يسوع الغاضب – التحريف على نطاق واسع
بسم الله الرحمن الرحيم
يسوع الغاضب
صعوبة الوصول إلى النص الأصلي والتحريف على نطاق واسع !
بقلم العبد الفقير إلى الله أبو المنتصر شاهين الملقب بـ التاعب
الحمد لله نحمده , ونستعين به ونستغفره , ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مُضِل له , ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , وصفيه من خلقه وخليله , بلَّغ الرسالة , وأدى الأمانة , ونصح الأمة , فكشف الله به الغمة , ومحى الظلمة , وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين , وأشهد أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله , وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه .
ثم أما بعد ؛
« اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ »(صحيح مسلم-1847).
۞ مُقدمة:
لقد حاول المسيحي المُتغافل عن الحقيقة, أن يوحي لأتباعه بسهولة الوصول إلى النص الأصلي, يريد أن يوهمنا بأن المشاكل الموجودة في مخطوطات العهد الجديد يمكن حلها ونحن نحتسي فنجاناً من القهوة, أو كوباً من عصير البرتقال المُثلج ! ولكن الحقيقة خلاف ذلك تماماً, إذا أردت أن ترى الحقيقة بعينيك فانظر إلى هذه الإحصائية الجميلة التي المأخوذة من التعليقات النصية الخاصة بفيلاند فيلكر[1] الناقد النصي الألماني المشهور, الذي تناول المشاكل النصية الموجودة في الأناجيل الأربعة اليونانية, ولم يتطرق إلى باقي العهد الجديد.
قام فيلند بوضع تقدير في نهاية ناقش كل مشكلة نصية, من ضمن هذه التقديرات عبارة “indecisive” والتي تعني أن فيلند لم يستطيع حسم القرار, فلا يدرك أي القراءات هي الأصلية في هذه المشكلة النصية, وهناك أيضاً تقدير “NA probably wrong” والتي تعني أن القراءة التي وضعتها نسخة نستل آلاند الإصدار 27 غالباً خاطئة وليست القراءة الصحيحة, ونحن نعلم أن نسخة نستل آلاند تُعتبر نُسخة يونانية قياسية عالمية, فحينما يُخَطِّئ فيلند هذه النسخة العالمية المشهورة فهناك مشكلة كبيرة في هذه المشكلة النصية.
قمتُ بإحصاء عدد المرات التي أعطى فيها فيلند التقدير “indecisive” لمشكلة نصية في كل إنجيل, بالإضافة إلى إحصاء عدد المرات التي أعطى فيها التقدير “NA probably wrong” في كل إنجيل, هذا بالمقارنة بعدد المشاكل النصية التي قام فيلند بدراستها, وإليكم هذا الجدول الصغير, أتمنى أن لا ينزعج المسيحي من هذه الأرقام, حيث أنني لم أختلاقها, ولكنني فقد أدركت أنها موجودة !
ببعض الحسابات الرياضية البسيطة نجد أن فيلند قام بتخطيء قرار نسخة نستل آلاند بنسبة:
- 6% من عدد مشاكل إنجيل متى.
- · 7% من عدد مشاكل إنجيل مرقس.
- · 9.5% من عدد مشاكل إنجيل لوقا.
- · 7% من عدد مشاكل الأناجيل الأربعة إجمالاً.
ولم يستطيع حسم قرار القراءة الصحيحة بنسبة:
- 26% من عدد مشاكل إنجيل متى.
- · 36% من عدد مشاكل إنجيل مرقس.
- · 57% من عدد مشاكل إنجيل لوقا !.
- · 33% من عدد مشاكل إنجيل يوحنا.
- · 38% من عدد مشاكل الأناجيل الأربعة إجمالاً.
حقاً عندما نتحدث بلغة الأرقام تكون الأمور أكثر وضوحاً وبياناً ! هذا هو حال العهد الجديد الذي لا يخفى على أحد الدارسين, ولكن لا يجب علينا أن نلوم فيلند المسكين حول عدم إستطاعته الوصول إلى قرار بشأن القراءة الأصلية, فقد أخبرنا بروس متزجر[2] من قبل أنه: (في بعض الحالات, سنجد أن الشواهد منقسمة بالتساوي بحيث أنه من الصعب للغاية أن نقرر بين قراءتين مختلفتين).
۞ المشكلة النصية:
اليوم سنتحدث عن إحدى المشاكل النصية التي لم يستطيع فيلند أن يحسم القرار فيها ويختار أي القراءات هي الأصلية, هذه الشكلة ليست مشكلة عادية, بل أنها مشكلة في غاية الصعوبة, فقد وضعها فيلند في قائمة أصعب عشرين مشكلة نصية ! وللعلم فهناك شروط وضعها فيلند ليدخل النص ضمن أصعب المشاكل النصية, من هذه الشروط أن تكون للقراءة تأثيراً لاهوتياً ! وأن تكون هناك صعوبة جادة في تقييم الشواهد. هذه المشكلة التي توفرت فيها هذه الشروط هي المشكلة المعروفة بإسم يسوع الغاضب “Angry Jesus”.
المشكلة موجودة في قصة شفاء الأبرص المذكورة في إنجيل مرقس الإصحاح الأول:
Mar 1:40-42 فأتى إليه أبرص يطلب إليه جاثيا وقائلا له: «إن أردت تقدر أن تطهرني!» 41 فـتحنن يسوع ومد يده ولمسه وقال له: «أريد فاطهر». 42 فللوقت وهو يتكلم ذهب عنه البرص وطهر.
في العدد 41, نجد أن غالبية مخطوطات العهد الجديد تقول أن يسوع تحنن على الأبرص, ولكن هناك مخطوطات قديمة أخرى لها وزنها لا تقول بأن يسوع تحنن على الأبرص, بل على العكس تماماً, فإنها تقول أن يسوع غضب !
Mar 1:41 فـتحنن يسوع ومد يده ولمسه وقال له: «أريد فاطهر».
(NA27) καὶ σπλαγχνισθεὶς ἐκτείνας τὴν χεῖρα αὐτοῦ ἥψατο καὶ λέγει αὐτῷ, Θέλω, καθαρίσθητι·
هناك ثلاث قراءات للنص[3]:
- القراءة الأولى: تحنن σπλαγχνισθεις
- القراءة الثانية: غضب οργισθεις
- القراءة الثالثة: حذف الكلمة
نجد القراءة الأولى في جميع الكتب المقدسة تقريباً, ولا نجد القراءة الثانية في أي نسخة للكتاب المقدس إلا في نسختان اثنتان هما (TNIV) و (REB) وإليكم نص الترجمتين:
(TNIV)[4] Jesus was indignant(ساخط). He reached out his hand and touched the man. “I am willing,” he said. “Be clean!”
