أديان وفرق ومذاهبالإلحاد

مغالطات أكذوبة الملاحدة: أن الكون يسير بقوانين فلا يحتاج إلى خالق ليدبر أمره

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى أصحابه الغرِّ الميامين، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فقد انتشر في عصرنا مرض الإلحاد، وهو أحد الأمراض الفكرية الفتاكة؛ إذ يَفتك بالإيمان، ويُعمي الحواس عن أدلة وجود الخالق الرحمن، وتجد المريض به يجادل في البديهيات، ويجمع بين النقيضينِ، ويفرِّق بين المتماثلينِ، ويجعل مِن الظن علمًا، ومن العلم جهلًا، ومن الحق باطلًا، ومن الباطل حقًّا.

ومِن عوامل انتشار هذا المرض: الجهل بالدِّين، وضعف العقيدة واليقين، والاسترسال في الوساوس الكفرية، والسماع والقراءة لشبهات أهل الإلحاد دون أن يكونَ لدى الإنسان علم شرعي مؤصل.

وشبهات أهل الإلحاد ما هي إلا أقوال بلا دليل صحيح، وادعاءات بلا مستند راجح، ورغم ضعفها وبطلانها فإنها قد تؤثر في بعض المسلمين؛ لقلة العلم، وازدياد الجهل بالدِّين؛ ولذلك كان لا بد من كشف شبهات ومغالطات ودعاوى أهل الإلحاد؛ شبهة تلو الأخرى، ومغالطة تلو المغالطة، ودعوى تلو الدعوى؛ حتى لا ينخدع أحدٌ بكلامهم وشُبَههم.

ومن المغالطات التي يدَّعيها الملاحدة – هداهم الله -:

دعواهم: أن الكون يسير بقوانينَ؛ فلا يحتاج إلى خالق ليدبِّر أمرَه!

يقول أحدهم ردًّا على سؤال: مَن يُدبِّر الكون؟!

بالنسبة للضوابط الكونية هناك قوانينُ تحكم كل شيء، وهي قوانين الطبيعة، وقوانين الفيزياء، وهذه القوانين عمياءُ، لو حاولتَ القفز من البناء أو العمارة لا يوجد شيء سوف يمنعك من قانون الجاذبية؛ فقانون الجاذبية ينطبق عليك، وينطبق على الرسول، وينطبق على الملحِد، وينطبق على المسلم… قوانين الطبيعة عمياءُ، غير مكترثة لك؛ بدليل الزلازل والبراكين، وكل الكوارث الطبيعية التي تحدُثُ وتُصيب الكنائس والمساجد ومعابد اليهود، كل شيء يسيرُ وَفقْ قوانين فيزيائية طبيعية، وبالنسبة للقوانين، هذه القوانين لا تسمح بأن تكون موجودة بهيئة أو بشكل آخر.

ويقول ملحد آخر: الكون فيه أنظمة وقوانين تُسيِّره؛ فليس بحاجة إلى خالق ليُسيِّرَه.

ويقول آخر: العالم تحكُمُه قوانين، ولسنا بحاجة إلى أن نفترضَ وراء القوانين خالقًا.

وخلاصة كلام الملاحدة:

أن قوانينَ الكون هي التي تحكُمُ الكون، ولا داعيَ للقول بوجود خالق يدبِّرُ أمر الكون ويُسيِّرُه.

وبعبارة أخرى: الكون يَسِير بقوانينَ؛ فليس بحاجة إلى خالق ليُسيِّرَه.

وقبل بيان المغالَطات التي وقع فيها الملاحدة؛ مِن دعواهم: أن الكونَ يَسِير بقوانينَ؛ فلا يحتاج إلى خالق ليُدبِّرَ أمره – يحسُنُ بنا أن نعرِّفَ مفهوم: قوانين الكون، والقانون – لغة -: مقياسُ كل شيء، وطريقه، رُومية، وقيل: فارسية1، أما في الاصطلاح، فلفظ قانون لفظٌ مجمَل، يُفهَم معناه حسب المجال والعلم الذي سِيق فيه؛ ففي علوم الطبيعة والكيمياء والأحياء لفظ قانون يعني الخضوعَ لنظامٍ ثابت لا يمكن الخروجُ عليه؛ كوصف علاقات ثابتة تحكُمُ الظواهر الطبيعية؛ مثل: قانون الجاذبية، وقوانين الديناميكا الحرارية2، وفي علوم القانون يعني مجموعةَ قواعدِ السلوك، التي يتعيَّن على الأفرادِ احترامُها؛ لضمان الأمن، والنظام في المجتمع، وتُلزِم الدولةُ الجميعَ بالتزامها؛ كالقانون المدني، والقانون التِّجاري، وفي الفلسفة والمنطق قد يعني أصلَ الشيءِ وأساسَه؛ كالقوانين العقلية؛ فهي أسسٌ ومبادئُ ذهنية، يَسير على مقتضاها أيُّ تفكير صحيح، وفي اللغة قد يَعني أمرًا كليًّا ينطبق على جميع جزئياتِه3.

