أساليب “العقلانيين” في التعامل مع “السنة النبوية” (2)
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
ضَوابِطُ مُهِمَّةٌ ينبغي التَّنِبيه عليها:
- ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ المدرسةَ العقليةَ مدرسةٌ كبيرةٌ ومُتَشَعِّبة؛ ونحن حين نتحدَّث عنها أو نُعارضها فيما ذهبتْ إليه من آراءٍ، أو فيما تبنَّت من أفكار؛ إنما نُحاكِمُ فِكْرًا وننتقد رأيًا، ولا علاقة لنا بِشَخْصِ مَنْ نَطَقَ به أو تَبَنَّاه.
- أن أصحاب هذا الاتِّجاه ليسوا على نَمَطٍ واحدٍ، وليسوا على خَطٍّ واحد من حيث: المُنطَلقات والآليات والأهداف؛ فمنهم: مَنْ يتبنَّى الفِكْرَ الإسلامي ولا يرضى به بديلًا، ولكنه في خِضَمِّ سعيه إلى ذلك أخطأ في بعض الآراء والرُّؤى التي أقحم فيها العقلَ؛ ربما لِقِلَّةِ بضاعته في الحديث وعلومه، وربما رغبةً في رَدِّ مزاعِمَ وافتراءاتٍ ضِدَّ الإسلام، ومنهم: مَنْ يَغُوص في هذا الفِكر من مَنْبَتِ شَعْرِه حتى أَخْمَصِ قَدَميه، ولا نَشُكُّ في دِينه ولا في نِيَّتِه، وإنما نرد عليه ردًّا عِلْمِيًّا بعيدًا عن أيِّ تَصَوُّرٍ مُسْبَقٍ، وبعيدًا عن الشَّخْصَنَةِ المَقِيتة؛ فالأشخاص ينتهون وتبقى الأفكارُ؛ لذا كان التَّركيزُ على الفِكرة لا الشَّخْص.
- إنَّ هؤلاء جميعًا تَجْمَعُ بينهم قَواسِمُ مُشْتَرَكة؛ مِثْلُ غُلُوِّهم في تعظيم العقل، وقولِه بتقديمه على النَّقل عند تَوَهُّم التَّعارُضِ، ونحو ذلك
ومن أهم أساليب “العقلانيين” في التعامل مع “السُّنة النبوية” ما يلي:
الأسلوب الرابع: التشكيك في “صحة الأحاديث”:
وجد أصحابُ الاتجاه العقلاني من التشكيك في الحديث وردِّه مخرجًا من اتِّهامهم بعدائهم للسنة؛ إذ يُنكرون ابتداءً كونها سنة، فيُغلقون الباب في وجه اتهامهم بذلك، كما أنهم لِقلَّة بضاعتِهم وضعفِ حُجَّتهم أغلقوا الباب أمام الجدال، إذ يرفضون الحديث ابتداءً.
وقد دأب بعض العقلانيين على التشكيك في صحة الحديث، والادِّعاء بأنَّ غالبه موضوع من قبل الرواة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فاختلط الصحيح بالموضوع فأدَّى ذلك إلى عدم الوثوق بالحديث، ومن أقوالهم في ذلك:
- ما ادَّعاه الطبيب “محمد توفيق صديقي” من كثرة التضارب والاختلاف في الأحاديث، وأنَّ أكثرها موضوع، فقال: (وَلَعَ الناسُ في الأعصر الأُولى بالروايات القولية ولوعًا، وتفاخروا بكثرة جمعها جموعًا؛ حتى ملأت الأحاديثُ الآفاق، وكثر فيها التضارب والاختلافات.
نظر المجتهدون في الأحاديث نظرةً فعلموا ما فيها من الاختلاف وتحقَّقوا أنَّ أكثرها موضوعات، ولمَّا أراد كلٌّ منهم أن يستخرج مذهبه اضطر أن يرفض منها ما صحَّ عند غيره. فهل يُعقل أنَّ الله يدين العالَمين بشيء لا يمكن لأحد أن يُميِّز حقَّه من باطله؟
فلو كان العمل بما في الأحاديث واجبًا للزم كلُّ مكلَّفٍ أنْ يترك أيَّ شُغلٍ آخر ويقضي الليالي الطويلة في مطالعة المجلَّدات الضخمة من كتب الحديث؛ لِيعرف الضعيفَ والصحيح، والموضوع، والحسن، والموقوف والمرفوع، والناسخ والمنسوخ)1.
