شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي رحمه الله فيقول: [فإن أسلموا وجوههم الله وصدقوا بما جاء به محمد r فقد اهتدوا إلى طريق الحق، لأن هذا الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للناس وإن أعرضوا عن هذا الطريق المستقيم، فإن إعراضهم لن يضرك – أيها الرسول الكريم – لأن الذي عليك إنما هو تبليغ الناس ما أمرك الله بتبليغه إياهم. وهو – سبحانه – بصير بخلقه لا تخفى عليه خافية من أقوالهم أو أفعالهم، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه.][[48]]

والإمام السعدي رحمه الله قدِّم لنا مُجملاً رائعاً لمعنى الآية فقال: [لما بين أن الدين الحقيقي عنده الإسلام، وكان أهل الكتاب قد شافهوا النبي r بالمجادلة، وقامت عليهم الحجة، فعاندوها، أمره الله تعالى عند ذلك، أن يقول ويعلن: أنه قد أسلم وجهه، أي: ظاهره وباطنه لله، وأن من اتبعه كذلك، قد وافقوه على هذا الإذعان الخالص. وأن يقول للناس كلهم، من أهل الكتاب، والأميين، أي: الذين ليس لهم كتاب، من العرب وغيرهم: إن أسلمتم فأنتم على الطريق المستقيم، والهدى والحق، وإن توليتم فحسابكم على الله، وأنا ليس علي إلا البلاغ، وقد أبلغتكم وأقمت عليكم الحجة.][[49]]

وهكذا نجد مما سبق أن الله U لا يقبل من عباده إلا دين الإسلام, وأي دين سوى الإسلام من الشيطان, وأتباع غير الإسلام من الخاسرين يوم القيامة, فالإسلام وحده هو طريق الهداية, وهو الحق الـمُبِين, وكما قال الله U: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} [يونس : 32], لذلك يجب على كل من لم يُدِن لله U بدين الإسلام, أن يؤمن بمحمد r, خاتم الأنبياء والمرسلين, وأن يُسْلِم وجهه لله I, فإن فعل ذلك فقد أصبح على الطريق المستقيم, وهو بإذن الله U يوم القيامة من الفائزين المقبولين.

* هكذا رحم الله U العالمين وأنعم عليهم:

          إنه هكذا رحم الله U العالمين وأنعم عليهم, فبعث لهم رسوله الكريم r, لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل ليكون من الفائزين النائلين رحمة الله I ورضاه. لقد قلت هذه العبارة سابقاً, وهي ليست عبارة استفزازية للمسيحيين, ولكنه اعتقادي في نبينا الكريم محمد r, ولن أقل لك إن هذه العبارة مستوحاة من آية من آيات القرآن الكريم, بل إنها مستوحاة من سورة كاملة من أعظم سور القرآن الكريم, ألا وهي سورة البَيِّنة:

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} [البينة]

          بعد ما وجدنا أن جميع أنبياء الله U كانوا على الإسلام, وأن محمداً r, كخِتَام لهذه السلسلة الطويلة من النبوات, كان مُسْلِمَاً, فالإسلام ليس دين مُسْتَحْدَثاً نادى به محمد r, وبهذا يكون قد انحرف عن مسار الأنبياء من قبله, بل جاء بنفس عقيدة الأنبياء الذين سبقوه, واختاره الله U ليكون صاحب الشريعة الكاملة الـمُنتظرة من جميع الأمم, ليكون سبب هداية ورحمة للذين كفروا بالله U وانحرفوا عن طريق أنبيائهم الذين أرسلهم الله U لهم, فقال الله U عن هؤلاء: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة : 1]

          قال الإمام أبو القاسم الكَلْبِيّ رحمه الله في تفسير هذه الآية: [ذكر الله الكفار ثم قسمهم إلى صنفين: أهل الكتاب والمشركين، وذكر أن جميعهم لم يكونوا منفكين حتى تأتيهم البينة، وتقوم عليهم الحجة ببعث رسول الله r. ومعنى منفكين: منفصلين، ثم اختلف في هذا الانفصال على أربعة أقوال: أحدها أن المعنى لم يكونوا منفصلين عن كفرهم حتى تأتيهم لتقوم عليهم الحجة.][[50]]

          وقال الإمام الطبري رحمه الله: [معنى ذلك: لم يكن هؤلاء الكفار من أهل التوراة والإنجيل، والمشركون من عَبدة الأوثان {مُنْفَكِّينَ} يقول: منتهين حتى يأتيهم هذا القرآن.][[51]], وذكر أن هذا قول: مُجاهد, وقتادة, وابن زيد رضي الله عنهم. وقال الإمام علاء الدين البغدادي رحمه الله: [وذلك أن الكفار كانوا جنسين أحدهما أهل كتاب وسبب كفرهم ما أحدثوه في دينهم, أما اليهود فقولهم عزير ابن الله وتشبيههم الله بخلقه, وأما النّصارى فقولهم المسيح ابن الله وثالث ثلاثة وغير ذلك][[52]]

وقد أورد الرازي رحمه الله – والذي يُبَجِّله الأنبا بيشوي كثيراً – كلاماً رائعاً فقال: [الكفار كانوا جنسين أحدهما: أهل الكتاب كفرق اليهود والنصارى وكانوا كفاراً بإحداثهم في دينهم ما كفروا به كقولهم: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} و: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّه} وتحريفهم كتاب الله ودينه والثاني: المشركون الذين كانوا لا ينسبون إلى كتاب، فذكر الله تعالى الجنسين بقوله: {الَّذِينَ كَفَرُوا} على الإجمال ثم أردف ذلك الإجمال بالتفضل، وهو قوله: {مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ}.][[53]]

          وقال الإمام السمرقندي رحمه الله: [قول الله تبارك وتعالى {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} يعني اليهود والنصارى {وَالْمُشْرِكِينَ} يعني عبدة الأوثان {مُنفَكِّينَ} يعني غير منتهين عن كفرهم وعن قولهم الخبيث {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} يعني حتى أتاهم البيان فإذا جاءهم البيان فريق منهم انتهوا وأسلموا وفريق ثبتوا على كفرهم.][[54]]

          وقد عَلَّق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على الآية فقال: [فكذلك الذين كفروا لم يكن ليتركهم حتى يبعث إليهم الرسول بالآيات البَيِّنَات. فهذا معنى قوله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة : 1]. وهم إذا جاءتهم البينة منهم من يؤمن, ومنهم من يكفر.][[55]]

          وهكذا نعلم بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك من كفروا من أهل الكتاب, وانحرفوا عمَّا كان عليه أنبياؤهم, وفي هذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [وهذا معلوم بالتواتر أن أهل الكتاب اختلفوا وتفرقوا قبل إرسال محمد r, بل اليهود افترقوا قبل مجيء المسيح u, ثم لما جاء المسيح u اختلفوا فيه, ثم اختلف النصارى اختلافاً آخر. فكيف يُقال: إن قوله {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة : 4] هو فيمن لم يؤمن بمحمد r منهم ؟ وأيضاً فالذين كفروا بمحمد r كفار, وهم المذكورين في قوله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة : 1] وهم تفرقوا واختلفوا فيما جاءت به الأنبياء قبل محمد r, وكفر من كفر منهم قبل إرسال محمد r.][[56]]

          وقد أورد الشيخ عصام الدين الحنفي رحمه الله تعليقات رائعة على تفسير الإمام البيضاوي رحمه الله حول هذه الآية فقال: [قوله: (اليهود والنصارى فإنهم كفروا بالإِلحاد في صفات الله) بيان إطلاق الكافر على أهل الكتب قبل مجيء الرسول أو القرآن مع أنهم آمنوا بكتابهم ونبيهم كما دل عليه قوله تعالى: {حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلْبَيّنَةُ} [البينة: 1] وبين أن كفرهم بالعدول عن الحق في شأن صفاته تعالى لاسيما في التوحيد فإنه قيل إن اليهود مجسمة, ألا يرى أن السامري افترى وقال: {هذا إلهكم وإله موسى} [طه: 88] وهذا بناء على القول بالحلول, والنصارى لقولهم بالتثليث والاتحاد, وأن الله هو المسيح ابن مريم, ومن أسباب كفرهم قول النصارى {ليست اليهود على شيء} [البقرة: 113] وقول اليهود: {ليست النصارى على شيء}.][[57]]

          وهنا نجد رحمة الله U لهؤلاء الذين كفروا وانحرفوا عن الصراط المستقيم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [فقوله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة : 1] بيان منه أن الكفار لم يكن الله ليدعهم ويتركهم على ما هم عليه من الكفر, بل لا يفكهم حتى يرسل إليهم الرسول بشيراً ونذيراً {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم : 31].][[58]]

وقال الإمام علاء الدين البغدادي رحمه الله: [{الْبَيِّنَةُ} أي الحجة الواضحة, يعني محمداً r, أتاهم بالقرآن فبين لهم ضلالتهم, وشركهم وما كانوا عليه من الجاهلية, ودعاهم إلى الإيمان, فآمنوا فأنقذهم الله من الجهالة والضّلالة ولم يكونوا منفصلين عن كفرهم قبل بعثه إليهم.][[59]]

وقد أورد الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله كلاماً مجملاً عن الآية فقال: [{حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} أي: هذا القرآن؛ ولهذا قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} ثم فسر البينة بقوله: {رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً} يعني: محمدًا r، وما يتلوه من القرآن العظيم، الذي هو مكتتب في الملأ الأعلى، في صحف مطهرة كقوله: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [ عبس: 13 -16 ] . وقوله: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} قال ابن جرير: أي في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة: عادلة مستقيمة، ليس فيها خطأ؛ لأنها من عند الله U.][[60]]

ثم أختم بكلام رائع للإمام ابن الجوزي رحمه الله: [والمعنى: لم يكونوا زائلين عن كفرهم وشركهم {حتى تأتِيَهم} أي: حتى أتتهم، فلفظه لفظ المستقبل، ومعناه الماضي. و {البيِّنة} الرسول، وهو محمد r، وذلك أنه بَيَّنَ لهم ضلالهم وجهلهم، وهذا بيان عن نعمة الله على من آمن من الفريقين إذ أنقذهم.][[61]]

وهكذا أستطيع أن أقول مرة أخرى بفخر: إنه هكذا رحم الله U العالمين وأنعم عليهم, فبعث لهم رسوله الكريم r, لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل ليكون من الفائزين النائلين رحمة الله I ورضاه. ورغم كل هذه المحبة الإلهية, نجد أن أهل الكتاب قد رفضوا العودة إلى الصراط المستقيم, وطريق الأنبياء القويم, وهو الإسلام, والله U يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة : 5]

قال الإمام الطبري رحمه الله: [وما أمر الله هؤلاء اليهود والنصارى الذين هم أهل الكتاب إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين; يقول: مفردين له الطاعة، لا يخلطون طاعة ربهم بشرك، فأشركت اليهود بربها بقولهم إن عُزَيراً ابن الله، والنصارى بقولهم في المسيح مثل ذلك، وجحودهم نبوة محمد r.]

وأضاف في تفسير {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}: [يعني أن هذا الذي ذُكِر أنه أُمِر به هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، هو الدين القيمة، ويعني بالقيِّمة: المستقيمة العادلة، (…) وأُنِّثت القيمة، لأنها جُعِلَت صفة للملة، كأنه قيل: وذلك الملة القيِّمة، دون اليهودية والنصرانية.][[62]]

وفي الآية السابقة لفتة رائعة أشار إليها الإمام الطبري رحمه الله, ألا وهي أن ما جاء به محمد r هو الدين الحق الواجب إتِّباعه دون اليهودية والنصرانية. فما هي نتيجة عدم الرجوع للإسلام العظيم, والإيمان به ؟ يقول الله U: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة : 6], فكما أشرنا سابقاً, الكفر هو ضد الإيمان.

نجد في صحيح مسلم: [عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ قَالَ «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».][[63]]

قال الإمام السمرقندي رحمه الله حول تفسير عبارة {الَّذِينَ كَفَرُوا}: [يعني الذين جحدوا من اليهود والنصارى بمحمد r وبالقرآن ومن مشركي مكة وثبتوا على كفرهم {فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} يعني دائمين فيها {أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} يعني شر الخليقة.][[64]]

وقال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: [إن الذين كفروا بالله ورسوله محمد r، فجحدوا نبوّته، من اليهود والنصارى والمشركين جميعهم {فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} يقول: ماكثين لابثين فيها {أَبَدًا} لا يخرجون منها، ولا يموتون فيها {أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} يقول جل ثناؤه: هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، هم شرّ من برأه الله وخلقه.][[65]]

          وهذا دليل واضح على أن الذي يرفض نبوة محمد r, ولا يؤمن به وبما جاء به, فهو كافر, أي غير مؤمن, ومصيره يوم القيامة في نار جهنم خالداً فيها, وهو بهذا قد جعل نفسه مع أسوأ خلق الله وأشَرَّهم, لأنهم لم يقبلوا الحق المبين, الذي لا شك فيه ولا ريب. أما الذين آمنوا بمحمد r وما جاء به فيقول الله U عنهم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة : 7]

          قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: [إن الذين آمنوا بالله ورسوله محمد، وعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله فيما أمر ونهى {أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} يقول: من فعل ذلك من الناس فهم خير البرية.][[66]]

وقال الإمام السمرقندي رحمه الله: [ثم مدح المؤمنين ووصف أعمالهم وبين مكانهم في الآخرة حتى يرغبوا إلى جواره فقال {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} يعني صدقوا بالله وأخلصوا بقلوبهم وأفعالهم وهم أصحاب النبي r ومن تابعهم إلى يوم القيامة {أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} يعني هم خير الخليقة.][[67]]

          هكذا نكون قد بيَّنا الأمور جيداً, فهناك طريق الذين آمنوا وعملوا الصالحات, وهم خير البرية, وهناك طريق الذين كفروا ورفضوا الإسلام واتبعوا أي دين آخر غير مقبول عند الله U, وهم شر البرية. لا نستطيع أن نخلط الأوراق على الناس ونقول أن الإسلام مطابق للمسيحية, في الوقت الذي نجد فيه آيات صريحة في القرآن الكريم تُخبرنا بأن هناك فَرْق بين العقائد المختلفة, وهناك دين واحد ارتضاه الله لعباده وهو دين الإسلام.

ولمن لا يعلم, فكلمة “كفر” أو “كافر” ليست مَسَبَّة أو شتيمة, وإنما كل من لم يؤمن بشيء فهو كافر به, وهذا ما نجده في معاجم اللغة, ففي تاج العروس: [الكُفْرُ ، بالضَّمِّ : ضِدُّ الإيمان (…) قال بعض أهل العلم: الكُفْر على أَربعةِ أَنحاءٍ: كُفْرُ إنكارٍ، بأَن لا يعرفَ اللهَ أَصلاً ولا يعترف به، وكُفرُ جُحود، وكُفر مُعانَدَة، وكُفرُ نفاق، من لقيَ ربَّهُ بشيءٍ من ذلك لم يَغْفِرْ له، ويغفِرُ ما دونَ ذلكَ لِمَنْ يشاءُ.][[68]], وهذا الكلام نفسه موجود في لسان العرب.[[69]]

هذه من الناحية اللغوية, ومن الناحية الشرعية قال الإمام السعدي رحمه الله ببساطة: [وحقيقة الكفر: هو الجحود لما جاء به الرسول، أو جحد بعضه، فهؤلاء الكفار لا تفيدهم الدعوة إلا إقامة الحجة، وكأن في هذا قطعا لطمع الرسول r في إيمانهم، وأنك لا تأس عليهم، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات.][[70]], وهذا ما نجده في المُعجم الوسيط: [(كَفَرَ) الرجُلُ – كُفْراً, وكُفْرَاناً: لم يؤمن بالوحدانية, أو النبوة, أو الشريعة, أو بثلاثتها.][[71]]

المسلمون في غاية الصراحة والوضوح, ولا نماري أحداً, ونقولها وإن كانت موجعة لغير المسلمين, ولكنه الحق الذي يجب عليك أن تعمل على أساسه, إن لم تكن مؤمناً بأن الإسلام هو دين الله الحق والوحيد, وأنه ولا يوجد دين على وجه الأرض الآن تدخل باعتناقك إياه الجنة سوى الإسلام, فللأسف لن تدخل الجنة إن مِتّ على رفضك للإسلام, وكفرك به وبمحمد r الذي جاءك به, وأنت يوم القيامة من الخاسرين.

أحب أن أختم بكلام الإمام شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله الرائع: [وَبِالْجُمْلَةِ فَدِينُ الْحَنِيفِيَّةِ الَّذِي لَا دِينَ لِلَّهِ غَيْرُهُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَدْيَانِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا دِينَ فِي الْأَرْضِ غَيْرُهَا – أَخْفَى مِنَ السُّهَا تَحْتَ السَّحَابِ، وَقَدْ نَظَرَ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ شَمْسَ الرِّسَالَةِ فِي حِنَادِسِ تِلْكَ الظُّلَمِ سِرَاجًا مُنِيرًا، وَأَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ نِعْمَةً لَا يَسْتَطِيعُونَ لَهَا شُكْرًا، وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا أَكْمَلَ الْإِشْرَاقِ، وَفَاضَ ذَلِكَ حَتَّى عَمَّ النَّوَاحِيَ وَالْآفَاقَ، وَانْشَقَّ الْقَمَرُ أَتَمَّ الِانْشِقَاقِ، وَقَامَ دِينُ اللَّهِ الْحَنِيفُ عَلَى سَاقٍ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ الَّذِي أَنْقَذَنَا بِمُحَمَّدٍ r مِنْ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ، وَفَتَحَ لَنَا بِهِ بَابَ الْهُدَى فَلَا يُغْلَقُ إِلَى يَوْمِ الْمِيقَاتِ، وَأَرَانَا فِي نُورِهِ أَهْلَ الضَّلَالِ وَهُمْ فِي ضَلَالِهِمْ يَتَخَبَّطُونَ، وَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، وَفِي جَهَالَتِهِمْ يَتَقَلَّبُونَ، وَفِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ، يُؤْمِنُونَ وَيَعْدِلُونَ وَلَكِنْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، وَيَعْمَلُونَ وَلَكِنْ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ وَيَسْجُدُونَ وَلَكِنْ لِلصَّلِيبِ، وَالْوَثَنِ وَالشَّمْسِ يَسْجُدُونَ.][[72]]

المُسَمَّيات العريضة والتفاصيل الفرعية

          مما سبق تبين لنا بجلاء أن الإسلام هو دين الله الحق, كما قال الله U: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة : 33], فإن الإسلام هو دين الرحمن وما عداه من الشيطان, وقد استفضنا في الحديث حول هذا الأمر, ووضَّحنا أن على الكتابيّ, سواء كان يهودياً أو نصرانياً, أن يُؤمن بنبوة ورسالة محمد r, وأن يقبل الإسلام الذي جاء به, فإن آمن وقَبِل كان من الفائزين المقبولين, وإن كَفَر ورَفَض كان من الخاسرين المرفوضين.

          أنا أعلم جيداً أن هذا الكلام مُزعج لغير المسلمين, وقد يُعْتَبر هجوماً, ولكنه كلام منطقي وسليم جداً, نستطيع أن نقوم بتلخيصه في جملة واحدة, ألا وهي: الحق واحد لا يتعدد, فمن كان مع الحق كان فائزاً, ومن ترك الحق ورفضه كان خاسراً. أهل الإسلام يقولون أن الإسلام هو الحق, وأهل المسيحية يقولون أن المسيحية هي الحق, وأهل اليهودية يقولون أن اليهودية هي الحق, وهكذا.

          وقد حكى الله U عن هذا فقال: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [البقرة : 135]. قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير هذه الآية: [وقالت الـيهود لـمـحمد r وأصحابه من الـمؤمنـين: كونوا هوداً تهتدوا، وقالت النصارى لهم: كونوا نصارى تهتدوا. تعنـي بقولها تهتدوا: أي تصيبوا طريق الـحقّ.][[73]], فكلٌ يَدَّعي وصلاً بليلى, وليلى لا تُقِرُّ لهم بذاك.

          وقال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير قوله تعالى {قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}: [احتج الله لنبيه r أبلغ حجة وأوجزها وأكملها، وعَلَّمَها محمداً نبيه r فقال: يا محمد، قل – للقائلين لك من اليهود والنصارى ولأصحابك: {كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ} -: بل تعالوا نتبع ملة إبراهيم التي يجمع جميعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي ارتضاه واجتباه وأمر به – فإن دينه كان الحنيفية المسلمة – وندع سائر الملل التي نختلف فيها، فينكرها بعضنا، ويقر بها بعضنا. فإن ذلك – على اختلافه – لا سبيل لنا على الاجتماع عليه، كما لنا السبيل إلى الاجتماع على ملة إبراهيم.][[74]]

          هذا يؤكد ما قلناه سابقاً من أن دين جميع الأنبياء هو الإسلام, وانحرف الناس عن الإسلام إلى عقائد وأديان أخرى تحتوي على الباطل, ولكن الله U اختار إبراهيم u في هذه الآية لأنه – وكما قال الإمام الطبري رحمه الله – مُتَّفق عليه بين اليهود والنصارى, فقد كان قبلهم وهو أبو الأنبياء u, وقد أعلن القرآن مراراً وتكراراً – وقد ذكرنا بعضاً من هذه الآيات – أن محمداً r كان على دين إبراهيم u, وهو الإسلام, فمن كان على غير الإسلام كان على الباطل, سواء كان نصرانياً أو يهودياً.

          كل ما سبق لن يسمح باتفاق بيننا وبين الأنبا بيشوي, فالاتفاق عنده هو أن نتخلى عن عقائدنا مع بقائنا مسلمين, أو أن نعتنق المسيحية ! ولكن ما أريد توضيحه هو الآتي: هناك اختلافات عقائدية كبيرة جداً بيننا وبين المسيحيين, والحل يكمُن في معرفة عقيدة الآخر كما هي فعلاً, لا أن يَعْرِض كل منَّا للآخر صورة زائفة عن دينه لمجرد أن ينال إعجابه, فإن عَرِفَ شخصٌ ما الحق, فليذهب إليه دون تردد, وإن لم يشأ أن يُبَدِّل دينه, فإننا كمسلمين نتعامل مع الآخر بما أمرنا الله U به في كتابه الكريم: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة : 8]

نحن لا نقبل أن يخلط أحدٌ الأوراق على الناس ويقول أن الإسلام يُطابق المسيحية, أو أن الخلاف في آية واحدة فقط, بينما الحقيقة هي أن الإسلام والمسيحية بينهما اختلافات عديدة من البداية إلى النهاية. فإن عقيدة المسلم في الله U تختلف عن عقيدة المسيحي, وعقيدة المسلم في المسيح u تختلف عن عقيدة المسيحي, وهكذا, وهذا ما سنقوم بإثباته فيما بعد, ولكنني أقول ببساطة: المسلم والمسيحي يؤمنان بالله, ولكن هناك اختلافات جوهرية بين إيمان كل منهما, والمسلم والمسيحي يؤمنان بالمسيح ابن مريم u, ولكن هناك اختلافات جوهرية بين إيمان كل منهما, بمعنى أن المسلم والمسيحي يتفقان في الـمُسَمَّيات العريضة, ويختلفان في التفاصيل الموجودة تحت هذه الـمُسَمَّيات, ولكننا لا نستطيع أبداً أن نقول أن هناك تطابق بين الاثنين.

هذا الاتفاق في الـمُسَمَّيات العريضة موجود, ولابد له أن يوجد, لأن المسلم يعتقد – كما قلنا سابقاً – أن دعوة جميع الأنبياء كانت واحدة, فقد جاؤوا جميعاً بالإسلام, ولكن انحرف بعض الناس عن دعوة الأنبياء إلى عقائد ابتدعوها هم, ما أنزل الله بها من سلطان, فلأن النصارى هم الذين انحرفوا عن الإسلام من بعد المسيح u, واليهود هم الذين انحرفوا عن الإسلام من بعد موسى u, نجد هذه الـمُسَمَّيات العريضة التي نتفق عليها مثل: (الله, المسيح, موسى, الخ), لأن اليهود والنصارى كانوا على الإسلام مثلنا ولكنهم انحرفوا عنه, وهذه الانحرافات أنتجت الاختلافات, والتي هي التفاصيل الموجودة تحت هذه الـمُسَمَّيات العريضة. اسأل الله U أن يجعل كلامي هذا سهلاً يسيراً على الجميع.

أريد من الجميع أن يفهم جيداً أنه عندما أقول أن الاختلافات الموجودة بين الإسلام والمسيحية اختلافات فرعية تحت مُسَمَّيات عريضة, فهذا لا يعني أن هذه الاختلافات يُمكن لنا أن نتجاهلها ونقول أن الإسلام مثل المسيحية, بل إنني أقول إن الاتفاق قد يكون في الاسم فقط, بمعنى أن المسلم يعتقد أن إلهه هو الله U, وأن المسيحي يعتقد أن إلهه هو الله U, ولكن كل ما يعتقده المسلم في الله U, أو أغلب اعتقاده في الله U, مختلف تماماً عمَّا يعتقده المسيحي في الله U.

فلو أننا نظرنا إلى الفترة الزمنية الموجودة بين رفع المسيح u إلى السماء وبعثة النبي محمد r, سنجد أن هناك العديد من الانحرافات العقائدية الجسيمة, والتي تصل غالباً إلى حد الكفر والخروج عن ملة الإسلام بالكلية, باعتبار أن المسيح u ترك أتباعه على الإسلام. من هذه العقائد الكفرية التي أخبرنا الله U بها في القرآن الكريم: الاعتقاد بأن المسيح u هو الله, وأنه ابن الله, والاعتقاد بأن الله I آب وابن وروح قدس, وأن وهؤلاء الثلاثة واحد.

هذه العقائد تعتبر في حكم الإسلام انحرافات جسيمة تصل إلى درجة الكفر, فيُصْبِح صاحبها من الخاسرين يوم القيامة. هذا قبل بعثة محمد r, ولكن الله U قد أعطى لأصحاب هذه العقائد الـمُنْحَرِفة عن الحق فرصة أخرى لتصحيحها ليرجعوا إلى الإسلام العظيم؛ فبعث الله U إليهم محمداً r, والذي دَلَّ اليهود والنصارى على انحرافاتهم العقائدية وقام بتصحيحها لهم ليرجعوا إلى صراط الله المستقيم.

فمن بعد بعثة محمد r, يكفي فقط أن ترفض نبوته وإرساليته r لتكون من الكافرين الخاسرين يوم القيامة, فأنا أقولها صراحة, وهذا القول مبني على القرآن الكريم – كما وضحنا سابقاً – أنه لو وُجِد في يومنا هذا شخص يُوافق الإسلام في أفعاله من بدايته إلى نهايته, ولكنه أنكر نبوة محمد r, فإنه هكذا قد كَفَر بالبَيِّنَة التي أرسلها الله U للناس أجمعين, ووقع عليه قول الله U في سورة البينة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة : 6], فإن هذه السورة من بدايتها إلى نهايتها تتحدث عن الخط الفاصل في تاريخ البشرية, ألا وهو بعثة محمد r, فمن آمن به دخل الجنة, ومن كفر به دخل النار خالداً فيها.

الطعن في القرآن بسبب تكفير من عبد المسيح u

          من الكُفْر الذي وقع فيه النصارى قبل بعثة محمد r هو الاعتقاد بأن الله U نزل إلى الأرض عن طريق التجَسُّد, فأصبح هو المسيح عيسى ابن مريم u الذي جاع وأكل وشرب وتألم ونام وقام الخ. وقد قال الله U في كتابه الكريم: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة : 17 و 72]

          وقد تكلم الأنبا بيشوي عن هذه الآية الكريم فقال:

[ثم قلت لهم أنه لابد أن يكون الحديث في صراحة دون هجوم, لأن هناك نصوص أخرى لست أدري إن كانت قيلت وقتما قال نبي الإسلام القرآن أم أنها أضيفت فيما بعد في زمن متأخر, أنا لا أدري, لكم أنتم أن تبحثوا هذا الأمر, وهذه مسئوليتكم, لكن أن يقال: “لقد كفر الذين قالوا أن المسيح هو الله” هنا لن يكون هناك اتفاق, فهل قيلت هذه العبارة أثناء بعثة نبي الإسلام, أم أضيفت أثناء تجميع عثمان بن عفان للقرآن الشفوي وجعله تحريري, لمجرد وضع شيء ضد النصارى, لا أعرف, وهناك نصوص أخرى تشبه هذا النص لكن هذا النص ذُكِر مرتين.][[75]]

وفي كلام الأنبا بيشوي نقاط مهمة كثيرة ألا وهي:

  1. اقتباس خاطئ للآية الكريمة, فهو يقول: “لقد كفر الذين قالوا أن المسيح هو الله“.
  2. قال أن عثمان بن عفان t قام بتجميع القرآن “الشفوي” وجعله “تحريري” !
  3. اتهام المسلمين بشكل غير مُباشر بتحريف قرآنهم لمجرد مهاجمة النصارى !

أولاً: أحب أن أُذَكِّر الناس بأن الأنبا بيشوي لا يتساءل من أجل الحصول على إجابات, بل إنه يقوم بصياغة انتقاداته في هيئة تساؤلات, حتى يَتَسَنَّى له فرصة نشر هذه الأفكار بدون أن يقول الناس عنه أنه يُهاجم الإسلام, أو أنه يقوم بنشر الشبهات, وهذا ما قاله هو بنفسه: [هكذا يكون الحوار والشرح والتفاهم الذي يجعل الآخر يبحث داخل ذهنه ويفتش حتى يلغي آية تتهمنا بالكفر, وهذا لأني لم أهاجمه, طرحت نقدي بطريقة تساؤل وإذ به يحاول أن يجد حلاً.][[76]]

ثانياً: إذا كان الأنبا بيشوي يطرح نقده في هيئة تساؤل, فلابد أن يكون نقده مبني على دراسة وبحث, ولكننا على النقيض تماماً, نجد أن الأنبا بيشوي لا يستطيع حتى أن يقتبس الآية التي ينقدها بشكل صحيح ! ثم إنه لا يُدرك أصلاً طبيعة عمل عثمان بن عفان t فيقول أنه كان يجمع القرآن الشفوي ويجعله تحريري ! العجيب والغريب أن الأنبا بيشوي يغضب من الذين ينتقدون بدون دراسة وبدون مرجعية علمية, وهو لم يقم إلا بهذا ! سبحان الله العظيم.

ثالثاً: الأنبا بيشوي يتَّهِم المسلمين بشكل غير مُباشر بتحريف قرآنهم لمجرد مهاجمة النصارى, وكأن القرآن الكريم لا يحتوي على أي آيات تنتقد وتُفَنِّد العقائد المسيحية إلا هذه الآية ! مع أن هذا ما نقرأه عن المسيحيين عندما كانوا يتعاملون مع الكتاب المقدس, فهم الذين كانوا يقومون بتغيير نص كتابهم بسبب وبغير سبب ! فهل تحقق في الأنبا بيشوي المقولة المشهورة: “رَمَتْنِي بِدَائهَا وانسَلَّت” ؟

انظروا إلى ما قاله المهندس المسيحي رياض يوسف داود: [كان الكتاب يُنْسَخ نَسْخ اليد في بداية العصر المسيحي, وكانوا ينسخون بأدوات كتابية بدائية, عن نُسَخ منسوخة, ولقد أدخل النُّسَّاخ الكثير من التبديل والتعديل على النصوص, وتراكم بعضه على بعضه الآخر, فكان النص الذي وصل آخر الأمر مُثْقَلاً بألوان التبديل التي ظهرت في عدد كبير من القراءات؛ فما إن يصدر كتاب جديد حتى تنشر له نُسْخَات مشحونة بالأغلاط.][[77]]

          العجيب والغريب جداً هو أن الأنبا بيشوي قد نفى فيما سبق أن النصارى على الاعتقاد الذي تقوم الآية بتكفيرها ! فقد قامت جريدة الدستور بنقل هذه الأقوال عنه: [الأنبا بيشوي: من يقول إن المسيح هو الله مشرك. أكد الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس, ورئيس لجنة المحاكمات الكنسية, أن المسيحية تحارب الشرك بالله, وترفض تأليه الإنسان, ورفعه ليُعبد مثل الله. وأن المسيحية تؤمن بأن الله واحد لا شريك له. وأن من يقول إن المسيح هو الله هو بذلك يشرك بالله, مستنكراً من ينادون بعبادة المسيح وكأنه الإله.][[78]]

صورة من جريدة الدستور – الأحد 3 يونيو 2007

1

          لقد أخبرني أحد الإخوة بأن الأنبا بيشوي قد قام بتكذيب هذا الخبر, ولكنني لم أجد هذا التكذيب في أي مكان ! وأعتقد أنه يجب عليه فعلاً تكذيب الخبر, وإلا لأصبح كافراً في اعتبار المسيحيين أيضاً بالإضافة إلى المسلمين !

انظروا إلى هذه الأقوال الـمُختارة لاثنين من أكبر آباء الكنيسة عبر الأزمنة والعصور, وتذكروا إنني ما نقلت لكم مثل هذه الأقوال الكفرية إلا لبيان أن النصارى فعلاً قبل بعثة محمد r وقعوا في الكفر المذكور في الآية, وهو الاعتقاد أو القول بأن الله U هو المسيح ابن مريم u.

* الكُفر البَشِع:

          كيرلس الكبير المدعو قديساً, ويُدعى أيضاً بـ “عمود الدين”, وُلِد حوالي 375م, وأُقيم بطريركاً لكرسي الإسكندرية خلفا لخاله ثيئوفيلس المدعو قديساً في عام 412م, وتوفى في عام 444م.[[79]] قال في كتابه “تجسد الابن الوحيد” أو “تعاليم في تجسد الوحيد” كلاماً عجيباً غريباً يُوَضِّح بشاعة هذا الكفر:

[إن المسيح جاع, وتعب من السفر, ونام في السفينة, ولُطم من الخدام, وجُلد من بيلاطس, وتُفل عليه من العسكر, وطُعن بالحربة في جنبه, وقَبِلَ في فمه خلاً ممزوجاً بمُرّ؛ بل وذاق الموت محتملاً الصليب وإهانات أخرى من اليهود. ونحن نرفض أن نُقسِّم عمانوئيل إلى إنسان من جهة وإلى اللوغوس من جهة أخرى, ولكننا إذ علمنا أن اللوغوس قد صار إنساناً بالحقيقة مثلنا فنحن نقر أنه هو هو بعينه إله من إله, وبحسب بشريته إنسان مثلنا مولود من امرأة, فنحن نعترف إذاً أنه من حيث أن الجسد كان له خاصة, فقد تألم هو – اللوغوس المتجسد – بجميع هذه الآلام, ومع ذلك فقد حفظ طبيعته الخاصة – أي لاهوته – في غير ألم, لأنه لم يكن إنساناً مُجَرَّداً, بل كان هو نفسه بعينه إلهاً بطبعه. وكما أن الجسد كان له خاصة, هكذا أيضاً آلام الجسد الطبيعية التي لا لوم فيها صارت له خاصة.][[80]]

          هنا يجب التنبيه على أن كيرلس الكبير يقصد “الله الكلمة” بـ “اللوغوس”, فمن المعلوم أن النصارى يقولون بالتثليث, وهو أن الإله ثلاثة: آب, وابن, وروح قدس, وكل واحد من هؤلاء الثلاثة يُعتبر الله. الآن انظر مرة أخرى إلى هذه العبارة: “فقد تألم هو – اللوغوس المتجسد – بجميع هذه الآلام”, قم بتبديل كلمة “اللوغوس” بكلمة “الله” لتصبح العبارة: “فقد تألم هو – الله المتجسد – بجميع هذه الآلام”, فقد نسبوا الآلام والإهانات لله U, {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً} [الإسراء : 43], أرأيتم مدى بشاعة الاعتقاد ؟!

          أثناسيوس المدعو قديساً, والذي يُدعى أيضاً بـ “الرسولي”, والذي أُقيم بطريركاً لكرسي الإسكندرية في عام 328م[[81]], قد قال أيضاً كلاماً صريحاً يُعلن فيه هذه العقيدة الكفرية العجيبة, ألا وهي إن الله U, الإله المعبود, هو المسيح u:

[“نعترف بابن الله المولود من الآب, خاصياً أزلياً قبل كل الدهور, ووُلِد من العذراء بالجسد في آخر الزمان, من أجل خلاصنا, وهذا الواحد هو الإله, وهو ابن الله بالروح, وهو ابن الإنسان بالجسد, ولسنا نقول عن هذا الابن الواحد انه طبيعتان واحدة نسجد لها وأخرى لا نسجد لها, بل طبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد ونسجد له مع جسده سجدة واحدة, ولا نقول باثنين واحد هو ابن الله بالحقيقة وله نسجد وآخر هو إنسان من مريم ولسنا نسجد له, وأنه صار ابن الله بالموهبة مثل البشر, بل الذي هو من الله هو الله“.][[82]]

          وقال أثناسيوس أيضاً في كتابه المعروف للجميع “تجَسُّد الكلمة” عبارة صريحة وواضحة: [اعترفت كل الخليقة أن من ظهر وتألم في الجسد لم يكن مُجرد إنسان, بل ابن الله ومُخَلِّص الجميع, فالشمس توارت, والأرض تزلزلت, والجبال تشققت, وارتعب كل البشر. جميع هذه الأمور أوضحت أن المسيح الذي على الصليب هو الله, وأن الخليقة كلها خاضعة كعبد له, وأنها شهدت برعبها لحضور سيدها, وهكذا أظهر الله الكلمة نفسه للبشر بأعماله.][[83]]

          انظروا بالله عليكم مرة أخرى إلى هذه العبارات: “المسيح الذي على الصليب هو الله”, “أظهر الله الكلمة نفسه للبشر بأعماله”, “وهذا الواحد هو الإله”, “طبيعة واحدة لله الكلمة المتجسد ونسجد له مع جسده سجدة واحدة”, “فنحن نقر أنه هو هو بعينه إله من إله”, “فقد تألم هو – اللوغوس المتجسد – بجميع هذه الآلام”, “كان هو نفسه بعينه إلهاً بطبعه”.