ولقوانين الكونِ العديدُ مِن التسميَات، منها: القوانين الفيزيائية، أو القوانين العلمية، أو قوانين الطبيعة.

وجود قوانينَ تحكُمُ الكون لا يَعني الاستغناءَ عن خالقٍ يُدبِّر أمرَه ويُسيِّره

ليس معنى وجودِ قوانينَ تحكُمُ الكون أن الكون مُستغنٍ عمن يُدبِّر أمره ويُسيِّره وَفْق هذه القوانين، ومَن يتصور أن وجودَ قوانين تحكُم الكون يعني الاستغناءَ عمَّن يدبِّر أمره ويسيِّره وَفْق هذه القوانين كمَن يعتقد أن القوانين التي تعمَل بها السيارة يمكن أن تُسيِّر السيارةَ دون الحاجة لمن يقُودها، وكمن يعتقد أن القوانين التي تعمل بها الطائرة يمكن أن تجعَلها تطير دون الحاجة لمن يقودها، وكمن يعتقد أن القوانينَ الحسابية يمكن أن تُجريَ عملية حسابية دون الحاجة إلى محاسبٍ مالي 4، ولا يخفى على عاقل تفاهةُ هذا الاعتقاد؛ إذ قوانينُ الكون ليست عندها المقدرة على تدبير وتسييرِ الكون، سواء أكانت مجتمعة أم متفرقة، وقوانين السيارة ليست عندها المقدرة على قيادة السيارة، سواء أكانت مجتمعة أم متفرقة، وقوانين الطائرة ليست عندها المقدرة على طيران الطائرة، سواء أكانت مجتمعة أم متفرقة!

منشأ الخطأ عند الملاحدة تصوُّر قوانينِ الكون على أنها فاعلٌ محركٌ للكون

ومنشأ الخطأ عند الملاحدة في دعواهم: أن الكون يَسِير بقوانينَ؛ فلا يحتاج إلى خالق ليُدبِّر أمره – تصوُّر قوانينِ الكون على أنها فاعلٌ محرك للكون، وهذا تصوُّر فاسد؛ فلا يخفى على عاقلٍ أن قوانينَ الكون ما هي إلا وصفُ سلوكِ الظواهر الطبيعية التي تحدُثُ في الكون، وتتكرَّر تحت نفس الظروف، وليست هي الفاعلَ المحركَ للكون.

وكما أن قوانين السيارة هي وصفٌ لطريقة سير السيارة، وليست هي مَن يقود السيارة، فكذلك قوانينُ الكون هي وصفٌ لطريقة سَيْر الكون، وليست هي مَن يُسيِّر الكون، وكما أن قوانين الطائرة هي وصفٌ لطريقة طيران الطائرة، وليست هي مَن يقود الطائرة، فكذلك قوانين الكون هي وصفٌ لطريقة سَيْر الكون، وليست هي مَن يُسيِّر الكون.

قوانينُ الكون تدل بَداهةً على وجودِ مُقنِّنٍ لها

إن قوانينَ الكون تدل بَداهةً على وجود مُقنِّن لها، سنَّ هذه القوانين، وأودَعها في الكون، والعلمُ بذلك كالعلم بوجود كاتبٍ للكتابة، وبانٍ للبناء، ومؤثِّر للأثر، وفاعل للفعل، ومحدِث للحدَث، وهذه القضايا المعيَّنة الجزئية لا يشكُّ فيها أحدٌ مِن العقلاء، ولا يُفتَقَر في العلم بها إلى دليلٍ؛ فهي واضحةٌ ظاهرة.

مَن الذي سنَّ قوانين الكون وأودَعها في الكون؟!

