أديان وفرق ومذاهبالصوفية

معتقد الطريقة التيجانية: تعريف وتقييم

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين.

♦ لقد من الله سبحانه وتعالى على الثقَلين ببعثة رسول الهدى، وضياء الدجى، محمد بن عبدالله، وجعل حسن اتباعه عنوان الفوز برضا الرحمن، ودخول الجنان؛ فمن استضاء بهديه أصاب المنشود، ومن رغب عنه ترك للمردود، ومن رام العزة فليلزم غرز السنَّة، ولا يلزمها إلا من وجَّه القلب للإخلاص والاتباع، ونهى النفس عن الهوى والابتداع؛ وهذا سبيل الأذلِّين في الدنيا والآخرة.

والإخلاص والاتباع مفتاحَا سلامة المعتقد، فما هوى من هوى إلا من شائبة شابت إخلاصه أو اتباعه، أو كليهما معًا؛ فذلك منشأ البدع، ومنبع الضلال، والفطن الذكي من علم أن التشريع الأكبر رباني محض، فلا حظ لعبد ناقص قاصر فيه.

لذا صار التصدي للبدع والمحدثات بابًا من أبواب الجهاد؛ حفظًا لكيان الدين، ونصرة للحق المبين، وجمعًا لشمل الأمة بعدما نخرت البدعة جسمها فأَرْدَتْه كالثوب المهترئ، لا هو بالساتر فيلفع، ولا بالجميل فينفع.

وتعتبر الطرق الصوفية من أهم مظاهر الابتداع في الدين، ومع انتشارها في كل بقاع الأرض على اختلاف في أصولها وتنظيماتها؛ مستغلة بذلك التمويه الممارس على مصداقية منهج أهل السنة والجماعة – صار لزامًا على المسلمين تقويض هذا الامتداد، في القلوب أولاً بتسليط الضوء على مكامن الخلل والقصور فيها، ورد شبهاتها، وبيان ضلالاتها، وفي الأوراق ثانيًا بتكثيف الجهود، وشهر الأقلام؛ أداءً للأمانة المنوطة بكل مسلم بتبليغ العلم وإنكار المنكر.

خطة البحث

مقدمة

الفصل الأول: نشأة الطريقة التيجانية ومعتقداتها:

المبحث الأول: نشأة الطريقة التيجانية وتطورها

المطلب الأول: نبذة عن مؤسس الطريقة وظروف نشأتها

المطلب الثاني: مناطق انتشار الطريقة ومواطنها

المطلب الثالث: تنظيمات الطريقة، مصادر التلقي ومنهج الاستدلال

المبحث الثاني: مبادئ معتقد الطريقة التيجانية

المطلب الأول: معتقد الطريقة في أبواب التوحيد

المطلب الثاني: معتقد الطريقة في الاتباع

المطلب الثالث: معتقد الطريقة في باب التقديس

الفصل الثاني: موقف أهل السنة والجماعة من الطريقة التيجانية:

المبحث الأول: مخالفات الطريقة التيجانية لمنهج أهل السنة والجماعة في الأصول

المطلب الأول: مخالفات الطريقة في باب أركان الإيمان

المطلب الثاني: مخالفات الطريقة في باب أركان الإسلام

المطلب الثالث: مخالفات الطريقة في باب التشريع

المبحث الثاني: جهود أهل السنة والجماعة في بيان ضلالات الطريقة ونقد منهجهم:

المطلب الأول: جهود المنتسبين القدامى للطريقة

المطلب الثاني: جهود علماء الجزيرة العربية

المطلب الثالث: تعريف بأبرز المؤلفات في بيان ضلالات التيجانية والرد عليهم.

خاتمة

الفصل الأول: نشأة الطريقة التيجانية ومعتقداتهاوفيه مبحثان:

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: نشأة الطريقة التيجانية وتطورها

وفيه ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: نبذة عن مؤسس الطريقة وظروف نشأتها:

تنتسب الطريقة التيجانية إلى أبي العباس أحمد بن محمد بن المختار بن سالم التيجاني (1152 – 1230هـ)، الملقب بابن عمر، والختم المحمدي، والقطب المكتوم، ولد بقرية عين ماضي بصحراء الجزائر، والتابعة حاليًّا لولاية الأغواط الجزائرية، من عائلة التيجاني المنحدرة من نسل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه1، احتضنت عائلة التيجاني المذهب التصوفي وورثته أبًا عن جد؛ فقد كان والده أبو عبدالله محمد بن المختار – حفيد محمد بن سالم الصوفي – من شيوخ المتصوفة في ذلك الزمان، وكان يعرف بالصلاح والورع، حتى صار يرفض حتى قضاء الناس لحوائجه من باب “التعلق بالله سبحانه وتعالى وحده”، فيما كانت أمه عائشة ابنة أبي عبدالله محمد بن السنوسي، الذي كان يعده الصوفية من أوليائهم ذوي البركة والأنوار، فكان لهذا المنشأ الأثر العميق في توجهه العقدي فيما بعد.