          هذه هي المسيحية التي أنكرها الأنبا بيشوي من قبل – بحسب ما ورد في جريدة الدستور – والآن يريد منَّا أن نلغي الآية التي تعلن هذا الكُفْر الذي لا يقبله أي إنسان يعرف الله U حق المعرفة, ويريد الأنبا بيشوي أن يُشكك في وقت كتابة الآية, هل كانت في زمن النبي محمد r, أم تم إضافة الآية في زمن عثمان بن عفان t ؟!

* وقت نزول الآية {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}:

          قد يجهل الأنبا بيشوي أن المسلمين يعرفون جيداً كل صغيرة وكبيرة عن كتابهم المقدس بحق, فنحن نعلم جيداً وقت نزول آيات القرآن الكريم, ومناسبة نزول كل آية ! وهكذا نجد عن عبد الله بن مسعود t في صحيح البخاري: [وَاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ, مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ, إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ, وَلاَ أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ, إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّى بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ.][[84]]

وهكذا نجد العديد من علماء المسلمين الذين قاموا بذكر سبب نزول الآية منهم: الإمام الطبري رحمه الله[[85]], والإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله[[86]], والإمام السيوطي رحمه الله[[87]], والرواية هي:

[بلغنا أنّ نصارى أهل نجران قدم وفدُهم على النبي r، فيهم السيد والعاقبُ، وهما يومئذ سيدا أهل نجران، فقالوا: “يا محمد، فيما تشتمُ صاحبنا ؟” قال: “من صاحبكما !”, قالا: “عيسى ابن مريم، تزعم أنه عبد !”, قال رسول الله r: “أجل، إنه عبدُ الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه”. فغضبوا وقالوا: “إن كنت صادقًا فأرنا عبدًا يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه – الآية – لكنه الله”. فسكتَ حتى أتاه جبريلُ فقال: “يا محمد: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [سورة المائدة: 17 و 72] الآية”، فقال رسول الله r: “يا جبريل، إنهم سألوني أن أخبرَهم بمثَل عيسى”. قال جبريل: “مثلُ عيسى كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له: كُن فيكون”. فلما أصبحوا عادُوا، فقرأ عليهم الآيات.]

          وذَكَرَ لنا أيضاً الإمام الجوزي رحمه الله قول عبد الله ابن عباس t بخصوص من نزلت فيهم الآية فقال: [قال ابن عباس: هؤلاء نصارى أهل نجران وذلك أنهم اتخذوه إلهاً.][[88]], وأيضاً ذَكَرَ مُقاتِل t سبب نزول الآية: [نزلت في نصارى نجران الماريعقوبيين، منهم السيد والعاقب وغيرهما، قالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم.][[89]]

          والآن, وبعد أن بيَّنا للناس أن المسلمين يعلمون جيداً أن الآية نزلت في زمن النبي محمد r, سنقوم ببيان الخطأ العلمي الرهيب الذي وقع فيه الأنبا بيشوي, وهو قوله: [تجميع عثمان بن عفان للقرآن الشفوي وجعله تحريري], فإن عثمان بن عفان t لم يقم بجمع القرآن الكريم, بل قام بذلك أبو بكر الصديق t, وحتى عندما قام أبو بكر الصديق t بجمع القرآن الكريم, لم يجمع الحفاظ ليقوموا بإملاء القرآن على الكتبة فيحولوه من حالة شفوية إلى حالة تحريرية أو مكتوبة, بل قام بجمع ما تم كتابته في عصر النبي محمد t وأعاد كتابته في مصحف.

* ما كُتب في مصحف عثمان t كان مكتوباً في عهد النبي r:

          هناك أدلة كثيرة على أن القرآن الكريم كان يُكتب في زمن النبي محمد r, ولكنني سأكتفي بما ورد في صحيح البخاري: [عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ النَّبِيُّ r « ادْعُ لِي زَيْدًا وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ – أَوِ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ – ثُمَّ قَالَ « اكْتُبْ لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ » وَخَلْفَ ظَهْرِ النَّبِيِّ r عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الأَعْمَى قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنِي فَإِنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فِي سَبِيلِ اللَّهِ {غَيْرُ أُولِى الضَّرَرِ}.][[90]]

          ونجد في شرح صحيح البخاري لابن بطَّال كلاماً رائعاً: [قال أبو بكر بن الطيب : فيه أن النبي u سَنَّ جمع القرآن وكتابته وأمر بذلك وأملاه على كتبته، وأن أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وزيد بن ثابت وجماعة الأمة أصابوا في جمعه وتحصينه وإحرازه، وجروا في كتابته على سنن الرسول وسنته، وأنهم لم يثبتوا منه شيئًا غير معروف، وما لم تقم الحجة به.][[91]]

          ونجد أيضاً في صحيح البخاري الدليل والواضح على أن ما تم جمعه في عصر أبي بكر الصديق t كان مكتوباً أصلاً في زمن النبي محمد r. الحديث طويل جداً ولكنني سأذهب مباشرة إلى كلام زيد بن ثابت t حول تكليفه بجمع القرآن الكريم: [فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَىَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ, قُلْتُ: “كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ r ؟”, فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: “هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ”، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللَّهُ لَهُ صَدْرَ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} إِلَى آخِرِهِمَا، وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِى بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ.][[92]]

          هذا الحديث يذكر أربعة مصادر جمع منهم زيد بن ثابت t القرآن الكريم:

  1. الرقاع: في لسان العرب نجد: [والرُّقْعةُ ما رُقِع به وجمعها رُقَعٌ ورِقاعٌ والرُّقْعة واحدة الرِّقاع التي تكتب.][[93]], أي إنه لفظٌ عام لكل ما يُكتب عليه سواء كان من قماش أو غيره.
  2. الأكتاف: أي عظام الكتف العريضة الخاصة بالجمال أو غيرها من الحيوانات, تُجَهَّز للكتابة عليها.
  3. العُسُب: في تاج العروس نجد: [العَسِيبُ: جَرِيدةٌ من النَّخْل مُسْتَقِيمَةٌ دَقِيقَةٌ يُكْشَطُ خُوصُها. أَنشد أَبو حنيفة: وقَلَّ لَهَا مِنّي على بُعْدِ دَارِهَا, قَنَا النَّخْلِ أَو يُهْدَى إِلَيْكِ عَسِيبُ. (…) جَمْعُه أَعْسِبَةٌ عُسُبٌ.][[94]]
  4. صدور الرجال: أي ما يحفظه المؤمنون من القرآن الكريم في صدورهم.

وقد علمنا من علمائنا الأفاضل, ومن الشواهد التاريخية, أن زيد بن ثابت t جمع القرآن من المصادر المكتوبة وقام بمراجعتها مع المحفوظ في صدور المؤمنين, ولم يكن يقبل أي آية إلا إذا كانت مكتوبة في عهد نبينا محمد r, والدليل في هذا ما قاله زيد بن ثابت t نفسه, عندما لم يجد آيتين من سورة التوبة. كيف عرف زيد بن ثابت t أن هناك آيتان مفقودتان ؟ لأنه يحفظ القرآن الكريم, فعندما وجدهما مع خزيمة الأنصاري t قام بكتابتهما.

وهناك حديث آخر في صحيح البخاري يُوَضِّح بجلاء أنه كان لابد من وجود الآية مكتوبة لتدوينها في المصحف, وليس فقط الحفظ في الصدر, فعن زيد بن ثابت t أنه قال: [نَسَخْتُ الصُّحُفَ فِي الْمَصَاحِفِ، فَفَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ، كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقْرَأُ بِهَا، فَلَمْ أَجِدْهَا إِلاَّ مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ ، وَهْوَ قَوْلُهُ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}.][[95]]

          فهنا نجد العبارة واضحة: “كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقْرَأُ بِهَا”, أي أنه يعلم الآية جيداً, ولكنه لم يجدها في مصدر مكتوب إلا مع الصحابي خزيمة بن ثابت الأنصاري t. هنا نستطيع أن ننقل كلام الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله الذي قال: [الواو بمعنى “مع”, أي أكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدر.][[96]], وأيضاً كلام الإمام المباركافوري رحمه الله الذي قال: [الواو بمعنى “مع”, أي اكتبه من المكتوب الموافق للمحفوظ في الصدور.][[97]]

          هكذا انتهينا من المرحلة الأولى, ألا وهي جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق t, فقد تم تكليف زيد بن ثابت t, وقام بجمع القرآن الكريم كاملاً من مصادر مكتوبة, وقام بمراجعتها على ما يحفظه المؤمنون في صدورهم, وهكذا أصبح القرآن الكريم لأول مرة, كتاباً مجموعاً بين دفَّتين. فما الذي فعله عثمان بن عفان t إذاً ؟ لقد قام فقط بعمل نُسَخ جديدة من المصحف الذي تم جمعه في عصر أبي بكر الصديق t, وقام بتوزيع هذه النسخ على البلاد الإسلامية المختلفة.

          نجد في صحيح البخاري الحديث المشهور جداً الآتي: [حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ, وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّأْمِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ, فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلاَفُهُمْ فِي الْقِرَاءَةِ, فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: “يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلاَفَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى”, فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى حَفْصَةَ أَنْ أَرْسِلِي إِلَيْنَا بِالصُّحُفِ نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدُّهَا إِلَيْكِ, فَأَرْسَلَتْ بِهَا حَفْصَةُ إِلَى عُثْمَانَ, فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ, وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ, وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ, وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ, فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ.][[98]]

          هكذا أصبح الأمر واضحاً تماماً, أراد عثمان بن عفان t أن يُوَفِّر للمسلمين نُسخاً مكتوبة من القرآن الكريم يُمكنهم الرجوع إليها عند حدوث أي اختلاف, حتى لا يصيب المسلمين ما أصاب اليهود والنصارى ! فمن المعلوم أنه لا توجد مخطوطتان للكتاب المقدس متطابقتان, والمخطوطات هي المصدر الوحيد لأخذ نص الكتاب المقدس, فلا يوجد عند أهل الكتاب حفظ الصدر, وسنستفيض في هذا لاحقاً.

          إذن, ما كان على عثمان بن عفان t إلا أن يأتي بالمصحف الموجود عند حفصة رضي الله عنها, فإنه مكتوب في الحديث الأول: “وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ عِنْدَ أَبِى بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ”. وهكذا أرسلت أمُّنَا حفصة رضي الله عنها المصحف إلى عثمان بن عفان t, والذي بدوره أمر زيد بن ثابت t, الذي كتب هذا المصحف أصلاً, ومعه صحابة آخرين, بأن يقوموا بنسخ المصحف في مصاحف جديدة.

وهكذا نستطيع أن نُلَخِّص الموضوع في النقاط الآتية:

  1. القرآن الكريم كان يُكتب في زمن النبي محمد r.
  2. قام أبو بكر الصديق t بجمع ما تم كتابته في زمن النبي محمد r.
  3. قام عثمان بن عفان t بعمل أكثر من نسخة من المصحف الذي تم جمعه في عصر أبي بكر t.
  4. الاستنتاج الطبيعي: ما نجده في مصحف عثمان بن عفان t لابد وأنه يقيناً كان مكتوباً في عهد النبي محمد r.

اعتقد أن الأمر في غاية السهولة واليسر, ولكن هناك نقطة واحدة بسيطة أريد توضيحها حتى لا أترك أي ثغرة في عقل أي قارئ. ما معنى سؤال زيد بن ثابت t لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: “كَيْفَ تَفْعَلاَنِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ r ؟”, هل معنى هذا أن ما فعله أبو بكر وعمر رضي الله عنهما كان مُخالفاً لأمر النبي محمد r ؟ لماذا لم يجمع نبينا محمد r القرآن في حياته ؟

الإجابة نقلها لنا الإمام أبو محمد العَيني رحمه الله, من كلام الإمام ابن الجوزي رحمه الله: [قال ابن الجوزي: هذا كلام من يؤثر الإتباع ويخشى الابتداع, وإنما لم يجمعه رسول الله r لأنه كان بمعرض أن ينسخ منه أو يزاد فيه, فلو جمعه لكتب وكان الذي عنده نقصان ينكر على من عنده الزيادة, فلما أمن هذا الأمر بموته r جمعه أبو بكر t, ولم يصنع عثمان في القرآن شيئاً, وإنما أخذ الصحف التي وضعها عند حفصة رضي الله عنها. وأمر زيد بن ثابت, وعبد الله بن الزبير, وعبد الله بن الحارث بن هشام, وسعيد بن العاص, وأبي بن كعب, في اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار, فكتب منها مصاحف وسيرها إلى الأمصار.][[99]]

          وهكذا نكون قد نسفنا نقد الأنبا بيشوي, والذي قام بصياغته على هيئة تساؤل, فلا يوجد أدنى شك ولا ريب في أن الآية التي تقول بكفر من قال بأن المسيح عيسى ابن مريم u هو الله نزلت في زمن النبي محمد r, وتم كتابتها في زمن النبي محمد r, وقد نسخها عثمان بن عفان t في المصاحف التي بعثها للأمصار, وتناقلها المسلمون حفظاً في السطور والصدور حتى ووصلت إلينا اليوم.

بل والأكثر من ذلك أننا نعلم بالتفصيل, لماذا نزلت الآية الكريمة, وفيمن نزلت, وأستطيع أن أقول حقيقة إنه ليس بالإمكان أروع مما كان ! يا ليت قومي يعلمون, بما نحن فيه من نعيم, بسبب حفظ الله U لكتابه الكريم, ولا نعاني مثل ما يعاني بعض الناس الآخرين, الذين لا يجدون لكتابهم نُسخاً متطابقة فنجدهم دائماً محتارين. الحمد لله رب العالمين.

نريد الآن أن نُوَضِّح بعض النقاط المهمة والعقائد الرئيسية حول القرآن الكريم, والتي يحاول الأنبا بيشوي زعزعتها والتشكيك فيها من خلال نقده الذي أخفاه في شكل تساؤل حول وقت كتابة الآية, وهم كالآتي:

  1. الله U حافظ القرآن الكريم من أي تحريف.
  2. المسلم لا يأخذ القرآن الكريم من المصاحف بل لابد من أن يتلقَّى القرآن شفاهة.
  3. لا يستطيع مخلوق كتابة شيء مثل القرآن حتى يختلط به ولا يعرفه المسلمون.

* عقيدة المسلم في حفظ الله U للقرآن الكريم من التحريف:

          على عكس الموجود عند الآخر, فإن للمسلمين عقائد مُحَدَّدة وواضحة بخصوص كتابهم المقدس الذي قد سماه الله لهم بالقرآن الكريم, فقد قال الله U: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة : 77], ومن هذه العقائد الواضحة والصريحة: القرآن الكريم محفوظ من قِبَل الله U من أي تحريف. إذن, عندما يُوَجِّه الأنبا بيشوي نقده – في هيئة تساؤل – بخصوص إمكانية إضافة آية بعد زمن النبي محمد r, فهذا يُعرِّض عقيدة المسلم في حفظ القرآن الكريم من التحريف للتشكيك والنقد, ونحن لن نقبل بهذا على الإطلاق.

          هناك آيات كثيرة تتحدث عن حفظ الله U للقرآن الكريم من أي تحريف, ولكنني سأكتفي بأشهر الأدلة, والتي مع شهرتها, قد لا يعلمها الأنبا بيشوي, ولكننا سنقوم بالتوضيح والبيان على كل حال. من هذه الأدلة الكثيرة قول الله U في كتابه الكريم: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحِجْر : 9], وفي هذه الآية مسألتان, الأولى: ما هو الذكر ؟, الثانية: إلى ماذا يعود الضمير “لَهُ” في عبارة {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ؟

          من خلال سياق الآيات نستطيع أن نعلم يقيناً أن الذكر هو القرآن الكريم: {وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحِجْر], ففي الآية السادسة نجد أن مشركي قريش ادَّعُوا أن محمداً r مجنون, فما هو الذكر الذي نزل على محمد r ؟ إنه القرآن الكريم بكل تأكيد, وهكذا قال علماء المسلمين عبر الأزمنة والعصور.

          قال الإمام الطبري رحمه الله: [يقول تعالـى ذكره: {إنَّا نَـحْنُ نَزَّلْنا الذّكْرَ} وهو القرآن.][[100]], وقال الإمام القرطبي رحمه الله: [قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ} يعني القرآن.][[101]], وقد نقل لنا الإمام ابن الجوزي رحمه الله إجماع المفسرين على ذلك القول فقال: [والذِّكْر: القرآن، في قول جميع المفسرين.][[102]], وهكذا انتهينا من المسألة الأولى.

          أما بخصوص المسألة الثانية, ألا وهي: إلى ماذا يعود الضمير “لَهُ” في عبارة {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ؟, فقد سأل الرازي رحمه الله – الذي يُبَجِّله الأنبا بيشوي كثيراً – السؤال نفسه فقال: [الضمير في قوله: {لَه لَحَـافِظُونَ} إلى ماذا يعود ؟ فيه قولان: القول الأول: أنه عائد إلى الذكر يعني: وإنا نحفظ ذلك الذكر من التحريف والزيادة والنقصان، ونظيره قوله تعالى في صفة القرآن: {لا يَأْتِيهِ الْبَـاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِه} [فصلت : 42] وقال: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَـافًا كَثِيرًا} [النساء : 82]. فإن قيل: فلم اشتغلت الصحابة بجمع القرآن في المصحف وقد وعد الله تعالى بحفظه وما حفظه الله فلا خوف عليه. والجواب: أن جمعهم للقرآن كان من أسباب حفظ الله تعالى إياه فإنه تعالى لما أن حفظه قيضهم لذلك (…) والقول الثاني: أن الكناية في قوله: {لَه} راجعة إلى محمد r والمعنى وإنا لمحمد لحافظون (…) إلا أن القول الأول أرجح القولين وأحسنهما مشابهة لظاهر التنزيل والله أعلم.][[103]]

وهذا ما قاله أيضاً الإمام الشنقيطي رحمه الله: [قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، بَيَّن تعالى في هذه الآية الكريمة أنه هو الذي نَزَّل القرآن العظيم وأنه حافظ له من أن يزاد فيه أو ينقص أو يتغير منه شيء أو يبدل، وبَيَّن هذا المعنى في مواضع أُخر كقوله: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}، وقوله: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} إلى قوله: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}. وهذا هو الصحيح في معنى هذه الآية أن الضمير في قوله: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، راجع إلى الذكر الذي هو القرآن، وقيل: الضمير راجع إلى النَّبي r كقوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، والأول هو الحق كما يتبادر من ظاهر السياق.][[104]]

وهذا ما قاله أيضاً الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [ثم قرر تعالى أنه هو الذي أنزل عليه الذكر، وهو القرآن، وهو الحافظ له من التغيير والتبديل، ومنهم من أعاد الضمير في قوله تعالى: {لَهُ لَحَـٰفِظُونَ} على النبي rكقوله: {وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ} [المائدة: 67] والمعنى الأول أولى، وهو ظاهر السياق.][[105]]

وهذا ما قاله أيضاً الشوكاني رحمه الله: [ثم أنكر على الكفار استهزاءهم برسول الله r بقولهم: {يأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزّلَ عَلَيْهِ ٱلذّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} فقال سبحانه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذّكْرَ} أي: نحن نزلنا ذلك الذكر الذي أنكروه ونسبوك بسببه إلى الجنون {وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ} عن كل ما لا يليق به من تصحيف وتحريف وزيادة ونقص ونحو ذلك. وفيه وعيد شديد للمكذبين به، المستهزئين برسول الله r. وقيل: الضمير في {له} لرسول الله r، والأول أولى بالمقام.][[106]]

إذن, “الذِّكْرَ” في الآية الكريمة هو القرآن الكريم, وقوله تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}, أي أن الله U حافظ لهذا القرآن الكريم الذي أنزله على عبده محمد r من كل ما يمكن أن يمسه بسوء. قال الإمام الطبري رحمه الله: [{وإنَّا لَهُ لـحَافِظُونَ} قال: وإنا للقرآن لـحافظون من أن يزاد فـيه بـاطل مَّا لـيس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه.][[107]]

وقال شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي رحمه الله: [ثم بين – سبحانه – أنه قد تكفل بحفظ هذا القرآن الذي سبق للكافرين أن استهزءوا به، وبمن نزل عليه فقال – تعالى – : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ}. أي: إنا نحن بقدرتنا وعظم شأننا نزلنا هذا القرآن الذي أنكرتموه على قلب نبينا محمد r وَإِنَّا لهذا القرآن لَحافِظُونَ من كل ما يقدح فيه، كالتحريف والتبديل، والزيادة والنقصان والتناقض والاختلاف، ولحافظون له بالإعجاز، فلا يقدر أحد على معارضته أو على الإتيان بسورة من مثله، ولحافظون له بقيام طائفة من أبناء هذه الأمة الإسلامية باستظهاره وحفظه والذب عنه إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها.][[108]], اللهم اجعلنا من هذه الطائفة يا رب العالمين.

بالإضافة إلى كل ما سبق, نجد أن علماء المسلمين عبر الأزمنة والعصور استشعروا نعمة الله U عليهم, فحِفْظ الله U للقرآن الكريم نعمة عظيمة جداً, ولم ينعم أصحاب الكتب السابقة بمثل هذه النعمة العظيمة.

أورد الإمام السعدي رحمه الله كلاماً رائعاً في هذا فقال: [{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أي: في حال إنزاله وبعد إنزاله، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله، واستودعه فيها ثم في قلوب أمته، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل، فلا يُحَرِّف مُحَرِّف معنى من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين، ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يسلط عليهم عدوا يجتاحهم.][[109]]

وقد قام الإمام القرطبي رحمه الله بلَفْت الأنظار إلى هذه المسألة فقال: [{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} من أن يزاد فيه أو ينقص منه. قال قتادة وثابت البُنَانيّ: حفِظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلاً أو تنقُص منه حقاً؛ فتولّى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظاً, وقال في غيره: {بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ} [المائدة: 44]، فوَكَل حفظه إليهم فبدّلوا وغيروا.][[110]]

وقال أيضاً الإمام أبو القاسم الكلبي رحمه الله: [ومعنى حفظه: حراسته عن التبديل والتغيير، كما جرى في غيره من الكتب، فتولى الله حفظ القرآن، فلم يقدر أحد على الزيادة فيه ولا النقصان منه ولا تبديله, بخلاف غيره من الكتب، فإن حفظها موكول إلى أهلها لقوله: {بِمَا استحفظوا مِن كتاب الله} [ المائدة : 44 ].][[111]], ويقصد الإمام بقوله: “كما جرى في غيره من الكتب”, أي أن الكتب الأخرى السابقة للقرآن الكريم جرى فيها التبديل والتغيير, وكذا المقصود من عبارته “بخلاف غيره من الكتب”, أي أن الناس استطاعوا أن يُزيدوا في الكتب السابقة وينقصوا منها وأن يُبَدِّلوا فيها.

وقال أيضاً الإمام النسفي رحمه الله: [{وَإِنَّا لَهُ لحافظون} وهو ردّ لإنكارهم واستهزائهم في قولهم: {يأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزّلَ عَلَيْهِ ٱلذّكْرُ}, ولذلك قال: {إِنَّا نَحْنُ}, فأكد عليهم أنه هو الـمُنَزَّل على القطع, وأنه هو الذي نزله محفوظاً من الشياطين, وهو حافظه في كل وقت من الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل, بخلاف الكتب المتقدمة, فإنه لم يتول حفظها, وإنما استحفظها الربانيين والأحبار, فاختلفوا فيما بينهم بغياً فوقع التحريف.][[112]]

وقال أيضاً الإمام علاء الدين البغدادي رحمه الله: [الضمير في له يرجع إلى الذكر يعني, وإنا للذكر الذي أنزلناه على محمد لحافظون يعني من الزيادة فيه, والنقص منه والتغيير والتبديل والتحريف, فالقرآن العظيم محفوظ من هذه الأشياء كلها لا يقدر أحد من جميع الخلق من الجن والإنس أن يزيد فيه, أو ينقص منه حرفاً واحداً أو كلمة واحدة, وهذا مختص بالقرآن العظيم بخلاف سائر الكتب المنزلة فإنه قد دخل على بعضها التحريف والتبديل والزيادة والنقصان, ولما تولى الله U حفظ هذا الكتاب بقي مصوناً على الأبد محروساً من الزيادة والنقصان.][[113]]

          هكذا نكون قد انتهينا من الدليل الأول الذي يعتمد عليه المسلمين في عقيدتهم الخاصة بحفظ الله U للقرآن الكريم, أما الدليل الثاني هو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فُصِّلَتْ], وهنا نأتي للسؤال نفسه الذي سألناه سابقاً: ما هو الذكر في هذه الآية ؟

          أعتقد أن الإجابة في غاية السهولة, فإن الله U في الآية يصف الذكر بـ “الكتاب العزيز”, فما هو “الكتاب” عند المسلمين ؟ هو القرآن الكريم بالطبع. وفي هذا قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [ثم قال جل جلاله: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ} قال الضحاك والسدي وقتادة: وهو القرآن.][[114]], وقال أيضاً الإمام القرطبي رحمه الله: [الذكر هاهنا القرآن في قول الجميع؛ لأن فيه ذكر ما يحتاج إليه من الأحكام.][[115]], وقال أيضاً الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: [و”الذكر”: القرآن بإجماع.][[116]]

وفي وصف الله U لكتابة بالعزة, قال الإمام الطبري رحمه الله: [وقوله: {وَإنَّهُ لَكِتاب عَزِيزٌ} يقول تعالى ذكره: وإن هذا الذكر لكتاب عزيز بإعزاز الله إياه، وحفظه من كلّ من أراد له تبديلاً، أو تحريفاً، أو تغييراً، من إنسيّ وجنيّ وشيطان مارد.][[117]]

وقال أيضاً الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: [ووصف تعالى الكتاب بالعزة، لأنه بِصِحَّةِ مَعَانِيه ممتنع الطعن فيه والإزراء عليه، وهو محفوظ من الله تعالى.][[118]], وهكذا أيضاً قال الشوكاني رحمه الله: [{وَإِنَّهُ لَكِتَـٰبٌ عَزِيزٌ} أي: القرآن الذي كانوا يلحدون فيه، أي: عزيز عن أن يعارض، أو يطعن فيه الطاعنون، منيع عن كل عيب. ثم وصفه بأنه حق لا سبيل للباطل إليه بوجه من الوجوه، فقال: {لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ}.][[119]]

وقد أورد الشوكاني رحمه الله أقوالاً عديدة في معنى قوله تعالى: {لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} فقال: [قال الزجاج: معناه: أنه محفوظ من أن ينقص منه، فيأتيه الباطل من بين يديه، أو يزاد فيه، فيأتيه الباطل من خلفه، وبه قال قتادة، والسدّي. ومعنى الباطل على هذا: الزيادة، والنقصان. وقال مقاتل: لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله، ولا يجيء من بعده كتاب فيبطله، وبه قال الكلبي، وسعيد بن جبير. وقيل: الباطل هو: الشيطان، أي: لا يستطيع أن يزيد فيه، ولا ينقص منه.][[120]]

وقد أورد أيضاً الإمام الطبري رحمه الله الأقوال نفسها ثم قال: [وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: معناه: لا يستطيع ذو باطل بكيده تغييره بكيده، وتبديل شيء من معانيه عما هو به، وذلك هو الإتيان من بين يديه، ولا إلحاق ما ليس منه فيه، وذلك إتيانه من خلفه.][[121]]

وقد أورد الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تفسيراً مُجملاً للآية فقال: [{وَإِنَّهُ لَكِتَـٰبٌ عَزِيزٌ} أي: منيع الجناب، لا يرام أن يأتي أحد بمثله، {لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} أي: ليس للبطلان إليه سبيل؛ لأنه منزل من رب العالمين، ولهذا قال: {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} أي: حكيم في أقواله وأفعاله، حميد بمعنى محمود، أي: في جميع ما يأمر به، وينهى عنه، الجميع محمودة عواقبه وغاياته.][[122]]

وهكذا نكون قد وضَّحنا بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك عقيدة راسخة عند المسلمين عبر الأزمنة والعصور, وهي أن الله U حافظ للقرآن الكريم من كل ما قد يصيبه من أذى من أي نوع, وأنه U قد اختص القرآن الكريم وحده, دون سائر الكتب السابقة بهذا الحفظ, فهي نعمة عظيمة قد أنعم الله U بها على أمة محمد r دون غيره من الأمم السابقة.

* القرآن الكريم لا يعتمد على المخطوطات:

          اعتقد الأنبا بيشوي بأن القرآن الكريم كتاب يُشبه طبيعة الكتاب المقدس, من حيث أن الكتاب المقدس يعتمد بالكلية على النُّسَخ الخطِّيَّة, فكل سفر من أسفار الكتاب المقدس في الأصل هو كتاب مكتوب على أي وسيلة للكتابة, سواء كانت بردية, أو قطعة من جلد مدبوغ, أو غير ذلك من الوسائل المستخدمة في الكتابة.

بالإضافة إلى ما سبق, لا يوجد إنسان على مَرّ الأزمنة والعصور قام بحفظ الكتاب المقدس كاملاً من بدايته إلى نهايته, فإذا افترضنا أن هناك من جمع جميع النسخ الخطية والمطبوعة للكتاب المقدس – بوسيلة ما – وقام بحرقهم جميعاً, لن تتمكن الأمة المسيحية, ولو اجتمعوا جميعاً في صعيد واحد, من إعادة كتابة الكتاب المقدس, ولضاع إلى أبد الآبدين.

وعلى العكس تماماً, نجد أن أول ما نزل من القرآن الكريم هو: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق : 1], وقد أمر الله U نبيه محمداً r بأن يقرأ القرآن الكريم على الناس فقال: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ} [الرعد : 30], وقال أيضاً: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً} [الإسراء : 106], وغيرها الكثير من الآيات التي تدل على أن القرآن الكريم كان دائماً يصل إلى الناس عن طريق السماع, وليس عن طريق القراءة من مخطوطة أو ما شابه.

وبالإضافة إلى ما سبق, فإن القرآن الكريم ككلام يُتلى على الناس, ليس كلاماً عادياً, بل إن هناك طريقة مُحددة لقراءة القرآن الكريم, وهي كما قام نبينا محمد r بقراءة القرآن على الناس, وهذا ما يُعرف عند المسلمين بـ “علم التجويد”, وهو – كما نقل لنا الإمام السيوطي رحمه الله -: [قال القراء: التجويد حِلْية القراءة, وهو إعطاءُ الحروف حقوقَها وترتيبَها, وردُّ الحرف إلى مخرجه وأصله, وتلطيف النُّطق به على كمال هيئته, من غير إسرافٍ ولا تعسُّف ولا إفراط ولا تكلُّف. وإلى ذلك أشار r بقوله: {مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ}[[123]]. يعني: ابن مسعود, وكان t قد أُعْطِيَ حظَّا عظيماً في تجويد القرآن.][[124]]

          وهكذا كان الأصل دائماً في قراءة القرآن ما تلقيناه شفاهة من مشايخنا, الذين تلقوا القرآن من مشايخهم, إلى أن نصل إلى التابعين الذين تلقوا القرآن من الصحابة, والصحابة الذين تلقوا القرآن بدورهم من نبينا محمد r. وقد كان الصحابيّ يفتخر بما تلقَّاه مباشرة من فم النبي محمد r, لذلك نجد عبد الله بن مسعود t يقول: [وَاللَّهِ لَقَدْ أَخَذْتُ مِنْ فِيّ رَسُولِ اللَّهِ r بِضْعًا وَسَبْعِينَ سُورَةً، وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ r أَنِّي مِنْ أَعْلَمِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَمَا أَنَا بِخَيْرِهِمْ.][[125]]

وكان نبينا محمد r بدوره يحرص حرصاً شديداً على أن يتأكد من أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقرؤون القرآن قراءة صحيحة, فكان نبينا محمد r يطلب من الصحابة أن يقرؤوا القرآن عليه, ويسمع منهم قراءتهم, حتى يتأكد من أن الصحابي كان يقرأ قراءة صحيحة. وفي هذا يروي لنا عبد الله بن مسعود t ما حدث بينه وبين نبينا محمد r فقال: [قَالَ لِي النَّبِيُّ r: « اقْرَأْ عَلَىَّ الْقُرْآنَ ». قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ, قَالَ: « إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي ».][[126]]

          قال الشيخ محمد الزرقاني رحمه الله فيما يتعلق بحرص النبي محمد r على تعليم الصحابة القرآن الكريم: [وكانت عناية الرسول بتعليمهم القرآن تفوق كل عناية, يقرؤه عليهم. ويخطبهم به, ويزين إمامته لهم بقراءته في صلاته, وفي دروسه وعظاته. وكان فوق ذلك يحب أن يسمعه منهم كما يحب أن يقرأه عليهم.][[127]]

وهكذا نجد أن الأمة الإسلامية فعلاً أحبت القرآن الكريم حُبَّاً جمَّاً, فنجد مئات الآلاف من المسلمين, سواء كانوا ذُكراناً أو إناثاً, أو كباراً أو صغاراً, يحفظون القرآن الكريم كاملاً, ناهيك عن أن المسلم الذي لم يُنعم اللهُ U عليه بحفظ القرآن الكريم كاملاً, لابد وأنه يحفظ منه ما يجعله قادراً على أداء الصلوات الخمسة المفروضة.

ووجدنا أيضاً أن المسلمين كانوا حريصين جداً على أن لا ينسوا ما حفظوه من القرآن الكريم, أو أن يضيع شيء مما سمعوه من نبينا محمد r, فنجد تدوين القرآن في عصر النبي محمد r, وجمع القرآن الكريم في عصر أبي بكر الصديق t, ونسخ العديد من المصاحف في زمن عثمان بن عفان t. وفي هذا يقول الإمام أبو بكر العربي رحمه الله: [هذه المصاحف إنما كانت تذكرة لئلا يضيع القرآن, فأما القراءة فإنما أخذت بالرواية؛ لا من المصاحف.][[128]]

          وتطور حرص المسلمين على تدوين القرآن الكريم, وطريقة تدوينه, فنجد أنه في بداية الأمر كانت الحروف العربية تكتب بدون تنقيط, ولكن هذا الأمر لم يَكُن أبداً مشكلة بالنسبة للمسلمين, فإن الأصل كان ما يحفظه الإنسان في صدره, فيكتب ما حفظه في أي وسيلة ما, فإن كان الحافظ هو الكتاب, فلا شك في أنه يستطيع أن يقرأ ما قام هو بكتابته من حفظه.

ثم تطور الأمر وأصبحت تكتب الحروف بالنقاط. ثم تطور الأمر فأصبح هناك تشكيل على الحروف. ثم تطور الأمر أكثر من ذلك إلى أن وصلنا إلى مصاحف التجويد الملونة, والتي تقوم بتلوين الحروف التي يجب علينا نطقها بأحكام تجويد مُعينة (المدّ, إخفاء, غُنَّة, إدغام, تفخيم, قلقة). وقد قام المسلمون بكل هذا لا لشيء إلا لتسهيل قراءة القرآن الكريم على الناس بالشكل الصحيح, كما كان يقرأه نبينا محمد r.

          ومع هذا التطور الكبير في طريقة تدوين القرآن الكريم, لابد وأن يكون القارئ من هذه المصاحف قد سمع أولاً القرآن الكريم من أحد المشايخ حتى يعلم الطريقة الصحيحة للقراءة. ومن لا يُصَدِّقني فليقم بهذه التجربة العملية البسيطة: قم بشراء مصحفاً من مصاحف التجويد الملونة, وقم بإعطاء المصحف لأي شخص لم يتعلم تجويد القرآن الكريم, واطلب منه أن يقرأ القرآن الكريم كما أُنْزِل على نبينا محمد r.

أنا أضمن لك تماماً أنه أصلاً لن يفهم عبارة “كما أُنْزِل” هذه, وسيقوم جاهداً بمحاولة فهم معاني الألوان المكتوبة في أسفل كل صفحة, ولكنه لن يفهم أصلاً معنى كلمة إخفاء أو غُنَّة أو إدغام أو غيرها من أحكام التجويد, ولن يعرف كيف يَنْطِق هذه الأحكام أصلاً, ولن يستطيع أبداً أن يقرأ القرآن قراءة صحيحة إلا إذا سمع أحداً من المشايخ يقرأ القرآن قراءة صحيحة, ويتعلم منه كيف يقرأ بالأحكام.

هذا كله يدل دلالة قطعية على أن القرآن الكريم لا يعتمد في نقله على المخطوطات, وهذا يرجع إلى طبيعة القرآن الكريم نفسه. لذلك أقول للأنبا بيشوي أنه يستحيل أن يقوم أحد الأشخاص بدَسّ زيادة ما في مصحف من المصاحف دون أن تكتشف, ثم تنتشر هذه الزيادة إلى أن تصل إلينا في يومنا هذا, فبمُجَرَّد قراءة أي مصحف, ومراجعته على المحفوظ في صدور المؤمنين, سيتم اكتشاف أي تحريف, ولكن هذا لم يحدث أصلاً طوال التاريخ الإسلامي.

يجب أن يفهم الجميع أن القرآن ليس كالكتاب المقدس, فنحن نستطيع أن نقول ببساطة أن القرآن الكريم له من المصادر اثنين, مصدر مكتوب ومصدر مسموع, ونستطيع أن نُرَاجِع القرآن من المصدرين فنتأكد يقيناً أنه لا يوجد أي أخطاء. أما بخصوص الكتاب المقدس, فلا يوجد للكتاب إلا مصدر واحد, وهذا المصدر هو المخطوطات, لذلك يستطيع الإنسان أن يضيف شيئاً ما في أي مخطوطة جديدة للكتاب المقدس, وبما أنه لا يوجد من يحفظ الكتاب عن ظهر قلب, فلن يعلم أين الإضافة, إلا إذا رجع إلى المخطوطة الأصلية التي قام كاتب السفر نفسه بكتابتها, وهذه المخطوطة غير موجودة !

