هل هَمَّ عمر بن الخطاب بتحريق بيت فاطمة؟!
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد: فهذه صورة نشرها أَحَدُ الرافضة لرواية ضعيفة محاولًا الطعنَ بها على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه أراد إحراق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم!
فأقول وبالله التوفيق:
أولًا: أول شروط صحة الرواية في دين الإسلام العظيم هو اتصال السند كما هو معلوم، وهذه الرواية فيها انقطاع، لأنَّ أَسْلَمَ العَدَوِيَّ مولى عمر بن الخطاب لم يعاصِرْ هذه الواقعة ولم يحضُرْها ، وإلا فكيف عَلِمَ أَسْلَمُ مولى عمر بما حدث في البيت بعد ذهاب عمر ؟! وهذا يقوِّي القولَ بأن أَسْلَمَ العَدَوِيَّ سَمِعَه من شخص ما ، ولم يعاصرْ بنفسه هذه الواقعة! بل هذا هو الحق في المسألة لأن أسلم العدوي كان من سَبْيِ عين التمر، وكانت في سنة 12 من الهجرة! كما قال ابنُ كثير في البداية والنهاية.(1) والنبي صلى الله عليه وسلم مُتَوَفَّى في ربيع الأول سنة 11 من الهجرة.(2) وابنته السيدة فاطمة رضي الله عنها تُوُفِّيَتْ في شهر رمضان من نفس السنة بعد ستة أشهر من وفاة أبيها صلوات الله وسلامه عليه كما جاء في صحيح البخاري. والبداية والنهاية لابن كثير.(3) وهذا يعني أن أسلم العدوي لم يُعَاصِرْ هذه الواقعة! لأن هذه الواقعة – على فرض صِحَّتِهَا – ستكون قد حدثت في حياة السيدة فاطمة، يعني سنة 11 هجرية، وقبل سنة 12 هجرية. وعمر بن الخطاب اشترى أَسْلَمَ العدوي سنة 12 هجرية. وهذا انقطاع واضح لا مِرْيَةَ فيه، ولله الحمد!
ثانيًا: أين ذهبت شجاعة علي بن أبي طالب التي يدندن عليها الرافضة حتى جعلوه في دينهم أشجعَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! حتى قال شيخهم الرافضي نعمة الجزائري: [روى الصدوق طاب الله ثراه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أُعْطِيت ثلاثًا وعليٌّ مشاركي فيها ، وأعطِيَ عليٌّ ثلاثًا ولم أشاركه فيها، فقيل: يا رسول الله وما الثلاث التي شاركك فيها علي؟! فقال: لواء الحمد وعلي حامله، والكوثر لي وعلي ساقيه، والجنة والنار لي وعليٌ قسيمهما، وأما الثلاث التي أعطيت لعلي ولم أشاركه فيها ؛ فإنه أُعْطِيَ شجاعةً ولم أعطَ مثله، وأعْطِيَ فاطمة الزهراء زوجة ولم أعطَ مثلها، وأعطيَ ولديه الحسن والحسين ولم أعط مثلهما ].(4)
ثالثًا: كيف تشترط فاطمة رضي الله عنها على عليِّ بن أبي طالب ألا يرجعَ إلى بيته ؟! أليس بيتُ فاطمة هو نفسه بيتَ علي بن أبي طالب ؟! فكيف يقال إن عليًا لم يرجع إلى بيته؟! فهل يُلام الرجلُ إذا دخل بيته؟!
رابعًا: على فرض صِحَّة الرواية؛ فهي لم تقل الرواية إن عمر سيحرق البيت على فاطمة رضي الله عنها نفسها، بل قال عليهم هُم! فما علاقة هذا الكلام بفاطمة رضي الله عنها؟! ومن أين جاء الرافضة بأن التهديد كان لفاطمة رضي الله عنها؟! ثم إن الكلام كله على سبيل التهديد!