(REB)[5] Jesus was moved to anger; he stretched out his hand, touched him, and said, ‘I will; be clean.’
القراءة الأولى هي الموجودة في الغالبية العظمى من مخطوطات العهد الجديد إلا مخطوطة بيزا الشهيرة وبعض المخطوطات اللاتينية القديمة, وهناك مخطوطتان لا نجد فيهما الكلمة أصلاً ! هل المشكلة محسومة للقراءة الاولى ؟ لنقوم بتحليل الأدلة الخارجية لنجيب على هذا السؤال.
۞ الأدلة الخارجية:
قراءة تحنن (σπλαγχνισθεις) – كما أشرنا سابقاً – موجودة في الغالبية العظمة من المخطوطات اليونانية للعهد الجديد إلا مخطوطة بيزا الشهيرة والمميزة, يجب علينا ملاحظة أن أقدم مخطوطة يونانية تشهد لقراءة تحنن هي المخطوطة السينائية من القرن الرابع, ولا توجد أي مخطوطة يونانية قبل القرن الرابع تشهد لهذه القراءة ! هذه نقطة جوهرية يجب توضيحها بجلاء, حيث أننا نعلم أن إنجيل مرقس أول إنجيل تم كتابته بين الأناجيل الأربعة القانونية, وكان من مصادر إنجيليّ متى ولوقا, كما قال القمص تادرس يعقوب ملطي[6]: (إنجيل مرقس أقدم الأناجيل الأربعة أعتمد عليه الإنجيليان متى ولوقا, كتبه غالباً في مصر ما بين عامي 65-70 ميلادياً).
صورة المخطوطة السينائية – قراءة تحنن σπλαγχνισθεις
صورة مخطوطة بيزا – قراءة الغضب οργισθεις
إذا سلمنا جدلاً أن إنجيل مرقس كُتب في عام 70م, وأول مخطوطة يونانية تحتوي على نص مرقس 1: 41 هي المخطوطة السينائية التي ترجع إلى عام 325م على أفضل تقدير ! فإن هناك فجوة بين النسخة الأصلية وأقدم نسخة تُقدَّر بـ 255 عاماً بالتمام والكمال.
إذن قراءة تحنن موجودة في المخطوطات اليونانية مثل السينائية والفاتيكانية والسكندرية والأفرايمية وغيرهم, ولكن أقدم مخطوطة يونانية بين هؤلاء هي المخطوطة السينائية من القرن الرابع, الآن ما هي المخطوطات التي تحمل قراءة غضب ؟ وهل هذه المخطوطات قديمة مُعتبرة أم أنها مُتأخرة لا نستطيع الأخذ بهاً والإعتماد عليها ؟
مخطوطة بيزا من القرن الخامس التي تحمل نصاً يونانياً ولاتينياً, هي الشاهد اليوناني الوحيد لقراءة الغضب, هذه المخطوطة مُدعمة من قِبل أربع مخطوطات من أفضل شواهد الترجمة اللاتينية القديمة أقدمها من القرن الرابع مروراً بالقرن الخامس إلى السابع:
D – مخطوطة بيزا – V – القرن الخامس
ita – IV – القرن الرابع
itd – V – القرن الخامس
itff_2 – V – القرن الخامس
itr_1 – VII – القرن السابع
عندما نُقارن بين قِدَم شواهد القراءتين, نجد أن أقدم شاهد لقراءة تحنن من القرن الرابع وكذلك الحال بالنسبة لقراءة الغضب, فكلا القراءتين قديمتين في التقليد النصي ولكن – وهذا الـ “لكن” لن يُعجب الكثير من المسيحيين – لدينا شاهد قديم جداً وسحيق لا قراءة الغضب, ألا وهو الدياتسرون[7] (Diatessaron) الخاص بتتيانوس والذي يرجع – نظرياً – إلى القرن الثاني[8].
هذه نقطة قوية جداً في صالح قراءة الغضب, فهذه شهادة قديمة جداً للقراءة لا نجد شاهد في مثل قِدَمه للقراءة الأخرى, إذن عندنا دليل أن قراءة الغضب أقدم من قراءة تحنن ولا يوجد دليل على عكس ذلك بحسب الشواهد المتوفرة لدينا, ولكن على الرغم من ذلك نجد أن الناقد النصي الذي يُفضل قراءة تحنن يحتج بأن القراءة منتشرة في غالبية مخطوطات العهد الجديد بعد القرن الرابع.
هذه الحُجة ضعيفة جداً, سنقوم بتفنيدها تفصيلاً عند مناقشة الأدلة الداخلية, ولكن يجب علينا أن نبين أمراً هاماً, بينه لنا بارت إيرمان[9] من قبل وسأنقل لكم كلامه: (كما رأينا سابقاً, لا نكون مطمئنين تماماً عندما نقول أن الغالبية العظمى من المخطوطات التي التحتوي على قراءة ومجموعة أخرى قليلة تحتوي على قراءة أخرى, أن القراءة الموجودة في الأغلبية هي الصحيحة. في بعض الأحيان يتضح لنا أن بعض المخطوطات القليلة هي التي تحتوي على القراءة الصحيحة حتى إن خالفت جميع المخطوطات الأخرى. هذا بسبب أن أغلبية المخطوطات تم إنتاجها بعد الأصل بمئات السنين, وهذه المخطوطات نفسة منسوخة ليست من الأصل بل من نسخ أخرى متأخرة عن الأصل. عندما يجد التغيير طريقه إلى التقليد النصي للمخطوطات, يمكن أن تثبت في التقليد حتى يكون أكثر إنتشاراً حتى من الكلمات الأصلية).
في النهاية نريد تلخيص النقاش حول الأدلة الخارجية في نقاط بسيطة: قراءة الغضب متساوية في القِدَم مع قراءة تحنن, بل أن لقراءة الغضب شاهد قديم جداً ألا وهو الدياتسرون, هذا بالإضافة إلى عدم استطاعتنا الإعتماد على عدد المخطوطات التي تحتوي على قراءة مُعينة لسببين في غاية الأهمية, أولاً: الفارق بين الأصل وأقدم مخطوطة يونانية كبيراً, ثانياً: عندما يحدث تغيير للنص في الأزمنة المظلمة, تنتشر القراءة الخاطئة في التقليد النصي أكثر من القراءة الأصلية.