قال القس شنودة ماهر إسحاق بخصوص ضياع النسخ الأصلية: [ليس بين أيدينا الآن المخطوطة الأصلية, أي النسخة التي بخط يد كاتب أي سفر من أسفار العهد الجديد أو العهد القديم.][[129]], وهكذا إذا قام شخص ما بإضافة نص إلى مخطوطة من المخطوطات, لن يدرك أحد بأن هناك إضافة ! لأنه لا يوجد شخص على وجه الأرض يحفظ الكتاب كاملاً فيعلم إذا كان هذا النص من الكتاب أم لا.

الطريقة الوحيدة التي سيكتشف بها شخص ما أن هناك خلل هي عندما يقوم بمقارنة مخطوطتين أو أكثر مع بعضهم البعض, فعندما يجد اختلافاً في موضع مُعَيَّن, سيعلم أن هناك مشكلة في هذا الموضع, ولكن ستكون هناك صعوبة بالغة أو استحالة في تحديد أي مخطوطة هي التي تحتوي على النص الصحيح ! فإن النسخة الأصلية ضائعة, فكيف سيقوم بترجيح مخطوطة على الأخرى ؟

لا أريد أن أضرب أمثلة على نصوص تم إضافتها في المخطوطات وانتشرت في جميع الكتب المقدسة حول العالم, والناس إلى يومنا هذا يظنون أن هذه النصوص من وحي الله المقدس ! فإن الأنبا بيشوي يعلم هذه الأمور جيداً, وليس هذا مجالنا الآن, ولكنني أريد أن أوَضِّح للجميع أن الأمر مُختلف تماماً عندما نتحدث عن القرآن الكريم, فإن القرآن الكريم محفوظ في صدور المؤمنين, ولكن قبل أن أتعرض للآية الكريمة التي تقول بهذا, أريد أن أوَضِّح أمراً في غاية الأهمية.

عندما أقول إن القرآن الكريم لا يعتمد على المخطوطات, أعني أننا لا نستطيع أن نحصل على القرآن الكريم كما أُنْزِل على نبينا محمد r من مُجرد قراءة مخطوطة ما أو مصحف قديم, وهذا الأمر راجع لما بيَّناه سابقاً, وهو طبيعة القرآن نفسه من حيث أنه كلام يُتلى, بالإضافة إلى أن هناك أحكام خاصة لتلاوة القرآن الكريم فيما يُعرف عند المسلمين بعلم التجويد. ولكن رغم كل ما سبق, فأنا لا أقول إن القرآن الكريم ليس له مخطوطات قديمة كثيرة لا تُعَد ولا تُحصى, بل إن حال مخطوطات القرآن الكريم أفضل بكثير جداً من مخطوطات الكتاب المقدس.

القضية كلها تكمن في أن المخطوطات هي المصدر الرئيسي والوحيد لنص الكتاب المقدس, فسواء كانت مخطوطات يونانية, أو ترجمات قديمة, أو كتابات آبائية, فكلها مصادر مكتوبة, ولا يوجد أي مصدر شفهي لنص الكتاب المقدس, لذلك نجد أن علماء الكتاب المقدس قاموا بحصر مخطوطات الكتاب المقدس حصراً, لأن ليس لهم إلا المخطوطات ليأخذوا منها نص الكتاب.

أما القرآن الكريم فله المصدر الشفهي المتواتر عبر الأجيال, وله المصدر المكتوب من المصاحف القديمة جداً. ونظراً لأن المسلم يأخذ القرآن كما أنزل على نبينا محمد r من المصدر الشفهي المتواتر, ويرجع إلى المصادر المكتوبة في حالة النسيان فقط, فليس هناك اهتمام كبير بالمصاحف القديمة.

ولكننا إذا قمنا بمقارنة بسيطة جداً, بين حال مخطوطات العهد الجديد على سبيل المثال, والمصاحف القديمة للقرآن الكريم, سنجد أن الغلبة للقرآن الكريم, فإنه من المعلوم أن أقدم نسخة كاملة للعهد الجديد باللغة اليونانية هي المخطوطة السينائية والتي ترجع إلى القرن الرابع الميلادي. فإذا علمنا أن آخر سفر في العهد الجديد كُتِب في نهاية القرن الأول, فهناك فاصل زمني بين أصول العهد الجديد وأقدم نسخة كاملة لا يقل عن قرنين كاملين من الزمان !

إما إذا نظرنا إلى المصاحف القديمة, فإن المسلمين يحتفظون إلى الآن بمصاحف ترجع إلى القرن الأول الهجري, وعندنا اليوم بفضل الله U نسخة إلكترونية كاملة لإحدى هذه المصاحف, فهل هناك أروع من ذلك ؟! وإليكم تعريف بالمصحف:

جمهورية مصر العربية, وزارة الأوقاف, المكتبة المركزية للمخطوطات الإسلامية: هذا المصحف نسخة من المصاحف الستة التي نسخت بأمر عثمان بن عفان t ثم أرسل أربعاً منها إلى الأمصار, وبقى اثنان بالمدينة. وكان هذا المصحف محفوظاً في خزانة كتب المدرسة الفاضلية التي بناها القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني العسقلاني – في العصر الأيوبي – ثم نقله السلطان الملك الأشرف أبو النصر قنصوه الغوري – آخر سلاطين الدولة المملوكية – إلى القبة التي أنشأها تجاه مدرسته بقرب الأقباعيين داخل باب زويلة, ونقل إليها أيضاً الآثار النبوية, وعمل له جلدة خاصة به, نقش عليها أنها عملت بعد كتابة المصحف العثماني بثمانمائة وأربعة وسبعين عاماً – أي أنها عملت سنة 909 هـ, وظل محفوظاً بها لمدة ثلاثة قرون.

المصحف الشريف العثماني مفتوح الصفحات داخل الحافظة الجلدية

2 2

وفي عام 1305 هـ استقر المصحف والجلدة والآثار النبوية بعد نقلها إلى مشهد الإمام الحسين رضوان الله عليه. وفي عام 1427 هـ قامت المكتبة المركزية للمخطوطات الإسلامية بنقله إلى المكتبة حيث تم توثيقه وتصوير صفحاته لأول مرة على أقراص مدمجة CD. وهذا المصحف يتكون من 1087 ورقة من الرَّق من القطع الكبير وقياسها 57 سم × 68 سم, وعدد الأسطر 12 سطراً, وارتفاعه 40 سم, ووزنه 80 كجم, ومكتوب بمداد بني داكن, وبخط مَكِّي يُناسب القرن الهجري الأول, خال من النقط والزخارف الخطية, وتوجد فواصل بين السور عبارة عن رسوم نباتية متعددة الألوان.

نموذج من الخط المكتوب به المصحف (سورة الفلق)

3 2

بخط مَكِّي يُناسب القرن الأول الهجري, خال من النقط والزخارف الخطية

ولذلك أقول لكل من يفتخر بمخطوطات الكتاب المقدس, إن هذه المخطوطات هي المصدر الوحيد لنص الكتاب, وهناك فاصل زمني كبير بينها وبين الأصول, أما القرآن الكريم, فله مصدر شفهي متواتر, ومصدر مكتوب يرجع إلى القرن الأول الهجري, فأي الكتابين أحق بالمصداقية إن كنتم صادقين ؟

وهكذا قال الله U عن كتابه الكريم: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)} [العنكبوت]

          قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية الأولى: [يقول تعالـى ذكره: {وَما كُنْتَ} يا مـحمد {تَتْلُوا} يعنـي تقرأ {مِنْ قَبْلِهِ} يعنـي من قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إلـيك {مِنْ كِتَابٍ وَلا تَـخُطُّهُ بِـيَـمِينِكَ} يقول: ولـم تكن تكتب بـيـمينك، ولكنك كنت أمِّيًّا {إذاً لارْتابَ الـمُبْطِلُونَ} يقول: ولو كنت من قبل أن يُوحَى إلـيك تقرأ الكتاب، أو تـخطه بـيـمينك، إذن لارتاب: يقول: إذن لشكّ بسبب ذلك فـي أمرك، وما جئتهم به من عند ربك من هذا الكتاب الذي تتلوه علـيهم الـمبطلون القائلون إنه سجع وكهانة، وإنه أساطير الأوّلـين.][[130]]

          وقال أيضاً الإمام القرطبي رحمه الله: [قوله تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ} الضمير في {قَبْلِهِ} عائد إلى الكتاب وهو القرآن المنزل على محمد r؛ أي وما كنت يا محمد تقرأ قبله، ولا تختلف إلى أهل الكتاب، بل أنزلناه إليك في غاية الإعجاز والتضمين للغيوب وغير ذلك، فلو كنت ممن يقرأ كتاباً، ويخط حروفاً {لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ} أي من أهل الكتاب، وكان لهم في ارتيابهم متعلَّق، وقالوا الذي نجده في كتبنا أنه أميّ لا يكتب ولا يقرأ وليس به.][[131]]

وقال الإمام أبو السعود العَمادي رحمه الله في تفسير الآية الثانية: [{بَلْ هُوَ} أي القرآنُ {آيَاتٌ بَيّنَاتٌ} واضحاتٌ ثابتةٌ راسِخةٌ {فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ} من غيرِ أنْ يُلتقطَ من كتابٍ يحفظونَهُ بحيثُ لا يقدرُ أحدٌ على تحريفِه.][[132]]

وقال أيضاً الإمام الماوردي رحمه الله: [أنه القرآن {ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ} وهم النبي r والمؤمنون به، قاله الحسن. قال الحسن: أعطيت هذه الأمة الحفظ, وكان من قبلها لا يقرؤون كتابهم إلا نظراً, فإذا طبقوه لم يحفظوا ما فيه إلا النبيين.][[133]]

          هناك أيضاً حديث رائع في صحيح مسلم يحتوي على وصف جميل جداً للقرآن الكريم. الحديث طويل ولكن فيه أن الله U قال لنبينا محمد r: [إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِىَ بِكَ وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ.][[134]]

          وقد استفاض علماء المسلمين في شرح هذا الجزء من الحديث, وأنا أريد أن أعرض عليكم أكبر كم من هذه الأقوال الرائعة التي توضح مدى تميُّز القرآن الكريم عن غيره من جميع كتب الأرض. قال القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله: [وقوله {أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ} قيل: معناه لا يُفْنَى ولا يُدْرَس, وقيل: لا يُنْسَى حِفْظُه من الصُّدُور, ولو مُحِي كتابه وغُسِل بالماء.][[135]]

          قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: [أما قوله تعالى {لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ} فمعناه محفوظ في الصدور, لا يتطرق إليه الذهاب, بل يبقى على مر الأزمان, وأما قوله تعالى {تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ} فقال العلماء: معناه يكون محفوظاً لك في حالتي النوم واليقظة, وقيل: تقرأه في يسر وسهولة.][[136]]

وقال أيضاً الإمام البغوي رحمه الله: [وقوله {أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ} أي: لا ينمحي أبداً، بل هو محفوظ في صدور الذين أوتوا العلم, لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقوله: {تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ}، أي: تجمعه حفظاً وأنت نائم، كما تجمعه وأنت يقظان، وقيل: معناه: تقرؤه في يسر وسهولة ظاهراً، يقال للرجل إذا كان قادراً على الشيء: هو يفعله نائماً، كما يقال: هو يسبقه قاعداً، والقاعد لا سبق له.][[137]]

وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: [وقوله {لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ} أي لا يَنْمَحِي لِدَوَام ظُهُوره وشُهْرَته, فهو لكونه مَبْثُوثاً في الصُّحُف والصُّدُور لو مُحِي من صحيفة وُجِد في أخرى أو قام به الحفاظ.][[138]], وفي هذا إشارة إلى ما قلناه سابقاً من أن القرآن الكريم له المصدر الشفهي المتواتر, والمصدر المكتوب المأخوذ من المصاحف القديمة الكثيرة.

وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله أيضاً: [قوله: {لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ} يعني: محفوظ في الصدور, وكانت كتب القدماء لا يحفظونها؛ فإذا غسل الكتاب, ذهب ما فيه.][[139]], وفي هذا إشارة إلى ما قلناه سابقاً من أن الكتاب المقدس ليس له إلا مصدر واحد, وهو المصدر المكتوب المأخوذ من المخطوطات القديمة, فإذا ذهبت هذه المخطوطات ذهب نص الكتاب بلا رجعة !

وقال الكلام نفسه الإمام ابن الجزري رحمه الله: [أرادَ أنه لَا يُمْحَى أبداً, بل هو مَحْفوظ فِي صُدُور الذّين أُوتُوا العِلْم, لا يأتيهِ الباطلُ من بين َيَديه ولا مِن خَلْفه. وكانت الكُتُب الـمُنَزَّلة لا تُجْمَع حِفْظاً, وإنَّما يُعْتَمد في حِفْظها على الصُّحف, بخلاف القرآن فإن حُفَّاظَه أضْعافٌ مُضَاعَفَة لصُحُفِه.][[140]], وهذا يدل أيضاً على تميُّز القرآن الكريم وأفضليته على جميع الكتب السابقة.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [فَأَخْبَرَ أَنَّ كِتَابَهُ لَا يَحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ إلَى صَحِيفَةٍ تُغْسَلُ بِالْمَاءِ, بَلْ يَقْرَؤُهُ فِي كُلِّ حَالٍ كَمَا جَاءَ فِي نَعْتِ أُمَّتِهِ: {أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ}[[141]] بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَا يَحْفَظُونَهُ إلَّا فِي الْكُتُبِ وَلَا يَقْرَءُونَهُ إلَّا نَظَرًا لَا عَنْ ظُهْرِ قَلْبٍ.][[142]]

وقد قام شيخ الإسلام رحمه الله بمقارنة بسيطة رائعة بين حال القرآن الكريم وحال الكتاب السابقة فقال: [وأيضاً فالمسلمون يحفظون القرآن في صدورهم حفظاً يستغنون به عن المصاحف, كما ثَبُت في الصحيح الذي رواه مسلم عن النبي أنه قال: {إن ربي قال لي: إني مُنْزِل عليك كتاباً لا يَغْسِله الماء تقرأه نائماً ويقظاناً} يقول: ولو غُسِل بالماء من المصاحف لم يغسل من القلوب, كالكتب المتقدمة, فإنه لو عُدِمَت نُسَخِها لم يُوجَد من ينقلها نقلاً متواتراً محفوظة في الصدور. والقرآن ما زال محفوظاً في الصدور نقلاً متواتراً, حتى لو أراد مُرِيدٌ أن يغير شيئاً من المصاحف, وعُرِض ذلك على صبيان المسلمين لعرفوا أنه قد غَيَّر المصحف, لحفظهم للقرآن من غير أن يقابلوه بمصحف, وأنكروا ذلك. وأهل الكتاب يَقْدِر الإنسان منهم أن يكتب نسخاً كثيراً من التوراة والإنجيل, ويُغَيِّر بعضها, ويعرضها على كثير من علمائهم, ولا يعرفون ما غير منها إن لم يعرضوه على النسخ التي عندهم. ولهذا لما غير من نسخ التوراة, راج ذلك على طوائف منهم ولم يعلموا التغيير.][[143]]

          ماذا أستطيع أن أقوله بعد ما قاله علماؤنا من السلف الكرام ؟ لا شيء ! إلا أن أدعوا الله U بأن يحشرني معهم يوم القيامة, وأن يجعلني أهلاً لحَمْل علومهم وفقههم, وأن يجعلني سبباً في حب الناس لكتاباتهم وأقوالهم, اللهم آمين.

* استحالة إضافة شيء على كتاب الله U دون أن يكتشفه المسلمون:

          هناك نقطة أخرى, أعتقد أن الأنبا بيشوي لم يدركها لأنه معتاد على قراءة الكتاب المقدس وليس القرآن الكريم, هذه النقطة هي أن للقرآن الكريم أسلوب مُعجِز خاص به وحده دون سائر الكتب الأخرى, والتي معها يستحيل على أي شخص أن يضيف شيئاً إلى مصحف ما دون أن يكتشفه المسلمون.

في هذا قال الإمام البيضاوي رحمه الله: [{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر : 9] أي من التحريف والزيادة والنقص, بان جعلناه معجزاً مبايناً لكلام البشر, بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللسان, أو نفي تطرق الخلل إليه في الدوام, بضمان الحفظ له كما نفى أن يطعن فيه بأنه المنزل له.][[144]]

          وقد عَلَّق الشيخ محمد القوجَوي رحمه الله على هذا الكلام فقال: [وذكر لطريق حفظ الله تعالى إياه وجهين: الأول: جعله إياه معجزاً مبايناً لكلام البشر, فإن الخلق عجزوا بذلك عن الزيادة والنقصان, لأنهم لو زادوا فيه ونقصوا لتغير نظم القرآن, وظهر لكل العقلاء أن هذا ليس من القرآن, فصار كونه مُعجِزاً كإحاطة السور بالمدينة, في كونه سبباً للحفظ والصيانة.][[145]]

وقال أيضاً الإمام النسفي رحمه الله: [{بَلْ هُوَ} أي القرآن {بَيّنَـٰتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ} أي في صدور العلماء به وحفاظه, وهما من خصائص القرآن, كون آياته بَيِّنَات الإعجاز, وكونه محفوظاً في الصدور, بخلاف سائر الكتب, فإنها لم تكن معجزات, ولا كانت تقرأ إلا من المصاحف.][[146]]

وهذا كلام من أعظم ما يكون, لا يُدرك قيمته إلا من رأى الإضافات التي حدثت في الكتب السابقة, فعلى سبيل المثال, هناك قصة مشهورة في الإنجيل المنسوب إلى يوحنا تُدعى “قصة المرأة الزانية” (يوحنا 7/53 – 8/11), هذه القصة غير موجودة في أقدم المخطوطات اليونانية مثل: البردية 66 و 75 (القرن الثالث), والمخطوطة السينائية والفاتيكانية (القرن الرابع), وأول مخطوطة يونانية نجد فيها هذه القصة هي المخطوطة البيزية والتي ترجع إلى القرن الخامس الميلادي.[[147]]

الآن, نجد أن هناك خلافاً بين علماء المسيحيين حول هل كانت قصة المرأة الزانية مكتوبة في النسخة الأصلية لإنجيل يوحنا, أم أن هناك من قام بإضافتها في زمن لاحق ثم أخذت القصة في الانتشار ؟ رغم أن هناك العديد من العلماء الذين قالوا بأن هذه القصة تم إضافتها لاحقاً, ما زال هناك من يُدافع عن هذه القصة على أساس أن صاحب الإنجيل قام بكتابتها في نسخته الأصلية, ويحاولون جاهدين تبرير سبب غياب القصة من المخطوطات القديمة.

ما الذي جعل إضافة قصة كاملة مثل قصة المرأة الزانية أمراً ممكناً ؟ السبب الرئيسي هو أن العهد الجديد كتاب مكتوب بأسلوب بشري بحت, يستطيع أي إنسان أن يُقَلِّد هذا الأسلوب البشري ويكتب مثله, فيَدُسّ ما كتبه في أي مخطوطة من مخطوطات الكتاب, ونظراً لعدم وجود أحد يحفظ الكتاب عن ظهر قلب, فسيَظُنّ قارئ المخطوطة التي تحتوي على قصة مُزَوَّرَة أنها من أصل الكتاب ! وإذا قام شخص ما بعمل نسخة من هذه المخطوطة التي تحتوي على قصة كاملة مُزَوَّرَة, سيُسَاهِم في نشرها, وهكذا نجد مخطوطات تحتوي على القصة ومخطوطات أخرى لا تحتويها !

أما عن القرآن الكريم, فقد أعلن الله U عن تحديه لجميع خلقه – لإثبات وحي القرآن الكريم الـمُعجز – بأن يأتوا بعشر سور مثل سور القرآن الكريم فقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [هود : 13]

وبعد أن عجز الجميع عن الإتيان بعشر سور, قام الله U بتقليل مستوى التحدي, لا لشيء إلا لبيان مدى ضعف وعجز الخلق عن الإتيان بمثل القرآن فقال: {وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38)} [يونس]

          قال الإمام الطبري رحمه الله: [قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون: افترى محمد هذا القرآن من نفسه فاختلقه وافتعله؟ قل يا محمد لهم: إن كان كما تقولون إني اختلقته وافتريته، فإنكم مثلي من العَرب، ولساني مثل لسانكم، وكلامي مثل كلامكم، فجيئوا بسورة مثل هذا القرآن.][[148]]

وقال أيضاً الإمام القرطبي رحمه الله: [{قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ} ومعنى الكلام الاحتجاج، فإن الآية الأُولى دلّت على كون القرآن من عند الله؛ لأنه مصدّق الذي بين يديه من الكتب وموافق لها من غير أن يتعلم محمد r عن أحد.وهذه الآية إلزام بأن يأتوا بسورة مثله إن كان مفترًى.][[149]]

وهكذا في النهاية, أعلن الله U أن هذا أمر مُحال على جميع خلقه وإن اجتمعوا على ذلك فقال: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء : 88]. قال الإمام الطبري رحمه الله مُفسِّراً هذه الآية: [يقول جل ثناؤه: قل يا مـحمد للذين قالوا لك: أنا نأتـي بـمثل هذا القرآن: لئن اجتـمعت الإنس والـجنّ علـى أن يأتوا بـمثله، لا يأتون أبداً بـمثله، ولو كان بعضهم لبعض عوناً وظهراً.][[150]]

وقال أيضاً الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [ثم نبه تعالى على شرف هذا القرآن العظيم، فأخبر أنه لو اجتمعت الإنس والجن كلهم، واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزل على رسوله، لما أطاقوا ذلك، ولما استطاعوه، ولو تعاونوا وتساعدوا وتظافروا؛ فإن هذا أمر لا يستطاع، وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق الذي لا نظير له، ولا مثال له، ولا عديل له ؟][[151]]

وقال أيضاً الإمام البغوي حفظه الله: [قوله جلّ وعلا: {قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}، لا يقدرون على ذلك، {وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}، عوناً ومظاهراً. نزلت حين قال الكفار: لو نشاء لقلنا مثل هذا فكذبهم الله تعالى. فالقرآن معجز في النظم والتأليف والإِخبار عن الغيوب، وهو كلام في أعلى طبقات البلاغة لا يشبه كلام الخلق، لأنه غير مخلوق، ولو كان مخلوقاً لأتوا بمثله.][[152]]

وقال أيضاً الإمام علاء الدين البغدادي رحمه الله: [فالقرآن معجز في النظم والتأليف والإخبار عن الغيوب، وهو كلام في أعلى طبقات البلاغة لا يشبه كلام الخلق لأنه كلام الخالق وهو غير مخلوق ولو كان مخلوقاً لأتوا بمثله.][[153]]

وقال أيضاً شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي رحمه الله: [والمقصود أنهم لا يستطيعون الإِتيان بمثله على أية حال من الأحوال؛ وبأية صورة من الصور، لأنه متى انتفى إتيانهم بمثله مع المظاهرة والمعاونة، انتفى من باب الأولى الإِتيان بمثله مع عدمهما.][[154]]

وأعلن الله U عن عجزهم مرة أخرى فقال: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)} [البقرة]

          قال الإمام الطبري رحمه الله: [يعنـي تعالـى بقوله: {فإنْ لَـمْ تَفْعَلُوا}: إن لـم تأتوا بسورة من مثله، وقد تظاهرتـم أنتـم وشركاؤكم علـيه وأعوانكم. فتبـين لكم بـامتـحانكم واختبـاركم عجزكم وعجز جميع خـلقـي عنه، وعلـمتـم أنه من عندي، ثم أقمتـم علـى التكذيب به. وقوله: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} أي لن تأتوا بسورة من مثله أبداً.][[155]]

          وقال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [قال تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} ولن لنفي التأبيد في المستقبل، أي: ولن تفعلوا ذلك أبداً. وهذه -أيضًا- معجزة أخرى، وهو أنه أخبر أن هذا القرآن لا يعارض بمثله أبداً وكذلك وقع الأمر، لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن، وَأنَّى يَتَأتَّى ذلك لأحد، والقرآن كلام الله خالق كل شيء ؟ وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين ؟!][[156]]

          وهكذا نكون قد أثبتنا أن بما لا يدع مجالاً للشك أنه يستحيل تحريف القرآن الكريم بأي طريقة من الطرق, فقد سخَّر اللهُ U لكتابه من يحفظه من كل سوء, وأريد أن أقول عبارة, وليتفكر فيها الجميع: إذا قام أحدٌ بالتشكيك في القرآن الكريم فقد شكك في مصداقية جميع الكتب على وجه الأرض, فإننا لا نجد لأي كتاب على وجه الأرض ما للقرآن الكريم من حفظ وانتشار.

لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم

* آيات كثيرة جداً ضِدّ النصارى !

          بقيت نقطة واحدة فقط, وأنا شخصياً أعتقد أن هذه النقطة, سقطة علمية كبيرة من الأنبا بيشوي, وتناقض ظاهري مع قول آخر له, وهذه النقطة خاصة بقوله: [لمجرد وضع شيء ضد النصارى], التناقض الظاهري مع عبارتين له قبل وبعد أن قال هذه العبارة وهما: [لأن هناك نصوص أخرى لست أدري إن كانت قيلت وقتما قال نبي الإسلام القرآن] و [وهناك نصوص أخرى تشبه هذا النص لكن هذا النص ذُكِر مرتين].

          إلى هنا وجب علينا طرح سؤالين في غاية الأهمية:

السؤال الأول: إذا كان الأنبا بيشوي يعلم أن هناك نصوص أخرى, فلماذا الاعتراض على هذه الآية بالتحديد ؟ هل لأنها تُكَفِّر من يقول بأن الله I هو المسيح ابن مريم u, وهذا يعني تكفير لمن يعتقد بأن الله I نزل من السماء وعاش بين الناس على الأرض بواسطة التجسد, وكان بذلك شخص المسيح u نفسه ! وهي أهم عقيدة مسيحية على الإطلاق, بالإضافة إلى أن هذا التكفير الصريح ورد مرتين في القرآن الكريم, قد تكون هذه هي الأسباب التي جعلت الأنبا بيشوي يوجه نقده لهذه الآية تحديداً, ولكن ظاهر كلامه يدل على أنه يعلم بوجود آيات أخرى مثل هذه الآية, وهذا يقودنا إلى سؤال آخر.

           السؤال الثاني: هل سيقوم الأنبا بيشوي بانتقاد كل آية يجد فيها تعارض مع العقيدة المسيحية ؟! هذا ظاهر عبارته: [لأن هناك نصوص أخرى لست أدري إن كانت قيلت وقتما قال نبي الإسلام القرآن], أم أنه سيكتفي بانتقاد أعظم آية ضد المسيحية من وجهة نظره, ثم يعتمد على نظرية أن التشكيك في آية يشكك في جميع الآيات الأخرى ؟!

اعتقد أن هذه خطة أفضل من أن ينتقد كل آية تتعارض مع المسيحية, على أساس أن هناك عداوة شخصية بين الإسلام والمسيحية, والقرآن الكريم يفتري على المسيحية باطلاً لمجرد الاختلاف والتعارض ! بل الحقيقة هي أن القرآن الكريم يحتوي على عشرات الآيات التي تتعارض مع جميع العقائد المسيحية المخالفة للإسلام العظيم ! وهذا ليس حال القرآن الكريم مع المسيحية فقط, بل مع جميع العقائد المخالفة للإسلام, فلم يترك الله U فرصة لأي شخص يأتي يوم القيامة ويقول: لقد كنت على ضلالة ما ولم توضح لي يا ربي الحق فيها, هذا لن يحدث !

ولكن لنعلم مدى قوة القرآن الكريم لننظر إلى بعض أهم العقائد المسيحية التي يعتنقها الأنبا بيشوي, ونرى كيف قدَّم اللهُ U لنا التفنيدات المفحمة لهذه العقائد الكفرية الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان.

* أهم العقائد المسيحية:

          العقائد المسيحية المختلفة مترابطة مع بعضها البعض, ولكن أهم عقيدة مسيحية يتم الترويج لها في العالم هي عقيدة الفداء والصلب, والتي تقول بأنك إذا آمنت بأن المسيح u صُلِب ومات وقام من الأموات بعد ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ فإنك بهذا قد أصبحت باراً أمام الله, ويوم القيامة ستدخل ملكوت السموات (المصطلح المسيحي للتعبير عن الجنة).

ولكن هل أي إيمان بالمسيح u يكفي ؟ بالطبع لا, فيجب عليك أن تؤمن بأن المسيح u هو الله الذي تجسَّد وتأنَّس, وهو الذي صُلِب ومات وقام من الأموات بعد ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ. بكلمات أخرى بسيطة, عليك أن تؤمن بأن الله I عاش على الأرض كإنسان بواسطة التجسُّد, وهذا الإنسان هو المسيح عيسى ابن مريم u, أي: أن تقول بأن الله هو المسيح ابن مريم !

ولكن هل أي إيمان بالله I يكفي ؟ بالطبع لا, فيجب عليك أن تؤمن بأن الإله ثلاثة أقانيم: آب, وابن, وروح قدس, وأن هؤلاء الثلاثة هم جوهر إلهي واحد, فمَنْ مِنْ هؤلاء الثلاثة هو الذي تجسَّد وتأنَّس ؟ إنه الابن.

عليك أن تؤمن إذاً أن أحد الأقانيم الثلاثة, وهو الابن, عاش على الأرض كإنسان بواسطة التجسُّد, وهذا الإنسان هو المسيح عيسى ابن مريم u, وأن المسيح عيسى ابن مريم u – الإله المتجسد – قد صُلِب ومات وقام من الأموات بعد ثلاثة أيام وثلاث ليالْ, فتصير بهذا الإيمان باراً أمام الله الـمُثَلَّث الأقانيم ! ويوم القيامة ستدخل ملكوت السموات. كل هذا بحسب الإيمان المسيحي !

نستطيع أن نقوم بتلخيص هذه العقائد في النقاط التالية:

  • الإله (الله) ثلاثة أقانيم: (الله الـ) آب, و(الله الـ) ابن, و(الله الـ) روح قدس.
  • الأقنوم الثاني (الله الابن) هو ابن الله (الآب) بالحقيقة, المولود منه.
  • الأقنوم الثاني (الله الابن) عاش على الأرض كإنسان بواسطة التجسُّد, وهذا الإنسان هو المسيح u.

هناك نقطة في غاية الأهمية, سأقوم بإذن الله U بتوضيحها من خلال الإجابة على سؤال مهم, نحن نعلم أن الإيمان بأن الله U مُثَلَّث الأقانيم كُفر, والإيمان بأن الله U هو المسيح u كُفر, والإيمان بأن المسيح u هو ابن الله U كُفر, ولكن هل الإيمان بأن المسيح u قد صُلِب ومات على الصليب كُفر ؟! اسأل الله U أن يوفقني للحق في هذه المسألة, فإن كنت مُحقاً فهذا فضل من الله U, وكنت مُخطئاً فمن نفسي ومن الشيطان.

صورة توضيحية لترابط العقائد المسيحية

4 2

          لا شك ولا ريب في أن كل من يؤمن بأن المسيح u قد صُلِب ومات على الصليب, بعد بعثة محمد r, قد كَفَر بصريح ما أنزله اللهُ U في قرآنه الكريم حيث قال: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء : 157], وسوف نقوم بتفصيل هذه الآية الكريمة فيما بعد, ولكنني أريد أن أطرح السؤال نفسه مرة أخرى مع الأخذ في الاعتبار أننا نتكلم عن الفترة الزمنية ما بين بعثة المسيح u وبعثة نبينا محمد r. السؤال مرة أخرى: هل من آمن بأن المسيح u قد صُلِب ومات على الصليب كَفَر ؟

          الإجابة: لم يُعلن لنا اللهُ U في كتابه الكريم عن كُفر من آمن بأن المسيح u قد صُلِب ومات على الصليب – قبل بعثة محمد r – مُجرد موت عادي, أي أنه اعتقد بأن اليهود فعلاً قدروا على المسيح u وأمسكوه وقتلوه عن طريق صلبه, وليس لهذا الموت أي دخل بقضايا فداء أو تبرير أمام الله أو غير ذلك, ولكن الله U قد أعلن لنا أن المسيح u لم يُصلب ولم يُقتل, ولكني أقول: إن الإيمان بموت المسيح u على الصليب قد يكون كُفراً, بحسب ما أنت تعتقده في المسيح u, فكما هو معروف: ما بُني على الباطل فهو باطل, وهكذا أيضاً: ما بُني على الكُفر فهو كفر.

          بكلمات أكثر بياناً ووضوحاً: إذا كان الكتابيّ يؤمن بأن المسيح u هو عبد الله ورسوله, فهو هكذا على الإيمان السليم, ولكنه كان يؤمن أيضاً بأن المسيح u قد مات على الصليب, مُجرد موت عادي, أي أنه اعتقد بأن اليهود فعلاً قدروا على المسيح u وأمسكوه وقتلوه عن طريق صلبه, وليس لهذا الموت أي دخل بقضايا فداء أو تبرير أمام الله أو غير ذلك, فما أدين الله U به هو: إن هذا الشخص الذي آمن بهذا قبل بعثة محمد r ليس كافراً.

ولـمُجرَّد العلم بالشيء: كانت هناك فرق مسيحية كثيرة جداً قبل بعثة محمد r تؤمن بأن التبرير أمام الله, أو دخول ملكوت السموات, ليس له أي علاقة بموت المسيح u على الصليب[[157]], وهناك أيضاً فرق مسيحية أخرى كثيرة جداً قبل بعثة محمد r تؤمن بأن المسيح u لم يُقتل أصلاً ولم يُصلب, بل أن المصلوب كان شخصاً آخر أخذ شكل المسيح u ![[158]]

          ولكن إذا كان الكتابيّ يؤمن بأن المسيح u هو الله الذي تجسد وعاش على الأرض كإنسان, فهذا كُفر, فإن أضاف على هذا الكُفر أشياء أخرى مبنية على ما سبق, فهو بالتالي كُفر أيضاً, لماذا ؟ لأننا لو سألنا الأنبا بيشوي, هل يُصبح الإنسان باراً أمام الله إذا اعتقد بأن المسيح u مات على الصليب ولكنه لم يكن الله بالحقيقة ؟ الإجابة: بالطبع لا !

وتذكروا كلام أثناسيوس والذي سأعيده عليكم مرة أخرى حتى تدركوا مدى بشاعة الكفر: [جميع هذه الأمور أوضحت أن المسيح الذي على الصليب هو الله.] فهو يقول أن الذي مات على الصليب هو الله سبحانه وتعالى ! والعياذ بالله. وتذكر أيضاً ما قاله كيرلس: [فقد تألم هو – اللوغوس المتجسد – بجميع هذه الآلام], وقال أيضاً: [إن المسيح جاع, وتعب من السفر, ونام في السفينة, ولُطم من الخدام, وجُلد من بيلاطس, وتُفل عليه من العسكر, وطُعن بالحربة في جنبه, وقَبِلَ في فمه خلاً ممزوجاً بمُرّ؛ بل وذاق الموت محتملاً الصليب وإهانات أخرى من اليهود.]

والآن, فقط لتدرك بشاعة الكفر, قم بتبديل اسم “المسيح” u بـ “الله” I, فستكون النتيجة كالآتي: الله I جاع, الله I تعب من السفر, الله I نام في السفينة, الله I لُطم من الخدام, الله I جُلد من بيلاطس, الله I تُفِل عليه من العسكر, الله I طُعن بالحربة في جنبه, الله I ذاق الموت مُحتملاً الصليب وإهانات أخرى ! اللهم إني أبرأ إليك من هذا الكفر, ولتعلموا فقط لماذا يقوم بعض أئمة المسلمين بلعن النصارى عندما يأتون على ذكر عقائدهم, فهل هناك كفر أبشع من هذا الكفر الذي وقع فيه النصارى. اسأل الله I أن يهديهم إلى الإسلام.

وهكذا, لم يبقى لنا الآن إلا أن نقوم بعرض بعض من الآيات القرآنية الكثيرة التي تُفَنِّد عقائد النصارى.

* قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ:

          سورة الإخلاص تحتوي على تفنيد رائع جداً ومُجمل لعقيدة التثليث ! في هذه السورة يقول الله U: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ (4)} [الإخلاص], وقد أخبرنا الإمام الطبري رحمه الله عن سبب نزول السورة في تفسيره فقال: [ذُكر أن المشركين سألوا رسول الله r عن نسب ربّ العزة، فأنزل الله هذا السورة جواباً لهم. وقال بعضهم: بل نزلت من أجل أن اليهود سألوه، فقالوا له: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله؟ فأُنزلت جواباً لهم.][[159]]

          ورغم أن السورة لم تنزل في النصارى, ولكنها تُفَنِّد الثالوث ! فمن مُجَرَّد نظرة سريعة للآيات, نستطيع أن نجزم أن هذه الآيات تمس المسيحية مساساً مُباشراً في صميم عقائدها. على سبيل المثال, من الذين يقولون بأن اللهَ وَلَدَ ابناً ؟! تذكروا معي ما قاله أثناسيوس: [نعترف بابن الله المولود من الآب], بالإضافة إلى ما سبق, ألا تعلمون ما يقوله قانون الإيمان المسيحي ؟ اقرؤوا معي: [وبرب واحد يسوع المسيح, ابن الله وحيد الجنس, المولود من الآب قبل كل الدهور][[160]]

          إذن, ما دامت السورة تنفي عن الله I فعل الولادة, والنصارى يُثبتون لله I فعل الولادة, فهناك علاقة مباشرة بين هذه السورة وعقائد النصارى. والآن فلنبدأ بالآية الأولى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص : 1]

          قد لا يعلم الكثيرون الفرق بين كلمتيّ “واحد” و “أحد”, ففي هذه الآية الكريمة يصف الله I نفسه بأنه “أَحَدٌ”.

والآن, سنُبحر بإذن الله U في كتابات العلماء المسلمين لنعرف جيداً الفرق بين كلمتيّ “واحد” و “أحد”, ولنبدأ بكلام الإمام القرطبي رحمه الله: [قال الأقليشي: فأما وصف الله تعالى بـ “الأحد“, فالفرق بينه وبين “الواحد” أن: الأحد هو الذي ليس بُمنقَسِم, ولا مُتَحَيِّز. فهو على هذا اسم لِعَيْنِ الذات, فيه سَلْب الكثرة عن ذاته. وأما الواحد فهو وصف لذاته فيه سَلْب الشريك والنَّظِير عنه فافترقا.][[161]]

وبكلمات أبسط نستطيع أن نقول: عندما يصف الله U نفسه بأنه “أَحَدٌ”, فإنه I ينفي عن ذاته أي تعدديه, وعندما يصف الله U نفسه بأنه “واحد”, فإنه I ينفي الشريك والنظير.