وأنا أجزِمُ بأنَّ صاحب هذه المقال، ليس له من علم الحديث سوى المعرفة بما ذَكَرَه من ألفاظ الضعيف والصحيح والموضوع والحسن والمرفوع والناسخ والمنسوخ، معرفةً لفظية، أمَّا معرفتها اصطلاحًا ودلالةً وعلمًا، فلا شكَّ عندي أنه لا يعلم شيئًا، ولكن مِثلُه لا يُحسِن سوى النقض لا البناء، والهدم لا الإنشاء، ولو كان لديه بعض العلم؛ لأدركَ كيف استقرَّت هذه المصطلحات، وكيف وصلتْ إلى ما وصلت إليه عبر أجيالٍ عبقريةٍ من علماء الإسلام، يحاول هو ومَنْ على شاكلته هدم بنائهم ونقْضَ قواعدهم، وهيهات هيهات، فقد مضى ومات، وذهبتْ كلماتُه، وبقي الحديثُ شامخًا في وجه الزمن غُرَّةً ساطعةً يهتدي بها المؤمنون في كلِّ زمان ومكان.
- وها هو “سيد أمير علي” يزعم أن أكثر الأحاديث موضوعة، ويُنادي باطِّراح وإسقاط “خمسمائة ألف” حديث لا تُوافق توجُّهاته، مُتَّهِمًا الأئمةَ بعدم الشجاعة، فيقول: (إنَّ الإصلاح يجب أنْ يسبقه التَّخلُّص من القيود، ويجب أن نطرح التمسُّك بالظواهر تمسُّكًا صوريًّا؛ لأنه أصبح عديم الأثر، ويجب أن تكون أحكامنا صادرةً عن استعمال العقل وعمَّا نستشعر أنه حقٌّ ملائم في ظرفٍ مَّا، للإسلام قدرة على صبغ ما عداه بصبغته، وسيبقى جوهره، وإن تغيَّر مظهره – ولو أنَّ الأئمة كانوا أحرارًا في استعمال رأيهم ونبذوا بشجاعة “خمسمائة ألف” من الأحاديث واستبقوا منها “ثمانية آلاف” إذًا لجعلنا لأنفسنا مثل هذه الحرية، ولماذا يَظن إنسانٌ أنَّ الإسلام صار مَسْبوكًا في قالب لا يتغير بعد الإجماع على ا2لكتب الستة؟).
والسؤال هنا: أيُّ قولبةٍ يتحدَّث فيها، وأين هي، وما هي مظاهرها؟! أليس من حقِّ كلِّ دولةٍ أنْ يكون لها قانون، فهل يعني هذا أنَّ القانون قولبة للدولة أو لأبنائها، وهل يعني هذا أنَّ فقهاء القانون هم نُسَخٌ جامدة خاضعة لهذا القانون؟!
- ويزعم “أحمد أمين” أنَّ الأحاديث الواردة في التفسير والملاحم والمغازي لا أصل لها، وادَّعى بأنه قد:(روي عن الإمام أحمد بن حنبل: “ثلاثة ليس لها أصل: التفسير، والملاحم، والمغازي”.. وظاهر هذه الجملة أنَّ الأحاديث التي وردت في التفسير لا أصل لها، وليست بصحيحة، والظاهر – كما قال بعضهم – أنه يريد الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير، أمَّا الأحاديث المنقولة عن الصحابة والتابعين فلا وجه لإنكارها، وقد اعترف هو نفسُه ببعضها).3
وعلى صحة الخبر المذكور عن الإمام أحمد رحمه الله، فيجاب عنه بما قاله أبو الحسن الميموني رحمه الله – الذي لازم الإمامَ أحمدَ أكثر من عشرين سنة – حيث يقول: (سمعتُ أحمدَ بنَ حنبل يقول: “ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي والملاحم والتفسير” قال المُحقِّقون من أصحابه: ومراده أنَّ الغالب أنها ليس لها أسانيد صحاح مُتَّصِلة، وإلاَّ فقد صحَّ من ذلك الكثير)4.