حفظ أحمد التيجاني القرآن صغيرًا، ثم اتجه نحو دراسة المتون، فقرأ المدونة والموطأ، والرسالة لأبي زيد القيرواني2، ومختصر خليل، ثم متن صحيح البخاري ومسلم، بالإضافة إلى مقدمة ابن رشد، وحينما بلغ من العلم مبلغًا معتبرًا في ذلك الزمان وكل إليه التدريس والإفتاء على صغر سنه، ثم تاقت نفسه للرحلة؛ رغبة في لقاء كبار شيوخ الطرق الصوفية، فانطلق سنة 1171هـ إلى مدينة فاس المغربية، التي تعد من كبرى المنارات العلمية عند المتصوفة إلى يومنا هذا، فالتقى بأحد كبار علمائهم، وهو الطيب بن محمد اليلمحي العلمي الوزاني، ولقي أيضًا محمد بن الحسن الوانجلي، وعبدالله بن العربي الأندلسي3، وأخذ الطريقة الناصرية عن أبي عبدالله محمد التزاني، وطريقة أحمد الغماري السجلماسي، ثم أخذ أيضًا عن أحمد الطواش نزيل مدينة تازة، وأذن له بفاس من أخذ عنه الطريقة القادرية، ثم بعد ذلك عاد إلى الجزائر، لكن هذه المرة استعدادًا للسفر لبيت الله الحرام، فلقي خلال سفره محمد بن عبدالرحمن الأزهري قرب الجزائر، آخذًا عنه الطريقة الخلوتية، وعبدالصمد الرحوي بتونس، ومحمد الكردي المصري بمصر، الذي أخبره أحمد التيجاني برغبته في بلوغ مقام القطبانية العظمى، فأقر له محمد الكردي بأن “مرتبته عند الله فاقت ذلك”، ولدى وصوله لمكة التقى بأبي العباس أحمد الهندي، الذي لم يكن يأذن لأحد بالدخول عليه، فأخذ عنه العلوم عبر واسطة، وبشره فيما بعدُ أبو العباس بأنه سيبلغ الشأن العظيم في هذا الأمر، وبأنه سوف يرث أسراره وأنواره، فعاد بعد ذلك أحمد التيجاني للمغرب؛ حيث التقى بمحمد بن المشر الحسني السباعي السائحي، الذي كان يعد كاتب وخازن سر إدريس الأزهر، والتقى أيضًا علي حرازم برادة الفاسي، فهؤلاء جملة من لقيهم أحمد التيجاني وأخذ عنهم العلم والطرق الصوفية من كبار أهل التصوف في ذلك الزمان، مع العلم أنهم كثيرًا ما كانوا يثنون عليه، ويوكلون له مهام التدريس والفتوى في تلك البلدان لفترة من الزمن، ويأذنون له في أخذ طرقهم، غير أن أحمد التيجاني لم يكن يلتزم بها، بل يكتفي بـ: “التبرك بهم”، وفي سنة 1196هـ أعلن أحمد التيجاني بلوغه مرتبة الولاية العظمى والفتح الأكبر، برؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم عيانًا ويقظة؛ حيث لقنه كمًّا من الأوراد، آمرًا إياه بترك كل ما أخذه عن غيره من الطرق؛ إذ “لا منة لغيره عليه”، وملزمًا إياه بالطريقة الجديدة من غير اعتزال ولا خلوة، حتى يعلم الناس ويربيهم “تعليمًا عامًّا ومطلقًا”، وشاع بعد ذلك أنه أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم الورد المعروف بصلاة الفاتح لما أغلق، وسيأتي ذكرها في المباحث المتعلقة بالمعتقد، وبعد هذه الحادثة وبعدما أخذ مقاليد “التعليم المطلق” في الجزائر والمغرب، ذاع صِيته، وانتشر ذكره في منطقة المغرب العربي، وشمال إفريقيا، مع ما بدا لكبار الصوفية من علو شأنه في باقي بلدان العالم الإسلامي، وقد ساهمت العديد من العوامل في قبول الناس لهذه الطريقة، واستقرارهم عليها، منها: الجهل بأصول الدين، وقلة المتفقهين في الكتاب والسنة؛ لقلة المراكز العلمية، وكثرة الاهتمام بتحفيظ القرآن، لا سيما وأن حركة التأليف كانت تمس شروحات الفقه واللغة العربية أكثر من العقيدة، ومن العوامل أيضًا: تزامن حركة التيجانيين مع نهاية الحكم العثماني، وتكالب الدول الأوروبية على العالم الإسلامي، ومنها أيضًا – شأنها في ذلك شأن كل البدع -: انتصار السلطات الحاكمة آنذاك للطريقة، وتأمين انتشارها، وحماية رؤوسها.