          لا تقلق صديقي القارئ, فلن أتركك بإذن الله U حتى تفهم الفرق بين الكلمتين جيداً. قدَّم لنا الإمام شهاب الدين الألوسي رحمه الله كلاماً رائعاً تفصيلياً حول الفرق بين الكلمتين فقال: [ونقل عن بعض الحنفية أنه قال في التفرقة بينهما: إن الأحدية لا تحتمل الجزئية والعددية بحال والواحدية تحتملها (…) إن أحداً دال على أنه تعالى واحد من جميع الوجوه, وأنه لا كثرة هناك أصلاً؛ لا كثرة معنوية, وهي كثرة المقومات والأجناس والفصول وكثرة الأجزاء الخارجية المتمايزة عقلاً كما في المادة والصورة والكثرة الحسية بالقوة, أو بالفعل كما في الجسم, وذلك يتضمن لكونه سبحانه منزهاً عن الجنس والفصل والمادة والصورة والأعراض والأبعاض والأعضاء والأشكال والألوان وسائر ما يثلم الوحدة الكاملة والبساطة الحقة اللائقة بكرم وجهه U عن أن يشبهه شيء أو يساويه سبحانه شيء.][[162]]

          اعتقد أن الأمر أصبح الآن أكثر وضوحاً الآن, وبالمثال يتضح المقال, انظر إلى إصبع من أصابع يدك العشرة, تستطيع أن تقول عن إصبع من أصابعك: هذا إصبع واحد, ولكنك لا تستطيع أن تقول: هذا إصبع أحد, لماذا ؟ لأن الإصبع مكون من ثلاث عقلات, فما دام في الشيء أي نوع من أنواع التعدد, فلا نستطيع أن نقول أنه أحد.

وهكذا قال الإمام الشنقيطي رحمه الله: [قال الأزهري: لا يوصف شيء بالأحدية غير الله تعالى، لا يقال: رجل أحد, ولا درهم أحد، كما يقال: رجل واحد, أي فرد به، بل “أحد” صفة من صفات الله تعالى, استأثر بها فلا يشركه فيها شيء.][[163]]

          وهكذا أيضاً قال شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي رحمه الله في تفسير وصف الله I بأنه “أَحَدٌ”: [والأحد: هو الواحد في ذاته وفى صفاته وفى أفعاله، وفى كل شأن من شئونه، فهو مُنَزَّه عن التركيب من جواهر متعددة، أو من مادة معينة، كما أنه U مُنَزَّه عن الجِسمِيَّة والتَّحَيُّز، ومُشَابهة غيره.][[164]]

وقال الشيخ محمد عاشور رحمه الله: [فلما أُرِيدَ في صَدر البعثة إثبات الوحدة الكاملة لله تعليماً للناس كلهم، وإبطالاً لعقيدة الشرك, وُصف الله في هذه السورة بــــ “أحد” ولم يوصف بـــ “واحد” لأن الصفة المشبهة نهايةُ ما يُمكن به تقريب معنى وحدة الله تعالى إلى عقول أهل اللسان العربي المبين.][[165]], أي أن كلمة “أَحَدٌ” تعطي أقصى معنى للوحدة فلا يمكن وجود أي تعددية بأي حال من الأحوال.

* أقانيم أم أسماء وصفات ؟:

          والآن إلى السؤال المهم جداً: هل تتفق عقيدة التثليث مع وصف الله I بأنه “أَحَدٌ” ؟ بالطبع لا ! لذلك نستطيع أن نقول بمنتهى البساطة: إن من يعتقد بالتثليث كفر بأن الله I “أَحَدٌ” ! لأن الثالوث يعتمد اعتماداً رئيسياً على أن هناك تعددية حقيقية, فيقولون أن هناك ثلاثة أقانيم, فما معنى كلمة أقنوم ؟

          قال الأنبا بيشوي نفسه: [السؤال: ما معنى كلمة أقنوم ؟ الجواب: كلمة أقنوم باليونانية هي هيبوستاسيس (…) ولاهوتياً معناها ما يقوم عليه الجوهر أو ما يقوم فيه الجوهر أو الطبيعة. والأقنوم هو كائن حقيقي له شخصيته الخاصة به, وله إرادة, ولكنه واحد في الجوهر والطبيعة مع الأقنومين الآخرين بغير انفصال.][[166]]

إذا قال المسيحي أن الله I ثلاثة أقانيم, فإنه يقول بثلاث كائنات حقيقية, لكل كائن شخصيته وإرادته الخاصة به. ولكي يتضح لك فكر المسيحي الأرثوذكسي, سأقوم بعرض هرطقة (أي: أقوال كفرية عند المسيحيين), وكما يُقال: بالضد تُعرف الأشياء.

هرطقة سابيليوس والذي قال عنه الأنبا بيشوي: [اعتقد سابيليوس بأن الله هو أقنوم واحد وليس ثلاثة أقانيم, أي أقنوم واحد بثلاثة أسماء, وأن هذا الأقنوم حينما خلقنا فهو الآب, وحينما خلَّصنا فهو الابن, وحينما قدَّسنا فهو الروح القدس.][[167]]

نستطيع أن نقول بكلمات أبسط: سابيليوس قال: إن الآب والابن والروح القدس, مجرد أسماء لله I, أو صفات اتصف بها حين فعل أشياء مُعيَّنة, وهذا الـمُعتقد في الله عند الكنيسة الأرثوذكسية يُعتبر كُفر بالله I, فلابد من التعددية الحقيقية من خلال ثلاث كائنات, لكل منهما شخصيته وإرادته الخاصة به !

* كَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ:

هذا الكلام سيدفعني دفعاً إلى الرد على حوار قام الأنبا بيشوي بطرحه, ثم نرجع مرة أخرى إلى سورة الإخلاص:

[لقد استضافني الإعلامي محمود سعد في برنامج “البيت بيتك”, وطلب مني شرح عقيدة الثالوث فشرحت عقيدة الثالوث. وبدأت الحديث بنص من القرآن يقول: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران : 45], فسألته: “ألا يعني هذا أن المسيح هو كلمة الله, كلمة منه اسمه المسيح ؟” فوافقني وأضاف: “هو كلمة الله وروح منه”, فقلت له: “هل إذا قلت لأي شخص أنت ليس لك كلمة ألا يغضب ؟”, فأجابني: “هذه تعتبر إهانة”, فسألته: “إذاً هل يمكنك أن تقول لله أن ليس له كلمة ؟”, فقال: “حاشا لله” …][[168]]

          قد علَّقنا من قبل على أن الأنبا بيشوي يبدأ بشرح العقيدة المسيحية من القرآن الكريم, ولكن قضيتنا الأكبر الآن هي أن الأنبا بيشوي يحاول استخدام مفاهيم إسلامية ليوهم الناس أن هذه هي المسيحية, وهو في الحقيقة يشرح عقيدة كفرية في اعتبار المسيحية الأرثوذكسية, وأنا أعلم يقيناً أنه يعلم يقيناً أنه يخدع الناس فقط ليسمعهم ما يفهمون, وحتى يعتقدون أن عقيدة المسيحيين في الله I لا تختلف كثيراً عما يعتقده المسلم في الله I !

          نستطيع أن نهدم استدلال الأنبا بيشوي من بدايته إلى نهايته بعبارة واحدة قالها, ألا وهي: [هل إذا قلت لأي شخص أنت ليس لك كلمة ألا يغضب ؟], ثم نجد السؤال الآتي: [فسألته: “إذاً هل يمكنك أن تقول لله أن ليس له كلمة ؟”, فقال: “حاشا لله” …], فهل يُريد الأنبا بيشوي أن يوصل للناس معنى أن الله I مُتَّصف بأن له كلمة ؟! هذا واضح جداً من الكلام, شخص له كلمة, الله له كلمة وهكذا.

نحن كمسلمين نعتقد اعتقاداً راسخاً بأن الله U مُتكَلِّم, فقد قال الله U في كتابه الكريم: {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء : 164], ولكننا لا نقول أن الله U يتكلم بـ “الكلمة”, أو أن لله U كلمة واحدة ! بل أننا لا نستطيع أبداً أن نحصر كلمات الله U حيث قال: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان : 27], وقال أيضاً: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً} [الكهف : 109]

          وإذا كان الأنبا بيشوي يقصد بعبارته: [هل إذا قلت لأي شخص أنت ليس لك كلمة ألا يغضب ؟], أن هذا الشخص لا يستطيع إنفاذ أمره إذا أمر به, فنحن نقول أن هذا باطل في حق الله U, بل أنه I قال في كتابه الكريم: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام : 115], وقال أيضاً: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً} [الكهف : 27], وقال أيضاً: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس : 82], وقال أيضاً: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [النحل : 40], وقال أيضاً: {فَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [غافر : 68], وقال أيضاً: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [مريم : 35]

          بالإضافة إلى كل ما سبق, نجد الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله قال: [قال الله تعالى: {إِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ} أي: بولد يكون وجوده بكلمة من الله، أي: يقول له: كن، فيكون، وهذا تفسير قوله: {مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ} كما ذكر الجمهور على ما سبق بيانه.][[169]]

          والأكثر من ذلك أن بعد الآية التي استشهد بها الأنبا بيشوي بآيتين, نجد الله U يقول: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران : 47], وهذه آية صريحة تدل دلالة قطعية على أن الله U خلق المسيح u عن طريقة كلمة “كُن”, فكان المسيح u ولم يكن قبله. أي أن الكلمة لم تصبح المسيح u, ولكن كان المسيح u مخلوقاً بواسطة الكلمة.

          قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية السابقة: [يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: قالت مريـم ـ إذ قالت لها الـملائكة: إن الله يبشرك بكلـمة منه ـ: {رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ}: من أي وجه يكون لـي ولد ؟ أمن قِبَل زوج أتزوّجه وبعل أنكحه ؟ أو تبتدئ فـي خـلقه من غير بعل ولا فحل، ومن غير أن يـمسنـي بشر ؟ فقال الله لها: {كَذٰلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} يعنـي: هكذا يخـلق الله منك ولداً لك من غير أن يـمسك بشر، فـيجعله آية للناس وعبرة، فإنه يخـلق ما يشاء، ويصنع ما يريد، فـيعطي الولد من شاء من غير فحل ومن فحل، ويحرم ذلك من يشاء من النساء وإن كانت ذات بعل، لأنه لا يتعذّر علـيه خـلق شيء أراد خـلقه، إنـما هو أن يأمر إذا أراد شيئاً ما أراد، فـيقول له كن فـيكون ما شاء مـما يشاء، وكيف شاء.][[170]]

وقال أيضاً الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [{كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} أي: هكذا أمْرُ الله عظيم، لا يعجزه شيء. وصرح هاهنا بقوله: {يَخْلُقُ} ولم يقل: “يفعل” كما في قصة زكريا، بل نص هاهنا على أنه يخلق؛ لئلا يبقى شبهة، وأكد ذلك بقوله: {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} أي: فلا يتأخر شيئًا، بل يوجد عقيب الأمر بلا مهلة، كقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر : 50] أي: إنما نأمر مرة واحدة لا مثنوية فيها، فيكون ذلك الشيء سريعًا كلمح بالبصر.][[171]]

          وبعد هذا لا أجد كلاماً أكثر جمالاً من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغفر الله لنا وله: [ففي هذا الكلام وجوه تُبَيِّن أنه مخلوق ليس هو ما يقوله النصارى. منها أنه قال: {بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ} وقوله بكلمة منه نكرة في الإثبات يقتضي أنه كلمة من كلمات الله ليس هو كلامه كله كما يقوله النصارى. ومنها أنه بَيَّن مراده بقوله بكلمة منه, وأنه مخلوق حيث قال: {كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}. كما قال في الآية الأخرى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران : 59] وقال تعالى في سورة كهيعص: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (35)} [مريم] فهذه ثلاث آيات في القرآن تبين أنه قال له: {كُن فَيَكُونُ} وهذا تفسير كونه كلمة منه.][[172]]

          والآن, لزيادة بيان بطلان كلام الأنبا بيشوي, نريد الآن أن نسأل سؤالاً في غاية الأهمية: هل يمكننا أن نقول أن الكينونة في الثالوث القدوس قاصرة على الآب وحده ؟ والعقل قاصر على الابن وحده ؟ والحياة قاصرة على الروح القدس وحده ؟, بمعنى: هل الآب هو الذات الإلهية ؟ وهل المسيح هو كلمة الله فقط ؟ وهل الروح القدس هو روح الله فقط ؟

          الأنبا بيشوي قال الجواب: [لا, لا يمكننا أن نقول هكذا, فينبغي أن نلاحظ أنه طبقاً لتعاليم الآباء, فإن الكينونة أو الجوهر ليس قاصراً على الآب وحده (…) وكذلك العقل ليس قاصراً على الابن وحده, لأن الآب له صفة العقل, والابن له صفة العقل, والروح القدس له صفة العقل, لأن هذه الصفة من صفات الجوهر الإلهي (…) وبالنسبة لخاصية الحياة فهي ليست قاصرة على الروح القدس وحده, لأن الآب له صفة الحياة, والابن له صفة الحياة, والروح القدس له صفة الحياة, لأن الحياة هي من صفات الجوهر الإلهي.][[173]]

          هذا بيان للناس واضح جداً وصريح, بأن الأنبا بيشوي عندما يتكلم على القنوات الفضائية لا يشرح المسيحية الحقيقية, ولكنه فقط يقول كلاماً مُستساغاً لأذن المستمع المسلم, حتى يجد في نهاية الحلقة من يشكره ويقول له إن المسيحية جميلة ومفهومة ومعقولة, ونحن سعداء بهذا الشرح الرائع ونريد المزيد من الحلقات وما إلى ذلك, ولو علموا حقيقة المسيحية من الأقوال الآبائية لما رضوا أبداً أن يخرج أحد الناس على شاشات التلفاز ليقول هذا الكلام.

* اللَّهُ الصَّمَدُ:

          والآن, لنعود مرة أخرى إلى سورة الإخلاص, وإلى قول الله U: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص : 2]

          قال الإمام الطبري رحمه الله في معنى اسم الله الصمد: [وقوله: {اللّهُ الصَّمَدُ} يقول تعالى ذكره: المعبود الذي لا تصلح العبادة إلاَّ له الصمدُ.][[174]], ونقل أيضاً كلام ابن عباس t: [عن ابن عباس، في قوله: {الصَّمَدُ} يقول: السيد الذي قد كمل في سُؤدَدِه، والشريف الذي قد كمُل في شرفه، والعظيم الذي قد عظُم في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغنيّ الذي قد كمل في غناه، والجبَّار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسُّؤدَد، وهو الله سبحانه هذه صفته، لا تنبغي إلاَّ له.][[175]], وبكلمات أقل, الصمد تعني: الإله الحقيقي الوحيد الـمُستحق للعبادة, الذي له جميع صفات الكمال والجلال.

* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ:

          من المعروف – وكما قلنا سابقاً – أن المسيحية تقول أن هناك آب وابن وروح قدس, وهذا الابن مولود من الآب, وقد نفى الله U الولادة في قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص : 3], قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: [قوله تعالى: {لَمْ يَلِدْ} قال مقاتل: لم يلد فيورَّث {وَلَمْ يُولَدْ} فيشارَك، وذلك أن مشركي العرب قالوا: الملائكة بناتُ الرحمن. وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فبرَّأ نفسه من ذلك.][[176]]

وهناك تعليق بسيط جداً: نسمع كثيراً من المسيحيين عن أن القرآن الكريم لا يتكلم عن العقيدة المسيحية الأرثوذكسية, وأن القرآن الكريم يتكلم عن مَنْ يؤمن بأن الله وَلَدَ ابناً عن طريق مُعاشرة جنسية ! وأن الآية التي تقول: {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ} [المائدة : 116], لا تتكلم عنَّا, ولكنها تتكلم عن هراطقة حاربتهم الكنيسة !

          نقل الأنبا بيشوي الحوار الذي دار بينه وبين الإعلامي محمود سعد قائلاً: [فتساءل كيف تسمونه “الابن”, فقلت له: “ألا تولد الكلمة من العقل كما يولد الفكر من العقل ؟”, فوافقني, فأجبته: “لذلك يُسمى بالابن ولكن ليس هو ابن من امرأة ولا من زواج ولا من هو أمر حسي, بل هو مثل ولادة الشعاع من النور والفكر من العقل”, فأجابني قائلاً: “إذن ليس هناك فرق بين الإسلام والمسيحية سوى شعرة رفيعة”.][[177]]

          رداً على هذا الكلام أقول: لن أتكلم في الزواج وما إلى ذلك, لأن زميلي الأستاذ مُعاذ عِليان حفظه الله قد تحدث في هذا الموضوع باستفاضة في كتابه “عبادة مريم في المسيحية[[178]], ولكنني أريد أن ألفت الأنظار إلى نقطة أخرى في غاية الأهمية. الآية واضحة وفي منتهى البساطة: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}, إذن, الله I لم يَلِدْ, أياً كان مفهوم الولادة, وكذلك الله I ينفي أن يكون مولوداً, بل انظر إلى هذه النقطة القاتلة, والتي تدل دلالة قطعية على أن هذه الآية ضد المسيحية !

الله U يقول: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}. الآب في المسيحية هو الله I, والابن أيضاً في المسيحية هو الله I, وكل مسيحي يعتقد بأن (الله الـ) الآب وَلَدَ (الله الـ) الابن, والقرآن ينفي هذه العقيدة ويقول: {لَمْ يَلِدْ}. وكل مسيحي أيضاً يعتقد بأن (الله الـ) الابن مولود من (الله الـ) الآب, والقرآن ينفي هذه العقيدة ويقول: {وَلَمْ يُولَدْ}. وهكذا بغض النظر عن الكيفية, القرآن ينفي نسبة الفعلين لله I بأي كيفية, فسواء كانت مثل ولادة النور من النور, أو الفكر من العقل, أو أي تشبيه آخر يستخدمه المسيحيون, الله I ينفي أن يكون مولوداً (الابن), وينفي أن يكون والداً (الآب), ومن اعتقد بأن الله I والد أو مولود فقط كفر بما أنزل على محمد r.

ولتدرك مرة أخرى مدى بشاعة القول بأن (الله الـ) الآب وَلَدَ (الله الـ) الابن, انظر إلى كلام الأنبا بيشوي نفسه: [ببساطة شديدة: إذا كان الابن يستمد كينونته وجوهره بالولادة من الآب قبل كل الدهور, فإن الآب لا يمكن أن يكون هو الإله الحقيقي بدون الابن وبدون الروح القدس.][[179]]

لا تتعجب إذاً, عندما تقرأ في صحيح البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: [قَالَ اللَّهُ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَىَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْأً أَحَدٌ.][[180]], ونجد أيضاً في صحيح مسلم أن رسول الله r قال: [مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى, إِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ لَهُ نِدًّا, وَيَجْعَلُونَ لَهُ وَلَدًا, وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَرْزُقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ وَيُعْطِيهِمْ.][[181]]

          ويقول الله U في كتابه الكريم: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً (92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95)} [مريم]

          قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [وقوله: {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} أي: لا يصلح له، ولا يليق به، لجلاله وعظمته؛ لأنه لا كفء له من خلقه؛ لأن جميع الخلائق عبيد له، ولهذا قال: {إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً لَّقَدْ أَحْصَـٰهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً}.][[182]]

          وقال أيضاً الإمام علاء الدين البغدادي رحمه الله: [أي: ما يليق به “اتِّخاذُ الولد”، لأنة ذلك محال؛ أما الولادة المعروفة فلا مقالة في امتناعها، وأما التبني، فلأن الولد لا بد وأن يكون شبيهاً بالوالد، ولا شبيه لله تعالى، ولأن اتخاذ الولد إنَّما يكون لأغراض إما لسرور، أو استعانةٍ، أو ذكرٍ جميلٍ، وكلُّ ذلك لا يصح في الله تعالى.][[183]]

          وقال أيضاً الإمام السعدي رحمه الله: [{أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ} أي: من أجل هذه الدعوى القبيحة تكاد هذه المخلوقات، أن يكون منها ما ذكر. والحال أنه: {مَا يَنْبَغِي} أي: لا يليق ولا يكون {لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} وذلك لأن اتخاذه الولد، يدل على نقصه واحتياجه، وهو الغني الحميد. والولد أيضا، من جنس والده، والله تعالى لا شبيه له ولا مثل ولا سمي.][[184]]

قال أيضاً الإمام البيضاوي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}: [{لَمْ يَلِدْ} لأنه لم يجانس, ولم يفتقر إلى ما يعينه, أو يخلف عنه لامتناع الحاجة والفناء عليه، ولعل الاقتصاد على لفظ الماضي لوروده رداً على من قال الملائكة بنات الله، أو المسيح ابن الله أو ليطابق قوله: {وَلَمْ يُولَدْ} وذلك لأنه لا يفتقر إلى شيء ولا يسبقه عدم.][[185]]

          وهكذا عندما يقول الأنبا بيشوي عن (الله الـ) الابن أنه: [يستمد كينونته وجوهره بالولادة من الآب], ويقول عن (الله الـ) الآب أنه: [لا يمكن أن يكون هو الإله الحقيقي بدون الابن والروح القدس], نعلم جيداً لماذا قال الله I: {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً}, فإنه I لا يحتاج للابن من أي وجه من الوجوه, وهذه النقطة الحقيقة تُمثِّل إشكالاً كبيراً أطرحه على كل مسيحي في هيئة سؤال:

إذا كنت تعتقد بأن الآب كأقنوم هو إله كامل يستطيع كل شيء ولا يعجزه شيء, وتؤمن بأن الابن كأقنوم هو إله كامل يستطيع كل شيء ولا يعجزه شيء, وتؤمن بأن الروح القدس كأقنوم هو إله كامل يستطيع كل شيء ولا يعجزه شيء, فلماذا ثلاثة وواحد فقط يكفي ؟! هل حدث شيء فاحتاج الإله إلى ابن وروح قدس ؟! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}: [وقوله – سبحانه -: {لَمْ يَلِدْ} تنزيه له – تعالى – عن أن يكون له ولد أو بنت، لأن الولادة تقتضي انفصال مادة منه، وذلك يقتضى التركيب المنافي للأحدية والصمدية، أو لأن الولد من جنس أبيه، وهو – تعالى – منزه عن مجانسة أحد.][[186]]

وهنا أريد لفت انتباه الجميع إلى تعبير “وهو تعالى منزه عن مجانسة أحد”, والذي قاله جميع المفسرين تقريباً. فهذه العبارة تتصادم مع عقيدة المسيحيين التي نجدها في قانون الإيمان النيقاوي “واحد مع الآب في الجوهر”, والجوهر هنا في العقيدة المسيحية هو “الجنس الإلهي”, والذي يجعل الآب مُستحقاً للعبادة, فإن المسيحيين يريدون أن يجعلوا المسيح u من نفس جنس (جوهر) الآب الإلهي, حتى لا يكون أقل منه في العظمة أو المقام أو ما شابه.

وهكذا ينفي الله U هذه العقيدة بقوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}, فإن لم يكن المسيح مولوداً من الله بالحقيقة, إذن فهو ليس من جنس (جوهر) الله I, وغير مُستحق للعبادة ! وفي هذا قال الله I في كتابه الكريم: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف : 81], أي أنه إذا ثبت عن الله I أن له ولد, مولوداً منه, أي من جنسه الإلهي, فهنا سنعبده, ولكن هذا لم يثبت, وقد نفاه الله I, وقال أن هذا كفر, لأن الله I أحد صمد, لا ينبغي له I أن يكون له ولد.

كون أن الله I موصوف بأنه “أحد” وأنه I “صمد”, فهذا يعني بالضرورة أنه {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}, وهكذا قال الإمام العَمادي رحمه الله في تفسيره: [وتعريفُهُ لعلمِهِم بصمديتِهِ بخلافِ أحديَتِهِ, وتكريرُ الاسمِ الجليلِ؛ للإشعارِ بأنَّ منْ لم يتصفْ بذلكَ فهوَ بمعزلٍ منَ استحقاقِ الألوهيةِ, وتعريةُ الجملةِ عنِ العاطفِ لأنَّها كالنتيجةِ للأولى, بـيَّنَ أولاً ألوهيَتَهُ عزَّ وجلَّ المستتبعةَ لكافةِ نعوتِ الكمالِ, ثمَّ أحديتَهُ الموجبةَ تنزهَّهُ عنْ شائبةِ التعددِ والتركيبِ بوجهٍ منَ الوجوهِ, وتوهمِ المشاركةِ في الحقيقةِ وخواصِّهَا, ثُمَّ صمديتَهُ المقتضيةَ لاستغنائِهِ الذاتِيِّ عَمَّا سواهُ, وافتقارِ جميعِ المخلوقاتِ إليهِ, في وجودِهَا وبقائِهَا وسائرِ أحوالِهَا, تحقيقاً للحقِّ وإرشاداً لهُم إلى سنتِهِ الواضحِ, ثُمَّ صَرَّحَ ببعضِ أحكامٍ جزئيةٍ مندرجةٍ تحتَ الأحكامِ السابقةِ فقيلَ {لَمْ يَلِدْ} تنصيصاً على إبطالِ زعمِ المفترينَ في حقِّ الملائكةِ والمسيحِ.][[187]]

ويقول الله U في كتابه الكريم: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون : 91], وفي هذه الآية نفي مُطلق للولد في حق الله I, والأكثر من هذا قول الله: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}, وكلمة “إِلَهٍ” جاءت نكرة للعموم, وكلمة “مِنْ” لاستغراق النفي, بمعنى أنه لم يكن مع الله I من جنس الألوهية أحد غيره. وهكذا قال الإمام أبو حيَّان الأندلسي رحمه الله: [{مِن وَلَدٍ} و {مِنْ إِلَٰـهٍ} نفي عام يفيد استغراق الجنس.][[188]]

          قال أيضاً الشوكاني رحمه الله في تفسير الآية الكريمة: [ثم بين سبحانه أنه قد بالغ في الاحتجاج عليهم فقال: {بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ} أي الأمر الواضح الذي يحقّ إتباعه {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فيما ينسبونه إلى الله سبحانه من الولد والشريك، ثم نفاهما عن نفسه فقال: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} « من » في الموضعين زائدة لتأكيد النفي.][[189]]

وهنا أريد لفت الأنظار إلى قضية مُهمة جداً, ألا وهي أن المسيحي يقول أن الإله آب وابن وروح قدس, أو أن هؤلاء الثلاثة إله واحد, وعندما يستخدم المسيحي العربي اسم “الله” بشكل عام فإنه غالباً ما يقصد الآب, وهكذا أيضاً في العهد الجديد. مع أخذ ما سبق في الاعتبار, نجد أن المسيحية تقول بأن الله (الآب) ولد الابن (المسيح u), وهذا الابن هو من جنس (جوهر) الله (الآب)الإلهي, وأيضاً الروح القدس منبثق من الله (الآب), ومن جنس (جوهر) الله (الآب) الإلهي أيضاً, وبما أن المسيحية تقول بأن الآب ليس هو الابن أو الروح القدس, وأن الابن ليس هو الآب أو الروح القدس, وأن الروح القدس ليس هو الآب أو الابن, فإن هناك ثلاثة بالحقيقة (حسب الإيمان المسيحي) من نفس الجنس (الجوهر) الإلهي, والله U ينفي هذا ويقول: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} !

صورة توضح الثالوث وعلاقة الأقانيم

5 2

          وقال الإمام الطبري رحمه الله: [وقوله: {ما اتَّـخَذَ اللّهُ منْ وَلَدٍ} يقول تعالـى ذكره: ما لله من ولد، ولا كان معه فـي القديـم ولا حين ابتدع الأشياء مَنْ تصلـح عبـادته، ولو كان معه فـي القديـم أو عند خـلقه الأشياء مَنْ تصلـح عبـادته {مِنْ إلهٍ إذاً لَذَهَب} يقول: إذن لاعتزل كلّ إله منهم {بِـما خَـلَقَ} من شيء، فـانفرد به، ولتغالبوا، فلَعَلا بعضهم علـى بعض، وغلب القويّ منهم الضعيف لأن القويّ لا يرضى أن يعلُوَه ضعيف، والضعيف لا يصلـح أن يكون إلها.][[190]]

          وقال أيضاً الإمام النسفي رحمه الله: [{مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ} لأنه منزه عن النوع والجنس وولد الرجل من جنسه {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰـهٍ} وليس معه شريك في الألوهية {إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ} لانفرد كل واحد من الآلهة بالذي خلقه فاستبد به ولتميز ملك كل واحد منهم عن الآخر {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} ولغلب بعضهم بعضاً, كما ترون حال ملوك الدنيا ممالكهم متمايزة وهم متغالبون، وحين لم تروا أثراً لتمايز المماليك وللتغالب فاعلموا أنه إله واحد بيده ملكوت كل شيء.][[191]]

          نجد قول الله U {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} موجوداً في العهد الجديد, حيث أننا نجد عشرات النصوص الدالة على أن الله (الآب) أعظم قدراً من الجميع, وما غيره من دونه, وأقل منه شأناً, ونجد بشكل صريح وواضح أن المسيح u (الابن) يُعلن هذا صراحة, وإليكم أمثلة على هذه النصوص:

متَّى 20/23 {وَأَمَّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلَّذِينَ أُعِدَّ لَهُمْ مِنْ أَبِي}, يوحنا 5/30 {أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي}, يوحنا 10/29 {أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ}, يوحنا 14/28 {لَوْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي لَكُنْتُمْ تَفْرَحُونَ لأَنِّي قُلْتُ أَمْضِي إِلَى الآبِ لأَنَّ أَبِي أَعْظَمُ مِنِّي}, وبولس أيضاً يقول في 1كورنثوس 15/28 {وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ فَحِينَئِذٍ الِابْنُ نَفْسُهُ أَيْضاً سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ}.

          هذه النصوص وغيرها الكثير فهمها النصارى الأوائل كما نفهم قول الله U {وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} ! وعلى سبيل المثال لا الحصر, سأقوم بعرض قول صريح لأحد أهم قديسي الكنيسة والذي عاش في بداية القرن الثاني الميلادي (حوالي 100م) وتوفى حوالي 165م. يُدعى القديس يوستينوس أو يُستين “الشهيد” من أجل شهادته حتى الموت مع ستة رفاق في روما, وقد كرَّس حياته كلها للدفاع عن الإيمان المسيحي.[[192]]

          من أجل أهمية كلام يوستينوس سأنقل لكم النص الإنجليزي والترجمة العربية أيضاً:

[Our teacher of these things is Jesus Christ, who also was born for this purpose, and was crucified under Pontius Pilate, procurator of Judaea, in the times of Tiberius Caesar; and that we reasonably worship Him, having learned that He is the Son of the true God Himself, and holding Him in the second place, and the prophetic Spirit in the third, we will prove. For they proclaim our madness to consist in this, that we give to a crucified man a place second to the unchangeable and eternal God, the Creator of all; for they do not discern the mystery that is herein, to which, as we make it plain to you, we pray you to give heed.][[193]]

الترجمة: [وسنُبَيِّن لكم أيضاً أننا نعبد بحق ذلك الذي علمنا هذه الأشياء ووُلد ليعلمنا إياها, يسوع المسيح الذي صُلِب في عهد بيلاطس البنطي, والي اليهودية, في عهد القيصر طيباريوس, الذي نرى فيه ابن الله الحق ونضعه في المنزلة الثانية, وفي الثالثة الروح النبوي. يا للجنون – على حد ما يُقال لنا – أن تُنزِلوا في المنزلة الثانية بعد الله الثابت, الأزلي, خالق كل الأشياء, رجلاً مصلوباً ! هذا سر لا تفهمونه. سنشرحه لكم, فتفضلوا اتبعونا.][[194]]

          تأمل أخي الكريم هاتين العبارتين جيداً: [ونضعه في المنزلة الثانية] و [تُنزِلوا في المنزلة الثانية بعد الله الثابت], وقل صدق الله ! وختاماً لهذه النقطة الغاية في الأهمية, أنقل لكم كلام الإمام السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: [{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} كذب يعرف بخبر الله، وخبر رسله، ويعرف بالعقل الصحيح، ولهذا نبه تعالى على الدليل العقلي، على امتناع إلهين فقال: {إِذًا} أي: لو كان معه آلهة كما يقولون {لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} أي: لانفرد كل واحد من الإلهين بمخلوقاته، واستقل بها، ولحرص على ممانعة الآخر ومغالبته، {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} فالغالب يكون هو الإله، وإلا فمع التمانع لا يمكن وجود العالم، ولا يتصور أن ينتظم هذا الانتظام المدهش للعقول، واعتبر ذلك بالشمس والقمر، والكواكب الثابتة، والسيارة، فإنها منذ خلقت، وهي تجري على نظام واحد، وترتيب واحد، كلها مسخرة بالقدرة، مدبرة بالحكمة لمصالح الخلق كلهم، ليست مقصورة على مصلحة أحد دون أحد، ولن ترى فيها خللاً ولا تناقضاً، ولا معارضة في أدنى تصرف، فهل يتصور أن يكون ذلك، تقدير إلهين ربين ؟][[195]]

* لَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ:

          في نهاية سورة الإخلاص, يقول الله U: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص : 4]. هذه الآية أيضاً ضد العقيدة المسيحية التي تقول بـ “مُساواة الأقانيم”, هذه العبارة تعني ببساطة أن (الله الـ) الآب و(الله الـ) الابن و(الله الـ) الروح القدس متساوين, وكل منهم إله كامل لا يُعجزه شيء, فإن كل مسيحي يعتقد بأن (الله الـ) الآب قادر على الخلق, و(الله الـ) الابن أيضاً قادر على الخلق, و(الله الـ) الروح القدس أيضاً قادر على الخلق, ولكن (الله الـ) الآب هو الذي خلق.

وكل مسيحي يعتقد أيضاً بأن (الله الـ) الآب قادر على التجسَّد, و(الله الـ) الابن قادر على التجسَّد, و(الله الـ) الروح القدس قادر على التجسد, ولكن (الله الـ) الابن هو الذي تجسَّد, وهكذا, فكل أقنوم له كل ما للإله الحق, ولكن لكل أقنوم عمله الخاص, رغم قدرة أي أقنوم من الثلاثة على فعل جميع الأشياء وحده ! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال الإمام النسفي رحمه الله في تفسير هذه الآية الكريمة: [وقوله {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} نَفْيٌ أن يُمَاثِلَه شيء. ومن زَعَمَ أن نَفْي الكُفْء وهو المِثْل في الماضي لا يدل على نَفْيه للحال, والكُفَّار يَدْعُونه في الحال, فقد تاه في غَيِّه، لأنه إذا لم يكن فيما مضى لم يكن في الحال ضرورة؛ إذ الحادث لا يكون كُفؤاً للقديم، وحاصل كلام الكفرة يئول إلى الإشراك والتشبيه والتعطيل، والسورة تدفع الكل كما قررنا.][[196]]

          وهكذا تلخيصاً لما سبق أقول: المسيحي يعتقد بأن الله I ثلاثة, والله I في قرآن يصف نفسه بأنه “أَحَدٌ”, وبهذا يكون قد نفى I أي نوع من أنواع التعددية في ذاته, فلا إله من ثلاثة, ولا ثلاثة إله واحد, إنما هي وحدانية خالصة. ثم أعلن I أنه هو “الصَّمَدُ”, أي الإله الحقيقي الوحيد الـمُستحق للعبادة, الذي له جميع صفات الكمال والجلال, والذي تحتاج إليه الخليقة كلها, وهو I لا يحتاج لأحد قط, لذلك نفى I أن يكون والداً أو مولوداً, وفي النهاية يُخبرنا I أن ليس هناك من يساويه أو يكافئه إذ ليس أحد من جنس ألوهيته I فهو وحده الإله وكل من سواه عبد مخلوق خاضع مقهور.

* التفسير الأرثوذكسي القويم للقرآن الكريم:

          كل ما سبق وأورده الأنبا بيشوي سابقاً شيء, والحوار الذي دار بينه وبين الملحق العسكري للسفارة القبرصية شيء آخر تماماً. الحوار كان حول الأقانيم الثلاثة, ثم تَطَرَّقَا إلى تفسير قوله تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17 و72]

[وكان الملحق العسكري حاضراً, وهو شخص ذكي جداً, فقال لي: “لقد شرحت لنا أن المسيح مولود من الآب باعتباره الكلمة, وأن الكلمة تجسد من أجل خلاص البشرية في ملء الزمان, وهذا لا يعني أن الآب تزوج العذراء, وشرحت لنا أن الآب هو الأصل وأن الكلمة مولود من الآب قبل كل الدهور, وأن الروح القدس منبثق من الآب, فعندما تقولون أن الله أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد, فأنتم تقصدون هنا الله الآب ؟” فأجبته بالإيجاب, وسألني عن رأيي إن قال أحد أن المسيح هو الله الآب, هل يكون كافراً ؟ فأجبته: “بالطبع يكون كافراً لأن سابيليوس بعدما قال أن الله الآب هو الابن هو الروح القدس قامت الكنيسة بحرمه وأعتُبِر هرطوقي كافر”, فقال الملحق العسكري: “إذن إذا قمنا بتفسير هذا النص “لقد كفر الذين قالوا أن المسيح هو الله” وقلنا “لقد كفر الذين قالوا إن المسيح هو الله الآب”, فهل تقبل هذا التفسير ؟”, فأجبت قائلاً: “أقبله جداً”, فقال: “إذن اعتبرها هكذا”, فقلت: “لا أعتبرها هكذا إلا في حالة أن يكون متفق عليها”.][[197]]

          في البداية نجد أن الحوار خاص بالعقيدة الأرثوذكسية حول الأقانيم الثلاثة, وشرح التجسد وما إلى ذلك, وكل هذا ليس له دخل بالإسلام في شيء, ولكن أن نأتي بالمفاهيم الأرثوذكسية ونُفسر بها القرآن الكريم ! من أين جاء بهذا التفسير ؟ هل جاء به من كتاب التفسير الأرثوذكسي القويم للقرآن الكريم لأحد آباء الكنيسة الأرثوذكسية ؟! لا أريد أن أقول أن هذا تهريج, ولا يجوز بأي حال من الأحوال.

