أديان وفرق ومذاهبالإلحاد

نظرية التطور (نظرية داروين) … بإنصاف| إياد قنيبي

رحلة اليقين 21

نظرية التطور (نظرية داروين) … بإنصاف

تعالوا ننصف “نظرية دارون” بعيداً عن أية مؤثرات غير معتبرة. في هذه الحلقة نقيم أهم ما يعرف بنظرية التطور دارون

في هذه الحلقة نُقيِّم معًا أهمَّ أركان ما يُعرَف بنظريَّة التَّطور لداروين. تشارلز داروين “Charles Darwin”هو باحثٌ إنجليزيٌّ في تاريخ الأحياء الطَّبيعيِّ، ذكَر مشاهداتٍ كثيرةً جَمَعها في رحلاته ونقلها عن آخرين؛ كالتَّشابه الشَّكليِّ والتَّشريحيِّ بين أنواعٍ مختلفةٍ من الكائنات، وأنماطِ توزُّعها الجغرافيِّ، وبنى عليها افتراض أنَّ كلَّ الكائنات الحيَّة أتت من أصلٍ مشتركٍ؛ مرَّ بعمليَّات تطوُّرٍ وتنوُّعٍ، بحيث يتغيَّر الكائن تغيُّراتٍ بسيطةً متراكمةً، ثُمَّ الطَّبيعةُ تُغربِل؛ فالتَّغيُّراتُ المفيدة تُبقيها الطَّبيعة وينتُج عنها نوعٌ جديدٌ من الكائنات بمرور آلافِ السّنين وملايينها! في حين قَضَتِ الطَّبيعة -حسب داروين- على عددٍ لا حصر له من الكائنات الانتقاليَّة، الَّتي حدثت فيها تغيُّراتٌ ضارَّةٌ أو غير نافعةٍ.

بالإضافة إلى دور الغربلة، افترض داروين أنَّ الطَّبيعة أسهمت في إحداث صفاتٍ جديدةٍ في الكائنات؛ بحيث عندما يكتسب الحيوان صفاتٍ مُعيَّنةً نتيجة بيئته فإنَّه يُورِّث هذه الصِّفات إلى أولاده، مُتَّفقًا بذلك مع افتراض لامارك “Lamarck” أنَّ الزَّرافة الَّتي تمتاز برقبةٍ طويلةٍ جدًّا كانت في يوم من الأيَّام برقبةٍ قصيرةٍ، ولكن مع تغيُّر الظُّروف الطَّبيعيَّة من حولها واضطرارها لمدِّ عنقها حتَّى تأكل من أعلى الشَّجر ظلَّ عنقها يستطيل جيلًا من بعد جيلٍ، حتَّى صارت إلى ما صارت إليه اليوم.

أهمُّ ما في الموضوع أنَّ داروين افترض أنَّ الكائنات الحيَّة إنّما نتجت عن هذه التَّغيُّرات بمجموع الصُّدف؛ أي دون قصد، دون قصد! وبتعبيره: “لم يكن هناك خطَّةٌ للخَلْق” “plan of creation” في إيجاد هذه الأنواع الكثيرة، وهو ما أكَّده في مواضع عديدةٍ من كتاباته.

نشر داروين أفكاره هذه عام 1859م في كتابٍ بعنوان: (حول أصل الأنواع) (On the Origin of Species) ثمَّ أراد أن يُعطي آليَّةً تفصيليَّةً لتوارثِ الصِّفات المكتسَبة فنشر بعد أعوامٍ من كتابه (أصل الأنواع) فرضيَّته الَّتي سمَّاها شموليَّة التَّخلُّق “pangenesis”؛ والَّتي افترض فيها أنَّ الطَّبيعة عندما تؤثِّر على خلايا الكائن فإنَّ هذه الخلايا الجسميَّة تُفرز موادَّ صغيرةً سمَّاها داروين جيميولز”Gemmules” والَّتي تتركَّز في الأعضاء التَّناسليَّة للكائن لتنتقل إلى ذرِّيَّته.

