يقولونَ لك: “نظريّة التّطوّر تتطلّب أن تكون هناكَ أحافيرُ لكائناتٍ انتقاليةٍ -أي حلقاتٌ وسيطةٌ بينَ الأنواعِ المختلفةِ-، وقدِ اكتشفَ العلماءُ حَقًّا كذا وكذا من أحافيرِ الكائناتِ الانتقاليَّةِ” ثمّ يشرح لك قبلَ كم من ملايينِ السِّنينِ وُجِدَتْ حسبَ زعمهِم. كما في هذا المقطعِ لريتشارد دوكنز “Richard Dawkins”
يقول دوكنز: “الناس يقولون في كثير من الأحيان: أين هي الحفريات الوسيطة أرنا هذه الحفريات الوسيطة التي تتكلم عنها هناك الكثير من الحفريات الوسيطة، وأحد أفضل هذه الأمثلة هو الحيتان
دعونا الآنَ من تزويرِ وسوءِ تفسيرِ هذهِ الأحافيرِ الَّتي يُشير إليها دوكنز، كما سنبيِّنُ في التَّعليقاتِ! ودعونا من حقيقةِ أنَّ ما يُشيرُ إليهِ ليسَ أحافيرَ كما يدَّعي، بل خيالاتُهمُ الَّتي نسجوها على أحافير.
الأهمُّ أنَّ هؤلاءِ تهرَّبوا منَ الأمرِ الَّذي يترتَّبُ -ضرورةً- على الخرافةِ، فالخرافةُ لا تتطلَّبُ أن يكونَ هناكَ شيءٌ منَ الكائناتِ الانتقاليَّةِ، أو الحلقاتِ الوسيطةِ هكذا بسهولة، بل هيَ تتطلَّبُ عددًا لا حصرَ لهُ من هذهِ الكائناتِ، أي كمًّا بالإضافةِ إلى النَّوعِ الكمُّ “Quantity” وليس فقط النَّوعُ “Quality”.
تعالوا نُبيِّنْ!
واقعُ السِّجلِّ الأحفوريِّ أنَّ لدينا عددًا ضخمًا جدًا منَ الأحافيرِ للكائناتِ المتمايزةِ، الَّتي نراها بيننا في الواقعِ هيَ هيَ كما هيَ، ولا نجدُ إلَّا أحافيرَ معدودة أقلَّ وضوحًا، فيُسارعُ أتباعُ الخرافة إلى التمسُّكِ بها كأنَّها لكائناتٍ انتقاليَّة، ومن ثم، فالحديثُ عن حفرية هنا وأخرى هناك لكائناتٍ يُدَّعى أنَّها وسيطةٌ هوَ أسخفُ منَ الحديثِ عن قرشٍ وشِلن كأدلَّةٍ على سرقةِ مليونِ دينارٍ.
فكيفَ عندما نرى أنَّ العلمَ الصحيحَ لا يَلبثُ أن يُبطِلَ هذهِ المزاعمَ؟ كما رأينا نماذجَ من ذلك في حلقةِ: (في سبيلِ الخرافةِ)، أي قروشًا وشلناتٍ مغشوشةً ومزيفةً.
داروين “Darwin” كان يُدرِكُ هذا، ولذلكَ ذكرَ أنَّ خرافتهُ تتطلَّبُ أن نجدَ عددًا لا حصرَ له من أحافيرِ الكائنات الانتقاليّة؛ لا حصرَ لهُ، وبعبارتهِ: أعداد لا حصرَها، لا تُعدُّ ولا تُحصى، وأبدى انزعاجهُ من عدمِ وجودِها، لكنَّهُ عوَّلَ على اكتمالِ السِّجلِّ الأحفوريِّ في المستقبلِ، تمامًا كما عوَّلَ المديرُ على احتماليَّةِ أن يكونَ (رياض) قد بلعَ مليونَ دينار. أحافيرُ كثيرةٌ جدًا للكائناتِ، الَّتي نعرفُ، ليسَ بينها شيءٌ ممَّا توهَّمهُ داروين، معَ أنَّهُ ينبغي أن تكونَ مغمورةً في بحارٍ من الكائناتِ الانتقاليَّةِ، ومعَ ذلكَ يعوِّلُ على اكتشافِ المزيدِ.
بعدَ مئةٍ وثلاثينَ عامًا من تعويلاتِ داروين وأحلامهِ تجمَّعت أحافير لأكثرَ من (100) ألفِ نوعٍ من الكائناتِ، وأصبحَ غيابُ أحافير الكائناتِ الانتقاليَّة المزعومةِ أشدَّ مما كانَ أيامَ داروين، كما في هذا المقالِ الَّذي شقَّ طريقَهُ إلى نيويورك تايمز “New York Times”.