۞ الأدلة الداخلية:
من ناحية الأدلة الداخلية, نجد أنها في صالح قراءة الغضب بالكلية, فهناك قاعدة ذهبية تقول أن القراءة الأصعب هي الأصح[10], وهذه القاعدة مبنية على منطق بسيط جداً سهل الفهم, ألا وهو أن الناسخ يقوم بتغيير القراءة التي يجدها صعبة ولا توافقه, بأخرى سهلة بسيطة يقبلها هو وأي شخص سيقوم بقراءة المخطوطة من بعده.
في هذا قدم لنا بروس متزجر[11] نقاشاً رائعاً حول النص محل البحث ننقله لكم: (من الواضح أن القراءة غير موثقة جيداً (يقصد أن قراءة الغضب غير منتشرة في أغلبية المخطوطات اليونانية), ومن أجل هذا السبب فهي قراءة مرفوضة عبر السنين من قِبَل أغلبية النُقاد والمفسرين. ولكن هنا يجب أن نوضح جيداً القضية النسخية: إن كانت القراءة الأقدم للنص تشير إلى أن رد فعل يسوع تجاه الابرص المسكين كان بحنان, لماذا يغير أي ناسخ هذه العبارة إلى الغضب ؟ ولكن إذا كان النص في الأصل يذكر غضب يسوع, نستطيع أن نتخيل بكل سهولة أن الناسخ سيعتبرها إهانة و وفقاً لذلك سيقوم بتغييرها). الكلام واضح ولا يحتاج إلى شرح.
نفس الكلام موجود في تعليقات بروس تيري[12] حيث يقول: (من الأسهل لنا أن ندرك لماذا قد يغير الناسخ قراءة غضب إلى تحنن من أن ندرك لماذا قد يغير قراءة تحنن إلى غضب). وهكذا أقول خير الكلام ما قل ودل !
هناك قاعدة أخرى مذكورة في موسوعة النقد النصي للعهد الجديد تقول[13]: (القراءة التي توافق مخالفي الأرثودكسية “heterodox” هي الأفضل. هذا القانون لا يُطبق كثيراً, ولكن عندما نقوم بتطبيقه, فهو مهم. إن القراءة التي تقلل من كرامة المسيح – على سبيل المثال – عادة ما تكون هي الأفضل إلا إذا كانت هذه القراءة مُدعمة فقط من شواهد مشكوك فيها).
وبعد شرح القانون وضع النص مَحل البحث كمثال لتطبيق هذه القاعدة, حيث أن قراءة الغضب تضع لنا يسوع في صورة “غير أرثودكسية”, حيث أننا عادة ما نرى الكنيسة تصور يسوع على أنه صاحب الرحمة والمحبة, فإذا ظهرت لنا قراءة تجعل يسوع غاضباً وفي حالة نتوقع فيها الشفقة والرأفة والرحمة, فحينئذ علينا أن نتوقع – بلا أي مجال للشك تقريباً – أن هذه القراءة لن تبقى في التقليد النصي للمخطوطات, خصوصاً إذا كانت أقدم مخطوطة لدينة من القرن الرابع !
الآن نستطيع أن نُلفت الأنظار إلى المخطوطتين التين حذفتا الكلمة, وهما المخطوطة اللاتينية القديمة (itb) من القرن الخامس, ومخطوطة القراءات الكنسية (l 866) التي ترجع إلى عام 1174م, هاتان المخطوطتان في صالح قراءة الغضب ! لماذا ؟ بالطبع أي مخطوطة منسوخة من مخطوطة أقدم منها, فإذا كانت المخطوطة الأم التي نقلت عنها أي من هاتين المخطوطتين احتوت على قراءة تحنن, فلماذا يحذف الناسخ هذه القراءة الجميلة ؟ لا يوجد سبب, ولكن على العكس, إذا كانت المخطوطة الأم تحتوي على قراءة الغضب, فهناك ثلاثة أفعال يمكن أن نتوقعها من الناسخ لا رابع لهم, الفعل الأول: أن يقوم الناسخ بتبديل قراءة الغضب بقراءة تحنن, الفعل الثاني: أن يقوم الناسخ بحذف الكلمة تماماً, الفعل الثالث: أن ينقل الناسخ الكلمة كما هي, هل يوجد أي تصرف آخر منطقي نتوقعه من الناسخ ؟ لا أعتقد.
هذه التصرفات الثلاثة مبنية على فرض أن قراءة الغضب هي الأصلية, إذن عندما فرضنا أن قراءة الغضب هي الأصل استطعنا أن نفسر سبب وجود القراءات الأخرى ! وهذه أيضأً قاعدة نقدية أخرى في صالح قراءة الغضب يخبرنا بها بروس متزجر[14] فيقول: (لعل أهم معيار لتقييم القراءات المختلفة هي مقولة بسيطة: اختار القراءة التي تفسر جيداً أصل القراءات الأخرى).
هناك لفتة أخرى بخصوص مخطوطة القراءات الكنسية (l 866), هذه المخطوطة تعتبر دليلاً على توغل قراءة الغضب في التقليد النصي للمخطوطات, حيث أن هذه المخطوطة متأخرة, وكما ناقشنا سابقاً فإن هذه المخطوطة لابد وأنها ترجع في النهاية إلى مخطوطة كانت تحتوي على قراءة الغضب. وإن لم تكن هذه المخطوطة دليلاً على توغل القراءة في التقليد النصي للمخطوطات, فإنها على الأقل تشير بشدة إلى إنتشار القراءة في نص آخر يوناني غير النص الغربي, وهذا في حد ذاته في صالح قراءة الغضب !
بالإضافة إلى كل ما سبق, هناك دليلاً في مُنتهى القوة لصالح قراءة الغضب, هذا الدليل هو تصرف يسوع المسيح الذي نجده في نهاية القصة العدد 43, نجد في ترجمة الفاندايك أن النص يقول (فانتهره وأرسله للوقت) ولكن للأسف – وكما وضح لنا بارت إيرمان[15] أيضاً – هذه الترجمة مجرد تخفيف وتغطية على قسوة الكلمات اليونانية المُترجمة ! وإليكم الترجمة الصحيحة من اليونانية[16]:
إذن بحسب النص اليوناني تكون الترجمة الصحيحة للنص: فـعنفه يسوع وطرده في الحال ! هل هذه تصرفات شخص هادئ يعرف معنى كلمة الحنان ؟! بالطبع لا بل أنها تصرفات شخص غاضب ثائر, وهذا دليل قوي على أصالة قراءة الغضب, فإن التعنيف والطرد تصرفات طبيعية لشخص غاضب وليس لشخص هادئ يُظهر الرحمة والحنان.