وللرد أقول: كما قلنا سابقاً, القرآن الكريم ينفي تماماً أن الله I والد, فلا يجوز لنا كمسلمين إطلاقاً أن نُطلق على الله I اسم “الآب”, المسيحي يطلق على الله I هذا الاسم لأنه يعتقد أن الآب وَلَدَ الابن, وهذا كفر في حُكم الإسلام. ثم أننا قد بيَّنا أن الله I قد وصف نفسه في كتابه بأنه “أَحَدٌ”, وهذا ينفي التثليث عن الله I.

ثم أننا إذا نظرنا إلى تكملة الآيتين سنجد أسباباً للتكفير, فيقول الله I: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة : 17], وقال أيضاً: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة : 72]

          قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية الأولى: [ثم قال مخبراً عن قدرته على الأشياء، وكونها تحت قهره وسلطانه: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً} أي: لو أراد ذلك، فمن ذا الذي كان يمنعه منه، أو من ذا الذي يقدر على صرفه عن ذلك ؟][[198]]

          وهذا ما نجده في أناجيل العهد الجديد, حيث أننا نقرأ عن المسيح u أنه كان يدعو الله U أن يرفع عنه كأس الموت, ولكنه كرر مراراً وتكراراً أنه سيرضى بمشيئة الله U, وأن ما يريده الله هو الذي سيكون, فإن أراد الله U أن يُهلك المسيح u فسيهلك, وإن أراد أن يُنجِّيه من الموت سينجو ولن يستطيع أحد أن يُصيب المسيح u بأذى.

متَّى 26/39-43 {39 ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ». 40 ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَاماً فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «أَهَكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 41 اسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». 42 فَمَضَى أَيْضاً ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ». 43 ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. 44 فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذَلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ.}

مرقس 14/34-38 {34 فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ! امْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا». 35 ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. 36 وَقَالَ: «يَا أَبَا الآبُ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ فَأَجِزْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ». 37 ثُمَّ جَاءَ وَوَجَدَهُمْ نِيَاماً فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «يَا سِمْعَانُ أَنْتَ نَائِمٌ! أَمَا قَدَرْتَ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 38 اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». 39 وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى قَائِلاً ذَلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ.}

لوقا 22/39- 44 {39 وَخَرَجَ وَمَضَى كَالْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ وَتَبِعَهُ أَيْضاً تَلاَمِيذُهُ. 40 وَلَمَّا صَارَ إِلَى الْمَكَانِ قَالَ لَهُمْ: «صَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ». 41 وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى 42 قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ». 43 وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. 44 وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ.}

          وقال أيضاً الإمام السمرقندي رحمه الله في تفسير الآية الأولى: [{وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} يعني خزائن السموات والأرض، وجميع الخلق عبيده وإماؤه، وحكمه نافذ فيهم، ثم قال: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} لأن نصارى أهل نجران كانوا يقولون: لو كان عيسى بشراً كان له أب، فأخبر الله تعالى على أنه قادر على أن يخلق خلقاً بغير أب. {وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من خلق عيسى وغيره.][[199]]

          وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: [وفي قوله: {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} ردٌ عليهم حيث قالوا للنبي: فهات مثله من غير أب.][[200]], وقال الإمام القرطبي رحمه الله: [{يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} عيسى من أُم بلا أب آية لعباده.][[201]]

          إذن, الآية الأولى تُكَفِّر من قال بأن الله هو المسيح ابن مريم u, ليس لأن الله (الآب) أقنوم (شخص أو كائن) والمسيح u (الابن) أقنوم (شخص أو كائن) آخر ! رغم أن هذا صحيح, ونحن لا ننكر ذلك, ولكن مع بيان أننا نجد في القرآن الكريم أنه ليس هناك إلا الله U (الآب) صاحب الجنس (الجوهر) الإلهي, وكل ما سواه مخلوق ! والآية أيضاً  تُعلن صراحة كما نجد في العهد الجديد أن المسيح u تحت إرادة وقهر وسلطان الله U, يفعل فيه كما شاء, وأنه مخلوق من مخلوقاته, فإن كان المسيح u كذلك فهو ليس الله قطعاً, ومن قال كذلك فقد كفر.

          أما الآية الثانية فهي تُخبرنا أن المسيح u قال لبني إسرائيل: {اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}, وهذا أيضاً نجد معناه في العهد الجديد, ففي يوحنا 20/17 {قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلَكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ».}

ونجد أيضاً في العهد الجديد أن المسيح u يقول صراحة أن الحياة الأبدية (دخول الجنة) شرطَيها, أولاً: الاعتقاد بأن الله (الآب) هو الإله الحقيقي الوحيد, أو بكلمات أخرى, أن الله (الآب) هو الوحيد صاحب الجنس (الجوهر) الإلهي الحقيقي الذي من أجلها يستحق العبادة, ثانياً: الاعتقاد بأن المسيح u هو رسول الله (الآب). أي أن يشهد الإنسان بأن: لا إله إلا الله (الآب), وأن: المسيح u رسول الله (الآب). وهكذا إذاً, من عبد مع الله (الآب) إلها آخر, أي أشرك به, فلن يدخل الجنة أبداً, لأنه أعطى العبادة لمن لا يستحقها, ومن رفع المسيح u فوق مقام الرسالة فلن يدخل الجنة أبداً.

          هذا موجود في يوحنا 17/3 {وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ, وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ.}, ونجد أن النص اليوناني مُحكم جداً ليس فيه تأويل, فالعبارة اليونانية المقابلة لـ: {الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ} هي: (τον μονον αληθινον θεον) وقد تُترجم أيضاً إلى: الإله الحقيقي الوحيد, أو: الإله الحق الوحيد. وهذا إعلان صريح بأن الله (الآب) هو الوحيد الـمُستحق للعبادة, لأنه وحده صاحب الألوهية الحقيقية, وقد قال الله U في كتابه الكريم: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} [يونس : 32]

          وهكذا, بما أن المسيح u قد أخبر بني إسرائيل بأنه رسول الله (الآب), وأن الله (الآب) هو الإله الحقيقي الوحيد, وأن الله (الآب) هو ربه كما أنه ربهم, أو إلهه كما أنه إلههم, فلا يجوز لأحد أن يأتي ويعبد المسيح u بعد كل هذه التنبيهات والتصريحات الخطيرة, فمن قال بعد ذلك أن الله هو المسيح ابن مريم, فقط كفر بالله وبما أخبره المسيح u عن الله, واستحق أن يخلد في النار. وهكذا أخبرنا الله U على لسان المسيح u أنه قال: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة : 72]

          قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}: [يقول تعالى مخبراً وحاكماً بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح ابن مريم، وهو عبد من عباد الله، وخلق من خلقه؛ أنه هو الله، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.][[202]]

          وقال أيضاً الإمام الطبري رحمه الله: [هذا ذمّ من الله عزّ ذكره للنصارى والنصرانـية الذين ضلوا عن سبل السلام، واحتـجاج منه لنبـيه مـحمد r فـي فريتهم علـيه بـادعائهم له ولداً، يقول جلّ ثناؤه: أقسم لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو الـمسيح بن مريـم، وكفرهم فـي ذلك تغطيتهم الـحقّ فـي تركهم نفـي الولد عن الله جلّ وعزّ، وادّعائهم أن الـمسيح هو الله فرية وكذبـاً علـيه.][[203]]

          وقال شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي رحمه الله: [اللام في قوله: {لَّقَدْ كَفَرَ} واقعة جواباً لقسم مقدر. والمراد بالكفر: ستر الحق وإنكاره، والانغماس في الباطل والضلال. والمعنى: أقسم لقد كفر أولئك النصارى الذين قالوا كذباً وزوراً: إن الله المستحق للعبادة والخضوع هو المسيح عيسى ابن مريم.][[204]]

* التجسُّد كُفر بالله:

          لقد تكلمنا سابقاً عن أن العقيدة الخاصة بأن الله I هو المسيح u, لها علاقة بالثالوث, ولها علاقة أيضاً بالتجسُّد, فإن (الله الـ) الابن هو الذي تجسَّد وعاش على الأرض كإنسان, وهذا الإنسان هو المسيح u, فعقيدة التجسد إذاً تستلزم الاعتقاد بأن الله هو المسيح عليه السلام, وقد نقلنا سابقاً أقوالاً لآباء الكنيسة, ووضحنا بشاعة هذا الكفر, ولكن السؤال الـمُهم هنا هو: هل يجوز على الله I التجسُّد أصلاً ؟! في الحقيقة, الكتاب المقدس والقرآن الكريم يعلنان بشكل غير مُباشر أن التجسُّد لا يجوز على الله I, ومن اعتقد بأن الله تجسَّد قد نفى عن الله ألوهيته !

          أريد أولاً أن أنقل كلاماً في غاية الروعة, ثم أقوم بالتعليق وإضافة بعض الشرح.

          قال الإمام أبو حيَّان الأندلسي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}: [ظاهره أنهم قالوا بأن الله هو المسيح حقيقة، وحقيقة ما حكاه تعالى عنهم ينافي أن يكون الله هو المسيح، لأنهم قالوا ابن مريم، ومن كان ابن امرأة مولوداً منها استحال أن يكون هو الله تعالى. واختلف المفسرون في تأويل هذه الآية. فذهب قوم إلى أنهم كلهم قائلون هذا القول وهم على ثلاث فرق كما تقدم، وأنهم أجمعوا وإن اختلفت مقالاتهم على أنّ معبودهم جوهر واحد أقانيم ثلاثة: الأب، والابن، والروح أي الحياة ويسمونها روح القدس. وأن الابن لم يزل مولوداً من الأب، ولم يزل الأب والداً للابن، ولم تزل الروح منتقلة بين الأب والابن. وأجمعوا على أن المسيح لاهوت وناسوت أي: إله وإنسان. فإذا قالوا: المسيح إله واحد، فقد قالوا الله هو المسيح.][[205]]

          وقال أيضاً الشيخ محمد عاشور رحمه الله: [ويفيد قولهم هذا أنّهم جعلوا حقيقة الإله الحقّ المعلوم متّحدة بحقيقة عيسى عليه السلام بمنزلة اتّحاد الاسمين للمسمّى الواحد، ومرادهم امتزاج الحقيقة الإلهيّة في ذات عيسى. ولـمّا كانت الحقيقة الإلهيّة معنونة عند جميع المتديّنين باسم الجلالة جَعَل القائلون اسم الجلالة المسندَ إليه، واسمَ عيسى المسند ليدلّوا على أنّ الله اتّحدَ بذات المسيح. وحكاية القول عنهم ظاهرة في أنّ هذا قالوه صراحة عن اعتقاد، إذ سرى لهم القول باتّحاد اللاهوت بناسوتتِ عيسى إلى حدّ أن اعتقدوا أنّ الله سبحانه قد اتّحد بعيسى وامتزج وجود الله بوجود عيسى.][[206]]

          في البداية, أحب أن أوضِّح لكل مسيحي أن الكلام السابق في رأيي هو فهم عميق جداً للعقيدة المسيحية, رغم أن هناك بعض التعبيرات التي قد يعتبرها المسيحي هرطقة, وأنه لا يقول بهذا, ولكنني سوف أقوم بتوضيح جميع هذه العبارات بعد قليل.

أولاً, أريد أن ألفت الأنظار إلى آية من كتاب الله U والتي تتحدث عن موسى u عندما طلب رؤية الله U: {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف : 143]

هذه القصة موجودة أيضاً في العهد القديم, وفيها نجد أن موسى u يطلب من الله U أن يُريه ذاته الشريفة: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}, ولكن الله U أخبره باستحالة ذلك فقال: {لَن تَرَانِي}, ثم أراد الله U أن يُري موسى u أمراً ما حتى يفهم لماذا لن يستطيع رؤيته فقال له: {وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}. بعد هذا يقول الله U: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ}, والتَجَلِّي هنا معناه أن يَظْهَر الله U بذاته للجبل ولكن تدريجياً, كقوله تعالى: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل : 2], فالنهار لا يأتي بعد الليل فجأة, ولكن الأمر يأخذ بعد الوقت, حتى يأتي وقت الظهيرة, عندما تكون الشمس في كبد السماء.

إذن, الله U بدأ يُظهر ذاته للجبل تدريجياً, وبداية الظهور كانت بكشف حجاب النور للجبل, فماذا حدث للجبل ؟ يقول تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً}, وكأن هناك مطرقة عظيمة هَوَت على الجبل فصار الجبل مدكوكاً ! عندما رأى موسى u هذا المشهد صُعق وصار مغشياً عليه, فلمَّا أفاق, أدرك أنه إذا لم يكن في استطاعة جبل عظيم أن يرى الله U, فكيف بالإنسان الذي قال عنه الله: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء : 28], أي أن طبيعة موسى u الإنسانية ليس في استطاعتها تحمُّل رؤية ذات الله U.

وهكذا نجد حديثاً عظيماً في صحيح مسلم يقول: [عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ r بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ, يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ, يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ, وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ, حِجَابُهُ النُّورُ – وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ النَّارُ – لَوْ كَشَفَهُ؛ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ».][[207]]

          قال الإمام المباركافوري رحمه الله مُعَلِّقاً على الحديث السابق: [فيه إشارة إلى أن حجابه خلاف الحُجُب المعهودة, فهو مُحتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلاله, وأشعة عظمته وكبريائه, وذلك هو الحجاب الذي تُدهش دونه العقول, وتُبهت الأبصار, وتتحير البصائر, فلو كشفه فتجلى لما وراءه بحقائق الصفات وعظمة الذات؛ لم يبق مخلوق إلا احترق ولا منظور إلا اضمحل.][[208]]

          وقال أيضاً الإمام النووي رحمه الله: [لو أزال المانع من رؤيته, وهو الحجاب المسمى نوراً أو ناراً, وتجلى لخلقه؛ لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته.][[209]], وقال أيضاً الإمام البغوي رحمه الله: [قال الخطابي: ومعنى الكلام أنه لم يطَّلِع الخلق من جلال عظمته إلا على مقدار ما تطيقه قلوبهم، وتحتمله قواهم، ولو أطْلَعَهم على كنه عظمته، لانخلعت أفئدتهم، وزهقت أنفسهم، ولو سلَّط نوره على الأرض والجبال، لاحترقت وذابت، كما قال في قصة موسى u: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً}.][[210]]

          القصة في العهد القديم موجودة في سفر الخروج 33/18-20 {18 فَقَالَ (موسى): «ارِنِي مَجْدَكَ». 19 فَقَالَ (الإله): «أجِيزُ كُلَّ جُودَتِي قُدَّامَكَ. وَأنَادِي بِاسْمِ الرَّبِّ قُدَّامَكَ. وَاتَرَافُ عَلَى مَنْ اتَرَافُ وَارْحَمُ مَنْ ارْحَمُ». 20 وَقَالَ (الإله): «لا تَقْدِرُ أنْ تَرَى وَجْهِي لانَّ الْإنْسَانَ لا يَرَانِي وَيَعِيشُ».}

القمص تادرس يعقوب ملطي فَسَّر النصوص السابقة قائلاً: [كأن الله يُجيب موسى: لقد سألت أمرًا أنت لا تحتمله، فأنا لا أبخل على خليقتي، أني أقدم لك كل إحساناتي وخيراتي وأعلن اسمي لك وأتراءف وأرحم، أقدم كل شيء للإنسان، أما وجهي فلا يقدر الإنسان أن يراه ويعيش ! إن هذه الرؤيا المجردة الكاملة للاهوت هي فوق كل طاقة بشرية !][[211]]

          وهنا أختم بكلام الشيخ الشعراوي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}: [وسبحانه هنا يعلل لموسى بعملية واقعية فأوضح: لن تراني ولكن حتى أطمئنك أنك مخلوق بصورة لا تمكنك من رؤيتي انظر إلى الجبل، والجبل مفروض فيه الصلابة، والقوة، والثبات، والتماسك؛ فإن استقر مكانه، يمكنك أن تراني. إن الجبل بحكم الواقع، وبحكم العقل، وبحكم المنطق أقوى من الإِنسان، وأصلب منه وأشد، ولما تجلّى ربه للجبل اندك. والدكُّ هو الضغط على شيء من أعلى ليسوَّي بشيء أسفل منه.][[212]]

          تلخيصاً لما سبق: إن الطبيعة الإنسانية لا تستطيع أن تتحمل رؤية الذات الإلهية, وبكلمات أقرب إلى الفهم المسيحي: الطبيعة الإنسانية لا تستطيع أن تتحمل رؤية اللاهوت, وهذا هو سبب الذي منع موسى u من رؤية الله U. هذا مُتَّفق عليه بين المسلمين والمسيحيين. ومن المعلوم أن المسلمين يعتقدون بأنهم سيروا الله U يوم القيامة, كما قال الله U في كثير من الآيات منها قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة], وقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين : 15].

قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله: [وقد ذكرنا في كتاب صفة الجنة أربعين دليلاً على مسألة الرؤية من الكتاب والسُنَّة والعقل الصريح شاهد بذلك, فإن الرؤية أمر وجودي لا يَتَعَلَّق إلا بموجود, وما كان أكمل وجوداً كان أحق بأن يُرى؛ فالباري سبحانه أحق بأن يُرى من كل ما سواه, لأن وجوده أكمل من وجود كل ما سواه, يُوَضِّحه أن تَعَذُّر الرؤية إما لخفاء المرئي, وإما لآفة وضعف في الرائي, والرب سبحانه أظهر من كل موجود, وإنما تعذرت رؤيته في الدنيا لضعف القوة الباصرة عن النظر إليه, فإذا كان الرائي في دار البقاء؛ كانت قوة الباصرة في غاية القوة, لأنها دائمة فقويت على رؤيته تعالى.][[213]]

          والآن يجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً في غاية الأهمية: ما هو التجسُّد ؟

          أجاب الأنبا بيشوي قائلاً: [التجسُّد الإلهي هو اتحاد غير مفترق لطبيعتين مختلفتين في طبيعة واحدة, وهو اتحاد أقنومي واتحاد حقيقي واتحاد بحسب الطبيعة.][[214]], والطبيعتان هما: الطبيعة الإلهية (اللاهوت أو الجنس الإلهي), والطبيعة الإنسانية (الناسوت أو الجنس البشري).

          والآن إلى سؤال آخر في غاية الأهمية أيضاً: هل الله يُمكنه بحسب ألوهيته أن يتجسَّد ؟

قال الأنبا بيشوي: [نجيب بقولنا إن الله قادر على كل شيء, مُنزَّه عن الخطية ولكن ليس عن التجسد, ولأن الله قادر على كل شيء فإذا كان لا يستطيع أن يتجسد إذاً يوجد شيء لا يستطيع أن يعمله, والشيء الوحيد الذي لا يفعله الله هو الشر. وحيث إن التجسد هو عمل من أعمال القدرة وليس الضعف إذاً فهو داخل في قدرة الله.][[215]]

وللرد أقول: لقد قام الأنبا بيشوي بتنزيه الله I عن الخطية, وقال أن الله لا يفعل الشر. أقول: تنزيه الله I عن شيء يقتضي أنه I يستطيع فعل هذا الشيء ولكنه لم ولن يفعله, وهذا ما نفهمه من الحديث الموجود في صحيح مسلم بخصوص الظلم, وفيه أن الله U قال: [يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا.][[216]], بمعنى أن الله U يستطيع أن يظلم عباده إذا شاء, ولكن فعل الظلم ضد طبيعة الله الإلهية لذلك لا يفعله.

المسلمون يعتقدون تمام الاعتقاد بأن الله على كل شيء قدير, ولكن ما هو الشيء ؟! هو كل أمر ليس بمستحيل, بمعنى: هل يستطيع الله I أن يموت ؟ بالطبع لا, لأنه لو مات لما كان الله, فطبيعة الله الإلهية لا تُجيز عليه الموت. إذن, الله U قادر على كل ما يوافق طبيعته الإلهية, وبالمثل, الإنسان قادر على كل ما يوافق طبيعته الإنسانية, لذلك لم يقدر موسى u أن يرى الله U.

          والآن, لنرجع إلى السؤال: هل الله يُمكنه أن يتجسُّد ؟ حتى نستطيع أن نُجيب على السؤال, يجب أن نعلم ما هو التجسُّد. لقد أخبرنا الأنبا بيشوي أن التجسُّد هو اتحاد غير مفترق لطبيعتين, الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية, في طبيعة واحدة ! وهكذا نسأل سؤالاً بسيطاً, هل استطاعت الطبيعة الإنسانية تحمل مُجرد رؤية الطبيعة الإلهية ؟ لا, لم تستطع, فهل تستطيع إذاً أن تتحمل الاتحاد بالطبيعة الإلهية ؟! بالطبع لا, إذن: الله U لا يجوز له أن يتجسَّد لطبيعته الإلهية, ولعدم تحمل الطبيعة الإنسانية الاتحاد مع الطبيعة الإلهية.

          لنرجع سريعاً إلى أقوال الإمام أبو حيَّان الأندلسي رحمه الله: [ومن كان ابن امرأة مولوداً منها استحال أن يكون هو الله تعالى], بمعنى أن الشخص إما أن يكون إنساناً وإما أن يكون إلهاً, فإن الطبيعتين متضادتين, على سبيل المثال: الإله لا يموت, والإنسان يموت, فكيف نجمع بين عدم الموت والموت ؟! هذا مستحيل, فإذا اعتقد المسيحي بأن المسيح u قد مات, فقد تغلَّبت الطبيعة الإنسانية على الطبيعة الإلهية, لذا لا يكون المسيح u إلهاً أصلاً, ومن قال بأنه الله I فقد كفر؛ لأن الله I لا يموت.

          نرى هذا في قول الله U: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة : 75], فعندما أراد الله U أن ينفي عن المسيح u أنه الله قال: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ}, بمعنى أن المسيح u كان يحتاج إلى الطعام بحسب طبيعته البشرية, والله U بحسب طبيعته الإلهية لا يحتاج إلى طعام, فالمسيح u إذاً ليس هو الله.

          وهكذا قال الشيخ محمد عاشور رحمه الله عن اعتقاد المسيحيين: [أنّهم جعلوا حقيقة الإله الحقّ المعلوم متّحدة بحقيقة عيسى u بمنزلة اتّحاد الاسمين للمسمّى الواحد], وهذا هو نفس قول الأنبا بيشوي: [اتحاد غير مفترق لطبيعتين مختلفتين في طبيعة واحدة], أي أنه بعد تجسد (الله الـ) الابن, لم يعد هناك تفريق بين الألوهية والإنسانية, وهذه هي العقيدة المسيحية الأرثوذكسية الـمُسمَّاة بـ “الطبيعة الواحدة” ! أي عندما يفعل المسيح u مُعجزة يقولون: الله الـمُتجسِّد فعل المعجزة, وعندما مات المسيح u على الصليب – بحسب مُعتقدهم – يقولون: الله الـمُتجسِّد مات على الصليب, وقد أوردنا فيما سبق أقوالاً لآباء الكنيسة تُبيِّن بجلاء مدى بشاعة هذا الكفر.

          وقال الشيخ محمد عاشور رحمه الله أيضاً: [ومُرادهم امتزاج الحقيقة الإلهيّة في ذات عيسى], بمعنى إنك لم تعد قادراً على التفريق بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية, وقال أيضاً: [إذ سرى لهم القول باتّحاد اللاهوت بناسوتتِ عيسى إلى حدّ أن اعتقدوا أنّ الله سبحانه قد اتّحد بعيسى وامتزج وجود الله بوجود عيسى], وهو يقصد هنا ما وضَّحناه منذ قليل عن عقيدة الطبيعة الواحدة.

          تلخيصاً لما سبق: بحسب التعريف المسيحي للتجسُّد, فإن الله I مُنزَّه عن التجسُّد, لأن الطبيعة الإلهية لا تجتمع مع الطبيعة الإنسانية, فلابد لطبيعة منها أن تتغلب على الأخرى, فإن كان الله I لا يحتاج إلى الطعام, والمسيح u يحتاج إلى الطعام, وإن كان الله I لا يموت, والمسيح u يموت, إلى غير ذلك من الأمور التي لا تجتمع عليها الطبيعتان الإلهية والإنسانية, فإنه من المستحيل أن نجد إتحاداً بين الطبيعتين المتضادتين, وكما أن رؤية الطبيعة الإلهية مستحيلة على الإنسان, فمن الأولى استحالة الاتحاد بها !

هكذا نكون قد رددنا على كل شاردة وواردة طرحها الأنبا بيشوي حول قول الله U: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة : 72]. أسأل الله U أن يجعل كلامي سهلاً يسيراً على الجميع, وأن يجعله سبباً لهداية الكثيرين.

الآب والابن والروح القدس إله واحد

          قال الأنبا بيشوي: [وعندما كنت في قبرص حدث حوار مماثل على المائدة في بيت السفير, وكان حاضراً كل رجال السفارة, فقال السفير: “إذاً القرآن مطابق للمسيحية ولا اختلاف, والقرآن يشهد للمسيحية, ولا تعارض بينه وبين المسيحية”, قال هذا بعد أن ذكرت له نصوص من القرآن مثل: “وأيدناه بروح قدس”, وأن المسيح “كلمة منه”, وأن القرآن بهذا ذكر الله الآب والكلمة والروح القدس, وأنهم إله واحد و … و … الخ.][[217]]

لن أرد أنا على هذا الكلام العجيب الغريب, ولكنني سأترك الرد لشيخي شيخ الإسلام العلامة ابن تيمية رحمه الله وغفر الله لنا وله, والذي قال كلاماً رائعاً جداً في كتابه المشهور جداً “الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح“, وكأنه يرد على الأنبا بيشوي فعلاً:

[ثم أخذوا يزعمون أن فيما أُنْزِلَ على محمد r حجة لهم على الأقانيم التي ادعوها, وهم ابتدعوا القول بالأقانيم والتثليث قبل أن يبعث محمد r. وذلك معروف عندهم من حين ابتدعوا الأمانة التي لهم (يقصد قانون الإيمان الموضوع في مجمع نيقية) التي وضعها الثلاث مائة وثمانية عشر منهم بحضرة قسطنطين الملك, فإذا لم يكن لهم مستند عقلي, ولا سمعي عن الأنبياء قبل محمد r, فكيف يكون لهم مستند فيما جاء به محمد r بعد ابتداعهم الأمانة. لاسيما مع العلم الظاهر المتواتر أن محمداً r كفرهم في الكتاب الذي أنزل عليه وضللهم, وجاهدهم بنفسه وأمر بجهادهم كقوله تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة : 17 و 72] وقوله تعالى: {وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة : 30] وقال: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} [المائدة : 73] وقال: {وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ} [النساء : 171] ونحو ذلك من الآيات.][[218]]

          استحلف كل من قرأ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية بالله, أن يدعوا الله له بالفردوس الأعلى.

          لقد تعرضنا فيما سبق لآيات كثيرة من القرآن الكريم تنفي عن الله I التثليث, عندما شرحنا سورة الإخلاص, وقلنا إن الإسلام لا يقبل على الله اسم “الآب”, لأن الله I لم يلد ولم يُلد, ولا يوجد من جنس ألوهيته آخر, إلى آخر هذا الكلام الذي لا أريد أن أكرره, ولكنني في هذه المرة سأورد بعض الآيات الرائعة وسأقوم بسرد أقوال العلماء المسلمين, وفي هذه الآيات نفي صريح لعقيدة التثليث.

* لاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ:

يقول الله U في كتابه الكريم: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} [النساء : 171]

هذه الآية رائعة جداً, تُوضِّح أن أهل الكتاب انحرفوا وكان السبب في انحرافهم هو الغلو. قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثير في النصارى، فإنهم تجاوزوا الحد في عيسى، حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها، فنقلوه من حيز النبوة، إلى أن اتخذوه إلهاً من دون الله، يعبدونه كما يعبدونه.][[219]], وفي صحيح البخاري, نجداً حديثاً رائعاً عن رسول الله r يقول: [لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ.][[220]]

وفي الآية أسلوب حصر جميل جداً, فيقول الله U عن المسيح u: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ}, أي أن المسيح u لا يخرج عن ذلك, فليس هو الله ولا ابن الله, كما قال الله U في آية أخرى: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [المائدة : 75]

أي أن المسيح u ليس إلا رسول كالرسل الذين جاؤوا من قبله, وهذا أسلوب استثناء وحصر, لأن هناك الكثير من المسيحيين يقولون: نحن نؤمن بأن المسيح u هو رسول ونبي, ولكنه أيضاً الله المتجسِّد, وابن الله وما إلى ذلك, ونحن نرد قائلين: إن الله U نفى عن المسيح u كل ذلك, وقال إنه فقط رسول كالرسل الذين جاؤوا من قبله.

وفي هذا قال الإمام الطبري رحمه الله: [يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: {إنَّـمَا الـمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَـمُ}: ما الـمسيح أيها الغالون فـي دينهم من أهل الكتاب بـابن الله كما تزعمون، ولكنه عيسى ابن مريـم دون غيرها من الـخـلق، لا نسب له غير ذلك. ثم نعته الله جلّ ثناؤه بنعته ووصفه بصفته، فقال: هو رسول الله، أرسله الله بـالـحق إلـى من أرسله إلـيه من خـلقه.][[221]]

إلى هنا والموضوع سهل جداً وبسيط, ولكننا نجد العديد من المسيحيين يقولون بأن قول الله {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} دليل على التثليث ! لقد نقلنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله منذ قليل, وقدَّمنا أيضاً العديد من التفاسير عندما قمنا بالرد على كلام الأنبا بيشوي حول قول الله: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ} [آل عمران : 45], ولكنني أريد أن أضيف أيضاً كلاماً للإمام القرطبي رحمه الله ثم نذهب إلى تفسير قوله تعالى {وَرُوحٌ مِّنْهُ}.

قال الإمام القرطبي رحمه الله: [قوله تعالى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ} أي هو مكوّن بكلمة «كن» فكان بشراً من غير أب، والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا كان صادراً عنه.][[222]], فعندما نجد إذاً بعض الأحاديث التي تُلقِّب المسيح u بـ “كلمة الله”, فإن هذا من دأب العرب, لأن المسيح u خُلِق بكلمة من الله, وكانت هذه “الكلمة الإلهية” سبباً في خلق المسيح u, فسُمِّي بـ “كلمة الله”.

أما تفسير قوله تعالى {وَرُوحٌ مِّنْهُ}, فقد قال الإمام الماوردي رحمه الله: [{وَرُوحٌ مِّنْهُ} فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: سُمِّي بذلك لأنه رُوح من الأرواح، وأضافه الله إلى نفسه تشريفاً له. والثاني: أنه سُمِّي روحاً؛ لأنه يحيا به الناس كما يُحْيَون بالأرواح. والثالث: أنه سُمِّي بذلك لنفخ جبريل u، لأنه كان ينفخ فيه الروح بإذن الله، والنفخ يُسَمَّى في اللغة روحاً، فكان عن النفخ فسمي به.][[223]]

وقال أيضاً الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [فقوله في الآية والحديث: “وروح منه” كقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ} [الجاثية: 13] أي: من خلقه، ومن عنده، وليست (من) للتبعيض؛ كما تقوله النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة، بل هي لابتداء الغاية؛ كما في الآية الأخرى، وقد قال مجاهد في قوله: {وَرُوحٌ مِّنْهُ} أي: ورسول منه، وقال غيره: ومحبة منه، والأظهر الأول، وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله: {هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ} [هود: 64] وفي قوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ} [الحج: 26].][[224]]

أقول بمنتهى البساطة: لقد قال الله U عن آدم u: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [صـ : 72], فلم يتميّز المسيح u إذاً عن آدم u. وبخصوص قول الله U: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة : 87], فإن هذا التأييد ليس خاصاً بالمسيح u وحده, فهناك الكثير من المؤمنين الذين أيدهم الله U بروح منه أو بروح القدس, فقد قال الله U: {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} [المجادلة : 22], ونجد أيضاً في صحيح مسلم عن أمنا عائشة رضي الله عنها أن رسول الله r يقول لحسَّان بن ثابت t: [إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ لاَ يَزَالُ يُؤَيِّدُكَ مَا نَافَحْتَ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.][[225]]

          قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} أي: إنما هو عبد من عباد الله، وخلق من خلقه، قال له: كن، فكان، ورسول من رسله، وكلمته ألقاها إلى مريم، أي: خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل u إلى مريم، فنفخ فيها من روحه بإذن ربه U، فكان عيسى بإذنه U، وكانت تلك النفخة التي نفخها في جيب درعها، فنزلت حتى ولجت فرجها بمنزلة لقاح الأب والأم، والجميع مخلوق لله U، ولهذا قيل لعيسى: إنه كلمة الله وروح منه، لأنه لم يكن له أب تولد منه، وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له بها كن فكان، والروح التي أرسل بها جبريل، قال الله تعالى: {مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ} [المائدة: 75]. وقال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران: 59] وقال تعالى: {وَٱلَّتِىۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَـٰهَا وَٱبْنَهَآ ءَايَةً لِّلْعَـٰلَمِينَ} [الأنبياء: 91] وقال تعالى: {وَمَرْيَمَ ٱبْنَةَ عِمْرَانَ ٱلَّتِىۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم: 12] إلى آخر السورة، وقال تعالى إخباراً عن المسيح: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزخرف: 59] الآية.][[226]]

          وقال أيضاً الإمام علاء الدين البغدادي رحمه الله: [يعني لا تقولوا إن له شريكاً وولداً وقيل معناه لا تصفوه بالحلول والاتحاد في بدن الإنسان ونزهوا الله تعالى عن ذلك، ولما منعهم الله من الغلو في دينهم أرشدهم إلى طريق الحق في أمر عيسى u فقال تعالى: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ} يقول إنما المسيح هو عيسى ابن مريم ليس له نسب غير هذا وأنه رسول الله, فمن زعم غير هذا فقد كفر وأشرك, {وَكَلِمَتُهُ} هي قوله تعالى: كن فكان بشراً من غير أب ولا واسطة, {أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} يعني أوصلها إلى مريم, {وَرُوحٌ مِّنْهُ} يعني أنه كسائر الأرواح التي خلقها الله تعالى, وإنما أضافه إلى نفسه على سبيل التشريف والتكريم كما يقال بيت الله وناقة الله.][[227]]

          والآن, وقبل أن أنتقل إلى جزء آخر من الآية الكريمة, أريد أن أسأل سؤالاً في غاية الأهمية, إذا كان المسيح u بحسب الـمُعتقد المسيحي هو (الله الـ) الابن المتجسِّد, فما دخل الروح القدس بالموضوع ؟ الأنبا بيشوي يعلم جيداً أن الروح القدس في العقيدة الإسلامية هو الملاك جبريل u, وأن المسيحية لا تقول بهذا, فقد قال الأنبا بيشوي: [ثم تساءل عن الروح القدس, فأجبته: “إن الروح القدس هو الذي يوحي للأنبياء”, فتساءل: “أليس الملاك جبريل ؟”, فأجبته بالنفي.][[228]]

          هل القضية هي أن المسيحية تقول بـ: آب وابن وروح قدس, أو: آب وكلمة وروح قدس, ووجدوا في القرآن الكريم عبارة “كلمة منه” و “روح منه” فالمصطلحات إذاً متساوية ؟ ما هذا التفكير السطحي العجيب ؟! اعتقد أن الأمر الآن أصبح واضحاً للجميع, كلمة منه أي مخلوق بكلمة من الله, روح منه أي روح مخلوقة من الله مثل آدم u, فإن أعطاك فلان هدية, فإنك ستقول للناس, هذه الهدية من فلان, فهل معنى هذا أن الهدية من ذات فلان ؟! بالطبع لا.

          الجميل في الآية أن الله U بدأ بقوله: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ}, وكأن الله U يُريد أن يقول لنا أننا إذا عرفنا الله حق المعرفة, فلن نقول بالتثليث وما إلى ذلك, وسنفهم جيداً معنى “كلمة منه” و “روح منه”, فإن الله U قد وصف نفسه بأنه “أحد”, فليس فيه تعددية البتة, وأنه “الصمد”, وأنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد, فلا تنبثق منه روح, ولا تولد منه كلمة.

          وهكذا, وبعد أن أرشدنا الله U إلى الإيمان الصحيح في المسيح u يقول: {فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ}, وقد قال الله U {وَرُسُلِهِ} بالجمع, ولم يقل “ورسوله”, لأن الإشارة هنا ليست إلى المسيح u وحده, فقد تكون أيضاً إلى نبينا محمد r, حيث أن الذين قالوا بالتثليث لم يؤمنوا بنبوبته r, وقد تكون أيضاً إشارة إلى جبريل u, الذي هو روح القدس, فإن النصارى لا يؤمنون بأن روح القدس هو رسول الله جبريل u, فقد قال الله U: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج : 75]

قال الإمام البغوي رحمه الله: [{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ} أي: ولا تقولوا هم ثلاثة، وكانت النصارى تقول: أب وابن وروح قدس.][[229]], وقال أيضاً الإمام الطبري رحمه الله: [يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: {فَآمِنُوا بـاللَّهِ وَرُسُلِهِ} فصدّقوا يا أهل الكتاب بوحدانـية الله وربوبـيته، وأنه لا ولد له، وصدِّقوا رسله فـيـما جاءوكم به من عند الله، وفـيـما أخبرتكم به أن الله واحد لا شريك له، ولا صاحبة له، ولا ولد له. {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ} يعنـي: ولا تقولوا الأربـاب ثلاثة.][[230]]

والآية ببساطة تُرشد أهل الكتاب إلى الإيمان الصحيح فيما يخص رسل الله عز وجل, ومنهم المسيح عليه السلام, وجبريل عليه السلام, فلا يجوز بعد ذلك كله أن يقول المسيحي بالتثليث, وأن الله آب وكلمة وروح قدس ! وفي تفسير قوله تعالى {وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ} كلام كثير رائع أورده علماء المسلمين في تفاسيرهم, ولكني سأعرض عليكم أهم ما وجدته.

* وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ:

          قال الشوكاني رحمه الله: [والنصارى مع تفريق مذاهبهم متفقون على التثليث، ويعنون بالثلاثة: الثلاثة الأقانيم، فيجعلونه سبحانه جوهراً واحداً، وله ثلاثة أقانيم، ويعنون بالأقانيم أقنوم الوجود، وأقنوم الحياة، وأقنوم العلم، وربما يعبرون عن الأقانيم بالأب والابن وروح القدس، فيعنون بالأب: الوجود، وبالروح: الحياة، وبالابن: المسيح.][[231]]

          وقال أيضاً الإمام الماوردي رحمه الله: [{فَئآمِنُواْ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ: ثَلاَثَةٌ، انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ} في الثلاثة قولان: أحدهما: هو قول النصارى أب وابن وروح القدس، وهذا قول بعض البصريين. والثاني: هو قول من قال: آلهتنا ثلاثة، وهو قول الزجاج.][[232]]

          وقال أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [فقد نهى النصارى عن الغلو في دينهم, وأن يقولوا على الله غير الحق, وبين أن {الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ} وأمرهم أن يؤمنوا بالله ورسله, فبين أنه رسوله, ونهاهم أن يقولوا ثلاثة, وقال: {انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ}, وهذا تكذيب لقولهم في المسيح أنه إله حق من إله حق, من جوهر أبيه. ثم قال: {سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} فنزه نفسه وعظمها أن يكون له ولد, كما تقوله النصارى, ثم قال: {لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ} فأخبر أن ذلك ملك ليس له فيه شيء من ذاته, ثم قال: {لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء : 172] أي لن يستنكفوا أن يكونوا عبيداً لله تبارك وتعالى, فمع ذلك البيان الواضح الجلي, هل يظن ظان أن مراده بقوله: {وَكَلِمَتُهُ} أنه إله خالق, أو أنه صفة لله قائمة به, وأن قوله: {وَرُوحٌ مِّنْهُ} المراد به أنه حياته أو روح منفصلة من ذاته ؟!.][[233]]

* لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ:

والآن, سننتقل إلى آية أخرى من كتاب الله U تتناول عقيدة التثليث بالنقد: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ} [المائدة : 73]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [وأما قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ …}, وقوله : {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ …}, فقد فسروه بالتثليث المشهور عنهم, المذكور في أمانتهم (يقصد قانون الإيمان النيقاوي), ومن الناس من يقول: إن الله هو المسيح ابن مريم قول اليعقوبية, وقولهم: ثالث ثلاثة هو قول النصارى الذين يقولون بالآب والابن والروح القدس, وهم قد جعلوا الله فيها ثالث ثلاثة, وسموا كل واحد من الثلاثة بالإله والرب.][[234]]

          قال الإمام الثعالبي رحمه الله: [الآية: إخبارٌ مؤكِّد؛ كالذي قبله، عن هذه الطائفة النَّاطقة بالتثليث، وهم فِرَقٌ، منهم النُّسْطُورِيَّة وغيرهم، ولا معنَىٰ لذكْر أقوالهم في كُتُب التَّفْسِير.][[235]]

وقال أيضاً الإمام ابن عطية الأندلسي رحمه الله: [هذه الآية إخبار مؤكد كالذي قبله، وهو عن هذه الفرقة الناطقة بالتثليث, وهي فيما يُقال الملكية وهم فرق منهم النسطورية وغيرهم، ولا معنى لذكر أقوالهم في كتاب تفسير، إنما الحق أنهم على اختلاف أحوالهم كُفَّار من حيث جعلوا في الألوهية عدداً, ومن حيث جعلوا لعيسى عليه السلام حكماً إلهياً.][[236]]

          تأمل هذه العبارة الرائعة للإمام الأندلسي رحمه الله: [إنما الحق أنهم على اختلاف أحوالهم كُفَّار من حيث جعلوا في الألوهية عدداً], تأملها جيداً وقل ما أعظم فهم علماء المسلمين, القضية ببساطة هي أنهم جعلوا في الألوهية عدداً, بمعنى أنهم جعلوا للجنس (الجوهر) الإلهي ثلاثة, والله U قد أعلن مراراً وتكراراً – كما قد بيَّنا سابقاً – أنه ليس من الجنس الإلهي إلا واحد أحد, فرد صمد, لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد, فمن قال غير ذلك فقد كفر.

          وقال أيضاً الإمام القرطبي رحمه الله: [وهذا قول فرق النصارى من المَلْكِية والنُّسْطُورِيّة واليعقوبية؛ لأنهم يقولون أب وٱبن وروح القدس إلٰه واحد؛ ولا يقولون ثلاثة آلهة وهو معنى مذهبهم، وإنما يمتنعون من العبارة وهي لازمة لهم. وما كان هكذا صح أن يحكى بالعبارة اللازمة؛ وذلك أنهم يقولون: إن الابن إله والأب إله وروح القدس إله.][[237]]

* التثليث = ثلاثة آلهة:

          وكلام الإمام القرطبي هذا يحتاج إلى وقفة, يقول ببساطة أن عقيدة التثليث تستلزم القول بثلاثة آلهة, وإن لم يقولوها صراحة, ولكن عندي لكم مُفاجأة رائعة جداً. هنا أيقونة (صورة) باسم “ثالوث العهد القديم”, قال عنها الدكتور جورج حبيب بباوي: [أيقونة “ثالوث العهد القديم” التي صورها رسام الأيقونات الروسي العظيم أندريه روبليف في الربع الأول من القرن الخامس عشر لدير الثالوث والقديس سرجيوس في زاجوراسك بالقرب من موسكو. وتصور الأيقونة الملائكة الثلاث الذين زاروا إبراهيم وسارة.][[238]]

أيقونة ثالوث العهد القديم

          السؤال الآن هو: من هؤلاء الملائكة الثلاث ؟

          قال الدكتور جورج:          [تتميز الأيقونة بثلاثة أمور: تذكرنا أولاً بقصة الكتاب المقدس التي تتحدث عن زيارة الزوار الثلاثة لإبراهيم (تك18/1-15) يشرحها التعليق الليتورجي: “طوبى لك يا إبراهيم لأنك رأيتهم واستقبلت الإله الواحد المثلث الأقانيم“.][[239]]

الصورة للإله الواحد المثلث الأقانيم ! ألا يبدون لك وكأنهم ثلاثة آلهة ؟!, يكمل الدكتور جورج قائلاً: [وقد عبَّر روبليف بوضوح عن مساواة الملائكة الثلاثة الكاملة، حتى أنه لا توجد قاعدة لتحديد الأقنوم الإلهي الممثَّل بكل ملاك. فلا يشكل ملاك اليمين مشكلة: إنه الروح القدس. أمَّا الخلاف فقائم حول ملاك الوسط، فنتساءل أيُمثِّل الآب أم الابن؟ وفي حال تحديده تُعرف هوية ملاك اليسار.][[240]]

          بعد أن رأينا الثالوث ! السؤال هو: هل القول بأن {اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} هو فعلاً التثليث ؟

          قال الشيخ محمد عاشور رحمه الله: [ومعنى قولهم: {إنّ الله ثالث ثلاثة} أنّ ما يعرفُه النّاسُ أنّهُ اللّهُ هو مجموع ثلاثةِ أشياء، وأنّ المستحقّ للاسم هو أحد تلك الثّلاثة الأشياء. وهذه الثّلاثة قد عبّروا عنها بالأقانِيم وهي: أقنوم الوجود، وهو الذات المسمّى الله، وسمّوه أيضاً الأبَ؛ وأقنوم العِلم، وسمَّوه أيضاً الابنَ، وهو الّذي اتّحد بعيسى وصار بذلك عيسى إلهاً؛ وأقنوم الحياة وسَمَّوه الرّوحَ القُدُس.][[241]]

          وقال الإمام الألوسي رحمه الله: [و{ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ} لا يكون إلا مضافاً كما قال الفراء، وكذا رابع أربعة ونحوه، ومعنى ذلك: أحد تلك الأعداد لا الثالث والرابع خاصة.][[242]], وقال شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي رحمه الله: [ومعنى ثالث ثلاثة: واحد من ثلاثة. أي: أحد هذه الأعداد مطلقاً وليس الوصف بالثالث.][[243]]

          وقال أيضاً الأمام العَمادي رحمه الله: [{لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ} شروع في بـيان كفر طائفةٍ أخرى منهم، ومعنى قولهم: ثالثُ ثلاثةٍ ورابع أربعة ونحو ذلك أحدُ هذه الأعداد مطلقاً لا الثالثُ والرابعُ خاصة، ولذلك منع الجمهور أن ينصِبَ ما بعده بأن يقال: ثالثٌ ثلاثةً ورابعٌ أربعةً، وإنما ينصبه إذا كان ما بعده دونه بمرتبة، كما في قولك: عاشرٌ تسعةً وتاسعٌ ثمانيةً.][[244]]

          وقال أيضاً الإمام البقاعي رحمه الله: [ولما انقضى هذا النقض، وقدمه لأنه كما مضى أشد، أتبعه إبطال دعوى التثليث بقوله مبدلاً من تلك النتيجة نتيجة أخرى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ} بجرأة على الكلام المتناقض وعدم حياء {إِنَّ اللّهَ} أي على ما له من العظمة التي منها الغنى المطلق {ثَالِثُ} أي واحد {ثَلاَثَةٍ} أي كلهم آلهة، وأما القائل بأنه ثالث بالعلم فلا يكفر.][[245]]

          وأختم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي قال: [وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: {ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ اللَّهَ وَاللَّاهُوتَ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ وَجَسَدِ الْمَسِيحِ, فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ النَّصَارَى لَا يَجْعَلُ لَاهُوتَ الْمَسِيحِ وَنَاسُوتَهُ إلَهَيْنِ وَيَفْصِلُ النَّاسُوتَ عَنْ اللَّاهُوتِ, بَلْ سَوَاءٌ قَالَ بِالِاتِّحَادِ أَوْ بِالْحُلُولِ فَهُوَ تَابِعٌ لِلَّاهُوتِ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ عَنْ النَّصَارَى {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ}, {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}. قَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَوْلُ النَّصَارَى بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ إلَهٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَوْلُهُمْ بِالْجَوْهَرِ الْوَاحِدِ الَّذِي لَهُ الْأَقَانِيمُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي يَجْعَلُونَهَا ثَلَاثَةَ جَوَاهِرَ وَثَلَاثَةَ أَقَانِيمَ أَيْ ثَلَاثَةَ صِفَاتٍ وَخَوَاصَّ، وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ هُوَ اللَّهُ وَابْنُ اللَّهِ هُوَ الِاتِّحَادُ وَالْحُلُولُ، فَيَكُونُ عَلَى هَذَا تِلْكَ الْآيَةُ عَلَى قَوْلِهِمْ تَثْلِيثُ الْأَقَانِيمِ، وَهَاتَانِ فِي قَوْلِهِمْ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ، فَالْقُرْآنُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ رَدَّ فِي كُلِّ آيَةٍ عَلَى صِنْفٍ مِنْهُمْ.][[246]]

          تلخيصاً لما سبق: نجد أن علماء المسلمين يعلنون صراحة أن الآية إبطال للثالوث ! الثالوث ببساطة هو: القول بأن هناك إله واحد, ولكن هذا الإله ثلاثة: آب, وابن, وروح قدس, وكل واحد من هؤلاء الثلاثة هو الإله ! فإن المسيحيين يقولون عن المسيح u أنه الله, وعن الآب أنه الله, وعن الروح القدس أنه الله, ويقولون أن الآب والابن والروح القدس إله واحد, بمعنى أن كل واحد من الثلاثة هو الله, والثلاثة معاً هم الله !

          فمعنى قوله تعالى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}: “ثَالِثُ” تُعطي معنى الفردية, و”ثَلَاثَةٍ” تُعطي معنى المجموع, والعبارة {ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} تعني واحد من الثلاثة بغض النظر عن الترتيب, أي أنه قد يكون الأول أو الثاني أو الثالث, فإن قال قائل: {إنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} هذا يعني كما قال الشيخ محمد عاشور رحمه الله: [أنّ ما يعرفُه النّاسُ أنّهُ اللّهُ هو مجموع ثلاثةِ أشياء، وأنّ المستحقّ للاسم هو أحد تلك الثّلاثة الأشياء], بمعنى أن الله في الحقيقة واحد فقط من الثلاثة, ولكنه يقول عن الثلاثة أنهم الله, وهذا كُفر.

* مَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ:

          لقد دحض الله U التثليث بقوله: {وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ}, وقد شرحنا سابقاً معنى “من إله” و “من ولد”, ولكنني أريد أن أقدم لكم أقوال العلماء لهذه الآية, فقد قال الإمام الطبري رحمه الله: [يقول الله تعالـى ذكره مكذّبـاً لهم فـيـما قالوا من ذلك: {وما مِنْ إلهٍ إلاَّ إلهٌ وَاحِدٌ} يقول: ما لكم معبود أيها الناس إلا معبود واحد، وهو الذي لـيس بوالد لشيء ولا مولود، بل هو خالق كلّ والد ومولود.][[247]]

          وقال الشوكاني رحمه الله: [وهذا هو المراد بقولهم ثلاثة أقانيم: إقنيم الأب وإقنيم الابن، وإقنيم روح القدس، وقد تقدّم في سورة النساء كلام في هذا، ثم رد الله سبحانه عليهم هذه الدعوى الباطلة فقال: {وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ} أي ليس في الوجود إلا الله سبحانه، وهذه الجملة حالية، والمعنى: قالوا تلك المقالة، والحال أنه لا موجود إلا الله، و “من” في قوله: {مِنْ إِلَـهٍ} لتأكيد الاستغراق المستفاد من النفي.][[248]]

          وقال أيضاً الإمام البقاعي رحمه الله: [ولما أعلم بكفرهم، أشار إلى إبطاله كما أشار إلى إبطال الأول كما سلف بما لا يخفى على أحد، تحقيقاً لتلبسهم بمعنى الكفر الذي هو ستر ما هو ظاهر فقال: {وَمَا} وأغرق في النفي كما هو الحق واقتضاه المقام فقال: {مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ} أي قالوا ذلك والحال أنه لا يصح ولا يتصور في العقل أن يكون الإله متعدداً لا تحقيقاً ولا تقديراً بوجه من الوجوه، لا يكون إلا واحداً بكل اعتبار، وهو الله تعالى لا غيره.][[249]]

وقال أيضاً الإمام العَمادي رحمه الله: [{وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ} أي والحال أنه ليس في الوجود ذاتُ واجبٍ مستحق للعبادة من حيث إنه مبدأُ جميعِ الموجودات إلا إلٰهٌ موصوفٌ بالوحدانية متعالٍ عن قَبول الشِرْكة، و(مِنْ) مزيدة للاستغراق، وقيل: إنهم يقولون: الله جوهرٌ واحدٌ ثلاثةُ أقانيمَ، أقنومُ الأب وأقنومُ الابن وأقنومُ روح القدس، وإنهم يريدون بالأول الذات وقيل: الوجود، وبالثاني العِلْم، وبالثالث الحياة، فمعنى قوله تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ} إلا إلٰه واحد بالذات، منزه عن شائبةِ التعدد بوجهٍ من الوجوه.][[250]]

          وقال الزمخشري رحمه الله: [من في قوله: {وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ} للاستغراق وهي القدرة مع (لا) التي لنفي الجنس في قولك {لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ} والمعنى: وما إلٰه قط في الوجود إلا إلٰه موصوف بالوحدانية لا ثاني له، وهو الله وحده لا شريك له.][[251]]

          وقال الرازي رحمه الله: [ثم قال تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ} في {مِنْ} قولان: أحدهما: أنها صلة زائدة والتقدير: وما إلۤه إلا إلۤه واحد، والثاني: أنها تفيد معنى الاستغراق، والتقدير: وما في الوجود من هذه الحقيقة إلا فرد واحد.][[252]]

وقال أيضاً الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَٰحِدٌ} أي: ليس متعدداً، بل هو وحده لا شريك له، إله جميع الكائنات وسائر الموجودات.][[253]]

          وقال البيضاوي رحمه الله: [{وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ} وما في الوجود ذات واجب مستحق للعبادة من حيث إنه مُبْدِئ جميع الموجودات إلا إله واحد، موصوف بالوحدانية متعال عن قبول الشركة ومن مزيدة للاستغراق.][[254]]

وقال أيضاً الإمام النسفي رحمه الله: [و”من” في قوله {وما من إلهٍ إلاّ إلهٌ وٰحدٌ} للاستغراق أي وما إله قط في الوجود إلا إله موصوف بالوحدانية لا ثاني له وهو الله وحده لا شريك له.][[255]]

          وقال الإمام الألوسي رحمه الله: [{وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ} أي والحال أنه ليس من الموجودات ذات واجب مستحق للعبادة – لأنه مبدأ جميع الموجودات – إلا إله موصوف بالوحدة متعال عن قبول الشركة بوجه، إذ التعدد يستلزم انتفاء الألوهية ـ كما يدل عليه برهان التمانع ـ فإذا نافت الألوهية مطلق التعدد، فما ظنك بالتثليث؟! و{مِنْ} مزيدة للاستغراق كما نص على ذلك النحاة.][[256]]

          وأختم بكلام الشيخ محمد عاشور رحمه الله الرائع: [وقوله: {إلاّ إله واحد} يفيد حصر وصف الإلهيّة في واحد فانتفى التثليث المحكي عنهم. وأمّا تعيين هذا الواحد مَن هو، فليس مقصوداً تعيينه هنا لأنّ القصد إبطال عقيدة التثليث, فإذا بطل التثليث، وثبتت الوحدانيّة تعيّن أنّ هذا الواحد هو الله تعالى لأنّه متّفق على إلهيّته، فلمّا بطلت إلهيّة غيره معه, تمحّضت الإلهيّة له فيكون قوله هنا {وما من إله إلاّ إله واحد} مساوياً لقوله في سورة آل عمران (62) {وما من إله إلاّ الله} إلاّ أنّ ذكر اسم الله تقدّم هنا وتقدّم قول المبطلين (إنّه ثالث ثلاثة) فاستغني بإثبات الوحدانيّة عن تعيينه. ولهذا صرّح بتعيين الإله الواحد في سورة آل عمران (62) في قوله تعالى: {وما من إله إلاّ الله} إذ المقام اقتضى تعيين انحصار الإلهيّة في الله تعالى دون عيسى ولم يجر فيه ذكر لتعدّد الآلهة.][[257]]

          والله إنني لا أمل أبداً من مُطالعة كلام العلماء, اسأل الله U أن يفيد الجميع بهذا الكلام الطيب.

* التهديد والوعيد وفتح باب التوبة:

          بعد أن أبطل الله U عقيدة التثليث, توعدهم بالعذاب الأليم, إن لم يكفُّوا عن هذه المقالة الكفرية. قال الإمام القرطبي رحمه الله: [قوله تعالى: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ} أي يكفّوا عن القول بالتثليث ليمسنهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة. {أَفَلاَ يَتُوبُونَ} تقرير وتوبيخ، أي فليتوبوا إليه وليسألوه ستر ذنوبهم؛ والمراد الكفرة منهم. وإنما خص الكفرة بالذكر لأنهم القائلون بذلك دون المؤمنين.][[258]]

          وقال الإمام البقاعي رحمه الله: [ولما أخبر أنهم كفروا، وأشار إلى نقض قولهم، كان أنسب الأشياء بعده أن يعطف عليه ترهيبهم ثم ترغيبهم فقال تعالى: {وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ} أي الكفرة بجميع أصنافهم {عَمَّا يَقُولُونَ} أي من هاتين المقالتين وما داناهما {لَيَمَسَّنَّ} أي مباشرة من غير حائل {الَّذِينَ كَفَرُواْ} أي داموا على الكفر، وبشر سبحانه بأنه يتوب على بعضهم بقوله: {مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.][[259]]

          وقال أيضاً الإمام الطبري رحمه الله: [{وإنْ لـم يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ} يقول: إن لـم ينتهوا قائلوا هذه الـمقالة عما يقولون من قولهم: الله ثالث ثلاثة، {لَـيَـمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ} يقول: لـيـمسنّ الذين يقولون هذه الـمقالة، والذين يقولون الـمقالة الأخرى هو الـمسيح ابن مريـم لأن الفريقـين كلاهما كفرة مشركون، فلذلك رجع فـي الوعيد بـالعذاب إلـى العموم. ولـم يقل: «لـيـمسنهم عذاب ألـيـم»، لأن ذلك لو قـيـل كذلك صار الوعيد من الله تعالـى ذكره خاصًّا لقائل القول الثانـي، وهم القائلون: الله ثالث ثلاثة، ولـم يدخـل فـيهم القائلون: الـمسيح هو الله. فعمّ بـالوعيد تعالـى ذكره كل كافر، لـيعلـم الـمخاطبون بهذه الآيات أن وعيد الله وقد شمل كلا الفريقـين من بـين إسرائيـل ومن كان من الكفـار علـى مثل الذي هم علـيه.][[260]]

          وهكذا, وبعد أن بين الله U كُفر من قال بأن الله هو المسيح ابن مريم u, وكُفر من قال بالتثليث, فتح الله U للجميع باب التوبة بشكل غير مباشر عندما قال: {لَـيَـمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ}, و “مِنْهُمْ” أي ليس كلهم, فإن هناك من سيتوب ويرجع عن هذا الكفر, ثم أعلن الله U صراحة وقال: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة : 74]

          ثم نجد أن الله U يُسرد المزيد من الأدلة التي تُبطل العقيدة المسيحية فيقول: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)} [المائدة], والذي يوضح فيها الله U أن المسيح u ما هو إلا رسول مثل باقي الرسل الذين سبقوه, وأنه يحتاج إلى الطعام, ومن يحتاج ليس إلهاً. ويُعلن لنا الله U الحقيقة التي أوردناها سابقاً من العهد الجديد, وهي أن المسيح u لا يقدر أن يفعل من نفسه شيئاً, وأنه فقط يعمل إرادة الله الذي في السموات.

          وفي النهاية, يُحذِّر الله U أهل الكتاب من الغلو, ويُحذِّرهم أيضاً من إتِّباع أصحاب الأهواء, الذين ليس لهم على عقائدهم أي أدلة دامغة, فيقول تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} [المائدة : 77]

          وهكذا نكون قد رددنا على كل شاردة وواردة قالها الأنبا بيشوي حول التثليث في القرآن الكريم.

حول ادعاء صلب المسيح u وموته

          قال الأنبا بيشوي: [هم يقولون مثلاً أن المسيح لم يمت, فعلينا أن نرد بسؤالهم لماذا يُقال في القرآن {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} [مريم : 33], ولماذا يقال {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران : 55]. لما نقول هذا الكلام لا يغضب منا أحد لأنه مكتوب في كتابهم.][[261]]

          أتعجب جداً من الأنبا بيشوي وأتساءل, ألا يسمع مناظرات الشيخ أحمد ديدات رحمه الله ؟! أعتقد أن جميع العاملين في مجال الحوار الإسلامي المسيحي يعرفون جيداً مناظرة الشيخ أحمد ديدات رحمه الله التي سأله فيها أنيس شروش عن قول الله U: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} [مريم : 33], ولكن من الواضح جداً أن الأنبا بيشوي ليس من الـمُطَّلعين !

          هناك سؤال في غاية الأهمية: هل المسيحية تكتفي بالإيمان بموت المسيح u ؟

          بمعنى, هل يكفي المسيحي أن يجد في عقيدة المسلم ما يقول بأن المسيح u قد مات ؟ هل سيدخل المسلم ملكوت السموات إذا اعتقد بأن المسيح u قد مات ؟ الإجابة: بالطبع لا ! فإنك حتى تُصبح مبرراً أمام الله U بحسب العقيدة المسيحية, يجب عليك أن تؤمن بأن المسيح u قد صُلِب, ومات على الصليب, أي أنه مات مصلوباً, لابد من هذه الكيفية, فلا يقبل المسيحي مثلاً أن نقول له أن المسيح u مات وهو نائم على فراشه ! أو أنه مات مطعوناً بخنجر أو حربة أو ما إلى ذلك, فإن المسيحي لن يقبل إلا بموت المسيح u مصلوباً, وبالإضافة إلى ذلك, فلابد أن تؤمن بأن المسيح u بعد صلبه دُفِن في الأرض, وقام من الأموات بعد ثلاثة أيام وثلاث ليال ! فأين ستجد عند المسلمين كل هذه التفاصيل الإيمانية المسيحية ؟! هذا مستحيل.

* وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ:

عندما يُخبرنا الله U أن المسيح u قال: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} [مريم : 33], فهذا يعني أن المسيح u يُخبرنا بأنه في يوم ما سيموت, فإنهيقول: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ} بصيغة الماضي, { وَيَوْمَ أَمُوتُ } بصيغة المضارع والتي تفيد المستقبل, {وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} بصيغة المضارع والتي تفيد المستقبل.

قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [وقوله: {وَٱلسَّلَـٰمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً} إثبات منه لعبوديته لله وأنه مخلوق من خلق الله يحيا ويموت ويبعث كسائر الخلائق، ولكن له السلامة في هذه الأحوال التي هي أشق ما يكون على العباد، صلوات الله وسلامه عليه.][[262]]

وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله: [{وَيَوْمَ أَمُوتُ} لأنهم أخذوه ليصلبوه، فنجّاه الله من أيديهم، وألقى شبهه على شخص آخر، ورفعه الله تعالى إلى السماء.][[263]], وهنا يقصد الشيخ أن المسيح u سيموت موتاً طبيعياً ولن يُقتل.

وهكذا نكون قد انتهينا من النقطة الأولى, نأتي إلى النقطة الثانية المتعلقة بقول الله U: {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [آل عمران : 55], وهنا أريد أن ألفت الأنظار إلى نقطة في غاية الأهمية, ألا وهي أن سياق الآيات تُفيد بأن الله U سيُنجِّي المسيح u من مكائد اليهود: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ (55)} [آل عمران]

الآيات تُفيد بأن المسيح u شعر بأن هناك من يُدبر له مكيدة ما {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ}, وقول الله U: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} توضح أن هناك من كان يُدبر للمسيح u أمراً في الخفاء, ولكن الله U هو أيضاً كان يُدبر لهؤلاء أمراً مخفيَّاً عنهم, وفي هذا قال الإمام الطبري رحمه الله: [يعنـي بذلك جل ثناؤه: ومكر الله بـالقوم الذين حاولوا قتل عيسى مع كفرهم بـالله، وتكذيبهم عيسى فـيـما أتاهم به من عند ربهم، إذ قال الله جل ثناؤه: {إِنّي مُتَوَفّيكَ} فـ«إذْ» صلة من قوله: {وَمَكَرَ ٱللَّهُ} يعنـي: ومكر الله بهم حين قال الله لعيسى: {إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ} فتوفـاه ورفعه إلـيه.][[264]]

إذن, نستطيع أن نقول أن قول الله U: {إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ} هو تدبير الله الخفي لليهود الـمُقابل لتدبير اليهود الخفي للمسيح u, فأياً كان معنى كلمة “مُتَوَفّيكَ” فإنها الوسيلة التي نجَّا الله U بها المسيح u من أيدي اليهود.

قال الإمام الماوردي رحمه الله: [قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ: يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} فيه أربعة أقاويل: أحدها: معناه إني قابضك برفعك إلى السماء من غير وفاة بموت، وهذا قول الحسن، وابن جريج، وابن زيد. والثاني: متوفيك وفاة نوم للرفع إلى السماء،وهذا قول الربيع. والثالث: متوفيك وفاة بموت، وهذا قول ابن عباس. والرابع: أنه من المقدم والمؤخر بمعنى رافعك ومتوفيك بعده، وهذا قول الفراء.][[265]]

والآن أريد أن أسأل سؤالاً في غاية الأهمية: هل أي قول من هذه الأقوال الأربعة موافقة للمسيحية ؟ بالطبع لا !

          وقد أورد الإمام الطبري رحمه الله هذه الأقوال أيضاً ثم قال: [وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا، قولُ من قال:”معنى ذلك: إني قابضك من الأرض ورافعك إليّ”، لتواتر الأخبار عن رسول الله r أنه قال: ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال، ثم يمكث في الأرض مدة ذكَرها، اختلفت الرواية في مبلغها، ثم يموت فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه.][[266]]

          وقال الشوكاني رحمه الله: [ومعناه: إني عَاصِمُكَ من أن يقتلك الكفار، ومُؤخِر أجلك إلى أجل كتبته لك، ومُمِيتك حتف أنفك لا قتلاً بأيديهم. وإنما احتاج المفسرون إلى تأويل الوفاة بما ذكر، لأن الصحيح أن الله رفعه إلى السماء من غير وفاة، كما رجحه كثير من المفسرين، واختاره ابن جرير الطبري، ووجه ذلك أنه قد صحّ في الأخبار عن النبيّ r نزوله، وقتله الدجال.][[267]]

          وقال الإمام النسفي رحمه الله: [{إِذْ قَالَ ٱللَّهُ} ظرف لمكر الله {يٰعِيسَىٰ إِنّي مُتَوَفّيكَ} أي مستوفي أجلك, ومعناه أني عاصمك من أن يقتلك الكفار ومميتك حتف أنفك لا قتلاً بأيديهم {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} إلى سمائي ومقر ملائكتي {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} من سوء جوارهم وخبث صحبتهم.][[268]]

وأختم بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [بَيَان أن الله رفعه حياً وسَلَّمه من القتل, وبَيَّن أنهم يؤمنون به قبل أن يموت. وكذلك قوله: {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [آل عمران : 55], ولو مات لم يكن فرق بينه وبين غيره. ولفظ التوفي في لغة العرب معناه: الاستيفاء والقبض, وذلك ثلاثة أنواع: أحدها: توفي النوم, والثاني: توفي الموت, والثالث: توفي الروح والبدن جميعاً, فإنه بذلك خرج عن حال أهل الأرض الذين يحتاجون إلى الأكل والشرب واللباس, ويخرج منهم الغائط والبول, والمسيح u توفاه الله وهو في السماء الثانية إلى أن ينزل إلى الأرض, ليست حاله كحالة أهل الأرض في الأكل والشرب واللباس والنوم, والغائط والبول, ونحو ذلك.][[269]]

          تلخيصاً لما سبق: سياق الآيات تتحدث عن تدبير اليهود الخفي للمسيح u, وأن الله U قد دبَّر هو أيضاً لليهود أمراً خفياً, وهو إنقاذ المسيح u من كيد اليهود. وكلمة {مُتَوَفّيكَ} من الاستيفاء, بمعنى أن الله U سيُنهي دور المسيح u على الأرض الآن, ويرفعه إلى السماء, وأهل السنة يقولون بأن التوفي كان بالروح والبدن جميعاً بدون موت, وحتى إن مات فهو لم يمت مقتولاً, وإنما أماته الله ليرفعه إليه.

          وأريد أن أقول عبارة في غاية الأهمية: لا يوجد عالم واحد من علماء المسلمين قال بأن كلمة {مُتَوَفّيكَ} تعني موت المسيح u مصلوباً على يد اليهود أو الرومان أو غيرهما, فجميع تأويلات علماء المسلمين تفيد بأن الله U أنقذ المسيح u من مكيدة اليهود, وهذا ليس افتراءاً أو تأليفاً, بل طبقاً لسياق الآيات بالإضافة إلى ما تحتمله كلمة {مُتَوَفّيكَ} في اللغة العربية من معاني مُختلفة.

* وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ:

قال الأنبا بيشوي: [في هذه القضية هم يرددون النص التالي: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء : 157]. في هذا الصدد قلت لهم أن المعتدلين من كبار علماء المفسرين المسلمين عبر التاريخ يؤيدون المسيحية, ويفسرون هذه العبارة بقولهم أنه إذا كان المقصود شخص يشبهه لقال “شُبِّه به لهم” وليس “شبه لهم”. أما “شبه لهم” فتعني أنه خُيِّل إليهم, ولم يكن هناك من يشبهه.][[270]]

          في هذه المرة لا يسعني إلا أن أقول أن الأنبا بيشوي قد افترى على علماء المسلمين من المفسرين افتراءاً عظيماً, فقد ادَّعى أن هناك من “كبار علماء المفسرين عبر التاريخ يؤيدون المسيحية” وهذه العبارة تعطي في أذهاننا معنى أنه يتكلم مثلاً عن الإمام الطبري أو القرطبي أو ابن كثير رحمهم الله أو غيرهم, وهذا باطل محض, وعبارة “عبر التاريخ” تعني أنه لا يوجد زمن من الأزمنة إلا وهناك عالم من علماء المسلمين أيَّد المسيحية.

          وقد قمنا بعرض ما يعتقده المسيحي بخصوص موت المسيح u على الصليب, وأنا أقولها صراحة: إن كان هناك من المسلمين من قال بأن المسيح u قد “قُتِل” بأي شكل من الأشكال, فقد كفر بما أُنزل على محمد r, إن كان هناك من المسلمين من قال بأن المسيح u قد “قُتِل مصلُوباً” بشكل خاص, فقد كفر بما أُنزل على محمد r, ولا يُمكن أن يقع في هذا عالم من العلماء, فإن كان هناك من قال بأن قوله تعالى {يٰعِيسَىٰ إِنّي مُتَوَفّيكَ} تعني أن الله U أمات المسيح u قبل رفعه فهذا مُخالف للعقيدة المسيحية, فلابد عند المسيحيين أن يموت المسيح u مصلوباً.

          وأقول أيضاً: “وَمَا” أداة نفي, جاء بعدها “قَتَلُوهُ” و “صَلَبُوهُ”, فهذا نفي صريح للقتل بأي حال من الأحوال, وللقتل عن طريق الصلب بشكل خاص ومُحدد, بمعنى أن اليهود أرادوا قتل المسيح u بأي طريقة من الطرق, فجاء في العهد الجديد على سبيل المثال أنهم في مرة أرادوا أن يلقوه من فوق جبل فلم يفلحوا, ومرة أخرى أرادوا أن يرجموه فلم يفلحوا, فهكذا ينفي الله U أن اليهود قتلوا المسيح u بأي حال من الأحوال, ثم نفى أن المسيح u قُتل مصلوباً على وجه الخصوص, لأنه قيل عنه ذلك وأراد الله U أن ينفي ذلك.

وفي الآية التالية يقول تعالى: {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء : 158], وكلمة “بَل” تعني أن هذا هو الذي حدث فعلاً وليس القتل أو الصلب, وهو أن الله U رفع المسيح u إلى السماء مُنجِّياً إياه من كيد اليهود. ثم يُخبرنا تعالى بشكل غير مباشر عن نزول المسيح u مرة أخرى إلى الأرض, وأن هناك من سيؤمن به الإيمان الصحيح فيقول تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} [النساء : 159], وهكذا نجد من سياق الآيات الآتي:

  • نفي صريح للقتل بشكل عام {وَمَا قَتَلُوهُ}, والصلب بشكل خاص {وَمَا صَلَبُوهُ}.
  • الإخبار بأن ما حدث بدلاً من القتل أو الصلب هو أن الله رفع المسيح u إلى السماء {بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ}.
  • الإشارة إلى أن المسيح u سينزل مرة أخرى إلى الأرض وسيؤمن به الناس قبل أن يموت.

والآن أريد أن أقوم بعرض أقوال العلماء المفسرين من بداية القرن الأول الهجري حتى أصل إلى المفسرين المعاصرين ! ليعلم الأنبا بيشوي أن ما افتراه على علماء المسلمين لن يمر مرور الكرام, بل أريد من كل من تسول له نفسه إثبات العقيدة المسيحية من المراجع الإسلامية أن يعلم جيداً أنه لا يمكن لمسيحي أن ينتصر لعقيدته على مسلم من العقيدة الإسلامية ! فهذه أرضنا ولن نهزم فيها أبداً.

قال مُجاهد t: [{وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ} يقول صلبوا رجلاً غير عيسى وهم يحسبون أَنه عيسى u، شبه لهم.][[271]], وقال مُقاتل t: [{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ} بصاحبهم الذي قتلوه، وكان الله U قد جعله على صورة عيسى فقتلوه.][[272]], وقد نقل أقوالهما أيضاً الإمام ابن أبي حاتم رحمه الله[[273]], والإمام أبو جعفر النحاس رحمه الله[[274]].