والسؤال: إذا كانت قوانينُ الكون تدلُّ بَداهةً على وجود مُقنِّن لها سنَّ هذه القوانينَ وأودَعها في الكون؛ فمَن الذي سنَّ هذه القوانينَ وأودَعها في الكون؟

والجواب: الذي سنَّ هذه القوانين التي تحكُمُ الكون، إما أن يكونَ الكونَ نفسَه، أو القوانينَ نفسَها، أو الصُّدفةَ، أو شيئًا آخرَ خارجًا عن الكونِ.

والقول بأن الذي سنَّ قوانين الكون هو الكونُ نفسُه: قولٌ غيرُ صحيح؛ فلو كان الكونُ هو الذي سنَّ هذه القوانين، لاستطاع أن يُغيِّرَها كما يشاء، لكن الواقع أنه لا يستطيع تغييرَها، ولا الخروج عنها، وإنما هي مفروضةٌ عليه فرضًا؛ فدلَّ ذلك على أن هذه القوانينَ ليست مِن الكون نفسِه.

وأما القول بأن الذي سنَّ القوانينَ: القوانينُ نفسُها، فهذا تصويرٌ للقوانين على أنها فاعلٌ محرك، وهذا تصوُّر فاسد؛ لأن القوانينَ مجردُ وصفِ سلوك الظواهر الطبيعية التي تحدُثُ في الكون وتتكرَّر تحت نفس الظروف، وليست هي الفاعلَ المحركَ للكون.

وأما القول بأن الذي سنَّ قوانينَ الكون الصدفةُ، فهذا خطأ؛ لأن الصُّدفةَ تصف كيفية الحدث، ووصفُ كيفية حدوث الفعل لا ينفي وجودَ فاعلٍ له، ومعنى أن الفعلَ حدَث صدفة أنَّ الفعل حدَث دون قصدٍ وترتيب مسبق مِن الفاعل، وليس أن الفعلَ ليس له فاعلٌ، وعلى التسليم الجدلي – تنزُّلًا مع الملاحدة أن قوانينَ الكون وُجدت عن طريقة الصدفة – أليس مِن الممكن أن توجَد صدفةٌ أخرى تُلْغي هذه القوانينَ وتقضي عليها؟!، والعلامة المميزة للصدفة: هي عدمُ الثبات، وعدم الاطِّراد، بينما قوانينُ الكون ثابتةٌ مطَّردة! والصُّدفة لا تنتج قوانينَ مطردة ثابتة، ولو سلَّمنا جدلًا وتنزُّلًا أنها أنتجت قوانينَ مطردة، فسَرْعان ما تزول هذه القوانينُ، والسؤال للملاحدة: إذا كانت قوانينُ الكون وُجدت صدفةً- على حد زعمكم – فكيف تبقى وتستمرُّ هذه القوانينُ دون وجود قوة خارجية تحافظُ على بقائِها واستمرارِها؟!

أيها الملاحدة، إن دعوى الصدفة في إيجاد قوانينِ الكون دعوَى باطلةٌ مستحيلةٌ في ذاتها، فضلًا عن أن ينبثق عنها قوانينُ ثابتةٌ مطردة، ولو سلمنا – جدلًا – بصدفة واحدة في البداية، فلا يقبَل عقلُنا بسلسلة طويلة متتابعة مِن المصادفات؟!

وأما القول بأن الذي سنَّ قوانينَ الكون شيءٌ خارجٌ عن الكون، فهذا هو الصحيحُ والموافقُ للعقل، وهذا إثباتٌ لشيء خارجٍ عن الكون، ونحن نقول: إنه الخالقُ الذي خلَق الكونَ، وخلَق القوانين التي يَسِير بها الكون.

نظراتٌ سريعة تبيِّن تفاهةَ كلام الملاحدة.

إن المتأمِّل في كلام الملاحدة حول دعواهم: أن الكون يَسِير بقوانينَ؛ فلا يحتاج إلى خالقٍ ليُدبِّر أمره – يجد أن كلامَهم لا يخلو مِن الاستدلال خارج محل النزاع، أو الاستدلال بما يعود على الدعوى بالإبطال، أو التناقض والخطأ، أو الإلزام بما ليس بلازم، وإليكم البيانَ..