۞ المشكلة الإزائية:
هذا النقاش يُعتبر فرعاً من الأدلة الداخلية.
قمنا سابقاً بعرض قول تادرس يعقوب ملطي يصرح فيه بأن إنجيل مرقس كان مصدراً لإنجيليّ متى ولوقا, وقد صرح بهذا في مرة سابقة حيث قال[17]: (الإنجيل بحسب مرقس البشير: إن كان هذا السفر يعتبر الأساس لإنجيلي متّى ولوقا، لكن له طابعه الخاص به). أريد أن أضع المزيد من المراجع التي تقول بأن إنجيل مرقس كان من مصادر إنجيليّ متى ولوقا لأنني سنبني على هذا الأساس أشياء خطيرة جداً.
في دائرة المعارف الكتابية[18] نجد الآتي: (وبالنسبة للعهد الجديد فإن الرأى الغالب هو إنجيل مرقس كان أحد المراجع الرئيسية لإنجيلى متى ولوقا، فيمكن استكشاف مدى استخدام متى ولوقا لإنجيل مرقس، حيث قد وصلت إلينا الأناجيل الثلاثة).
في التفسير الحديث للكتاب المقدس[19] لآلان كول نجد نقاشاً رائعاً حول الأناجيل الإزائية: (ويمكننا ان نقول حقاً ” من باب الوصف المطلق ” إن هناك جزءاً ضخماً مشتركاً بين انجيل مرقس وانجيلي متى ولوقا ، وإن كان هذان يحتويان على إضافات متنوعه خاصه بهما . ومن المعتاد التعبير عن هذا الحل لمشكلة التوافق بالرموز شبه الجبرية باستخدام الرمز “Q” ( للدلالة على الكلمة الالمانية Quelle أوالمصدر) ترمز إلى المادة التي ليست في إنجيل مرقس والمشتركه بين إنجيلي متى ولوقا ، وإستخدام الرمز “L” لتشير الى المادة ذات الاهمية الطبية أو الأممية ، والمتمسز بها انجيل لوقا ، والرمز “M” للمادة ذات الاهمية اليهودية والتي يتميز بها انجيل متى .وبالطبع فإن مثل هذه الرموز الجبرية أو غيرها من الرموز المتماثله في الامكان ان نزيدها بغير حدود ، ومن هنا يمكن أن يكون لدينا “L” “L2” الخ ومع ذلك فإنه يحسن ان نتذكر أننا بعد أن قلنا كل هذا ، فأننا ما نزال في محاولتنا لوصف الروضع الراهن لكل انجيل في مواجهة الاناجيل الاخرى ، ولم نشرح بعد كيف تكونت الاناجيل ، كما لم نستطع بعد أن نبرهن على ان هذه الرموز الجبرية كانت في الواقع تعبيراً دائما عن الوثائق المكتوبة القديمة أو حتى انها كانت منذ ذلك الحين تعبيراً عن مجموعات من التقليد الشفهي ، والتي كان لها وجودها المستقل على نحو ما .واحياناً نسيت الكنيسة المسحية كل هذا في غمرة حماسها للتحليل ، وسلمت فقط بصحة بعض المستندات دون سواها بل انها اتخذت لنفسها شكلاً محدداً مستقلاً من الادب الديني).
ثم يكمل آلان النقاش ويقول: (وكان حتماً أن يمضي العلماء الى مدى أبعد على الطريق في محاوله لتحديد التواريخ المتعلقة بكتابة الاناجيل . ان لدينا قدراً ضئيلا من التقاليد الاضافية خارج نطاق الكتاب المقدس المشكوك في قيمتها ، والتي سنتناولها بصفة خاصة من حيث علاقتها بانجيل مرقس . ويكفينا ان نقول هنا إن التشيع لهذه التقاليد الخارجه عن الكتاب المقدس قد ادت بالكنيسة الرومانية وبعض علماء البروتستانت لى التمسك باولوية انجيل متى ،أي ان الراي القائل بأنه أول ما كُتب من الاناجيل ، وانه يعد مصدراً اساساياً لغيره من الاناجيل وهذا يمكن ان يجعل انجيل متى متقدما في تاريخه ويوفر للقول بأنه بقلم الرسول الذي له هذا الاسم . ومن الناحية الاخرى ، فان اغلبية العلماء البروتستانت يتمسكون بأولوية انجيل مرقس أو على أقل تقدير نسخه منه مُشيرين إلى أنه أقصر الاناجيل واصرحها . وعلى هذا النحو فانهم يعتبرون انجيل مرقس المصدر لكل من إنجيلي متى ولوقا ، وعلى الرغم من أنه ليس بأية وسيله مصدرها الوحيد).
نجد أيضاً في تفسير وليام باركلي[20] كلاماً رائعاً عن الأناجيل الإزائية: (تعتبر الاناجيل الثلاثه الاول ، متى ومرقس ولوقا وحده واحدة وقد اطلق عليها العلماء الكلمة الانجليزية synoptics وهي كلمه مشتقه من فعل يوناني مركب يعني “يمكن الاحاطه به” ولقد سميت بهذا الاسم لما فيها من تشابه كبير يجعل من السهل دراستها معاً. ومن هذه المجموعه يعتبر انجيل مرقس أكثرها اهمية، بل يذهب البعض الى حد القول بأنه اهم كتاب في العالم طراً، إذ انه -بشهادة الجميع- او انجيل كتب ، ولهذا فهو أول كتاب عن حياة يسوع وصل الينا .قد لا يعني هذا ان مرقس كان اول شخص يكتب عن حياة يسوع فلابد انه كانت هناك محاولات اوليه سابقه ،ولكنه أصبح من المؤكد ان هذا الانجيل هو اقدم انجيل وصل الينا).
ثم قدم بعض الحسابات الرياضة واستنتج في النهاية[21]: (هذه الدراسة المقارنة جعلت الباحثين يتمسكون بالنظرية القائلة: ان متى ولوقا كانا يستخدمان انجيل مرقس مصدراً اساسياً لهما عند كتابة انجيلهما).