وقد نقل الإمام الصنعاني رحمه الله كلام قتادة t: [أخبرنا مُعَمَّر عن قتادة في قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ} قال: أُلْقِيَ شَبَهَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الحَوَارِيِّين فَقُتِل, وكان عيسى عَرَضَ ذلك عليهم, فقال أيُّكُم أَلْقِي عَلَيْه شَبَهِي وله الجنة, فقال رجل منهم: عَلَيَّ.][[275]]

وقال الإمام الطبري رحمه الله: [يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وبِقَوْلِهمْ {أنَّا قَتَلْنا الـمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَـمَ رَسُولَ اللَّهِ}. ثم كذّبهم الله فـي قِـيـلهم، فقال: {وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} يعنـي: وما قتلوا عيسى وما صلبوه، ولكن شبّه لهم.][[276]]

وقال السمرقندي رحمه الله: [فأنزل الله تعالى إكذاباً لقولهم فقال: {وَمَا قَتَلُوهُ، وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبّهَ لَهُمْ} يعني ألقي شبه عيسى على غيره فقتلوه.][[277]], وقال الإمام ابن أبي زَمَنِين رحمه الله: [قال قتادة: ذُكِرَ لنا أن عيسى قال لأصحابه: أيكم يُقْذَفُ عليه شبهي؛ فإنه مقتول ؟ قال رجل من أصحابه: أنا يا رسول الله. فقُتِلَ ذلك الرجل, ومنع الله نبيه ورفعه إليه.][[278]]

وقال أيضاً الإمام الماوردي رحمه الله: [فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أنهم كانوا يعرفونه فألقى شبهه على غيره، فظنوه المسيح فقتلوه، وهذا قول الحسن، وقتادة، ومجاهد، ووهب، والسدي. والثاني: أنهم ما كانوا يعرفونه بعينه، وإن كان مشهوراً فيهم بالذكر، فارتشى منهم يهودي ثلاثين درهماً، ودلهم على غيره مُوهِماً لهم أنه المسيح، فشُبِّهَ عليهم. والثالث: أنهم كانوا يعرفونه، فخاف رؤساؤهم فتنة عوامِّهم، فإن الله منعهم عنه، فعمدوا إلى غيره، فقتلوه وصلبوه، ومَوَّهُوا على العامة أنه المسيح، ليزول افتتانهم به.][[279]]

وقال الإمام الأصفهاني رحمه الله: [وقوله {وَلَـٰكِن شُبّهَ لَهُمْ} أي مُثِّل لهم من حسبوه إياه.][[280]], وقال الإمام البغوي رحمه الله: [وذلك أن الله تعالى ألقى شَبَه عيسى u على الذي دلّ اليهودَ عليه، وقيل: إنهم حبسوا عيسى عليه السلام في بيت وجعلوا عليه رقيبًا فألقىَ الله تعالى شبه عيسى عليه السلام على الرقيب فقتلوه.][[281]]

وقال الإمام الأندلسي رحمه الله: [ثم أخبر تعالى أن بني إسرائيل ما قتلوا عيسى ولا صلبوه ولكن شبه لهم.][[282]], وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: [قوله تعالى: {وَلَـٰكِن شُبّهَ لَهُمْ} أي: أُلْقِي شبهه على غيره.][[283]], وقال الرازي رحمه الله: [واعلم أنه تعالى لما حكى عن اليهود أنهم زعموا أنهم قتلوا عيسى عليه السلام فالله تعالى كذبهم في هذه الدعوى وقال {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبّهَ لَهُمْ}.][[284]]

وقال العز ابن عبد السلام رحمه الله: [{شُبِّه} ألقي شبه عيسى عليه, قال عيسى: “من يقيني بنفسه”, فأجاب حواري, فألقي شبهه عليه.][[285]], وقال الإمام علاء الدين البغدادي رحمه الله: [وقوله تعالى: {وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} يعني ألقى شبه عيسى غيره حتى قتل وصلب.][[286]]

وقال الإمام أحمد بن يوسف الحلبي رحمه الله: [{شُبِّه} مبني للمفعول وفيه وجهان، أحدهما: أنه مسند للجار بعده كقولك: حِيل إليه، ولُبس عليه. والثاني: أنه مسندٌ لضمير المقتول الذي دَلَّ عليه قولهم: {إنَّا قتلْنا} أي: ولكن شُبِّه لهم مَنْ قتلوه. فإن قيل: لِمَ لا يجوز أن يعودَ على المسيح ؟ فالجواب أن المسيح مشبه به لا مشبه.][[287]]

          وقال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} أي: رأوا شبهه فظنوه إياه؛ ولهذا قال: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ * وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} يعني بذلك: من ادعى قتله من اليهود، ومن سَلَّمه من جُهَّال النصارى، كلهم في شك من ذلك وحيرة وضلال وسُعُر.][[288]]

وقال الشوكاني رحمه الله: [{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} والجملة حالية، أي: قالوا ذلك والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه.][[289]], وقال الإمام السعدي رحمه الله: [ومن قولهم: إنهم قتلوا المسيح عيسى وصلبوه، والحال أنهم ما قتلوه وما صلبوه بل شُبِّه لهم غيره، فقتلوا غيره وصلبوه.][[290]]

وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: [قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، يبين هنا مكر اليهود بعيسى ولا مكر الله باليهود، ولكنه بين في موضع آخر أن مكرهم به محاولتهم قتله، وذلك في قوله: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ}، وبين أن مكره بهم إلقاؤه الشبه على غير عيسى وإنجاؤه عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وذلك في قوله: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ}، وقوله: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً, بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} الآية.][[291]]

          وقال شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي رحمه الله: [وقوله – تعالى – {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ} رد على مزاعمهم الكاذبة، وأقاويلهم الباطلة التي تفاخروا بها بأنهم قتلوا عيسى – عليه السلام -. أي: إن ما قاله اليهود متفاخرين به، وهو زعمهم أنه قتلوا عيسى – عليه السلام -، هو من باب أكاذيبهم المعروفة عنهم؛ فإنهم ما قتلوه، وما صلبوه ولكن الحق أنهم قتلوا رجلا آخر يشبه عيسى – عليه السلام – في الخلقة فظنوه إياه وقتلوه وصلبوه، ثم قالوا.][[292]]

          وقال الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله: [قولهم متبجحين متفاخرين أنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم عليه السلام وهو رسول الله، وأكذبهم الله تعالى في ذلك بقوله: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} أي: برحل آخر ظنوه أنه هو فصلبوه وقتلوه، وأما المسيح فقد رفعه الله تعالى إليه وهو عنده في السماء كما قال تعالى في الآية (158) {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} أي: غالباً على أمره حكيماً في فعله وتدبيره.][[293]]

* هل هي “شُبِّه به لهم” أم “شُبِّه لهم” ؟:

          قال الأنبا بيشوي: [أن المعتدلين من كبار علماء المفسرين المسلمين عبر التاريخ يؤيدون المسيحية, ويفسرون هذه العبارة بقولهم أنه إذا كان المقصود شخص يشبهه لقال “شُبِّه به لهم” وليس “شبه لهم”. أما “شبه لهم” فتعني أنه خُيِّل إليهم, ولم يكن هناك من يشبهه.]

          بداية أقول: ما معنى قول أحد المفسرين [أما “شُبِّه لهم” فتعني أنه خُيِّل إليهم, ولم يكن هناك من يشبهه] ؟ الإجابة: معناه أن المسيح u لم يُقتل ولم يُصلب, فإنه قد خُيِّل لليهود أنهم قتلوه مصلوباً ولكن هذا لم يحدث حقيقة بل مُجرَّد خيال ! فلماذا ينقل الأنبا بيشوي هذا الكلام الذي يثبت أن المسيح u نجا من الصلب ؟! ألا يفهم ما ينقل, أم إنه لا يريد إلا تلبيس أفهام الناس ؟!

          أريد أن يفهم الجميع: إن إجماع علماء المسلمين من المفسرين هو القول بأن قوله تعالى {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} هو نفي صريح للاعتقاد بقتل المسيح u بشكل عام, بأي طريقة من الطرق, ونفي للاعتقاد بقتله مصلوباً بشكل خاص, وإن كان هناك من خالف هذا الإجماع فهو ليس من “المعتدلين من كبار علماء المفسرين المسلمين” بل إنه من الكافرين بصريح ما أنزله رب العالمين على رسوله الأمين محمد r.

          فسواء قال الـمُفسِّر بأن قوله تعالى {شُبِّهَ لَهُمْ} تعنى أن الله U ألقى شبه المسيح u على أحد التلاميذ المنافقين الذي أراد أن يدل اليهود على المسيح u ليقتلوه, أو أنها تعني أن المسيح u سأل حواريه عمَّن يقيه بنفسه, فألقى الله U شبه المسيح u على أحد الحواريين الذي وافق على ذلك, أو أنها تعني أن اليهود قد خُيِّل إليهم أنهم قتلوا المسيح u مقتولاً ولكن هذا لم يحدث حقيقة … الخ. أياً كان التفسير, فإن جميعهم أقروا بأن {شُبِّهَ لَهُمْ} هي كيفية نجاة المسيح u من القتل مصلوباً, أياً كانت الكيفية. هل هذا الكلام صعب ؟ اعتقد لا.

          قال الأنبا بيشوي: [ويفسرون هذه العبارة بقولهم أنه إذا كان المقصود شخص يشبهه لقال “شُبِّه به لهم” وليس “شبه لهم”.], أريد أن أسأل سؤالاً في غاية البساطة: أين هؤلاء المفسرون ؟! لقد تصفحت أربعين كتاب تفسير, لمفسرين من القرن الأول الهجري إلى المعاصرين ولم أجد ما يقوله الأنبا بيشوي إطلاقاً, ولكن لعلي أعلم أين المشكلة, المشكلة تكمن في أن الأنبا بيشوي لا يفهم أصلاً كلام المفسرين, ربما لأنهم يكتبون باللغة العربية, لا أدري حقيقة سبب عدم الفهم بالتحديد, ولكن ما أعرفه هو أن الأنبا بيشوي لم يفهم كلام المفسرين.

          قال الزمخشري رحمه الله: [فإن قلت {شُبِّه} مسند إلى ماذا ؟ إن جعلته مسنداً إلى المسيح, فالمسيح مشبه به وليس بمشبه, وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر, قلت: هو مسند إلى الجار والمجرور وهو {لَهُم} كقولك خُيِّل إليه, كأنه قيل: ولكن وقع لهم التشبيه, ويجوز أن يُسند إلى ضمير المقتول؛ لأن قوله: {إنَّا قَتَلْنَا} يدل عليه, كأنه قيل: ولكن شبه لهم من قتلوه.][[294]]

وقال الرازي رحمه الله: [قوله {شُبِّهَ} مُسند إلى ماذا ؟ إن جعلته مسنداً إلى المسيح فهو مُشَبَّه به وليس بمُشَبَّه، وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر. والجواب من وجهين: الأول: أنه مسند إلى الجار والمجرور، وهو كقولك: خيل إليه كأنه, قيل: ولكن وقع لهم الشبه. الثاني: أن يسند إلى ضمير المقتول لأن قوله {وَمَا قَتَلُوهُ} يدل على أنه وقع القتل على غيره فصار ذلك الغير مذكوراً بهذا الطريق، فحسن إسناد {شُبِّهَ} إليه.][[295]]

وقال أبو حيَّان الأندلسي رحمه الله: [و{شُبِّه} مسند إلى الجار والمجرور, كقوله: خيل إليه، ولكن وقع لهم التشبيه. ويجوز أن يسند إلى ضمير المقتول الدال عليه: {إنِّا قَتَلْنَا} أي: ولكن شبه لهم من قتلوه. ولا يجوز أن يكون ضمير المسيح، لأن المسيح مُشَبَّه به لا مُشَبَّه.][[296]]

وقال السمين الحلبي رحمه الله: [قوله {شُبِّه لهم}: {شُبِّه} مبني للمفعول وفيه وجهان، أحدهما: أنه مسند للجار بعده كقولك: حِيل إليه، ولُبس عليه. والثاني: أنه مسندٌ لضمير المقتول الذي دَلَّ عليه قولهم: {إنَّا قَتَلْنَا} أي: ولكن شُبِّه لهم مَنْ قتلوه. فإن قيل: لِمَ لا يجوز أن يعودَ على المسيح ؟ فالجواب أن المسيح مُشَبَّه به لا مُشَبَّه.][[297]]

وقال أبو حفص الدمشقي رحمه الله: [قوله {شُبِّهَ لَهُمْ}: {شُبِّهَ} مبني للمفعول، وفيه وجهان: أحدهما: أنه مُسند للجارِّ بعده؛ كقولك: خُيِّلَ إليه، ولُبِّسَ علَيْهِ, كأنَّه قيل: ولكن وقع لهم التشبيه. والثاني: أنه مُسندٌ لضمير المقْتُول الَّذِي دَلَّ عليه قولهم: {إِنَّا قَتَلْنَا} أي: ولكن شُبِّه لهم من قتلُوه، فإن قيل: لِمَ لا يَجُوز أن يعودَ على المسيحِ ؟ فالجوابُ: أن المسيحَ مُشَبَّه به لا مُشَبَّه.][[298]]

          طبعاً من الواضح جداً أنه لا يوجد عالم واحد قال بما قاله الأنبا بيشوي ! والأمر ببساطة كالآتي: نريد أن نعرف من الذي وقع عليه فعل التشبيه, فكلمة {شُبِّهَ} مبني للمفعول, فهل المسيح u هو المفعول ؟! بالطبع لا, بل هو الذي أُخِذَ شبهه, فمن هو الذي وقع عليه الفعل ؟

قال العلماء أن في المسألة وجهان, الأول: الذي وقع عليه الفعل هو الجار والمجرور, أي أن كلمة “لَهُمْ” مُكَوَّنة من حرف الجر “لـ” والضمير “هم”, وهكذا يكون الذين قالوا أنهم قتلوا وصلبوا المسيح u هم الذين وقع لهم التشبيه, وظنوا أنهم صلبوه ولكنهم لم يفعلوا. الثاني: أن يكون الفعل واقعاً على المقتول, والذي ذُكِر بشكل غير مباشر في قول اليهود {إِنَّا قَتَلْنَا} فتكون بمعنى أنه شُبِّه لهم من قتلوه أنه هو المسيح u. وسواء كان المعنى الأول أو الثاني, فكلا المعنيين يُفيدان بنجاة المسيح u من الصلب !

* الافتراء على الفخر الرازي:

قال الأنبا بيشوي: [وقد قال أحد الأئمة الكبار وهو الإمام الرازي في كتاب مكون من سبع مجلدات بعنوان “تفسير الفخر الرازي المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب” وهو من أقوى المراجع الإسلامية, قال إنها إهانة لله أن يجعل شخص شبهه يُصلب بدلاً منه, لأن هذا يعني أن الله غير قادر أن ينجيه. وهكذا فقد أورد لنا أدلة لم نذكرها نحن من قبل, وقال أيضاً ما ذنب الذي صلب في هذه الحالة إن هذا يُعتبر ظلم.][[299]]

          أولاً: أحب أن أُذكِّر الجميع بأن الرازي رحمه الله قال صراحة بأن المسيح u لم يُقتل ولم يُصلب: [واعلم أنه تعالى لما حكى عن اليهود أنهم زعموا أنهم قتلوا عيسى عليه السلام فالله تعالى كذبهم في هذه الدعوى وقال {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبّهَ لَهُمْ}.][[300]], فإذا كان هذا كلام الرازي رحمه الله في مسألة صلب المسيح u, فلماذا يُورد الأنبا بيشوي كلاماً له ليُوهم الناس بأن الرازي يؤيِّد المسيحية ؟ الإجابة ببساطة وكما قلنا سابقاً: إنه يُريد فقط أن يُلبس الحق بالباطل ليدحض به الحق.

          ثانياً: بفرض أن الرازي رحمه الله قال أن القول بأن الله جعل شخصاً يُشبه المسيح u ليُصلب مكانه إهانة لله U, فهل هو بذلك يقول بأن المسيح u صُلِب ؟! بالطبع لا, فإنه بهذا يقول أن الله U قد نجَّا المسيح u بطريقة أخرى ليس فيها تشبيه أحد بأحد, مثل ما قال الأنبا بيشوي سابقاً أنه خُيِّل لليهود أنهم صلبوا المسيح u وهم لم يصلبوه, ولم يكن هناك من أخذ شبه المسيح u, ولكن في النهاية, وبأي حال من الأحوال, الرازي لا يقول بأن المسيح u مات مصلوباً !

          ثالثاً: بفرض أن الرازي رحمه الله اعتقد بان الذي أخذ شبه المسيح u وصُلب مكانه كان مظلوماً, فإننا نجد في جميع الروايات الخاصة بقوله تعالى {وَلَكِن شُبِّه لَهُم}, والتي تشرح كيفية التشبيه, أن الذي صُلب مكان المسيح u كان على حالة من اثنين:

الأولى: أنه كان من الحواريين, واختار طواعية أن يأخذ مكان المسيح u وأن يفديه بنفسه, وقد وعده المسيح u بالجنة, وهذا قول قتادة والسُّدِّي وابن جُرَيج.[[301]], الثانية: أنه كان أحد الأشرار الذين كانوا يريدون قتل المسيح u, سواء كان تلميذاً خائناً أو أحد الجنود الرومان, والجزاء من جنس العمل, ولذلك أراد الله U أن يُقتل هو بدلاً من أن يُقتل المسيح u, ونجد في العهد القديم في سفر الأمثال 21/18 {اَلشِّرِّيرُ فِدْيَةُ الصِّدِّيقِ وَمَكَانَ الْمُسْتَقِيمِينَ الْغَادِرُ.}, أي أن الشخص الشرير يكون فدية للصِّدِّيق, وأن الغادر يأخذ مكان المستقيم ويكون بدلاً منه. وهكذا لا يوجد ظلم في إي حالة من الحالتين, ويكون قد أخطأ الرازي رحمه الله بفرض أنه قال هذا الكلام !

          رابعاً والأهم: الرازي رحمه الله لم يقل الكلام الذي نقله الأنبا بيشوي أصلاً, لا الكلام الأول ولا الكلام الثاني ! ولا أدري من أي جاء بهذا الكلام ! هل قام بتأليف وتلفيق هذا الكلام للرازي رحمه الله ؟! أم أنه قرأ هذا الكلام في كتاب من كتب المسيحيين واختلط عليه الأمر واعتقد أن هذا الكلام للرازي رحمه الله ؟! لا أعلم الحقيقة, ولكن ما أعلمه هو أن الرازي رحمه الله في تفسيره “التفسير الكبير ومفاتيح الغيب” لم يقل هذا الكلام أبداً, ولا حتى في المسائل التي كان يوردها ويقوم بالرد عليها !

* التفسير الأرثوذكسي القويم للقرآن الكريم:

قال الأنبا بيشوي: [لقد أراد اليهود أن يلصقوا اللعنة بالمسيح, فأصَرُّوا على صلبه لأنه مكتوب في سفر التثنية {22 «وَإِذَا كَانَ عَلى إِنْسَانٍ خَطِيَّةٌ حَقُّهَا المَوْتُ فَقُتِل وَعَلقْتَهُ عَلى خَشَبَةٍ 23 فَلا تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلى الخَشَبَةِ بَل تَدْفِنُهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لأَنَّ المُعَلقَ مَلعُونٌ مِنَ اللهِ.}[التثنية 21/22-23]. وبما أنه قام من الأموات فبهذا تكون اللعنة قد مُحيت, وبهذا فإن عبارة “ما صلبوه” تعني “ما ألحقوا به لعنة الصليب”, “وما قتلوه” لأنه قام. فمثلاً إذا رأيتم شخصاً ماشياً أمامكم في هذه القاعة الآن وقيل لكم أنه قتل من يومين فلن تصدقوا لأنه حيّ أمامكم. فهم ما ألصقوا به اللعنة وما أفقدوه الحياة, لأنه عاد إلى الحياة, ولكنهم تصوروا هذا في مؤامرتهم الدنيئة التي فشلت. هذا ما يقوله بعض المفسرين من كبار الأئمة من علماء المسلمين.][[302]]

          مرة أخرى نجد أن الأنبا بيشوي يُفسِّر القرآن الكريم بحسب العقيدة المسيحية الأرثوذكسية التي يكفرها الله U في القرآن الكريم ! ولكن في هذه المرة قد أساء الأنبا بيشوي الأدب, حيث أنه نسب هذا التفسير الأرثوذكسي إلى: “بعض المفسرين من كبار الأئمة من علماء المسلمين” وهذا كذب له قرون !

من أين أتى الأنبا بيشوي بهذا الكلام الفارغ ؟! إذا قبلنا تفسيره الأرثوذكسي للقرآن على أساس أن من حقوق الإنسان أن يُعبر عن نفسه كيفما شاء, فهذا أمر خاص به, ليهذي كل من يريد أن يهذي مع نفسه, ولكن أن ينسب هذيانه إلى “بعض المفسرين من كبار الأئمة من علماء المسلمين” فهذا أمر لا يُطاق, لا أظن حتى أن أحداً من الصوفية أو من الشيعة الإثنى عشرية أو من الزيدية أو من الإباضية قال الكلام الذي قاله الأنبا بيشوي ! ولا أظن حتى أن البهائية أو الأحمدية الذين هم كُفار وليسوا من أهل الإسلام قالوا هذا الكلام !

          وللتأكيد على ذلك, ولبيان أن الأنبا بيشوي قد افترى افتراءً عظيماً على علماء المسلمين, بل وعلى الإسلام بشكل عام, سأقوم بعرض بعض التفاسير الخاصة بالفرق الـمُخالفة لأهل السنة والجماعة, والتي يستطيع أي شخص أن يطَّلع عليه من على موقع التفسير[[303]]:

قال الهواري (شيعي: ت القرن 3 هـ) في تفسيره “تفسير كتاب الله العزيز“: [{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ} أي ألقى الله على رجل شبه عيسى فقُتِلَ ذلك الرجلُ.]

وقال الطوسي (شيعي: ت 460 هـ) في تفسيره “التبيان الجامع لعلوم القرآن“: [هذه الآية عطف على ما قبلها وتقديره، فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق، وقولهم: قلوبنا غلف وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، أنزلنا من العذاب، وأوجبنا لهم من العقاب، لأن إخبارهم أنهم قتلوا المسيح يقيناً، وما قتلوه، كفر من حيث هو جرأة على الله في قتل أنبيائه، ومن دلت المعجزات على صدقه، ثم كذبهم الله في قولهم: إنا قتلناه فقال: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ}.]

وقال القشيري (صُوفي: ت 465 هـ) في تفسيره “لطائف الإشارات“: [قوله تعالى: {وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ} {عَزِيزاً حَكِيماً} قيل أوقع الله شَبَهَهُ على الساعي به فقُتِلَ وصُلِبَ مكانه، وقد قيل: مَنْ حفر بئراً لأخيه وقع فيها.]

وقال مكي بن أبي طالب (صُوفي: ت 437 هـ) في تفسيره “الهداية إلى بلوغ النهاية“: [قيل: إن اليهود أحاطوا بعيسى ومن معه وهم لا يشبهون عيسى بعينه فحولوا جميعاً في صورة عيسى، فأشكل عليهم أمر عيسى، فخرج إليهم بعض من كان في البيت مع عيسى، فقتلوه وهم يحسبون أنه عيسى.]

          تعليق أخير على كلام الأنبا بيشوي, يقول: [فمثلاً إذا رأيتم شخصاً ماشياً أمامكم في هذه القاعة الآن وقيل لكم أنه قتل من يومين فلن تصدقوا لأنه حيّ أمامكم.], لن أصدِّق أنه قُتِل بالطبع, وأيضاً لن أقول بأنه قام من الأموات ! فإن كان الأنبا بيشوي يتحدث عن المسيح u بحسب العقيدة المسيحية, أي أنه قُتِل مصلوباً, ثم دُفِن, وقام من الأموات بعد ثلاثة أيام وثلاث ليال, هل يجوز بعد ذلك أن أنفي عن المسيح u القتل ؟! بالطبع لا, فإنه قد قُتل بالفعل, ولكنه قام من الأموات, وهل يجوز بعد ذلك أن أنفي عن المسيح u الصلب ؟! بالطبع لا, فإنه قد صُلب فعلاً ومات مصلوباً, ولكنه قام من الأموات.

          الأنبا بيشوي قال: [عبارة “ما صلبوه” تعني “ما ألحقوا به لعنة الصليب”, “وما قتلوه” لأنه قام], أريد أن أسأل الأنبا بيشوي سؤالاً واحداً: هل تقبل من أي من مسيحي أن ينشر بين الناس أن المسيح لم يُقتل ولم يُصلب, ثم عندما تسأله لماذا تقول هذا الكلام, يرد عليك قائلاً بأنه لم يُقتل لأنه قام من الأموات, ولم يُصلب لأنه لم تلحقه لعنة الصليب ؟! ما هذا الجنون !

إذا كان بولس نفسه يقول في غلاطية 3/13 {اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ».}, وهذا يعني أن المسيح u بحسب العقيدة المسيحية قد أصابته اللعنة حتى تُرفع عن الناس, فهل يأتي الأنبا بيشوي الآن ويقول أن اليهود ما ألحقوا به لعنة الصليب ؟! فمن الذي حمل اللعنة إذاً ؟!

وهكذا نكون قد رددنا على كل شاردة وواردة قالها الأنبا بيشوي في مسألة صلب المسيح u من القرآن الكريم.

رسالة خِتامية: الاهتمام بكتابات السلف الصالح

          قال لي والدي في مرَّات عديدة, عندما كان يمُرّ بغرفتي ويسمعني وأنا أنطق بنصوص من الكتاب المقدس أثناء فترة جلوسي في غرفة الحوار الإسلامي المسيحي على برنامج البالتوك: “يا بني, اترك الدعوة عن طريق الكتاب المقدس, وادعوا الناس إلى الإسلام بالقرآن الكريم, فإن القرآن الكريم هو الذي فيه الهداية”.

          كنت أُجادل والدي كثيراً, وأقول له إنني لا أستخدم النصوص الكتابية إلا لإثبات الآيات القرآنية من مصدر يقبله المسيحي حتى تكون الحُجَّة أكثر ثبوتاً وتأثيراً فيه. ولم يقتنع والدي أبداً بكلامي, ولكنني كنت واثقاً من منهجي, ولكن مع مرور الوقت, بدأت أشعر أن الاهتمام بالكتابات المسيحية أصبح له الأولوية على دراسة الآيات القرآنية, والمفترض أن يكون العكس, ونظرت في حالي وحال من حولي من العاملين في مجال الحوار الإسلامي المسيحي, فوجدت أنني وأغلب من حولي – إلا من رحم ربي – نعرف عن الكتاب المقدس أكثر مما نعرفه عن القرآن الكريم.

          توقفت كثيراً وسألت نفسي عن سبب هذه الانتكاسة, فوجدت أن السبب الرئيسي هو عدم الاهتمام بكتابات علمائنا المسلمين الذين عملوا في مجال الحوار الإسلامي المسيحي من قبلنا بمئات السنين, وليس عدم الاهتمام فحسب, بل إنني وجدت أن هناك من يعتقد أنه قد يصل إلى مرحلة أفضل من هؤلاء العلماء والدعاة إلى الله بما يعرفه من كتابات آبائية ولغات أجنبية مثل اللغة اليونانية واللغة العبرية وغيرهما من اللغات.

          بدأت عند هذه النقطة في البحث عن كتابات العلماء المسلمين الخاصة بمجال دعوة غير المسلمين إلى الإسلام, وأيضاً كتاباتهم في مجال دعوة ومجادلة أهل الكتاب, فوجدت أن هذه الكتابات تحمل كنوزاً من العلم والمعرفة تنتظر من يحصل عليها وينشرها بين الناس, فالأهم من معرفتهم بأسفار اليهود والنصارى, أو إتقانهم للغة العبرية والسريانية وغيرهما من اللغات, الأهم هو أنهم وضعوا لنا المنهج الصحيح الذي يجب علينا أن نتَّبعه في هاذين المجالين, ووضعوا لنا الآداب والأخلاقيات التي يجب علينا أن نتمثل بها ونحن نُخاطب غير المسلمين.

صدقوني إخواني في الله عندما أقول لكم إن الآداب الحسنة, والأخلاقيات الرفيعة, تؤثر في غير المسلم بطريقة لا يعلمها إلا الله, بل إنني أقول لك لو أن لك علم الأولين والآخرين ولم تسلك المنهج القويم, ولم تتمثل بخلق النبي الكريم, فلن يسمع منك غير المسلم ولو كلمة واحدة !

الطريق الصحيح لتكون محاوراً جيداً في المجال الإسلامي المسيحي هو أن تكون صاحب معرفة جيدة جداً بالعقيدة الإسلامية, بالإضافة إلى قراءة كتابات السلف الصالح الخاصة بدعوة أهل الكتاب, مع إطلاع على مراجع أهل الكتاب من كتبهم المقدسة أو تعاليم آبائهم. ولكن احرص رحمك الله على أن تسير في هذا الطريق من اليمين إلى اليسار وليس العكس !

قائمة المراجع

/ تفاسير القرآن الكريم:

  1. أبو الحجاج مُجاهِد المخزومي (ت 104 هـ): تفسير مُجاهِد, دار الكتب العلمية ببيروت.
  2. أبو الحسن مقاتل بن سليمان الأزدي (ت 150 هـ): تفسير مقاتل بن سليمان, دار الكتب العلمية ببيروت.
  3. أبو عبد الله محمد الشافعي (ت 204 هـ): تفسير الإمام الشافعي, دار التدمرية بالرياض.
  4. عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 هـ): تفسير القرآن, مكتبة الرشد بالرياض.
  5. أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت.
  6. عبد الرحمن محمد بن أبي حاتم (ت 327 هـ): تفسير القرآن العظيم, مكتبة نزار مصطفى الباز بالرياض.
  7. أبو جعفر النحاس (ت 338 هـ): معاني القرآن الكريم, مركز إحياء التراث الإسلامي بمكة.
  8. أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي (ت 375 هـ): بحر العلوم, دار الفكر ببيروت.
  9. أبو عبد الله محمد بن أبي زَمَنِين (ت 399 هـ): تفسير القرآن العزيز, مكتبة الفاروق الحديثة بالقاهرة.
  10. أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450 هـ): النُّكَت والعُيُون, دار الكتب العلمية ببيروت.
  11. أبو القاسم الراغب الأصفهاني (ت 502 هـ): المفردات في غريب القرآن, مكتبة نزار مصطفى الباز بالرياض.
  12. أبو محمد الحسين البغوي (ت 516 هـ): مَعَالِم التَّنْزِيل, دار طيبة بالرياض.
  13. أبو القاسم جار الله محمود الزمخشري (ت 538 هـ): الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل, دار إحياء التراث العربي ببيروت.
  14. أبو محمد بن عطية الأندلسي (ت 546 هـ): المُحَرَّر الوَجِيز في تفسير الكتاب العزيز, دار الكتب العلمية ببيروت.
  15. أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن الجَوزي (ت 597 هـ): زاد المسير في علم التفسير, المكتب الإسلامي ببيروت.
  16. فخر الدين محمد الرازي (ت 604 هـ): التفسير الكبير ومفاتيح الغيب, دار الفكر ببيروت.
  17. عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام (ت 660 هـ): تفسير القرآن العظيم, جامعة أم القرى بمكة.
  18. أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض.
  19. أبو البركات عبد الله النسفي (ت 710 هـ): مَدَارِك التنزيل وحقائق التَّأويل, دار الكَلِم الطَّيِّب ببيروت.
  20. علاء الدين علي البغدادي الشهير بالخازن (ت 725 هـ): لباب التأويل في معاني التنزيل, دار الفكر ببيروت.
  21. أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): دقائق التفسير, مؤسسة علوم القرآن ببيروت.
  22. أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): التفسير الكبير, دار الكتب العلمية ببيروت.
  23. أبو القاسم محمد الكلبي (ت 741 هـ): التسهيل لعلوم التنزيل, دار الكتب العلمية ببيروت.
  24. أبو حيَّان محمد بن يوسف الأندلسي (ت 754 هـ): البحر المحيط, دار الكتب العلمية ببيروت.
  25. أحمد بن يوسف المعروف بالسَّمِين الحلبي (ت 756 هـ): الدُّر المَصُون في علوم الكتاب المكنون, دار القلم بدمشق.
  26. أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض.
  27. أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي (ت 875 هـ): الجواهر الحسان في تفسير القرآن, دار إحياء التراث العربي ببيروت.
  28. أبو حفص عمر الدمشقي (ت 880 هـ): اللّبَاب في علوم الكتاب, دار الكتب العلمية ببيروت.
  29. أبو الحسن برهان الدين إبراهيم البقاعي (ت 885 هـ): نظم الدرر في تناسب الآيات والسور, دار الكتاب الإسلامي بالقاهرة.
  30. أبو السعود محمد العَمادي (ت 951 هـ): إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم, إحياء التراث العربي ببيروت.
  31. محمد مُصلح الدين القوجَوي (ت 951 هـ): حاشية مُحي الدين شيخ زادة على تفسير البيضاوي, دار الكتب العلمية ببيروت.
  32. جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ): الدر المنثور في التفسير بالمأثور, دار هجر بالقاهرة.
  33. عصام الدين إسماعيل الحنفي (ت 1195 هـ): حاشية القُونَويّ على تفسير الإمام البيضاوي, دار الكتب العلمية ببيروت.
  34. محمد بن علي الشَّوكَاني (ت 1250 هـ): فتح القدير الجامع بين فَنَّيّ الرواية والدِّراية من علم التفسير, دار المعرفة ببيروت.
  35. شهاب الدين أبو الفضل الألوسي (ت 1270 هـ): روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني, دار إحياء التراث العربي ببيروت.
  36. عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ): تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المَنَّان, مؤسسة الرسالة ببيروت.
  37. محمد الأمين بن محمد الشنقيطي (ت 1393 هـ): أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن, دار عالم الفوائد بمكة.
  38. محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393 هـ): التحرير والتنوير, الدار التونسية للنشر.
  39. محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ): تفسير الشعراوي, دار أخبار اليوم بالقاهرة.
  40. محمد سيد طنطاوى (ت 1431 هـ): التفسير الوسيط للقرآن الكريم, مكتبة نهضة مصر بالقاهرة.
  41. جابر بن أبو بكر الجزائري: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير, مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة.

/ مراجع تراثية أخرى:

  1. أبو الحسن علي ابن بطَّال (ت 449 هـ): شرح صحيح البخاري لابن بطَّال, مكتبة الرشد بالرياض.
  2. الحسين بن مسعود البَغَوي (ت 516 هـ): شرح السُّنَّة, المكتب الإسلامي ببيروت.
  3. أبو بكر محمد بن العربي (ت 543 هـ): أحكام القرآن, دار الفكر بلبنان.
  4. القاضي أبو الفضل عياض (ت 544 هـ): مشارق الأنوار على صحاح الآثار, دار التراث بالقاهرة.
  5. أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن ابن الجوزي (ت 597 هـ): كشف المُشكِل من حديث الصحيحين, دار الوطن بالرياض.
  6. أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن ابن الجوزي (ت 597 هـ): غريب الحديث, دار الكتب العلمية ببيروت.
  7. أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري (ت 606 هـ): النهاية في غريب الحديث والأثر, دار إحياء التراث العربي ببيروت.
  8. شمس الدين أبو عبد الله القرطبي (ت 671 هـ): الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته, المكتبة العصرية ببيروت.
  9. أبو زكريا مُحيي الدين بن أشرف النووي (ت 676 هـ): المِنهَاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج, دار إحياء التراث العربي ببيروت.
  10. أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): مجموعة الفتاوى, دار الوفاء بالمنصورة.
  11. أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): الجواب الصحيح لِمَنْ بَدَّل دين المسيح, دار العاصمة بالرياض.
  12. شمس الدين محمد ابن القيم الجوزية (ت 751 هـ): أحكام أهل الذمة, رمادي للنشر بالدمام.
  13. شمس الدين محمد ابن القيم الجوزية (ت 751 هـ): هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى, دار القلم بجدة.
  14. شمس الدين ابن القيم الجوزية (ت 751 هـ): الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة, دار العاصمة بالرياض.
  15. أبو الفضل شهاب الدين أحمد ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ): العُجاب في بيان الأسباب, دار ابن الجوزي بالدمام.
  16. أبو الفضل شهاب الدين أحمد ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ): فتح الباري بشرح صحيح البخاري, دار المعرفة ببيروت.
  17. أبو محمد بدر الدين محمود العَيني (ت 855 هـ): عُمدة القارئ شرح صحيح البخاري, الجزء الثامن عشر, دار الكتب العلمية ببيروت.
  18. جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ): الإتقان في علوم القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت.
  19. أبو الحسن نور الدين علي بن محمد الهروي (ت 1014 هـ): مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح, دار الفكر ببيروت.
  20. أبو العلى محمد المباركافوري (ت 1353 هـ): تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي, دار الكتب العلمية ببيروت.
  21. محمد عبد العظيم الزرقاني (ت 1367 هـ): مناهل العرفان في علوم القرآن, دار الكتاب العربي ببيروت.

/ معاجم اللغة العربية:

  1. ابن منظور: لسان العرب, دار المعارف.
  2. مجمع اللغة العربية: المُعجم الوسيط, مكتبة الشروق الدولية.
  3. محمد مُرتضى الحُسَيْني: تاج العروس من جواهر القاموس, دار التراث العربي بالكويت.

/ المراجع المسيحية:

  1. كتاب الأجبية – صلوات السواعي, مكتبة المحبة بالقاهرة.
  2. الأسقف إيسوذورس: الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة.
  3. رياض يوسف داود: مدخل إلى النقد الكتابي, دار المشرق ببيروت.
  4. ببنوده الأنبا بيشوي: يوناني العهد الجديد, طبعة ثانية منقحة ومزيدة.
  5. أثناسيوس الرسولي: تجسد الكلمة, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة.
  6. شنودة ماهر إسحاق: مخطوطات الكتاب المقدس بلغاته الأصلية, مكتبة المحبة.
  7. سامي حلّاق اليسوعي: الصَّليب والصَّلب قبل الميلاد وبعده, دار المشرق ببيروت.
  8. تادرس يعقوب ملطي: تفسير الكتاب المقدس, تفسير العهد القديم, تفسير سفر الخروج.
  9. جورج حبيب بباوي: من رسائل الأب صفرونيوس, الثالوث القدوس: توحيد وشركة وحياة, الكتاب الأول.
  10. الأنبا بيشوي: مائة سؤال وجواب في العقيدة المسيحية الأرثوذكسية, إعداد الإكليريكي الدكتور سامح حلمي.
  11. تادرس يعقوب ملطي: نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى, كنيسة مار جرجس باسبورتنج الإسكندرية.
  12. يوستينوس الشهيد: الدفاع عن المسيحية, إعداد القمص تادرس يعقوب ملطي, كنيسة مار جرجس باسبورتنج بالإسكندرية.
  13. رهبان دير الأنبا مقار: المسيح في حياته المقدسة بحسب تعليم القديسَين أثناسيوس الرسولي و كيرلس الكبير, دار مجلة مرقس بالقاهرة.
  14. كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة.
  15. Aland, K., Black, M., Martini, C. M., Metzger, B. M., Wikgren, A., Aland, B., Karavidopoulos, J., Deutsche Bibelgesellschaft, & United Bible Societies. (2000; 2006). The Greek New Testament, Fourth Revised Edition with apparatus.
  16. Roberts, A., Donaldson, J., & Coxe, A. C. (1997). The Ante-Nicene Fathers, Vol. I: Translations of the writings of the Fathers down to A.D. 325. The apostolic fathers with Justin Martyr and Irenaeus.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات


[1] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء التاسع عشر – صـ266, 267.