كَهَنةُ الخرافة يقولون: “لا خُطَّةَ خلق”، وفي الوقتِ ذاتهِ يبنونَ نصوصهم المسرحية على وجودِ هذه الخطَّة؛ يرسمونَ خطًّا بين كائنين، مع أنّ عبثيَّتهُم أشبه بالتفاعلِ الانشطاري لا بالخط المستقيم.
لذلكَ -إخواني- فالمصطلحات الَّتي يستخدمها أتباعُ الخرافة، مثل: (حلقات وسيطة، وكائنات انتقالية)، هيَ مصطلحاتٌ مضلِّلةٌ؛ فالوسيطة: تتوسَّطُ بين نقطتينِ محدَّدتين، والانتقاليَّة: تنتقِلُ إلى غايةٍ محدَّدة، في حين أن الصَّحيحَ أنَّ الخرافةَ تتطلَّبُ عددًا لا حصرَ لهُ من الأشكال العبثية لكائناتٍ كالفئرانِ مثلا، تتغيَّرُ على غيرِ هدى في كلِّ الاتِّجاهاتِ، قبل أن تتحوَّل بالصدفةِ وبطريقةٍ معجونيَّة إلى الشَّكلِ الذي افترضوا أنها تطوَّرت إليه. كلُّ هذا إخواني في نوعينِ من بينِ ما يُقدَّرُ بأكثرَ من ثمانيةِ ملايينِ نوعٍ منَ الكائناتِ، التي افترضَ داروين أنَّ لها أصلًا مشتركًا.
تعالَوا الآنَ -إخواني- نراجعْ ظلُماتِ الخرافةِ وتضليلاتِ كهنةِ العلمِ الزائف، الَّتي تكلَّمنا عنها في الحلقةِ السابقة وحلقةِ اليوم. تعاملوا معَ الكائناتِ كلُعَبٍ معجونيَّةٍ ورسماتِ فوتوشوب “Photoshop”، ولم يُراعوا أجهزتَها الدَّاخليةَ وتشفيرها الوراثيَّ، وتجاوزوا حقيقة أنَّنا لا نرى على سطح الأرض أثرًا لتغيُّرات الكائنات عبثيًا في كل اتجاه، ونزلوا دونَ مبرِّرٍ من عالَمِ الشَّهادةِ المحسوسِ إلى الحفريَّات، ورسموا خطًّا لتحوُّلِ الكائنات، مع أنهم لا يعترفونَ بوجودِ خُطَّةٍ للخلق، وتحدَّثوا بعدَ ذلكَ عن قرش وشلن -يعني حفريات- كأَدلَّةٍ على سرقةِ المليون، وتجاهلوا العددَ الضَّخم جدًا من الحفريَّات للكائناتِ المتمايزةِ المعروفة بيننا على أرضِ الواقع، وما يتطلَّبهُ ذلك من أضعافِ أضعافِ أعدادها -التي لا تُقارَنُ- من حفريَّاتٍ انتقاليَّة حسبَ خرافتهم.
وقروشهم، وشلناتهم، أي الحفرياتِ الَّتي يتعلَّقونَ بها، بعد هذا كلِّه مُزوَّرةٌ أو مُساءٌ تفسيرُها! إذا أدركْتَ ذلك -أخي- فستضحكُ مِلءَ الفَم عندما يقولُ لكَ أحدَ أتباعِ الخرافةِ: “اكتشافُ الحفريَّةِ الانتقاليَّة الفلانيَّة أثبتَ تطوُّرَ الزَّواحِفِ إلى طيور وحسَمَ الخلافَ وأغلقَ الملفَّ”، في استخفاف من الجهلِ أوِ التَّجاهل، وستضحكُ عندما تراهم يحتفون بأيَّةِ حفريَّة، ولن تُكلِّفَ نفسكَ أن تستمعَ إلى هُرائهم عنها.
إذا أدركْتَ ذلك -أخي- عَلِمتَ معنى الجهلِ المركَّبِ والزَيفِ المركَّبِ وعَلِمتَ شيئًا من معنى قول الله -تعالى-: ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوق بَعْض، إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاها وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ [القرآن 24: 40] إذًا كانت حلقتُنا عنِ التَّهرُّبِ ممَّا يترتَّبُ ضرورةً على الخرافة.