وكيف يُورِدُ الإمام أحمد كثيرًا من أحاديث التفسير في “مسنده”، ثم يذكر أنَّ تلك الأحاديث لم يثبت شيء منها؟ هذا لا يُعقل أبدًا5.
ثم؛ لنفرض أنَّ هذا القول منسوب حقيقةً إلى الإمام أحمد، وهذا المُؤلِّف الهمام بلغ من تقديره للإمام أنْ يحتجَّ بكلامه ويأخذ كلامَه، فهل اتَّبع الإمامَ أحمدَ في كلِّ ما قال؟ وماذا لو جئناه بكلام الإمام الذي يخالف كثيرًا ما هو عليه؟ فهل عسى أن يتبعَه؟
أم أنها الانتقائية المَقِيتة التي تُعمي صاحبَها عن الحق، وهل ما ذَكَره الإمام أحمد في “مسنده” من أحاديث عن التفسير والمغازي والفتن والملاحم التي لم يذكرها الإمام إلاَّ لاعتقاده صِحَّتَها، هل عسى أن يقبلها أم يردَّها؟
الأسلوب الخامس: عدم الاحتجاج “بخبر الآحاد”:
خبر الآحاد الصحيح حجةٌ في جميع أبواب الدين لا فرق بين عقيدةٍ وشريعة، وهو في الحجية؛ كالقرآن والحديث المتواتر تمامًا. وجمهور العلماء من السلف والخلف على أنَّ خبر الآحاد إذا تلَّقته الأمة بالقبول تصديقًا له وعملًا بموجبه أفاد العلم6.
والعقلانيون الجُدد اتَّبعوا منهج المعتزلة في ردِّ خبر الآحاد الصحيح؛ بل كانوا أشدَّ صَلَفًا وأبلغ جرأةً، وقد اشترط المعتزلة – كما مضى – شروطًا تعسُّفية في قبول خبر الآحاد، ومضمون هذه الشروط إخراج خبر الآحاد من كونه وحيًا قاله النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وبالتالي يردُّون معظم الأحاديث بحجَّة أنها أخبار آحاد، ومن أهم الشروط المجحفة للمعتزلة في قبول خبر الآحاد في الأعمال:
- ألاَّ يُخالِفَ ظاهرَ القرآن الكريم.
- ألاَّ يُخالِف العقل.
- ألاَّ يُحتجَّ به في باب الاعتقاد؛ لأن خبر الآحاد عند المعتزلة يُفيد الظنَّ، والاعتقاد ينبني على اليقين لا الظن، واليقين إنما يؤخذ من حُجَج العقول. وهؤلاء المُحْدَثون ردُّوا أحاديث الآحاد كما ردَّها سلفُهم أهل الاعتزال، وطعنوا فيها، وواجهوها بعقولهم السقيمة وأفهامهم المعوجة، واستهانوا بها.
من أقوال القوم المُصرِّحة بعدم قبول خبر الآحاد:
يقال: “من فَمِكَ أدينك”، فهؤلاء المحدثون الجدد أتوا بأمر ليس جديدًا على أمثالهم؛ لأنهم تابعوا أسلافهم المعتزلة في رد أخبار الآحاد الصحيحة، وممَّا سطَّرته أقلامهم في ذلك:
- يقول “محمد عبده”:(وأمَّا ما ورد في حديث “مريم وعيسى من أن الشيطان لم يمسها” وحديث “إسلام شيطان النبي صلى الله عليه وسلم” وحديث “إزالة حظ الشيطان من قلبه” فهو من الأخبار الظنية؛ لأنه من رواية الآحاد، ولمَّا كان موضوعها عالَمَ الغيب، والإيمانُ بالغيب من قِسم العقائد، وهي لا يؤخذ فيها بالظن لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [النجم: 28]. كنا غير مُكلَّفين الإيمان بمضمون تلك الأحاديث في عقائدنا).7
- ويقول الشيخ “محمود شلتوت”:(نجد نصوص العلماء؛ من متكلِّمين وأصوليين مجتمعة على أنَّ خبر الآحاد لا يفيد إلاَّ الظن، فلا تثبت به عقيدة، ونجد المحققين من العلماء يصفون ذلك بأنه ضروري لا يصح أن يُنازع أحد في شيء منه؛ فإن الله تعالى لم يُكلِّف عبادَه عقيدة من العقائد عن طريقٍ من شأنه ألاَّ يفيد إلاَّ الظن.