ومن أين جاء الأصل المشترك يا داروين؟! من أين جاء الكائن الأوَّل؛ الَّذي بَنَيْتَ عليه أفكارك، ونَسبت إليه الكائنات الحيَّة كلَّها؟! لم يُبيِّن داروين في كتابه! لكنَّه نصَّ في مراسلاته مع عالِم النَّبات جوزيف دالتون هوكر “Joseph Dalton Hooker” على أنَّ رؤيته هي: أنَّ أوَّل كائنٍ نشأ في بِركةٍ دافئةٍ من عوامل كالضُّوء والحرارة والكهرباء، أي أن داروين اتَّفق بذلك مع فكرة “التَّوالُد الذَّاتي” الَّتي كانت شائعةً في عصره؛ حيث كان يُظَنُّ أنَّ الكائنات الحيَّة يمكن أن تتشكَّل تلقائيًّا من الجمادات، كان يُظَنُّ -مثلًا- أنَّ الحشرات تنشأ من بقايا الطَّعام، وأنَّ يَرَقات الذُّباب تنشأ من قِطع اللَّحم المتعفِّنة.

هذه باختصارٍ هي أركان نظريَّة التَّطوُّر لداروين: كائنٌ حيٌّ تولَّد بطريقةٍ ما من الجمادات، طبيعةٌ تُكسِب الكائن صفاتٍ جديدةً يمكن أن تحوِّلَه من نوعٍ لآخر، الصِّفات المكتسَبة تُورَّث، والطَّبيعة تَنتخِب بشكلٍ تراكميٍّ؛ وصولًا إلى كائناتٍ أرقى، فتُركِّب نُظُمًا حيويَّةً معقَّدةً من تغيُّراتٍ بسيطةٍ متعاقِبةٍ، والاستنتاج أنَّ الكائنات الحيَّة نشأت “evolved” دون قصدٍ ولا إرادةٍ مِن فاعلٍ مُريدٍ مختارٍ يعلم ما يفعل.

والآن…ما هو التَّقييم العام لتلك الأركان الَّتي بنى عليها داروين هذه النَّتيجة؟

أمَّا تولُّد الكائنات الحيَّة تلقائيًّا من الجمادات؛ فخرافةٌ سقطت بتجارب أشهرُها تجربة فرانسيسكو ريدي “Francesco Redi” قبل داروين بقرنين، وتجربة لويس باستور “Louis Pasteur” الَّتي نُشرت بعد كتاب داروين بخمس سنواتٍ، الَّتي أثبت فيها أنَّ الكائنات، الَّتي كان يُعتقد أنَّها تولَّدت ذاتيًّا من الجمادات كبقايا الطَّعام، إنَّما أتت من خارج الموادِّ الغذائيَّة مع الهواء الملوَّث بها، وإلى باستور هذا تُنسب عمليَّة التَّعقيم “البَسْتَرة”، والحليب المبْستَر.

والحقيقة أنَّ التَّولُّد الذَّاتيَّ ساقطٌ عقلًا أصلًا؛ أن تتصوَّر كائنًا حيًّا ينشأ هكذا تلقائيًّا من الجمادات! ومع ذلك أصرُّوا أن يجرِّبوا! جرَّبوا، فسقطت الخرافة بالعلم التَّجريبيِّ، بالإضافة إلى العقل.

وأمَّا إحداث الطَّبيعة لصفاتٍ جديدةٍ في الكائن عن طريق الاستعمال والإهمال كمثال رقبة الزَّرافة، فخرافةٌ سقطت أيضًا باكتشافات غِريغور مندل “Gregor Mendel”، الَّذي أثبت بعد داروين بسنواتٍ أنَّ الصِّفات الوراثيَّة للأبناء مهما تعدَّدت فهي لن تَخرُج عن الموجود أصلًا في الآباء، وسقطت كذلك باكتشافات الوراثة فوق الجينيَّة “epigenetics”؛ الَّتي بيَّنت أنَّ العوامل الخارجيَّة والبيئيَّة يمكن أن تُغيِّر طريقة قراءة المادَّة الوراثيَّة في كائنٍ ما؛ لتفعيل صفةٍ كانت كامنةً أو إخماد صفةٍ كانت منشَّطةً، لكنَّها لا تُضيف مادَّةً وراثيَّةً لم تكن موجودةً أصلًا.


وأمَّا توريث الصِّفات المكتسَبة؛ فخرافةٌ ساقطةٌ بالمشاهدة العاديَّة؛ فعضلات الحدَّاد والنَّجَّار-مثلًا- الَّتي اكتسباها في حياتهما لا تُورَّث إلى الأبناء، ومع ذلك أصرَّ أتباع داروين أن يجرِّبوا! جرَّبوا، وظلَّ فايزمن “Weismann” يقطع ذيول 19 جيلًا من الفئران ليُفاجأَ المسكين بعد طولِ تعبٍ، بولادة أبنائها كلَّ مرَّةٍ بذيولٍ من جديد! أي لم تنتقل الصِّفة المكتسبة وهي الذَّيل المقطوع إلى الأبناء.

زر الذهاب إلى الأعلى