قول أحد الملاحدة ردًّا على سؤال: مَن يدبِّر الكون؟!: (بالنسبة للضوابط الكونية هناك قوانينُ تحكُمُ كل شيء، وهي قوانينُ الطبيعة، وقوانين الفيزياء، وهذه القوانين عمياءُ، لو حاولتَ القفز مِن البناء أو العمارة لا يوجد شيء سوف يمنَعك مِن قانون الجاذبية؛ فقانون الجاذبية ينطبق عليك، وينطبق على الرسول، وينطبق على الملحد، وينطبق على المسلم… قوانين الطبيعة عمياءُ، غيرُ مكترثة لك؛ بدليل الزلازل والبراكين وكل الكوارث الطبيعية التي تحدُثُ وتُصيب الكنائسَ والمساجد ومعابد اليهود، كل شيء يَسِير وَفْق قوانين فيزيائية طبيعية، وبالنسبة للقوانين هذه القوانينُ لا تسمح بأن تكون موجودةً بهيئة أو بشكل آخر) – نلاحظ أن الملحد عندما رد على سؤال: مَن يُدبِّر الكون؟! لم يُجِبْ عن السؤال، وإنما قال: الكون محكوم بقوانينَ، وهذا خارج عن محل نزاعنا معه، واختلافنا معه؛ فكلنا نُسلِّم أن الكون محكومٌ بقوانين، والسؤال عمَّن يُدبِّر الكون سؤالٌ عمَّن يُدِير هذه القوانين، ومن يُسيِّر الكون وَفْق هذه القوانين؛ أي إن الملحد فسَّر الماء بعد الجهد بالماء.

وما دامت هناك قوانينُ تحكُمُ الكون، فمَن الذي سنَّ هذه القوانينَ على الكون؟!

ولو سُئل شخص: رجل يعمل في شركة، مَن يُدير هذه الشركة؟ فقال: الشركة تَسِير بقوانينَ تطبَّق على الجميع، هل تكون إجابته صحيحة عند العقلاء؟!

وكونُ الملحد يعترف بأن الكون محكومٌ بقوانينَ، فهذا يعود على دعوتِه بالإبطال؛ إذ حاجةُ القانون إلى مُقنِّنٍ كحاجةِ البناء إلى بانٍ، وكحاجةِ الكتابة إلى كاتبٍ.

وقول الملحد: (هذه القوانين عمياءُ…) هذه حجة عليه لا له؛ إذ ما دامت قوانينُ الطبيعة عمياءَ، فالأعمى يحتاج إلى مَن يقوده ويُسيِّره؛ فمن الذي يقود قوانين الطبيعة ويُسيِّرها؟!

الملحد لا يجيب، بل يكتفي بأن قوانين الطبيعة عمياءُ، وإذا كانت الموجودات في الكون تخضَع لقوانين الطبيعة بصورةٍ ثابتة مطردة، فمَن الذي أعطى لهذه القوانين الثباتَ والاطرادَ وهي قوانينُ عمياءُ؟!

وحدوثُ الزلازل والبراكين لا يمنَع مِن وجود مُدبِّر للكون، فما المانع أن يكون مِن حكمة الخالق المُدبِّر حدوثُ مِثل هذه الزلازل والبراكين؟!

والمرء يتعجَّب مِن قول ملحد: (الكون فيه أنظمة وقوانينُ تُسيِّره؛ فليس بحاجة إلى خالقٍ ليُسيِّرَه)، وقول آخر: (العالم تحكُمُه قوانينُ، ولسنا بحاجة إلى أن نفترضَ وراء القوانين خالقًا)؛ إذ وجود قوانينَ تحكُمُ الكون ويَسِير بها لا يمنَع ولا يستلزم عدمَ وجود خالقٍ للكون، بل وجودُ قوانينَ تحكُمُ الكونَ ويَسِير بها يدلُّ – بوضوح – على وجودِ مُقنِّن لهذه القوانين، يحفَظها ويرعاها، ويجعلها مستمرةً ثابتةً مطردة.

هذا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحاتُ!

  1. المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، مصر، 2/ 763. ↩︎
  2. انظر المعجم الفلسفي لمجمع اللغة العربية بمصر ص 145، وانظر المعجم الفلسفي لجميل صليبا 2/ 181. ↩︎
  3. المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، مصر، 2/ 763. ↩︎
  4. ذكرنا هذه الأمثلة لبيان تفاهة معتقَد الملاحدة؛ إذ مِن المعروف أن حُكمَ الشيء حُكمُ مَثِيله، ﻭأﻥ ﻣﺎ ﻳَﺠﺮي ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﻳَﺠﺮﻱ ﻋﻠﻰ ﻣَﺜِﻴﻠﻪ، وقوانين الكون كقوانينِ السيارة، وكقوانين الطائرة، بجامعِ أنها قوانينُ. ↩︎
المصدر
شبكة الألوكة
زر الذهاب إلى الأعلى