ومن هنا يتبين أنَّ ما قلناه في الفتوى من “أنَّ أحاديث الآحاد لا تُفيد عقيدةً، ولا يصح الاعتماد عليها في شأن المغيبات” قولٌ مجمع عليه8 وثابت بحكم الضرورة التي لا مجال للخلاف فيها عند العقلاء)9.
- ويقول “محمود أبو رية”:(أحاديث الآحاد التي لم يعمل بها جمهور السلف؛ هي محل اجتهادٍ في أسانيدها ومتونها ودلالتها؛ لأنَّ ما صح سندُه منها يكون خاصًّا بصاحبه – ومَنْ صح عنده شيء منها روايةً ودلالةً عمل به – ولا تُجعل تشريعًا عامًّا تُلزمُه الأمةُ إلزامًا؛ تقليدًا لِمْنْ أخذ به)10.
وقال أيضًا: (كان الأستاذ والإمام محمد عبده لا يأخذ بحديث الآحاد، مهما بلغت درجته من الصحة في نظر المحدِّثين؛ إذا ما خالف العقلَ أو القرآنَ أو العلم)11.
- ويقول “محمد الغزالي”:(والآحاد يفيد الظن.. وكون أحاديث الآحاد لا تستقل بإنشاء عقيدة، هذا أيضًا موجود عندنا؛ لأن العقائد تؤخذ من اليقينيات، ويساعد حديثُ الآحاد في التفسير لِمَا أُجمل أو أُغمض، ولكن لإنشاء عقيدة فلا)12.
ويقول أيضًا: (إنَّ العقائد أساسها اليقين الخالص الذي لا يتحمَّل أثارةً من شك. وعلى أيِّ حالٍ؛ فإنَّ الإسلام تقوم عقائدُه على المتواتر النقلي والثابت العقلي، ولا عقيدةَ لدينا تقوم على خبرٍ واحد، أو تخمين فكر)13.
- ويقول “د. محمد عمارة”:(لقد رأيتُ في أمريكا كثيرًا من المكتبات التي تعرض الكتابَ المقدس وخَدَمته بوسائل مدهشة، فلماذا لا نَغِير من ذلك، ونهتم “بالمصدر الأوَّل” لدِيننا وتشريعاتنا، بدلًا من التقاتل حول “أحاديث الآحاد” وهي لا تفيد كثيرًا في مجال العقائد والتشريعات.14
ويقول أيضًا: (نحن نطالب أصحاب هذه المَوجة التي جعلت حديث الآحاد هو كلَّ شيء، وتركت القرآن وراء ظهرها؛ أنْ تعود إلى تحكيم العقل، والتَّريُّث والاهتمام بالقرآن أولًا – وهو النص اليقيني، ثم بالمتواتر من الحديث كذلك؛ لأنه نصٌّ يقيني، ثم بعد ذلك بحديث الآحاد في بعض الأعمال – وليس في نطاق التشريعات؛ لأنه ظني)15.
“أحاديث صحيحة” ردَّها العقلانيون بِحُجَّة أنها آحاد:
هذه نماذِجُ لجملةٍ من “الأحاديث الثابتة” التي ردَّها العقلانيون؛ مُحتجِّين أنها أحاديث آحاد مفادها الظن فلا تُبنى على مثلها العقائد الثابتة:
- حديث: نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان.
- أحاديث: الدجال والجساسة.
- حديث: موسى عليه السلام وملَك الموت.
- حديث: عدم مس الشيطان لعيسى بن مريم وأمه عليهما السلام.
- حديث: سحر النبي صلى الله عليه وسلم.
- حديث: شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وإخراج حظ الشيطان منه.
- حديث: إسلام شيطان النبي صلى الله عليه وسلم.
- حديث: المعراج.
- حديث: وقوع الذباب في الإناء.
- حديث: (إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة).
- حديث: (تحاجت الجنة والنار) 16.