هذا الكلام نفسه قاله بارت إيرمان في كتابه الماتع العهد الجديد[22]: (اقترح العلماء عبر السنوات العديد من النظريات لحل المشكلة الإزائية. الكثير من النظريات في غاية التعقيد وغير قابلة للتصديق بالكلية. كمقدمة لهذه المشكلة, نحن لسنا بحاجة لنشغل أنفسنا بكل هذه الحلول. ولكن بدلاً من هذا سنركز على النظرية الأكثر قبولاً لدى العلماء والأقل إشكالاً. هذا التفسير يدعى بـ “فرضية المصادر الأربعة”. وفقاً لهذه النظرية, مرقس هو أول إنجيل تم كتابته. وتم إستخدامه من قبل متى ولوقا. هذا بالإضافة إلى أن هاذين الإنجيلين كان لديهما مرجع آخر يرجعون إليه يُدعى “Q” (من الكلمة الألمانية لمصدر “Quelle”). “Q” كان مصدر للقصص المشتركة بين لوقا ومتى والتي لا نجدها في مرقس. علاوة على ذلك, كان لإنجيل متى مصدر أو العديد من المصادر الخاصة به, والتي أخذ منها القصص الغير موجودة في أي إنجيل آخر. العلماء صنفوا هذا المصدر بـ “M” والتي ترمز إلى مصادر متى الخاصة. أيضاً إنجيل لوقا كان له مصدر أو العديد من المصادر الخاصة به, والتي أخذ منها القصص المروية عنده فقط, وليس من الغريب أن يُطلق على هذه المصادر “L” والتي ترمز لمصادر لوقا الخاصة. وبالتالي وفقها لهذه الفرضية, هناك أربعة مصادر كامنة وراء الأناجيل الإزائية: إنجيل مرقس, “Q“, “M” و “L“).
ثم وضع لنا بارت إيرمان صورة بسيطة من خلالها نفهم مصادر الأناجيل الإزائية:
بعد هذه الإستفاضة الرائعة في المراجع, نستطيع الآن أن نعرض حُجة أخرى قوية في صالح قراءة الغضب ! علمنا أن إنجيل مرقس كان مصدراً من مصادر إنجيليّ متى ولوقا, لذلك هناك قصص كثيرة مذكورة في مرقس نجدها أيضاً في إنجيليّ متى ولوقا, من ضمن هذه القصص, القصة التي نجد فيها النص محل البحث, قصة الأبرص الذي جاء إلى يسوع:
Mar 1:40-42 فأتى إليه أبرص يطلب إليه جاثيا وقائلا له: «إن أردت تقدر أن تطهرني!» 41 فـتحنن يسوع ومد يده ولمسه وقال له: «أريد فاطهر». 42 فللوقت وهو يتكلم ذهب عنه البرص وطهر.
Mat 8:1-4 ولما نزل من الجبل تبعته جموع كثيرة. 2 وإذا أبرص قد جاء وسجد له قائلا: «يا سيد إن أردت تقدر أن تطهرني». 3 فمد يسوع يده ولمسه قائلا: «أريد فاطهر». وللوقت طهر برصه. 4 فقال له يسوع: «انظر أن لا تقول لأحد. بل اذهب أر نفسك للكاهن وقدم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم».
Luk 5:12-14 وكان في إحدى المدن. فإذا رجل مملوء برصا. فلما رأى يسوع خر على وجهه وطلب إليه قائلا: «يا سيد إن أردت تقدر أن تطهرني». 13 فمد يده ولمسه قائلا: «أريد فاطهر». وللوقت ذهب عنه البرص. 14 فأوصاه أن لا يقول لأحد. بل «امض وأر نفسك للكاهن وقدم عن تطهيرك كما أمر موسى شهادة لهم».
عندما نتأمل القصة في الأناجيل الثلاثة, نجد أن هناك تشابه كبير في القصة بين الأناجيل الثلاثة, تكاد تكون متطابقة ! نجد المقابل لنص مرقس 1: 41, نص متى 8: 3 ونص لوقا 5: 13, ولكن هناك سؤال مُهم يتطرق إلى الأذهان عندما ندقق في النصوص الثلاثة, ألا وهو: أين كلمة تحنن ؟! عندما ننظر إلى النص اليوناني للنصوص الثلاثة نجد أن هناك تطابق كبير بين كلمات كثيرة موجودة في إنجيل مرقس تم نقلها إلى إنجيليّ متى ولوقا, ولكن لا نجد كلمة تحنن, فأين ذهبت ؟!
Mar 1:41 καὶ σπλαγχνισθεὶς ἐκτείνας τὴν χεῖρα αὐτοῦ ἥψατο καὶ λέγει αὐτῷ, Θέλω, καθαρίσθητι·
Mat 8:3 καὶ ἐκτείνας τὴν χεῖρα ἥψατο αὐτοῦ λέγων, Θέλω, καθαρίσθητι· καὶ εὐθέως ἐκαθαρίσθη αὐτοῦ ἡ λέπρα.
Luk 5:13 καὶ ἐκτείνας τὴν χεῖρα ἥψατο αὐτοῦ λέγων, Θέλω, καθαρίσθητι· καὶ εὐθέως ἡ λέπρα ἀπῆλθεν ἀπ’ αὐτοῦ.
إذا كان إنجيل مرقس هو أصل هذه القصة الموجودة في إنجيليّ متى ولوقا, وإذا كانت القراءة الأصلية في إنجيل مرقس هي تحنن, فلماذا لا نجد هذه الكلمة في إنجيليّ متى ولوقا ؟ أم أن قراءة الغضب كانت هي الأصلية وقام كاتب إنجيل متى ومعه زميله كاتب إنجيل لوقا بحذف الكلمة كما قام بذلك نُساخ المخطوطات ! هل هناك شخص يستطيع أن يوضح لنا هذه الحالة الغريبة ؟ النص منقول من مرقس كلمة بكلمة تقريباً ولكننا لا نجد وصف شعور يسوع عندما كلم الأبرص, أليس هذا أمراً مثيراً للشك والريبة ؟ بلى والله.
السؤال هنا: هل هذه هي المرة الوحيدة التي يقوم فيها كاتب إنجيل متى أو لوقا بحذف شيء من قصة منقولة من إنجيل مرقس ؟ الإجابة: لا, هذه ليست المرة الوحيدة, بل أن هذا الأمر تكرر في قصة أخرى معروفة بإسم شفاء في السبت, حيث أن إنجيليّ متى ولوقا قاما بحذف كلمة “بغضب”, هل هي صدفة ؟ لا أظن.