بعد فترة من الاستقرار بمدينة فاس توفي أحمد التيجاني عن عمر يناهز الثمانين عامًا، فاستكمل تلاميذه دعوته، حتى صار للطريقة حاليًّا أكثر من ثلاثمائة مليون تابع عبر العالم، حسب الإحصائيات4.

المطلب الثاني: مناطق انتشار الطريقة ومواطنها:

تنتشر الطريقة التيجانية أساسًا بالمغرب الأقصى، باعتبار أن أكبر معاقل التيجانيين شمل الجزائر والمغرب، وباعتبار وجود قبر أحمد التيجاني هنالك، وتحديدًا بمدينة فاس المغربية، بيد أن لها انتشارًا مهمًّا أيضًا بالسودان ومصر، وجملة من بلدان جنوب الصحراء؛ كالسنغال ونيجيريا، مع وجود محدود في بعض بلدان الشام؛ كفلسطين وسوريا5.

المطلب الثالث: تنظيمات الطريقة، مصادر التلقي ومنهج الاستدلال:

على المستوى التنظيمي الداخلي فينقسم شيوخ الطريقة إلى طبقات، ونظرًا للعلاقة الوطيدة التي جمعت بين أعلامهم وبين سلاطين المغرب، فقد أعطوا أولوية كبيرة لنصرة توجههم الديني.

ولا نجد اختلافًا كبيرًا بين الطريقة التيجانية وغيرها من الطرق الصوفية، إلا ما كان من باب استخلاص المريدين للطريقة؛ فإنه يشترط على المريد – وهو الشخص الذي يريد الأخذ عن الطريقة – ترك كل أوراده وطرقه السابقة مما يغاير ورد وطريقة التيجانية، تركًا باتًّا، حتى يؤذن له في الالتحاق، وهو أمر لا تشترطه باقي الطرق الصوفية، فيما تشترك التيجانية مع باقي هذه الطرق في تركيز أنشطتهم فيما يسمى بالزوايا، وهي مراكز علمية قائمة بذاتها، شبيهة بالمساجد، تقام للصلاة على مدار اليوم والليلة، وتقام فيها الخلوات والطقوس، وتتلى فيها الأوراد التيجانية، إما بشكل انفرادي أو جماعي تبعًا للمناسبات، وكانت هذه الزوايا تستقبل المساكين والمُعوزين أيضًا لإيوائهم، وتقيم التلاوات الجماعية للقرآن.

أما التلقي عند التلاميذ (المريدين) فيتم عبر ما يسمونه بالصحبة بين المريد والمقدم، بعدما يوافق التلميذ على شروط معينة تكفل حفظ عهود الولاء والبراء لصالح الطريقة ورؤوسها، الأحياء منهم والأموات، ويتم تنظيم أعضاء الطريقة وفق أربع مراتب، وهي:

♦ المريد، وهو الشخص الذي يريد الانضمام للطريقة وتبنِّي مبادئها.

♦ المقدم، وهو ناشر الطريقة، والملقِّن للأوراد.

♦ الخليفة

♦ الشيخ، ولا يسمح لأحد بتقلد هذا المنصب سوى مؤسس الطريقة أحمد التيجاني؛ سدًّا لباب الابتداع فيها؛ لكونها متلقَّاة عن النبي صلى الله عليه وسلم شخصيًّا – حسب اعتقادهم، وهو المصدر، ولا يجوز تعدد المصادر.