سبحان الله! أين هي المخالفة العقلية لهذه النصوص ولأمثالها؟ وهل كان صعود الإنسان للقمر قبل قرنٍ من الزمان مخالفًا للعقل؟! وهل له أن يقول بعد صعوده إنه لم يكن مخالفًا للعقل؟!
إنَّ العقل ومقاييسه محدودة بحدود الزمان والمكان والثقافة والمعرفة، فلا يمكن له مهما بلغ من قُدرةٍ أنْ يتجاوزها أو يتعدَّاها، أمَّا النص المقدس؛ من قرآن وسنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن إلاَّ أن يصدقها الواقعُ، وتطابقها الحقيقة؛ لأنها من لدن الحكيم الخبير، صاحب العلم المطلق، والإرادة المطلقة، غير محدودٍ بحدود الزمان أو المكان أو العلم؛ لذا كان من مقتضيات الإيمان بالله التسليم بمثل هذه النصوص والإيمان بها، وهذا ما فعله أبو بكر رضي الله عنه وسُمِّي صدِّيقًا بما فعله، حينما أسرعت قريش – في حادثة الإسراء والمعراج، يقولون له: (يا أبا بكرٍ! هلْ لكَ في صاحبِك؟ يُخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرةَ شهرٍ، ورَجَعَ في ليلته؟) فقال أبو بكر رضي الله عنه: (إنْ كان قاله فقد صَدَقَ، وإنَّا لَنُصدِّقه فيما هو أبعد من هذا؛ لَنُصَدِّقُه على خَبَرِ السَّماء)17]، وهنا يظهر المعيار الحقيقي للتصديق، وهو صحة نسبة القول إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنْ صحَّت النِّسبة إليه؛ فقد صدق في القول ولا شأن للعقل.
فهل في إسراء النبيِّ صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ذلك الوقت مخالفةٌ عقلية؟! وإذا كان الجواب: نعم، فما قولُهم في النص القرآني؟ وإذا قالوا: نؤمن بالقرآن؛ لأنه من عند الله تعالى، فمَن الذي جاءهم بالقرآن؟! أليس نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم؟! وإذا كانوا آمنوا بالإسراء وهو في حقيقة أمره يحتاج إلى معجزة إلهية، فلماذا يشكِّكون في المعراج؟! وهذه أسئلة منطقية تحتاج إلى جواب منهم، ولا تحتاج منا نحن حتى إلى الالتفات إليها؛ لأننا نؤمن بها جميعًا دون تفريق.
- مجلة المنار، (مجلد 9)، (ص 516). ↩︎
- أضواء على السنة المحمدية، (ص 149). ↩︎
- ضحى الإسلام، أحمد أمين (2/ 141). ↩︎
- البرهان في علوم القرآن، (2/ 156). ↩︎
- انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية، (2/ 293). ↩︎
- انظر: وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والرد على شُبَهِ المخالفين، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني؛ حجية خبر الواحد في الأحكام والعقائد، د. محمد عبد الله عويضة. ↩︎
- تفسير المنار، (3/ 292). ↩︎
- هذا إجماع مزعوم لا يصح. ↩︎
- مجلة الرسالة، (عدد 514)، (6/ 5/ 1362هـ)، (السنة الحادية عشرة)، (10/ 5/ 1943م)، (ص 443-444). ↩︎
- أضواء على السنة النبوية، (ص 351). ↩︎
- أضواء على السنة النبوية، (ص 259). ↩︎
- جريدة المسلمون، (عدد 276)، (السنة السادسة)، (23-29 شوال 1410هـ – 24 مايو 1990م)، (ص 11). ↩︎
- السنة النبوية، (ص 65-66). ↩︎
- جريدة المسلمون، (عدد 276)، (السنة السادسة)، (23-29 شوال 1410هـ – 24 مايو 1990م)، (ص 11). ↩︎
- جريدة المسلمون، (عدد 276)، (السنة السادسة)، (23-29 شوال 1410هـ – 24 مايو 1990م)، (ص 11). ↩︎
- انظر: موقف المدرسة العقلية من السنة النبوية، (2/ 201). ↩︎
- تفسير ابن كثير، (5/ 14). ↩︎