أديان وفرق ومذاهبالإلحاد

هل نظرية التطور مفيدة للبشر؟

رحلة اليقين الحلقة 42

في هذه الحلقة نناقش صحة مقولة أن “نظرية التطور” مفيدة للعلم والحياة.

سنستعرض 6 نماذج:

1. جائزة نوبل للكيمياء عام 2018

2. مقاومة البكتيريا للمضادات

3. المطاعيم

4. الزراعة وتهجين الحيوانات

5. سعر السمك !

6. الفوتوتشيني والمنسف !


تعالَوا نرَ (6) نماذج بارزة، يُدَّعى أنَّ لخرافة التَّطور فضلًا عظيمًا فيها، المطاعيم ضدَّ فيروس سارس، البغال والقمح، مقاومة البكتيريا للمضادات، سعر السَّمك، وجبات “Fettuccine”، وجائزة نوبل للكيمياء عام (2018)

يقولون: فيروس سارس يشبهُ فيروساتٍ أخرى؛ وهذا مكَّن المكتشفين من إنتاج علاجاتٍ ومطاعيم معدَّلة بناءً على فهم هذا التَّشابُه.

ما علاقةُ هذا كلِّه باعتقادك عمَّا كان في الزَّمان الماضي؟ سواءً اعتقدت أنَّ هذه الكائنات تطوَّر بعضُها عن بعض بِعشوائيَّة وَصُدَفيَّة كما تقول الخرافة، أم أنَّ هناك خالقًا أخرج بعضها من بعضٍ بعلمٍ وتقدير، أم أنَّ الخالق خلَقَ كُلًّا منها خلقًا مستقلًّا؟

شرَحَ كتاب (العلم، التطور، والخلق) كيف عمِل المزارعون منذ زمنٍ قديمٍ على تحسين خصائص القمح والمحاصيل الأخرى، وعلى المزاوجة بين الأصناف المتقاربة من الحيوانات، ثُمَّ كيف حدَّد الباحثون جيناتٍ مسؤولة عن الخصائص المرغوب فيها. يقول لك الكتاب: “إنَّ النَّاس كانوا بذلك يستخدمون تغيُّراتٍ تطوُّرية Evolutionary change” ثم يختم بقوله: “هذه التَّقدُّمات تعتمد على فهم التطوُّر لتحليل العلاقات بين النَّباتات، والبحثِ عن خصائص يمكن استخدامها لتحسين المحاصيل”.

يعني عندما كان أجدادنا وأجداد أجدادنا -قبل أن يولد داروين- عندما كانوا يُطَعِّمون أشجار التفاح بالإجاص، وعندما كانوا يزاوجون أصنافًا متشابهةً من الحيوانات؛ ليحصلوا على نسلٍ مُحسَّن، هل كانوا في ذلك ينطلقون من قناعاتٍ دارونيَّةٍ عن تغيُّراتٍ عشوائيَّةٍ وانتخابٍ أعْمى؟!

قالوا: “إنَّ معرفةَ كيف يؤدِّي التَّطور إلى زيادةِ المقاومةِ البَكتيريَّة مهمٌ في الحدِّ من انتشار الأمراض المعدية” التَّطوُّر؟! ما علاقةُ التَّطورِ بالموضوع؟! ما علاقته بالمقاومة البكتيريَّة؟ ما علاقة الطَّفرات العشوائيَّة والانتخاب الأعمى بالآليَّات التي بهرتكم، أنتم أنفسَكم، وجعلتكم تصفون البكتيريا بالذكاء، وتُطْلقون على البكتيريا أوصافًا إلهيَّة كالعِلم والإرادة؟!! كما بيَّنا في حلقة (عَبَدة الميكروبات).

لو أخذنا -مثلًا- قدرةَ البكتيريا على مقاومة أوَّل مضادٍ معروف، وهو البنسلين “Penicillin” كيف استطاعت البكتيريا عملَ ذلك؟ بوسائل عديدةٍ كلٌّ منها في غاية التَّعقيد والإحكام، منها -مثلًا- إنتاج إنزيم بيتالاكتاميز “Beta-lactamase”، هذا الإنزيم مكوَّنٌ مِن مئات الأحماضِ الأمينيَّة المصفوفة بترتيبٍ دقيق، لا مكان فيه للعشوائيَّة، التي تتعرَّض في المراحل الأخيرة من إنتاجها لتعديلاتٍ على أماكن محدَّدة جدًا منها؛ لِتتخذَ شكلًا ثلاثيَّ الأبعاد؛ ليقومَ هذا الإنزيم بمهمَّةٍ محدَّدة وهي استهداف أضعف نقطةٍ في المضادِّ الحيويِّ؛ لإبطال مفعوله.