Mar 3:1-6 ثم دخل أيضا إلى المجمع وكان هناك رجل يده يابسة. 2 فصاروا يراقبونه: هل يشفيه في السبت؟ لكي يشتكوا عليه. 3 فقال للرجل الذي له اليد اليابسة: «قم في الوسط!» 4 ثم قال لهم: «هل يحل في السبت فعل الخير أو فعل الشر؟ تخليص نفس أو قتل؟». فسكتوا. 5 فنظر حوله إليهم بغضب حزينا على غلاظة قلوبهم وقال للرجل: «مد يدك». فمدها فعادت يده صحيحة كالأخرى. 6 فخرج الفريسيون للوقت مع الهيرودسيين وتشاوروا عليه لكي يهلكوه.
Mat 12:9-14 ثم انصرف من هناك وجاء إلى مجمعهم 10 وإذا إنسان يده يابسة فسألوه: «هل يحل الإبراء في السبوت؟» لكي يشتكوا عليه. 11 فقال لهم: «أي إنسان منكم يكون له خروف واحد فإن سقط هذا في السبت في حفرة أفما يمسكه ويقيمه؟ 12 فالإنسان كم هو أفضل من الخروف! إذا يحل فعل الخير في السبوت!» 13 ثم قال للإنسان: «مد يدك». فمدها. فعادت صحيحة كالأخرى. 14 فلما خرج الفريسيون تشاوروا عليه لكي يهلكوه.
Luk 6:6-11 وفي سبت آخر دخل المجمع وصار يعلم. وكان هناك رجل يده اليمنى يابسة 7 وكان الكتبة والفريسيون يراقبونه: هل يشفي في السبت لكي يجدوا عليه شكاية. 8 أما هو فعلم أفكارهم وقال للرجل الذي يده يابسة: «قم وقف في الوسط». فقام ووقف. 9 ثم قال لهم يسوع: «أسألكم شيئا: هل يحل في السبت فعل الخير أو فعل الشر؟ تخليص نفس أو إهلاكها؟». 10 ثم نظر حوله إلى جميعهم وقال للرجل: «مد يدك». ففعل هكذا. فعادت يده صحيحة كالأخرى. 11 فامتلأوا حمقا وصاروا يتكالمون فيما بينهم: ماذا يفعلون بيسوع؟.
Mar 3:5 καὶ περιβλεψάμενος αὐτοὺς μετ‘ ὀργῆς, συλλυπούμενος ἐπὶ τῇ πωρώσει τῆς καρδίας αὐτῶν, λέγει τῷ ἀνθρώπῳ, Ἔκτεινον τὴν χεῖρα. καὶ ἐξέτεινεν, καὶ ἀπεκατεστάθη ἡ χεὶρ αὐτοῦ.
Luk 6:10 καὶ περιβλεψάμενος πάντας αὐτοὺς εἶπεν αὐτῷ, Ἔκτεινον τὴν χεῖρά σου. ὁ δὲ ἐποίησεν, καὶ ἀπεκατεστάθη ἡ χεὶρ αὐτοῦ.
Mat 12:13 τότε λέγει τῷ ἀνθρώπῳ, Ἔκτεινόν σου τὴν χεῖρα. καὶ ἐξέτεινεν, καὶ ἀπεκατεστάθη ὑγιὴς ὡς ἡ ἄλλη.
الأمر نفسه حدث عندما تم نقل قصة مُباركة الأطفال من إنجيل مرقس إلى إنجيليّ متى ولوقا, تم حذف كلمة “اغتاظ” الموجودة في إنجيل مرقس من سياق القصة بعد نقلها ! أليست هذه إشارة واضحة إلى تعمد حذف الكلمات التي تظهر يسوع في شكل غير لائق ؟
Mar 10:13-16 وقدموا إليه أولادا لكي يلمسهم. وأما التلاميذ فانتهروا الذين قدموهم. 14 فلما رأى يسوع ذلك اغتاظ وقال لهم: «دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله. 15 الحق أقول لكم: من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله». 16 فاحتضنهم ووضع يديه عليهم وباركهم.
Mat 19:13-15 حينئذ قدم إليه أولاد لكي يضع يديه عليهم ويصلي فانتهرهم التلاميذ. 14 أما يسوع فقال: «دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات». 15 فوضع يديه عليهم. ومضى من هناك.
Luk 18:15-17 فقدموا إليه الأطفال أيضا ليلمسهم فلما رآهم التلاميذ انتهروهم. 16 أما يسوع فدعاهم وقال: «دعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله. 17 الحق أقول لكم: من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله».
Mar 10:14 ἰδὼν δὲ ὁ Ἰησοῦς ἠγανάκτησεν καὶ εἶπεν αὐτοῖς, Ἄφετε τὰ παιδία ἔρχεσθαι πρός με, μὴ κωλύετε αὐτά, τῶν γὰρ τοιούτων ἐστὶν ἡ βασιλεία τοῦ θεοῦ.
Mat 19:14 ὁ δὲ Ἰησοῦς εἶπεν, Ἄφετε τὰ παιδία καὶ μὴ κωλύετε αὐτὰ ἐλθεῖν πρός με, τῶν γὰρ τοιούτων ἐστὶν ἡ βασιλεία τῶν οὐρανῶν.
Luk 18:16 ὁ δὲ Ἰησοῦς προσεκαλέσατο αὐτὰ λέγων, Ἄφετε τὰ παιδία ἔρχεσθαι πρός με καὶ μὴ κωλύετε αὐτά, τῶν γὰρ τοιούτων ἐστὶν ἡ βασιλεία τοῦ θεοῦ.
لعل هذا أفضل نقاش حول الأدلة الداخلية التي تصرخ بأصالة قراءة الغضب. ولعلنا الآن ندرك لماذا لا نجد عدداً كبيراً من المخطوطات تشهد لقراءة الغضب, حيث أن التحريف تم مُبكراً جداً, ليس في مخطوطات إنجيل مرقس فقط, بل أيضاً في التقليد النصي لإنجيليّ متى ولوقا الذان نقلا القصة عن مرقس. في هذا قال بارت إيرمان[23]: (لا يكفينا فقط معرفة أنه هناك تغييرات حدثت, وأن هذه التغييرات حدثت على نطاق واسع, وخصوصاً في أول مائتيّ عام في التقليد النصي للمخطوطات, عندما كان أغلب النُساخ هُواة). إذن ما هي المشكلة يا أستاذ إيرمان ؟ يجيب علينا فيقول[24]: (تتفاقم المشكلة في حقيقة أنه عندما يحدث خطأ, يمنك أن تصبح راسخة في التقليد النصي للمخطوطات, أكثر رساخة – في الواقع – حتى من الأصل نفسه!). إذن لا عجب في أننا نجد قراءة الغضب إلا في عدد قليل جداً من المخطوطات !