وتستمد الطريقة أصولها من الكتاب والسنة بصبغة صوفية يطغى عليها الغلو في تأويل معاني القرآن والسنة، وتحريفها، والغلو أيضًا في التقديس، وهو شيء لا يستغرب من فرقة شربت من معين كبار صوفية الأزمان الغابرة، أمثال: ابن عربي6، والحلاج7، أضف إلى ذلك مزجهم الخفي بين مبادئ الطرق الصوفية الأخرى التي التقى أحمد التيجاني بأبرز أعلامها خلال رحلته؛ كالقادرية، والخلوتية، وبدا هذا المزج جليًّا في مؤلفاته التي تمثل مصادر التلقي الثانوية لدى التيجانية، مثل كتابه: “جواهر المعاني”، و”ميزاب الرحمة الربانية في التربية بالطريقة التيجاني”، فنتج عن ذلك أن اعتمد منهج التلقي عندهم على ثلاثة أمور:

♦ القرآن والسنة بمنهج استدلالي محدَث.

♦ كتب غلاة الصوفية.

♦ الأوهام والظنون.

أما منهج الاستدلال عند التيجانية فيرتكز على عدم الالتزام بتفسير الصحابة والسلف للنصوص، ولا بقواعد الاستدلال السليم، بل يميلون نحو اعتماد العقل والظنون بشكل كبير في فهمها، ويأخذون بمجمَلها ومتشابهها، ولا يميزون بين صحيحها وضعيفها، بل يردون كل ذلك للهوى والعقل، كما يعمدون إلى ابتداع ممارسات ومصطلحات لم يسبقهم إليها أحد، شأنهم في ذلك شأن كل أهل البدع8.

  1. هو أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب (3هـ/50هـ)، حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابنته فاطمة رضي الله عنها، سيد شباب أهل الجنة، وردت في فضله العديد من الأحاديث، وكان الأشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم، حدث عن جده وعن والديه، وحدث عنه ابنه الحسن، وأبو الحوراء السعدي، والشعبي، وأصبغ بن نباتة؛ انظر: سير أعلام النبلاء، محمد بن أحمد الذهبي، 336/21، مؤسسة الرسالة، 1422هـ. ↩︎
  2. هو أبو محمد، عبدالله بن عبدالرحمن القيرواني التونسي المالكي (310هـ/386هـ)، لقب بمالك الأصغر، كان إمام المالكية في عصره، ومن أجلِّ مَن خدم المذهب المالكي اختصارًا وتنقيحًا، رحل إليه الناس للأخذ عنه، وعرف عنه الورع والصلاح، له مؤلفات عديدة، منها: الرسالة، وهي أشهرها، والنوادر والزيادات على ما في المدونة من الأمهات. ↩︎
  3. هو عبدالله بن محمد العربي الأندلسي، من رؤوس الصوفية في القرن التاسع عشر، ومن أوائل من أخذ عنهم أحمد التيجاني، أخذ التصوف عن والده، وعلا شأنه بفاس المغربية، توفي سنة 1188هـ. ↩︎
  4. د.ن، د.ت، ختم الولاية المحمدية: الشيخ أحمد التيجاني، تم استرجاعها بتاريخ 23 مارس، 2014 ↩︎
  5. انظر: الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة للشيخ ناصر القفاري والشيخ ناصر العقل، ص178، كنوز إشبيليا، الرياض، طبعة 1426هـ. ↩︎
  6. هو محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي (558هـ/638هـ)، من أشهر غلاة الصوفية، لقب بالشيخ الأكبر، كان أبوه من المنكبِّين على الفقه والحديث، وكان جده من قضاة الأندلس، درس علوم اليونان بمدرسة ابن العريف، وعكف على دراسة المذاهب والأديان. ↩︎
  7. هو أبو عبدالله حسين بن منصور الحلاج (244هـ/309هـ)، وُلد بفارس، ونشأ بواسط وبغداد ومكة، من أعلام الغلو الصوفي، حتى اتهمه العلماء بالكفر والزندقة، أظهر القول بوحدة الوجود، وأدى توجهه الصوفي إلى قتله في عهد الخليفة المقتدر مصلوبًا على نهر دجلة، غير أنه ظل مرجعًا للعديد من صوفية الأزمان الموالية إلى يومنا الحاضر. ↩︎
  8. العقل، أ.د. ناصر عبدالكريم، دراسات في الأهواء والفرَق والبدع وموقف السلف منها، ص397، كنوز إشبيليا، الرياض، الطبعة الثانية، 1424هـ. ↩︎
المصدر
شبكة الالوكة
زر الذهاب إلى الأعلى