أين العشوائيَّة والصُّدَفيَّة في هذا كلِّه؟!

موقعٍ آخر، “Scientific American” المعنيّ بتثقيف الأمريكان في القضايا العلميَّة، تجدُ فيه هذا المقال بعنوان: (لماذا يجبُ على الجميع أنْ يتعلَّموا نظريَّة التطوُّر؟) قال لك: “التَّطوُّر يجب أن يُدَرَّس كوسيلةٍ عمليَّةٍ لفهم المقاومةِ للدواء، وسعر السَّمك…” يتابع: “الأكثر أهميَّةً هو أنَّ ميراث داروين له علاقةٌ مباشرة بصياغةِ المجتمع للسِّياسات العامَّة، وفي بعضِ الأوقات بالطَّريقة التي نختار أن نُدير فيها حياتنا. فالاصْطياد الزائد للأسماك الكبيرة البالغة سيقلِّلُها ويؤدِّي إلى تكاثر الصَّغيرة بدلًا منها، ومن ثم إلى زيادة سعر السَّمك في السُّوق.

” إذا بقينا نصطاد السَّمك الكبير فسيَقلُّ عددُه، وتكثر الأسماك الصغيرة، هذه الحقيقة لم نكُن لنعرفها إلا إذا آمنَّا بالتطور؛ وإلا إذا سمَّينا هذه العمليَّة بالانتخاب [Selection]، هذه الحقيقة لا يعرفها سكَّانُ أطرافِ الإسكيمو وأدغال إفريقيا ممَّن لم يسمعوا يومًا بفخامته.

تقول لك (الساينتفِك أمريكان): “كثيرٌ من الأمراض الحديثة كالسَمانة والسُّكريِّ تَنْتجُ جزئيًا من عدم التَّناسُق بين جِيناتنا والبيئَةِ الَّتي تتغيَّر بسرعةٍ أكبرَ من قدرة المادَّة الوراثيَّة على التَّطوُّر، فَهْمُ عدمِ التَّناسُق هذا قد يُسَاعِد في إقناع المريض بأن يُجْرِيَ تَغْيِيراتٍ في غِذائِهِ، تَتَنَاسبُ مع عَدَمِ قدرة جِيناتِهِ على التَّأقْلم مع الكميَّات الكبيرة من الكربوهيدرات المعدَّلة، والدُّهونِ المُشبَعة من التَّناول المستمر للنجوين ألفريدو “linguine alfredo” وشبيهاتها”.

إذن، حسْب مقال (ساينتفِك أمريكان) المريض البدين المصاب بالسُّكريِّ إذا جئتَه، وقلتَ له: أتعرف ما سبب مشكلتك؟ وجبات الأفريدو والدوناتس، أو الكنافة والمنسف إن كنت عربيًّا، هذه كلُّها اسُمها: تغيُّرات بيئيَّة، والطَّفَرات العشوائيَّة في مادَّتك الوراثيَّة -وإن كانت أخرجَتْكَ من نسل حيوان- لكنَّها -للأسف- ليسَتْ بالسُّرعةِ الكافية؛ لتُنتج لك آليَّاتٍ مناسبة للتَّعامل مع هذه التَّغيُّرات البيئيَّة، فالحلّ هو في أن تُعدِّل غذاءك بما يتناسب مع مادَّتك الوراثيَّة.

إذا قلتَ له هذا الكلام فإنَّه سيقتنع؛ وَيُعدِّل في غذائه، وتنحلُّ مشكلة البدانة والسُّكريِّ، ويأتي فخامته ليلتقط معهم الصُّور بعد أن تمتَّعوا بالصِّحة والعافية؛ ونعيش في عالمٍِ سعيد.

زر الذهاب إلى الأعلى