۞ صعوبة الوصول للأصل:
رسوخ القراءة الخاطئة في التقليد النصي بسبب التحريف على نطاق واسع, بالإضافة إلى أن التحريف حدث في زمن مبكر جداً, يؤدي حتماً إلى صعوبة الوصول إلى القراءة الأصلية, وهذا ما نراه واضحاً جلياً في تعليق بروس متزجر على هذا النص[25]: (من الصعب التوصل الى قرار حازم بشأن النص الأصلي. من ناحية, سهل أن نرى لماذا تثير قراءة الغضب (ὀργισθείς) النساخ المدققين لتغييرها إلى تحنن (σπλαγχνισθείς), ولكن ليس من السهل أن نشرح الإجراء العكسي).
نجد أيضاً الكلام نفسه من دانيال والاس في تعليقاته الموجودة بنسخة الـ (Net Bible)[26]: (أن نشرح تغيير قراءة تحنن إلى غضب أكثر صعوبة من أن نشرح كيف أن الناسخ سيخفف قراءة غضب إلى تحنن, مما يجعل إتخاذ قرار اختيار القراءة الصحيحة صعب للغاية … وبالرغم من ذلك, اتخاذ قرار في هذه القضية ليس أمراً سهلاً).
نجد حقيقة صعوبة الوصول إلى النص الأصلي واضحاً جلياً عندما ننظر إلى تقديرات النُقاد بعد إختيار القراءة, فإننا نجد الناقد الشهير فيلند فيلكر – كما أشرنا في البداية – يعطي تقدير (indecisive) أي أن القرار غير حاسم, لا يستطيع أن يثق في اختياره لقراءة معينة, الحال نفسه مع الناقد النصي بروس تيري[27] الذي يقول أن قراءة تحنن تأخذ التقدير (D), وهذا التقدير يعني[28] أن الناسخ وجد صعوبة بالغة في الوصول إلى قرار بشأن القراءة الصحيحة !
هناك أمراً مثيراً للغاية لاحظته عند مقارنتي للنسخ المختلفة, لا أجد لها أي تفسير منطقي, رأيتم أن بروس تيري يعلن التقدير (D) لقراءة تحنن, هذا التقدير منقول عن نسخة الـ (UBS3)[29], نحن نعلم أن تقدير (D) يشير إلى الحيرة التامة في تحديد القراءة, هذا بالنسبة لي تقدير عادل بالنسبة لصعوبة المشكلة, ولكن عندما ننظر الآن في نسخة الـ (UBS4) المشهورة بـ (The Greek New Testament 4th Rev. Edt.) نجد أن اللجنة مازالت باقية على اختيارها لقراءة تحنن, ولكن تقدير اللجنة لقراءة تحنن تحول – بطريقة لا يعلمها إلا الله – من (D) إلى (B) والذي يدل على أن القراءة المُختارة غالباً هي الصحيحة بنسبة كبيرة !
كيف بالله يتحول التقدير (D) إلى (B) بهذه السهولة ؟! العجيب والغريب والمريب هو أننا نجد تعليق بروس متزجر على الإصدار الثالث[30] يطابق تعليقه على الإصدار الرابع[31] كلمة بكلمة وحرفاً بحرف ! لا توجد أدلة جديدة لتغيير التقدير, لا يوجد نقاش جديد لتغيير التقدير, الأدلة ثابتة والنقاش واحد فلماذا لا يظل التقدير ثابتاً ؟! هل هذا نوع من التدليس في محاولة لإيهام القارئ بأن المشكلة سهلة ؟! هذا الذي نجده في النسخ اليونانية القياسية هو نتيجة طبيعية لتلاعب البشر بالكتاب, فإن كان الإنسان المخلوق هو الذي يحدد كلام الله وهو الذي يقرر النص ومدى ثبوته من الإختيار, فلا عجب من أن نجد هذا التلاعب الواضح والغير مُبرر في تقدير ثبوت النص, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
۞ الخاتمة:
هذه مشكلة نصية من أعنف مشاكل العهد الجديد, مشكلة وجدنا فيها التحريف في أزمنة مُبكرة, ليس فقط في مخطوطات إنجيل مرقس, بل أيضاً في إنجيليّ متى ولوقاً, وجدنا أن القراءة الصحيحة تندثر عبر التقليد النصي للمخطوطات مما يجعل الوصول إلى القراءة الأصلية أمراً في غاية الصعوبة, وجدنا تلاعب في النسخ اليونانية القياسية من أجل إخفاء صعوبة المشكلة النصية. في النهاية هناك سؤال واحد يجب إن يجيب عليه كل مسيحي بمنتهى الحيادية: لماذا تتمسك بمثل هذا الكتاب ؟
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
شكر خاص لهؤلاء:
- الأخ مُعاذ عِليان
- الأخ أبو رائد Direct_Trust
- للأخت مِنَّة الله Mennatallah_1971
- الشيخ الفاضل عمرو علي حفظه الله student_58_1
[1] Wieland Willker: A Textual Commentary on the Greek Gospels
Vol. 1 Matthew – Vol. 2 Mark – Vol. 3 Luke – Vol. 4 John – Bremen, online published 6th edition 2009
[2] Bruce M. Metzger & Bart D. Ehrman: The Text Of The New Testament Its Transmission, Corruption, and Restoration – 4th Edt. – Page xv [In some cases the evidence will be found to be so evenly divided that it is extremely difficult to decide between two variant readings.]
[3] Aland, K., Black, M., Martini, C. M., Metzger, B. M., Wikgren, A., Aland, B., Karavidopoulos, J., Deutsche Bibelgesellschaft, & United Bible Societies. (2000; 2006). The Greek New Testament, Fourth Revised Edition Page 122
[4] The Holy Bible: Today’s New International Version. 2005 (Mk 1:41). Grand Rapids, MI: Zondervan.
[5] The Revised English Bible with the Apocrypha. Oxford and Cambridge: Oxford University Press and Cambridge University Press, 1989.