[2] أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, الجزء السادس – صـ109.

[3] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ42.

[4] المرجع السابق – صـ31.

[5] المرجع السابق – صـ36.

[6] أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض, الجزء الرابع – صـ304.

[7] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ41.

[8] المرجع السابق – صـ42.

[9] جريدة المصري اليوم: الخميس ٢٣ سبتمبر ٢٠١٠, الرابط: http://almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=270706

[10] جريدة الدستور: الأربعاء 22 سبتمبر 2010, الرابط: http://dostor.org/politics/egypt/10/september/22/29539

[11] جريدة الوفد: الأربعاء 22 سبتمبر 2010, الرابط: http://alwafd.org/details.aspx?nid=68422

[12] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء الثاني – صـ562.

[13] أبو عبد الله محمد الشافعي (ت 204 هـ): تفسير الإمام الشافعي, دار التدمرية بالرياض, الجزء الثاني – صـ921.

[14] أبو البركات عبد الله النسفي (ت 710 هـ): مَدَارِك التنزيل وحقائق التَّأويل, دار الكَلِم الطَّيِّب ببيروت, الجزء الأول – صـ675.

[15] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ43.

[16] هذا من الأبيات التي رويت في عدة قصائد, كما قال صاحب الخزانة 3 : 617, نسبه سيبويه 1 : 424 للأخطل، وهو في قصيدة للمتوكل الليثي، ونسب لسابق البربري، وللطرماح، ولأبي الأسود الدؤلي قصيدة ساقها صاحب الخزانة 3 : 618، وليست في ديوانه الذي نشره الأستاذ محمد حسن آل ياسين في “نفائس المخطوطات” طبعة مطبعة المعارف ببغداد سنة 1373هـ/1954م، وهذا الديوان من نسخة بخط أبي الفتح عثمان بن جنى. ولم يلحقها الأستاذ الناشر بأشتات شعر أبي الأسود التي جمعها. منقول من هامش: أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء الأول – صـ569.

[17] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ29.

[18] المرجع السابق – صـ43, 44.

[19] الأقوال السابقة من المرجع السابق- صـ43.

[20] الأقوال السابقة من المرجع السابق – صـ44.

[21] المرجع السابق – صـ45.

[22] المرجع السابق – صـ44.

[23] كتاب الأجبية – صلوات السواعي, مكتبة المحبة – صـ3.

[24] صحيح مسلم (6281), كتاب الفضائل, باب فضائل عيسى عليه السلام.

[25] أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, الجزء الخامس – صـ402.

[26] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء الثامن عشر – صـ584, 585.

[27] محمد سيد طنطاوى (ت 1431 هـ): التفسير الوسيط للقرآن الكريم, مكتبة نهضة مصر بالقاهرة, الجزء التاسع – صـ291.

[28] جابر بن أبو بكر الجزائري: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير, مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة, الجزء الثالث – صـ461.

[29] المرجع السابق.

[30] صحيح مسلم (7386), كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها, باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار.

[31] أبو الحسن نور الدين علي بن محمد الهروي (ت 1014 هـ): مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح, دار الفكر ببيروت, الجزء الثامن – صـ.3367.

[32] أبو زكريا مُحيي الدين بن شرف النووي (ت 676 هـ): المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج, دار إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء السابع عشر – صـ197.

[33] شمس الدين محمد ابن القيم الجوزية (ت 751 هـ): أحكام أهل الذمة, رمادي للنشر بالدمام, الجزء الثاني – صـ1070.

[34] أبو الحسن نور الدين علي بن محمد الهروي (ت 1014 هـ): مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح, دار الفكر ببيروت, الجزء الثامن – صـ.3368.

[35] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء السادس – صـ570.

[36] أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي (ت 375 هـ): بحر العلوم, دار الفكر ببيروت, الجزء الأول – صـ253.

[37] محمد سيد طنطاوى (ت 1431 هـ): التفسير الوسيط للقرآن الكريم, مكتبة نهضة مصر بالقاهرة, الجزء الثاني – صـ170.

[38] أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, الجزء الثاني – صـ25.

[39] أبو عبد الله محمد الشافعي (ت 204 هـ): تفسير الإمام الشافعي, دار التدمرية بالرياض, الجزء الأول – صـ465, 466.

[40] محمد مُصلح الدين القوجَوي (ت 951 هـ): حاشية مُحي الدين شيخ زادة على تفسير البيضاوي, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الثالث – صـ30.

[41] جابر بن أبو بكر الجزائري: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير, مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة, الجزء الأول – صـ297.

[42] علاء الدين علي البغدادي الشهير بالخازن (ت 725 هـ): لباب التأويل في معاني التنزيل, دار الفكر ببيروت, الجزء الأول – صـ329, 330.

[43] محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393 هـ): التحرير والتنوير, الدار التونسية للنشر, الجزء الثالث – صـ190.

[44] محمد بن علي الشَّوكَاني (ت 1250 هـ): فتح القدير الجامع بين فَنَّيّ الرواية والدِّراية من علم التفسير, دار المعرفة ببيروت – صـ209.

[45] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء السادس – صـ276, 278.

[46] عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ): تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المَنَّان, مؤسسة الرسالة ببيروت – صـ964.

[47] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء السادس – صـ281.

[48] محمد سيد طنطاوى (ت 1431 هـ): التفسير الوسيط للقرآن الكريم, مكتبة نهضة مصر بالقاهرة, الجزء الثاني – صـ60.

[49] عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ): تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المَنَّان, مؤسسة الرسالة ببيروت – صـ964.

[50] أبو القاسم محمد الكلبي (ت 741 هـ): التسهيل لعلوم التنزيل, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الثاني – صـ596.

[51] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء الرابع والعشرون – صـ539.

[52] علاء الدين علي البغدادي الشهير بالخازن (ت 725 هـ): لباب التأويل في معاني التنزيل, دار الفكر ببيروت, الجزء السابع – صـ277.

[53] فخر الدين محمد الرازي (ت 604 هـ): التفسير الكبير ومفاتيح الغيب, دار الفكر ببيروت, الجزء الثاني والثلاثون – صـ39, 40.

[54] أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي (ت 375 هـ): بحر العلوم, دار الفكر ببيروت, الجزء الثالث – صـ579.

[55] أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): التفسير الكبير, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء السابع – صـ23.

[56] أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): التفسير الكبير, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء السابع – صـ13.

[57] عصام الدين إسماعيل بن محمد الحنفي (ت 1195 هـ): حاشية القُونَويّ على تفسير الإمام البيضاوي, دار الكتب العلمية, الجزء العشرون – صـ375, 376.

[58] أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): التفسير الكبير, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء السابع – صـ20.

[59] علاء الدين علي البغدادي الشهير بالخازن (ت 725 هـ): لباب التأويل في معاني التنزيل, دار الفكر ببيروت, الجزء السابع – صـ277.

[60] أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, الجزء الثامن  – صـ456.

[61] أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن الجَوزي (ت 597 هـ): زاد المسير في علم التفسير, المكتب الإسلامي ببيروت, الجزء التاسع – صـ196.

[62] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء الرابع والعشرون – صـ541.

[63] صحيح مسلم (403), كتاب الإيمان, باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد إلى جميع الناس.

[64] أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي (ت 375 هـ): بحر العلوم, دار الفكر ببيروت, الجزء الثالث – صـ580.

[65] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء الرابع والعشرون – صـ542.

[66] المرجع السابق.

[67] أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي (ت 375 هـ): بحر العلوم, دار الفكر ببيروت, الجزء الثالث – صـ580.

[68] محمد مُرتضى الحُسَيْني: تاج العروس من جواهر القاموس, دار التراث العربي بالكويت, الجزء الرابع عشر – صـ50.

[69] ابن منظور: لسان العرب, دار المعارف – صـ3897, 3898. [قال بعض أَهل العلم: الكُفْرُ على أَربعة أَنحاء: كفر إِنكار بأَن لا يعرف الله أَصلاً ولا يعترف به، وكفر جحود، وكفر معاندة، وكفر نفاق؛ من لقي ربه بشيء من ذلك لم يغفر له ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.]

[70] عبد الرحمن ناصر السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان, مؤسسة الرسالة ببيروت – صـ42.

[71] مجمع اللغة العربية: المُعجم الوسيط, مكتبة الشروق الدولية, الطبعة الرابعة – صـ791.

[72] شمس الدين محمد ابن القيم الجوزية (ت 751 هـ): هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى, دار القلم بجدة – صـ229, 230.

[73] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء الثالث – صـ101.

[74] المرجع السابق – صـ102.

[75] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ45.

[76] المرجع السابق.

[77] رياض يوسف داود: مدخل إلى النقد الكتابي, دار المشرق ببيروت – صـ23.

[78] جريدة الدستور: الأحد 3 يونيو 2007.

[79] تادرس يعقوب ملطي: نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى, كنيسة مار جرجس باسبورتنج الإسكندرية – صـ94.

[80] رهبان دير الأنبا مقار: المسيح في حياته المقدسة بحسب تعليم القديسَين أثناسيوس الرسولي و كيرلس الكبير, دار مجلة مرقس بالقاهرة – صـ39, 40.

[81] تادرس يعقوب ملطي: نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى, كنيسة مار جرجس باسبورتنج الإسكندرية – صـ81.

[82] الأسقف إيسوذورس: الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة – صـ472. (قال أثناسيوس الرسولي في مقالة له على التجسد استشهد بها كيرلس الكبير مراراً, وقد وردت في الجزء الأول والثالث من تاريخ مجمع أفسس, وفي كتاب اعتراف للآباء, وفي كتاب منارة الأقداس للمفريان أغريغوريوس ابن العبري.)

[83] أثناسيوس الرسولي: تجسد الكلمة, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية بالقاهرة, نصوص آبائية 128, الفصل 19, الفقرة 3 – صـ58, 59.

[84] صحيح البخاري (5002), كتاب فضائل القرآن, باب القراء من أصحاب النبي.

[85] أبو جعفر محمد ابن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, دار هجر بالقاهرة, الجزء الخامس – صـ461, 462.

[86] أبو الفضل شهاب الدين أحمد ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ): العُجاب في بيان الأسباب, دار ابن الجوزي بالدمام, المجلد الأول – صـ680, 681.

[87] جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ): الدر المنثور في التفسير بالمأثور, دار هجر بالقاهرة, الجزء الثالث – صـ603.

[88] أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن الجَوزي (ت 597 هـ): زاد المسير في علم التفسير, المكتب الإسلامي ببيروت, الجزء الثاني – صـ317.

[89] أبو الحسن مقاتل بن سليمان الأزدي (ت 150 هـ): تفسير مقاتل بن سليمان, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الأول – صـ313.

[90] صحيح البخاري (4990), كتاب فضائل القرآن, باب كاتب النبي r.

[91] أبو الحسن علي ابن بطَّال (ت 449 هـ): شرح صحيح البخاري لابن بطَّال, مكتبة الرشد بالرياض, الجزء العاشر – صـ227.

[92] صحيح البخاري (4679), كتاب التفسير, باب قول {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ …}.

[93] ابن منظور: لسان العرب, دار المعارف – صـ1705.

[94] محمد مُرتضى الحُسَيْني: تاج العروس من جواهر القاموس, دار التراث العربي بالكويت, الجزء الثالث – صـ368.

[95] صحيح البخاري (2807), كتاب الجهاد, باب قول الله {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ …}.

[96] أبو الفضل شهاب الدين أحمد ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ): فتح الباري بشرح صحيح البخاري, دار المعرفة ببيروت, الجزء التاسع – صـ15.

[97] أبو العلى محمد المباركافوري (ت 1353 هـ): تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الثامن – صـ408.

[98] صحيح البخاري (4987), كتاب فضائل القرآن, باب جمع القرآن.

[99] أبو محمد بدر الدين محمود العَيني (ت 855 هـ): عُمدة القارئ شرح صحيح البخاري, الجزء الثامن عشر, دار الكتب العلمية ببيروت – صـ381.

[100] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد السابع عشر – صـ68.

[101] أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض, المجلد العاشر – صـ5.

[102] أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن الجوزي (ت 597 هـ): زاد المسير في علم التفسير, المكتب الإسلامي ببيروت, الجزء الرابع – صـ384.

[103] فخر الدين محمد الرازي (ت 604 هـ): التفسير الكبير ومفاتيح الغيب, دار الفكر ببيروت, الجزء التاسع عشر – صـ164, 165.

[104] محمد الأمين بن محمد الشنقيطي (ت 1393 هـ): أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن, دار عالم الفوائد بمكة, الجزء الثالث – صـ144.

[105] أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, المجلد الرابع – صـ527.

[106] محمد بن علي الشَّوكَاني (ت 1250 هـ): فتح القدير الجامع بين فَنَّيّ الرواية والدِّراية من علم التفسير, دار المعرفة ببيروت – صـ756.

[107] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد السابع عشر – صـ68.

[108] محمد سيد طنطاوى (ت 1431 هـ): التفسير الوسيط للقرآن الكريم, مكتبة نهضة مصر بالقاهرة, الجزء الثامن – صـ19.

[109] عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ): تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المَنَّان, مؤسسة الرسالة ببيروت – صـ429.

[110] أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض, المجلد العاشر – صـ5.

[111] أبو القاسم محمد الكلبي (ت 741 هـ): التسهيل لعلوم التنزيل, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الأول – صـ450.

[112] أبو البركات عبد الله النسفي (ت 710 هـ): مَدَارِك التنزيل وحقائق التَّأويل, دار الكَلِم الطَّيِّب ببيروت, الجزء الثاني – صـ184.

[113] علاء الدين علي البغدادي الشهير بالخازن (ت 725 هـ): لباب التأويل في معاني التنزيل, دار الفكر ببيروت, الجزء الرابع – صـ57.

[114] أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, المجلد السابع – صـ183.

[115] أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض, المجلد الخامس عشر – صـ367.

[116] أبو محمد بن عطية الأندلسي (ت 546 هـ): المُحَرَّر الوَجِيز في تفسير الكتاب العزيز, دار الكتب العلمية ببيروت, المجلد الخامس – صـ19.

[117] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد الواحد والعشرون – صـ479.

[118] أبو محمد بن عطية الأندلسي (ت 546 هـ): المُحَرَّر الوَجِيز في تفسير الكتاب العزيز, دار الكتب العلمية ببيروت, المجلد الخامس – صـ19.

[119] محمد بن علي الشَّوكَاني (ت 1250 هـ): فتح القدير الجامع بين فَنَّيّ الرواية والدِّراية من علم التفسير, دار المعرفة ببيروت – صـ1318.

[120] المرجع السابق.

[121] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد الواحد والعشرون – صـ480.

[122] أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, المجلد السابع – صـ183.

[123] الحديث موجود في: سنن ابن ماجة (143), مسند أحمد (36), سنن البيهقي (2217), وقد حَسَّنه الإمام الألباني في: صحيح سنن ابن ماجة.

[124] جلال الدين السيوطي (ت 911 هـ): الإتقان في علوم القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت – صـ212, 213.

[125] صحيح البخاري (5000), كتاب فضائل القرآن, باب القراء من أصحاب النبي.

[126] صحيح البخاري (5049), كتاب فضائل القرآن, باب من أحب أن يسمع القرآن من غيره.

[127] محمد عبد العظيم الزرقاني (ت 1367 هـ): مناهل العرفان في علوم القرآن, دار الكتاب العربي ببيروت, الجزء الأول – صـ259.

[128] أبو بكر محمد بن العربي (ت 543 هـ): أحكام القرآن, دار الفكر بلبنان, الجزء الثاني – صـ613.

[129] شنودة ماهر إسحاق: مخطوطات الكتاب المقدس بلغاته الأصلية, مكتبة المحبة – صـ19.

[130] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد العشرون – صـ50.

[131] أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض, المجلد الثالث عشر – صـ351.

[132] أبو السعود محمد العَمادي (ت 951 هـ): إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم, إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء السابع – صـ43.

[133] أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450 هـ): النُّكَت والعُيُون, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الرابع – صـ287.

[134] صحيح مسلم (7386), كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها, باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار.

[135] القاضي أبو الفضل عياض (ت 544 هـ): مشارق الأنوار على صحاح الآثار, دار التراث بالقاهرة, الجزء الثاني – صـ138.

[136] أبو زكريا يحيى النووي (ت 676 هـ): المِنهَاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج, دار إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء السابع عشر – صـ198.

[137] الحسين بن مسعود البَغَوي (ت 516 هـ): شرح السُّنَّة, المكتب الإسلامي ببيروت, الجزء الرابع عشر – صـ408, 409.

[138] أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن ابن الجوزي (ت 597 هـ): كشف المُشكِل من حديث الصحيحين, دار الوطن بالرياض, الجزء الرابع – صـ243, 244.

[139] أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن الجوزي (ت 597 هـ): غريب الحديث, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الثاني – صـ156.

[140] أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري (ت 606 هـ): النهاية في غريب الحديث والأثر, دار إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء الثالث – صـ367.

[141] ضعَّفه محمد ناصر الدين الألباني: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة, مكتبة المعارف بالرياض, المجلد الثامن, الحديث رقم: 3770 – صـ244, 245.

[142] أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): مجموعة الفتاوى, دار الوفاء بالمنصورة, الجزء الثالث عشر (13/400) – صـ216.

[143] أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): الجواب الصحيح لِمَنْ بَدَّل دين المسيح, دار العاصمة بالرياض, المجلد الثالث, – صـ13, 14.

[144] محمد مُصلح الدين القوجَوي (ت 951 هـ): حاشية مُحي الدين شيخ زادة على تفسير البيضاوي, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الخامس – صـ196, 197.

[145] المرجع السابق.

[146] أبو البركات عبد الله النسفي (ت 710 هـ): مَدَارِك التنزيل وحقائق التَّأويل, دار الكَلِم الطَّيِّب ببيروت, الجزء الثاني – صـ681.

[147] Aland, K., Black, M., Martini, C. M., Metzger, B. M., Wikgren, A., Aland, B., Karavidopoulos, J., Deutsche Bibelgesellschaft, & United Bible Societies. (2000; 2006). The Greek New Testament, Fourth Revised Edition with apparatus, Jn 7:53-8:11, Page: 347.

[148] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد الخامس عشر – صـ91.

[149] أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض, المجلد الثامن – صـ344.

[150] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد السابع عشر – صـ546, 547.

[151] أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, المجلد الخامس – صـ117.

[152] أبو محمد الحسين البغوي (ت 516 هـ): مَعَالِم التَّنْزِيل, دار طيبة بالرياض, المجلد الخامس – صـ127.

[153] علاء الدين علي البغدادي الشهير بالخازن (ت 725 هـ): لباب التأويل في معاني التنزيل, دار الفكر ببيروت, الجزء الرابع – صـ183.

[154] محمد سيد طنطاوى (ت 1431 هـ): التفسير الوسيط للقرآن الكريم, مكتبة نهضة مصر, الجزء الثامن – صـ425, 426.

[155] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد الأول – صـ379.

[156] أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, المجلد الأول – صـ198, 199.

[157] راجع ما كتبه القمص عبد المسيح بسيط أبو الخير عن الأناجيل المرفوضة من قِبَل الكنيسة والعقائد التي تحتويها مثل: [الخلاص بالمعرفة؛ معرفة الإنسان للإله السامي غير المدرك, ومعرفة الإنسان لنفسه كروح خيرة، شرارة إلهية، مسجونة في جسد مادي شرير.] عبد المسيح بسيط أبو الخير: أبوكريفا العهد الجديد – صـ61.

[158] سامي حلّاق اليسوعي: الصليب والصلب قبل الميلاد وبعده, دار المشرق ببيروت – صـ18. [فالغنوصيون البازيليديّيون لا يقبلون بأن اليهود صلبوا كلمة الله المتجسد, ويقولون إنه شُبِّه لهم ذلك.]

[159] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد الرابع والعشرون – صـ687.

[160] القمص ببنوده الأنبا بيشوي: يوناني العهد الجديد, طبعة ثانية منقحة ومزيدة – صـ251.

[161] شمس الدين أبو عبد الله القرطبي (ت 671 هـ): الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى وصفاته, المكتبة العصرية ببيروت – صـ176.

[162] شهاب الدين أبو الفضل الألوسي (ت 1270 هـ): روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني, دار إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء الثلاثون – صـ272.

[163] محمد الأمين بن محمد الشنقيطي (ت 1393 هـ): أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن, دار عالم الفوائد بمكة, الجزء التاسع – صـ612.

[164] محمد سيد طنطاوى (ت 1431 هـ): التفسير الوسيط للقرآن الكريم, مكتبة نهضة مصر, الجزء الخامس عشر – صـ540.

[165] محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393 هـ): التحرير والتنوير, الدار التونسية للنشر, الجزء الثلاثون – صـ614.

[166] الأنبا بيشوي: مائة سؤال وجواب في العقيدة المسيحية الأرثوذكسية, إعداد الإكليريكي الدكتور سامح حلمي – صـ12.

[167] المرجع السابق – صـ50.

[168] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ45.

[169] أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, الجزء الثاني – صـ43.

[170] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد السادس – صـ420, 421.

[171] أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, المجلد الثاني – صـ44.

[172] أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): دقائق التفسير, جمع وتقديم وتحقيق: د. محمد السيد الجليند, مؤسسة علوم القرآن ببيروت, الجزء الأول – صـ324, 325.

[173] الأنبا بيشوي: مائة سؤال وجواب في العقيدة المسيحية الأرثوذكسية, إعداد الإكليريكي الدكتور سامح حلمي – صـ13, 14.

[174] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد الرابع والعشرون – صـ689.

[175] المرجع السابق – صـ692.

[176] أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن الجَوزي (ت 597 هـ): زاد المَسِير في عِلم التفسير, المكتب الإسلامي ببيروت, الجزء التاسع – صـ268, 269.

[177] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ44.

[178] مُعاذ عِليان: عبادة مريم في المسيحية والظهورات المريمية, مكتبة النافذة, تقديم الدكتور عبد الله سمك.

[179] الأنبا بيشوي: مائة سؤال وجواب في العقيدة المسيحية الأرثوذكسية, إعداد الإكليريكي الدكتور سامح حلمي – صـ47.

[180] صحيح البخاري (4974), كتاب التفسير, باب حدثنا أبو اليمان.

[181] صحيح مسلم (7260), كتاب صفة القيامة والجنة والنار, باب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل.

[182] أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, الجزء الخامس – صـ267.

[183] علاء الدين علي البغدادي الشهير بالخازن (ت 725 هـ): لباب التأويل في معاني التنزيل, دار الفكر ببيروت, الجزء الرابع – صـ261.

[184] عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ): تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المَنَّان, مؤسسة الرسالة ببيروت – صـ501.

[185] محمد مُصلح الدين القوجَوي (ت 951 هـ): حاشية مُحي الدين شيخ زادة على تفسير البيضاوي, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الثامن – صـ724, 725.

[186] محمد سيد طنطاوى (ت 1431 هـ): التفسير الوسيط للقرآن الكريم, مكتبة نهضة مصر, الجزء الخامس عشر – صـ541.

[187] أبو السعود محمد العَمادي (ت 951 هـ): إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم, إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء التاسع – صـ212, 213.

[188] أبو حيَّان محمد بن يوسف الأندلسي (ت 754 هـ): البحر المحيط, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء السادس – صـ386.

[189] محمد بن علي الشَّوكَاني (ت 1250 هـ): فتح القدير الجامع بين فَنَّيّ الرواية والدِّراية من علم التفسير, دار المعرفة ببيروت – صـ991.

[190] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء التاسع عشر – صـ66.

[191] أبو البركات عبد الله النسفي (ت 710 هـ): مَدَارِك التنزيل وحقائق التَّأويل, دار الكَلِم الطَّيِّب ببيروت, الجزء الثاني – صـ479.

[192] تادرس يعقوب ملطي: نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى, كنيسة مار جرجس باسبورتنج الإسكندرية – صـ26, 27.

[193] Roberts, A., Donaldson, J., & Coxe, A. C. (1997). The Ante-Nicene Fathers, Vol. I: Translations of the writings of the Fathers down to A.D. 325. The apostolic fathers with Justin Martyr and Irenaeus – The First Apology of Justin – Chap. XIII – Christians Serve God Rationally. – Page 166.

[194] يوستينوس الشهيد: الدفاع عن المسيحية, إعداد القمص تادرس يعقوب ملطي, كنيسة مار جرجس باسبورتنج الإسكندرية – صـ22.

[195] عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ): تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المَنَّان, مؤسسة الرسالة ببيروت – صـ558.

[196] أبو البركات عبد الله النسفي (ت 710 هـ): مَدَارِك التنزيل وحقائق التَّأويل, دار الكَلِم الطَّيِّب ببيروت, الجزء الثالث – صـ695.

[197] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ45.

[198] أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, الجزء الثالث – صـ68.

[199] أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي (ت 375 هـ): بحر العلوم, دار الفكر ببيروت, الجزء الأول – صـ403.

[200] أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن الجَوزي (ت 597 هـ): زاد المسير في علم التفسير, المكتب الإسلامي ببيروت, الجزء الثاني – صـ317.

[201] أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض, الجزء السادس – صـ119.

[202] أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, المجلد الثالث – صـ68.

[203] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد العاشر – صـ146.

[204] محمد سيد طنطاوى (ت 1431 هـ): التفسير الوسيط للقرآن الكريم, مكتبة نهضة مصر, الجزء الرابع – صـ92.

[205] أبو حيَّان محمد بن يوسف الأندلسي (ت 754 هـ): البحر المحيط, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الثالث – صـ464.

[206] محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393 هـ): التحرير والتنوير, الدار التونسية للنشر, الجزء السادس – صـ153.

[207] صحيح مسلم (463), كتاب الإيمان, باب في قوله عليه السلام إن الله لا ينام.

[208] أبو العلى محمد المباركافوري (ت 1353 هـ): تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء السابع – صـ226.

[209] أبو زكريا يحيى النووي (ت 676 هـ): المِنهَاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج, دار إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء الثالث- صـ14.

[210] الحسين بن مسعود البَغَوي (ت 516 هـ): شرح السُّنَّة, المكتب الإسلامي ببيروت, الجزء الأول – صـ175.

[211] تادرس يعقوب ملطي: تفسير الكتاب المقدس, تفسير العهد القديم, تفسير سفر الخروج.

[212] محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ): تفسير الشعراوي, دار أخبار اليوم بالقاهرة, المجلد السابع – صـ4343, 4344.

[213] شمس الدين ابن القيم الجوزية (ت 751 هـ): الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة, دار العاصمة بالرياض, الجزء الرابع – صـ1332.

[214] الأنبا بيشوي: مائة سؤال وجواب في العقيدة المسيحية الأرثوذكسية, إعداد الإكليريكي الدكتور سامح حلمي – صـ21.

[215] المرجع السابق – صـ23.

[216] صحيح مسلم (6737), كتاب البر والصلة والأدب, باب تحريم الظلم.

[217] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ44.

[218] أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح, دار العاصمة بالرياض, المجلد الثالث – صـ263, 264.

[219] أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, المجلد الثاني – صـ477.

[220] صحيح البخاري (3445), كتاب أحاديث الأنبياء, باب واذكر في الكتاب مريم.

[221] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد التاسع – صـ417.

[222] أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض, المجلد السادس – صـ22.

[223] أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450 هـ): النُّكَت والعُيُون, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الأول – صـ546.

[224] أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, المجلد الثاني – صـ478, 479.

[225] صحيح مسلم (6550), كتاب فضائل الصحابة, باب فضائل حسَّان بن ثابت.

[226] أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, المجلد الثاني – صـ477, 478.

[227] علاء الدين علي البغدادي الشهير بالخازن (ت 725 هـ): لباب التأويل في معاني التنزيل, دار الفكر ببيروت, الجزء الأول – صـ626, 627.

[228] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ44.

[229] أبو محمد الحسين البغوي (ت 516 هـ): مَعَالِم التَّنْزِيل, دار طيبة بالرياض, الجزء الثاني – صـ315.

[230] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد التاسع – صـ422.

[231] محمد بن علي الشَّوكَاني (ت 1250 هـ): فتح القدير الجامع بين فَنَّيّ الرواية والدِّراية من علم التفسير, دار المعرفة ببيروت – صـ346.

[232] أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450 هـ): النُّكَت والعُيُون, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الأول – صـ546, 547.

[233] أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): دقائق التفسير, جمع وتقديم وتحقيق: د. محمد السيد الجليند, مؤسسة علوم القرآن ببيروت, الجزء الأول – صـ325.

[234] أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح, دار العاصمة بالرياض, المجلد الثاني – صـ13.

[235] أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي (ت 875 هـ): الجواهر الحسان في تفسير القرآن, دار إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء الثاني – صـ408.

[236] أبو محمد بن عطية الأندلسي (ت 546 هـ): المُحَرَّر الوَجِيز في تفسير الكتاب العزيز, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الثاني – صـ221, 222.

[237] أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض, المجلد السادس – صـ249.

[238] جورج حبيب بباوي: من رسائل الأب صفرونيوس, الثالوث القدوس: توحيد وشركة وحياة, الكتاب الأول – صـ4.

[239] المرجع السابق – صـ5.

[240] المرجع السابق – صـ7.

[241] محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393 هـ): التحرير والتنوير, الدار التونسية للنشر, الجزء السادس – صـ282.

[242] شهاب الدين أبو الفضل الألوسي (ت 1270 هـ): روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني, دار إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء السادس – صـ207.

[243] محمد سيد طنطاوى (ت 1431 هـ): التفسير الوسيط للقرآن الكريم, مكتبة نهضة مصر بالقاهرة, الجزء الرابع – صـ239.

[244] أبو السعود محمد العَمادي (ت 951 هـ): إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم, إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء الثالث – صـ66.

[245] أبو الحسن برهان الدين إبراهيم البقاعي (ت 885 هـ): نظم الدرر في تناسب الآيات والسور, دار الكتاب الإسلامي بالقاهرة, الجزء السادس – صـ249.

[246] أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): الفَتَاوَى الكُبْرَى, دار الكتب العلمية ببيروت, المجلد السادس – صـ588, 589.

[247] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد العاشر – صـ482.

[248] محمد بن علي الشَّوكَاني (ت 1250 هـ): فتح القدير الجامع بين فَنَّيّ الرواية والدِّراية من علم التفسير, دار المعرفة ببيروت – صـ386.

[249] أبو الحسن برهان الدين إبراهيم البقاعي (ت 885 هـ): نظم الدرر في تناسب الآيات والسور, دار الكتاب الإسلامي بالقاهرة, الجزء السادس – صـ249, 250.

[250] أبو السعود محمد العَمادي (ت 951 هـ): إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم, إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء الثالث – صـ66, 67.

[251] أبو القاسم جار الله محمود الزمخشري (ت 538 هـ): الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل, دار إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء الأول – صـ697.

[252] فخر الدين محمد الرازي (ت 604 هـ): التفسير الكبير ومفاتيح الغيب, دار الفكر ببيروت, الجزء الثاني عشر – صـ64.

[253] أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, الجزء الثالث – صـ158.

[254] محمد مُصلح الدين القوجَوي (ت 951 هـ): حاشية مُحي الدين شيخ زادة على تفسير البيضاوي, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الثالث – صـ564.

[255] أبو البركات عبد الله النسفي (ت 710 هـ): مَدَارِك التنزيل وحقائق التَّأويل, دار الكَلِم الطَّيِّب ببيروت, الجزء الأول – صـ465.

[256] شهاب الدين أبو الفضل الألوسي (ت 1270 هـ): روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني, دار إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء السادس – صـ207.

[257] محمد الطاهر بن عاشور (ت 1393 هـ): التحرير والتنوير, الدار التونسية للنشر, الجزء السادس – صـ283.

[258] أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض, المجلد السادس – صـ250.

[259] أبو الحسن برهان الدين إبراهيم البقاعي (ت 885 هـ): نظم الدرر في تناسب الآيات والسور, دار الكتاب الإسلامي بالقاهرة, الجزء السادس – صـ253.

[260] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد العاشر – صـ482.

[261] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ43.

[262] أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, الجزء الخامس – صـ230.

[263] محمد متولي الشعراوي: تفسير الشعراوي, طبعة أخبار اليوم بالقاهرة, المجلد الخامس عشر – صـ9078.

[264] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء السادس – صـ455.

[265] أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450 هـ): النُّكَت والعُيُون, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الأول – صـ397.

[266] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء السادس – صـ458.

[267] محمد بن علي الشَّوكَاني (ت 1250 هـ): فتح القدير الجامع بين فَنَّيّ الرواية والدِّراية من علم التفسير, دار المعرفة ببيروت – صـ221.

[268] أبو البركات عبد الله النسفي (ت 710 هـ): مَدَارِك التنزيل وحقائق التَّأويل, دار الكَلِم الطَّيِّب ببيروت, الجزء الأول – صـ259.

[269] أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): دقائق التفسير, مؤسسة علوم القرآن ببيروت, الجزء الثالث – صـ96.

[270] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ43.

[271] أبو الحجاج مُجاهِد المخزومي (ت 104 هـ): تفسير مُجاهِد, دار الكتب العلمية ببيروت – صـ60.

[272] أبو الحسن مقاتل بن سليمان الأزدي (ت 150 هـ): تفسير مقاتل بن سليمان, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الأول – صـ269.

[273] عبد الرحمن محمد بن أبي حاتم (ت 327 هـ): تفسير القرآن العظيم, مكتبة نزار مصطفى الباز بالرياض, المجلد الثالث – صـ1110.

[274] أبو جعفر النحاس (ت 338 هـ): معاني القرآن الكريم, مركز إحياء التراث الإسلامي بمكة, الجزء الثاني – صـ233.

[275] عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 هـ): تفسير القرآن, مكتبة الرشد بالرياض, الجزء الأول – صـ177.

[276] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان عن تأويل آي القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, الجزء التاسع – صـ367.

[277] أبو الليث نصر بن محمد السمرقندي (ت 375 هـ): بحر العلوم, دار الفكر ببيروت, الجزء الأول – صـ379.

[278] أبو عبد الله محمد بن أبي زَمَنِين (ت 399 هـ): تفسير القرآن العزيز, مكتبة الفاروق الحديثة بالقاهرة, المجلد الأول – صـ419.

[279] أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450 هـ): النُّكَت والعُيُون, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الأول – صـ543.

[280] أبو القاسم الراغب الأصفهاني (ت 502 هـ): المفردات في غريب القرآن, مكتبة نزار مصطفى الباز بالرياض – صـ336.

[281] أبو محمد الحسين البغوي (ت 516 هـ): مَعَالِم التَّنْزِيل, دار طيبة بالرياض, الجزء الثاني – صـ307.

[282] أبو محمد بن عطية الأندلسي (ت 546 هـ): المُحَرَّر الوَجِيز في تفسير الكتاب العزيز, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الثاني – صـ156.

[283] أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن الجَوزي (ت 597 هـ): زاد المسير في علم التفسير, المكتب الإسلامي ببيروت, الجزء الثاني – صـ244.

[284] فخر الدين محمد الرازي (ت 604 هـ): التفسير الكبير ومفاتيح الغيب, دار الفكر ببيروت, الجزء الحادي عشر – صـ101.

[285] عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام (ت 660 هـ): تفسير القرآن العظيم, جامعة أم القرى بمكة, الجزء الثاني – صـ587.

[286] علاء الدين علي البغدادي الشهير بالخازن (ت 725 هـ): لباب التأويل في معاني التنزيل, دار الفكر ببيروت, الجزء الأول – صـ618.

[287] أحمد بن يوسف المعروف بالسَّمِين الحلبي (ت 756 هـ): الدُّر المَصُون في علوم الكتاب المكنون, دار القلم بدمشق, الجزء الرابع – صـ145.

[288] أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, الجزء الثاني – صـ449.

[289] محمد بن علي الشَّوكَاني (ت 1250 هـ): فتح القدير الجامع بين فَنَّيّ الرواية والدِّراية من علم التفسير, دار المعرفة ببيروت – صـ341.

[290] عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ): تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المَنَّان, مؤسسة الرسالة ببيروت – صـ213.

[291] محمد الأمين بن محمد الشنقيطي (ت 1393 هـ): أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن, دار عالم الفوائد بمكة, المجلد الأول – صـ329, 330.

[292] محمد سيد طنطاوى (ت 1431 هـ): التفسير الوسيط للقرآن الكريم, مكتبة نهضة مصر, الجزء الخامس عشر – صـ540.

[293] جابر بن أبو بكر الجزائري: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير, مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة, الجزء الأول – صـ571.

[294] أبو القاسم جار الله محمود الزمخشري (ت 538 هـ): الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل, دار إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء الأول – صـ620.

[295] فخر الدين محمد الرازي (ت 604 هـ): التفسير الكبير ومفاتيح الغيب, دار الفكر ببيروت, الجزء الحادي عشر – صـ101.

[296] أبو حيَّان محمد بن يوسف الأندلسي (ت 754 هـ): البحر المحيط, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الثالث – صـ406.

[297] أحمد بن يوسف المعروف بالسَّمِين الحلبي (ت 756 هـ): الدُّر المَصُون في علوم الكتاب المكنون, دار القلم بدمشق, الجزء الرابع – صـ145.

[298] أبو حفص عمر الدمشقي (ت 880 هـ): اللّبَاب في علوم الكتاب, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء السابع – صـ111.

[299] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ43.

[300] فخر الدين محمد الرازي (ت 604 هـ): التفسير الكبير ومفاتيح الغيب, دار الفكر ببيروت, الجزء الحادي عشر – صـ101.

[301] راجع تفسير الطبري, سورة النساء: الآية 157.

[302] كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة – صـ43.

[303] مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي في الأردن http://www.altafsir.com/IndexArabic.asp

زر الذهاب إلى الأعلى