خامسًا: إن صَحَّتِ الرواية ؛ أليس هذا الموقف يجعل عليًّا رضي الله عنه يجد في قلبه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟! فما رأي الرافضة في هذا الموقف؟! [ عن عُقْبَة بْن الْحَارِثِ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَيَالٍ، وَعَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ يَمْشِي إِلَى جَنْبِهِ، فَمَرَّ بِحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ يَلْعَبُ مَعَ غِلْمَانٍ، فَاحْتَمَلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ: وَا بِأَبِي شِبْهُ النَّبِيِّ … لَيْسَ شَبِيهًا بِعَلِيِّ، قَالَ: وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ].(5) وأيضا جاء في صحيح البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: [وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ].(6) لاحظ قول علي بن أبي طالب لعمر: [ مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ]. فعلي بن أبي طالب هنا يصرح أنه لا يحب أن يلقى اللهَ بعمل أحد مثل عَمَلِ عمرَ بن الخطاب!! فإن صح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد تحريق بيت فاطمة على عليٍّ والزبير ؛ هل سيقول علي بن أبي طالب إنه يحب أن يلقى اللهَ بمثل عَمَلِ عمر بن الخطاب؟!! هل يحب علي رضي الله عنه أن يلقى الله وقد هَمَّ أن يُحَرِّقَ بيت فاطمة رضي الله عنها؟! ثم إذا كان ذلك كذلك ؛ فلماذا يقول علي بن أبي طالب إن عمر بن الخطاب أفضل منه؟! عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ عَبْدِ خَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَامَ عَلِيٌّ فَقَالَ: ” خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَإِنَّا قَدْ أَحْدَثْنَا بَعْدَهُمْ أَحْدَاثًا يَقْضِي اللهُ تَعَالَى فِيهَا مَا شَاءَ.(7) عَنْ وَهْبٍ السُّوَائِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ، فَقَالَ: ” مَنْ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا؟ ” فَقُلْتُ: أَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: ” لَا، خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَمَا نُبْعِدُ أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ .(8) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ، قال: وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.(9) فهؤلاء ثلاثة من سادات التابعين قد رَوَوا عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه يقول إن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما خيرٌ منه وأفضل منه! فهل يقول علي بن أبي طالب هذا الكلام عمن اغتصبوا منه الخلافة وأرادوا إحراق بيته عليه بالنار، كما يزعم الرافضة ؟!
سادسًا: هل يعتقد الرافضة حَقًّا بصحة هذه الرواية؟! إن قالوا نعم، فآخِرُ الرواية ينسف دِينَ الرافضة ويهدِمُه مِن أساسه. فتقول الرواية في آخرها إن عليًّا والزبير بايعا أبا بكرٍ الصديق رضي الله عنهم جميعًا. وبيعة علي بن أبي طالب لأبي بكر الصديق رضي الله عنهما تستأصل دين الشيعة الروافض من أساسه. فدين الرافضة يقوم على وجود اثني عشر إمامًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون إنَّ عليًّا وَصِيُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا كان الوَصِيُّ نفسه بايع رَجُلًا غيره، فقد ضاع دين الرافضة في العَرَاء، وتاه في الصحراء!! وإن قالوا لا نعتقد صحتها، بل نلزمكم بما في كتبكم؛ قلنا لهم، هذه كتبنا، ونحن أدرى من غيرنا، والرواية بحسب قواعد علم الحديث لم تثبت صحتها بسبب الانقطاع المذكور! ثم إن هذه الكتب مكتوبة بلغة عربية فُصْحَى، وأنتم أعاجم العقل والقلب واللسان. ويدلُّ على ذلك أنكم فهمتهم من الرواية أن عمر هَمَّ بتحريق البيت على فاطمة، في حين أن هذا غير موجود في الرواية أصلًا!
سابعًا: الرواية تقول إن عمر لا يحب أحدًا كَحُبِّهِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأَقْسَمَ عمرُ رضي الله عنه بالله على ذلك، فصِحَّةُ الرواية تهدم دين الرافضة من وجه آخر، حيث زعموا أن الصحابة كانوا يكرهون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ويتآمرون عليه!
ثامنًا: الرواية تقول إن عمر رضي الله عنه لا يحب أَحَدًا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل فاطمة رضي الله عنها. وهذا أيضًا ينسف دين الرافضة. لأن الدينَ الرافضيَّ يقوم على ادِّعاء بُغض الصحابة رضي الله عنهم لآل البيت عليهم السلام، والرواية يُصَرِّحُ فيها عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه ويُقسِم بالله أنَّ أحبَّ الناسِ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه هي فاطمة عليها السلام والرضوان!
تاسعا: دين الرافضة هو ذلكم الدين العجيب الذي يريد إقناعك أن عمر بن الخطاب أراد إحراق بيت فاطمة على علي بن أبي طالب فكافأه علي بن أبي طالب بأنه زوجه ابنته أم كلثوم !! وسبحان الله على عقول تائهة تصدق هذا العبث بالعقول!
والحلاصة: أن الرواية من حيث سندها فيها انقطاع واضح، ولا تقوم بها حُجَّة عند أي عاقل منصف. كما أن متنها مخالف لسيرة الصحابة الصحيحة الثابتة بالأسانيد الصحاح المعتمدة.
والحمد لله رب العالمين ،،،،
مراجع البحث:
1. البداية والنهاية لابن كثير ج12 ص299، ج9 ص528
2. البداية والنهاية لابن كثير ج9 ص413، ط دار هجر.
3. صحيح البخاري – حديث رقم: 3093، والبداية والنهاية لابن كثير ج9 ص485.
4. الأنوار النعمانية ج1 ص29، ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت.
5. مسند أحمد ج1 ص213، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
6. صحيح البخاري – حديث رقم: 3685.
7. مسند أحمد ج2 ص247، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
8. مسند أحمد ج2 ص201، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
9. صحيح البخاري – حديث رقم: 3671.