مُعامَلَةُ اليهودِ المُحتلِّين بالحُسنَى!
إنَّ مِمَّا يُبْكِي القلوبَ قبلَ الأعينِ، وتحزَنُ له السَّعادَةُ ذاتُها فتفقِدَ معناها الذي هو السَّعادَةُ = أنْ تجِدَ بعضَ المُنتسِبِين إلى الإسلامِ مِمَّن كان يُظَنُّ بهمُ الخيرُ والنَّفعُ، يخرُجُ – وِفْقَ خلفيَّاتٍ سِياسيَّةٍ – مُدَلِّسًا علَى عامَّةِ الأُمَّةِ الإسلامِيَّةِ بأنَّهم يَنْبَغِي أنْ يُعامِلوا اليهودَ المُحتَلِّين حاليًا كما عاملَ النبيُّ ﷺ يهودَ المَدينةِ ويهودَ خيبرَ! فسبحانَكَ ربَّنا هذا بُهتانٌ عظيمٌ.
ففي البِدايةِ؛ فلْتَعْلَمْ أنَّ اليهودَ المَوجودين حاليًا على الأراضي الفلسطينيةِ المُحتَلَّةِ إنَّما هُم عدوٌ غاشِمٌ اغتصب أرضَنا، وانتَهك عِرْضَنا، وسَفَكَ دِمَائنا، ودَنَّسَ مُقَدَّسَاتِنا، وقاتلنا في دِيننا؛ وهؤلاء اليهودُ لا تجوزُ مؤاكلَتُهم ولا مُشارَبَتُهم بما يُظْهِرُ الولاءَ لهم، ولا التِّجارةُ معهم بما يُقَوِّي اقتِصادَهم، ولا التَّعاونُ معهم بما يُبقِيهم في تلك الأراضي المُحتلَّة، ولا مُعاملتُهم بالحُسنى ما داموا علَى غَيِّهِم – ولا أعلمُ في ذلك خِلافًا -، وهؤلاء الذين ينطبِقُ عليهم قولُ اللهِ – عزَّ وجلَّ -: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ .…} الآية [الممتحنة: 9]، هذا أوَّلًا.
ثانيًا: أمَّا إسقاطُ وقِياسُ تعامُلِ النَّبيِّ ﷺ مع يهودِ المَدينةِ ويهودِ خيبر على اليهودِ المُحتَلِّين حاليًا؛ إنَّما هو غِشٌّ وتدليسٌ وخِدَاعٌ وكذِبٌ وافتِراءٌ علَى اللهِ ورسولِه؛ فأما يهودُ المدينةِ فكانت تلك بلدَهم وأرضَهم وجاءها النَّبيُّ ﷺ مُهاجِرًا وناشِرًا للإسلامِ، فعاهدَ اليهودَ وعامَلَهم بالحُسنى كجِيران، فلمَّا ظَهَرَتْ مِنهم الخيانةُ، قاتَلَهم النبيُّ ﷺ وأجلاهم عنِ المدينةِ، وهو الوَضْعُ ذاتُه أو قريبٌ مِنه مع يهودِ خَيبر، حتى وصل الأمرُ إلى أنْ أجَلَاهم عنِ الجَزيرةِ. فلا وجه للقياس والإسقاطِ إطلاقًا إطلاقًا؛ إذ ثَمَّةَ فرْقٌ واضِحٌ بيْن اليهوديِّ المُعَاهَد أو الذِّمِّي وبيْن اليهوديِّ المُحاربِ أو المُحتَل.
ثالثًا: يجبُ أنْ تعلَمَ أنَّ الصُّلَحَ الدَّائِمَ والهُدْنَةَ الدَّائِمَةَ مع هؤلاءِ اليهودِ وغيرِهم، هو أمرٌ مُحَرَّمٌ بالإجماعِ؛ [لأنَّه يؤدِّي إلى إبطالِ ما عُلِمَت شرعيَّتُه بالضَّرورةِ، ألَا وهو جِهادُ العَدُوِّ- وهذا جزءٌ مِن التَّطبيعِ -، بل غلَّظ بعضُ الفُقَهاءِ في إنكارِه، حتى حكى بعضُهم رِدَّةَ مَن قال بمشروعيَّتِه، فالصُّلحُ الدَّائمُ لا يجوزُ مع غيرِ المُحتَلِّ بالإجماعِ، فكيف يجوزُ مع المُحتَلِّ]؟!
رابعًا: هؤلاء الذين يعيشون دورَ الحكيم في التَّعامُلِ مع كلامِ أمثالِ هؤلاءِ الذين يُدَلِّسون ويَفترونَ علَى اللهِ ورسولِه الكذِبَ، أخشى عليهم مَن تكْرَارِ مثلِ هذا الغِشِّ والتَّدليسِ حتَّى يُصبِحَ لهم دِينًا، والعِياذُ باللهِ.
خامسًا: لِيَكُن – أخي الحبيب – إظهارُكَ للحقِّ أحبَّ إليكَ مِن شخصِ أي أحدٍ، ولْنُبْقِ البقيَّةَ الباقيةَ مِن بغضِ هؤلاءِ اليهودِ في قلوبِنَا مُشتَعِلَةً، بل ونسعى في تنميةِ ذلك في نفوسِنا وفي نفوسِ أهلِنا وذَوِينا، ولْنَتْرُكْ هذه الميوعةَ التي ستُخرِجُ لنا جِيلًا مسخًا؛ لا يعرِفُ معرروفًا، ولا يُنكِرُ منكَرًا، ولا يُحِقُّ حقًّا، والواقِعُ خيرُ شاهِدٍ بذلك، فسَلْ طلَّاب الابتِدائيَّة والإعدادِيَّةِ عن فلسطين والأقصى بل وسَلْ غيرَهم، فيكفي واقعُهم إجابةً وبرهانًا.
سادِسًا: كلامي وكلامُ غيري وتنبيهاتُنا إنَّما هي مِن أجلِ تذكيرِ المُحيطِينَ بِنَا، وتنبيههم، ورَفْعِ اللَّبسِ عنهم، ودَفْعِ التدليس الذي يُلْقِيه البعضُ عليهم؛ إذِ البيانُ واجبٌ وحتَّى لا تُغَيَّبَ العقولُ عنِ الحقائقِ الشَّرعيَّةِ، واللهُ يعلَمُ المُفسِدَ مِن المُصلِحِ. والله المُستعان وهو حَسبُنا ونِعْمَ الوكيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سبحان الله وبحمده – سبحان الله العظيم