مناقشة ردود النصارى حول تحريف الإنجيل
يدافع النصارى بشدة عن سلامة إنجيلهم من التحريف، ويرون أن القائلين بذلك من مسلمين وغيرهم ما هم إلا معتدون على كتابهم دون وجه حق، ويرون أن على القائلين بالتحريف أن يجيبوا عن عدة أسئلة ليثبتوا بها دعوى التحريف، ويتناسون كل الأدلة التي أثبتت التحريف، وهو ما اعترف به الكثير منهم مما نقلناه في موضوع ” اختلاف النصارى في كتابهم” .
ومع ذلك سوف نذكر أسئلتهم ونجيب عنها واحداً واحداً، وأول سؤال يورده هؤلاء سؤالهم لخصومهم عن الآيات التي أصابها التحريف، وماذا كانت قبل تحريفها ؟ وما هي أسماء الذين قاموا بالتحريف ؟ وفي أي وقت قاموا به ؟ وما هي غايتهم من تصرفهم هذا ؟ والجواب عن هذا لا يتم إلا لمن يملك النسخة الأصلية التي كتب بها الإنجيل، والتي كتبت بين عامي 60 و 120م، ولا يملك أحد هذه النسخ لا النصارى ولا المسلمون ولا غيرهم، فكيف ستتم المقابلة إذا بين النسخ المحرفة والنسخ الأصلية، وكيف ستعرف الآيات التي حرفت وما هو وضعها قبل التحريف، فضلاً عن أن يعرف من قام بالتحريف وغايته من ذلك .
فإن قيل: إن غياب الأصل ينفي التحريف ؟ قلنا: ليس الأمر كما قلتم, لأن التحريف هو التغيير الواقع في الأناجيل سواء وقع بسبب الزيادة أو النقصان أو تبديل بعض الألفاظ ببعض آخر، أياً كان سبب ذلك التغيير عن سوء قصد، أم عن حسن قصد، أم عن سهو وغفلة، ونحن ندعي أن التحريف بهذا المعنى واقع في الأناجيل التي بين أيدي النصارى اليوم بغض النظر عمن قام به وغايته منه وبغض النظر عن وجود النسخ الأصلية أو اختفائها .
هذا بالنسبة للتحريف من جهة المتن أو النص، أما من جهة السند فلا يوجد سند يصل بين الأناجيل الموجودة الآن وبين أصحابها الذين كتبوها بأنفسهم، علما أن أقدم نسخة وجدت لهذه الأناجيل هي في القرن الثالث سنة 225م أي أن بين كاتبيها وزمن العثور عليها ما يربو على القرنين من الزمان !! فكيف يوثق بكتاب هذا حاله ؟!!
أما قول النصارى: إن الإنجيل انتشر في عهد التلاميذ، ولم ينكره أحد منهم، فكلام خارج عن موضع النزاع، لأن البحث ليس فيما كان عند التلاميذ من إنجيل، وإنما البحث في نسبة هذه الوثيقة التي بين أيدي النصارى اليوم إلى ما عند التلاميذ وسندها المتصل إليهم .
ثم سألوا سؤالا آخر، فقالوا: كيف استطاع المحرفون أن يقوموا بالتحريف مع أنه كان يوجد منذ القرن الثاني الميلادي آلاف النسخ من الإنجيل في بلاد متفرقة وبلغات متعددة، الأمر الذي يتعذّر معه إجراء تحريف فيها جميعاً . والجواب عن ذلك: أننا لو سلمنا أن التحريف لم يجر فيما قبل القرن الثاني، فماذا عن القرن الأول ؟ هل عندهم ما يثبت عدم وقوع التحريف . هذا والنسخ التي بين أيديهم لم تصلهم إلا بعد القرن الثاني. ماذا عن تلك الفترة التي امتدت من رفع المسيح إلى نهاية القرن الثاني، وافترقت فيها النصارى فرقاً ومذاهب متعددة، هل كان النصارى فيها موحدين على إنجيل واحد ؟ هذه أسئلة يجب على النصارى الإجابة عنها قبل أن يوجهوا أسئلتهم إلى غيرهم .
وأضاف هؤلاء أيضاً إن من يدعي تحريف الإنجيل عليه أن يذكر الطريقة التي لجأ إليها الأشخاص المذكورون لإخفاء التحريف المزعوم، حتى لم يستطع اكتشافه إلا المعترضون، وذلك بعد مئات السنين من حدوثه! والجواب عن ذلك: أن الإجابة عنه غير لازمة لما سبق من أن النسخ الأصلية التي يمكن مقابلتها مع النسخ التي بأيدي النصارى اليوم غير موجودة، والنصارى أنفسهم لا يعرفون الكتبة الذين كتبوا هذه الأناجيل على وجه القطع، فكيف يطالبوننا بأن نعرف المحرفين ؟ وهم يتوزعون بين نساخ ومترجمين ومغرضين، يقول “ول ديورانت” في “قصة الحضارة” : ” وترجع أقدم النسخ التي لدينا من الأناجيل الأربعة إلى القرن الثالث. أما النسخ الأصلية فيبدو أنها كتبت بين عامي 60، 120م، ثم تعرضت بعد كتابتها مدى قرنين من الزمان لأخطاء في النقل، ولعلها تعرضت أيضاً لتحريف مقصود يراد به التوفيق بينها وبين الطائفة التي ينتمي إليها الناسخ أو أغراضها “.
ثم إن التحريف كما قلنا هو التغيير وهذا موجود، ومن أمثلته اختلافهم في نسب المسيح – عليه السلام – فإنجيل “متى” نسب المسيح إلى يوسف بن يعقوب وجعله في النهاية من نسل سليمان بن داود. أما إنجيل “لوقا” فنسبه إلى يوسف بن هالي، وجعله في النهاية من نسل ناثان بن داود عليه السلام، ومن ذلك اختلافهم في عدد آباء المسيح فذكر إنجيل “متى” أنهم سبعة وعشرون أباً، في حين أن إنجيل “لوقا” جعلهم اثنين وأربعين أباً، إلى غير ذلك من اختلافات تجدها مفصلة في موضوع “الأناجيل ليست كلام الله”.
هذه بعض الأسئلة التي يوردها بعض من يظن أنه بإيراد مثل هذه الأسئلة سوف يفحم القائلين بالتحريف، وما علم أنه بأسئلته تلك قد كشف جهله بحقيقة التحريف الذي يدعيه مخالفوه، فهو يظن أن التحريف ما هو إلا مخالفة نسخة لنسخة أخرى، ولم يعلم أن التحريف هو التغيير، فلو أتى رجل برسالة مرسلة من شخص واحد في زمن واحد لغرض واحد، وكانت إحدى الرسالتين تخالف أحدها الأخرى مخالفة لا يمكن الجمع بينها، لعلم أن إحدى النسختين محرفة من غير أن يكون ملزماً بتعيين النسخة المحرفة عن النسخة الأصلية .
وما مثل من يجادل في تحريف الأناجيل بدعوى جهلنا وجهله بمن قام بالتحريف إلا كمن رأى قتيلا أمامه فأنكر قتله، لأنه لم ير أو لم يعلم قاتله .ولا شك أن تلك الأسئلة تنم عن جهل بالغ، لكن الإجابة عنها تكشف حقيقة ساطعة اكتشفها الكثيرون فمتى يكتشفها غيرهم ؟