[6] القمص تادرس يعقوب ملطي: كتاب مقدمات في الكتاب المقدس – صفحة 76
[7] The Greek New Testament, Fourth Revised Edition (with apparatus) Page 122
Wieland Willker: A Textual Commentary on the Greek Gospels – Vol. 2 Mark – TVU 22
[8] The Greek New Testament, Fourth Revised Edition (with apparatus) Page 33*
[9] Bart D. Ehrman: Misquoting Jesus – Page 134 [As we have already seen, we are never completely safe in saying that when the vast majority of manuscripts have one reading and only a couple have another, the majority are right. Sometimes a few manuscripts appear to be right even when all the others disagree. In part, this is because the vast majority of our manuscripts were produced hundreds and hundreds of years after the originals, and they themselves were copied not from the originals but from other, much later copies. Once a change made its way into the manuscript tradition, it could be perpetuated until it became more commonly transmitted than the original wording.]
[10] Bruce M. Metzger & Bart D. Ehrman: The Text Of The New Testament Its Transmission, Corruption, and Restoration – 4th Edt. – Page 159 [For the weighing of variant readings, Bengel formulated a canon of criticism that, in one form or other, has been approved by all textual cridcs since. It is based on the recognition that a scribe is more likely to make a difficult construction easier than to make more difficult what was already easy.]
[11] Bruce M. Metzger & Bart D. Ehrman: The Text Of The New Testament Its Transmission, Corruption, and Restoration – 4th Edt. – Page 292 [The reading is obviously not well attested, and for this reason it has been rejected over the years by the majority of critics and commentators. But here, one must press hard the transcriptional issue: if the oldest form of the text had indicated that Jesus reacted to this poor soul with compassion, why would any scribe modify it to say that he became angry? But if the text had originally mentioned Jesus’ wrath, it is quite easy to imagine scribes taking offense and modifying the text accordingly.]
[12] Bruce Terry: A Student’s Guide to New Testament Textual Variants – Mark 1:41 [It is easier to see why copyists might have changed “being angry” to “moved with pity” than to see why they would have changed “moved with pity” to “being angry.” However, the evidence for “moved with pity” is so much stronger that it is retained in the text.]
[13] The Encyclopedia of New Testament Textual Criticism Conceived by Rich Elliott of Simon Greenleaf University
Canons of Criticism: http://www.skypoint.com/members/waltzmn/CanonsOfCrit.html [The reading which is susceptible to a heterodox interpretation is best. This rule does not often apply, but when it does, it is important. A reading which lessens the dignity of Christ, for instance, is usually preferable (unless it is supported only by highly questionable sources).]
[14] Bruce M. Metzger & Bart D. Ehrman: The Text Of The New Testament Its Transmission, Corruption, and Restoration – 4th Edt. – Page 300 [Perhaps the most basic criterion for the evaluation of variant readings is the simple maxim “choose the reading that best explains theorigin of the others”.]
[15] Bart D. Ehrman: Misquoting Jesus – Page 136 [After he heals him, he “severely rebukes him” and “throws him out.” These are literal renderings of the Greek words, which are usually softened in translation.]
[16] بولس الفغالي وأنطوان عوكر ونعمة الله الخوري ويوسف فخري: العهد الجديد – ترجمة بين السطور – يوناني عربي – صـ166
[17] تادرس يعقوب ملطي: تفسير إنجيل متى – صـ17
[18] دائرة المعارف الكتابية: المجلد السادس – حرف الكاف – الكتاب المقدس والنقد – صـ320
[19] آلان كول: التفسير الحديث للكتاب المقدس – العهد الجديد – إنجيل مرقس – صـ23 و 24
[20] وليام باركلي: تفسير العهد الجديد – إنجيل مرقس – صـ9
[21] وليام باركلي: تفسير العهد الجديد – إنجيل مرقس – صـ11
[22] Bart D. Ehrman: The New Testament – A Historical Introduction To The Early Christian Writings – Chapter 6 – Page 73 [Scholars have propounded a number of theories over the years to solve the Synoptic Problem. Many of the theories are extraordinarily complex and entirely implausible. For an introduction to the problem, we do not need to concern ourselves with all of these solutions. We will instead focus on the one that most scholars have come to accept as the least problematic. This explanation is sometimes called the “four, source hypothesis.” According to this hypothesis, Mark was the first Gospel to be written. It was used by both Matthew and Luke. In addition, both of these other Gospels had access to another source, called Q (from the German word for “source,” Quelle). Q provided Matthew and Luke with the stories that they have in common that are not, however, found in Mark. Moreover, Matthew had a source (or group of sources) of his own, from which he drew stories found in neither of the other Gospels. Scholars have simply labeled this source (or sources) M (for Matthew’s special source). Likewise, Luke had a source (or group of sources) for stories that he alone tells; not surprisingly, this is called L (Luke’s special source). Hence, according to this hypothesis, four sources lie behind our three Synoptic Gospels: Mark, Q, M, and L (see figure 6.1).]
[23] Bart D. Ehrman: Misquoting Jesus – Page 57 [For the moment, it is enough to know that the changes were made, and that they were made widely, especially in the first two hundred years in which the texts were being copied, when most of the copyists were amateurs.]
[24] المرجع السابق
[25] Metzger, B. M., & United Bible Societies. (1994). A textual commentary on the Greek New Testament, second edition a companion volume to the United Bible Societies’ Greek New Testament (4th rev. ed.) (65). London; New York: United Bible Societies. [It is difficult to come to a firm decision concerning the original text. On the one hand, it is easy to see why ὀργισθείς (“being angry”) would have prompted over-scrupulous copyists to alter it to σπλαγχνισθείς (“being filled with compassion”), but not easy to account for the opposite change.]
[26] Biblical Studies Press. (2006; 2006). The NET Bible First Edition; Mark 1:41 Bible. English. NET Bible.; The NET Bible. Biblical Studies Press [It is more difficult to account for a change from “moved with compassion” to “moved with anger” than it is for a copyist to soften “moved with anger” to “moved with compassion,” making the decision quite difficult … Nevertheless, a decision in this case is not easy.]
[27] Bruce Terry: A Student’s Guide to New Testament Textual Variants – Mark 1.41
[28] The Greek New Testament, Fourth Revised Edition with apparatus – Page 3* [The letter D, which occurs only rarely, indicates that the Committee had great difficulty in arriving at a decision]
[29] Bruce Terry: A Student’s Guide to New Testament Textual Variants – Preface [It is based on the United Bible Societies’ The Greek New Testament, 3rd edition, which has become something of a standard for textual criticism in the past few years … The text reading is always the reading that is found in the United Bible Societies’ The Greek New Testament. A ranking as to certainty is given that corresponds to that which the UBS Textual Committee has assigned to most readings.]
[30] A textual commentary on the Greek New Testament, first edition – Page 76-77
[31] A textual commentary on the Greek New Testament, second edition – Page 65