مشاكل مرقس 1/2- الاقتباسات والتحريفات
التفسير والنقد النصي يكشفان بشرية وتحريف الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
مشاكل مرقس 1/2-3
الاقتباسات والتحريفات
التفسير والنقد النصي يكشفان
بشرية وتحريف الكتاب
العبد الفقير إلى الله أبو المنتصر شاهين الملقب بـ التاعب
ترجمة المراجع الأجنبية: الأخ تائب لله و الأخت أم الشهداء
إهداء واجب
إلى من عَلَّمَنِي اللغة اليونانية, إلى من عَلَّمَنِي الأكاديمية والمنهجية العلمية, إلى من عَلَّمَنِي كَيْفِيَّة بيان روعة الآيات القرآنية
إلى أبي وشَيْخِي ومُعَلِّمي وحبيبي
م. محمد رفاعي (الشيخ عرب) حفظه الله ورعاه
وإلى كل من يحب العلم ويعمل من أجل نشره
فهرس المواضيع
۩ الاختلافات بين النص المستلم والنص النقدي.
۩ أسماء مراجع اقتبس منها كتبة العهد الجديد. ۩ النص الأول: متى 2/23. ۩ النص الثاني: يوحنا 6/45.
۩ النص الثالث: أعمال 7/42-43. ۩ النص الرابع: أعمال 7/42-43. ۩ النص الخامس: أعمال 15/15.
۩ الجزء الأول من الاقتباس – مرقس 1/2 – (النص النقدي).
۩ الجزء الثاني من الاقتباس – مرقس 1/3 – (النص النقدي).
۩ الأدلة الخارجية (ما يخُص مصادر النص). ۩ الأدلة الآبائية.
۩ مُلَخَّص الأدلة الخارجية (ما يخُص مصادر النص).
۩ الأدلة الداخلية (تفسير ما وجدناه في مصادر النص).
۩ أقوال العلماء – تم تغيير “إشعياء” إلى “الأنبياء”.
۩ تعليقات وملاحظات على أقوال العلماء.
۩ مُلَخَّص الأدلة الداخلية (تفسير ما وجدناه في مصادر النص).
۩ الدَّافِع وراء النظريات الأخرى.
۩ عزو الاقتباس المُرَكَّب لإشعياء فقط يعني أن الكاتب أخطأ.
۩ سياسة التشكيك في مصداقية المخطوطات.
۩ نصائح دانيال والاس لمن لا يقبل الأدلة.
۩ النظرية الأولى – عزو الاقتباس لمرجع مُحدد. ۩ النظرية الثانية – التوفيق بين الأناجيل.
۩ النظرية الثالثة – إشعياء فقط بدون ملاخي. ۩ النظرية الرابعة – ملاخي فقط بدون إشعياء.
إشكاليات كثيرة, واعتراضات خطيرة, ونظريات مثيرة, من نصين فقط من إنجيل مرقس ! إشكاليات توضح بجلاء أن هذا الكتاب بالتأكيد ليس مكتوباً بوحي من الله. كاتب إنجيل مرقس قام بتحريف اقتباسات أخذها من العهد القديم, ولم يستطع نسبة هذه الاقتباسات إلى مصادرها الصحيحة, بالإضافة إلى ذلك نجد مشاكل نصية توضح لنا ما حدث من تحريف مقصود لنص إنجيل مرقس. ولعل أشهر هذه المشاكل النصية, مشكلة “الأنبياء” أم “أشعياء النبي”, فبعكس ما نجده في ترجمة الفاندايك, وبحسب قواعد النقد النصي, الشكل الأقدم لنص مرقس 1/2 هو: “كما هو مكتوب في أشعياء النبي“, وليس: “كما هو مكتوب في الأنبياء“. البحث سيكشف بإذن الله جل وعلا عن قصور كاتب إنجيل مرقس في التعبير عن المصدر الصحيح لاقتباسه, بالإضافة إلى التحريف الـمُتَعَمَّد لكلمة “أشعياء النبي” وتحويلها إلى “الأنبياء” لأن الاقتباس المكتوب بعد هذه العبارة مباشرة ليس موجوداً في سفر أشعياء النبي ! ومن هنا سنُلقِي الضوء على وحي إنجيل مرقس بالتحديد, وكيف يتعامل العلماء مع هذه الإشكالية, ألم يكن كاتب هذا الإنجيل يعلم أن النص المقتبس ليس موجوداً في سفر أشعياء ؟! وكيف يرتكب الكاتب مثل هذا الخطأ وهو مُساق من الروح القدس ؟! وفي النهاية نجد أن نصين يكشفان لنا عن بشرية وتحريف أقدم أناجيل العهد الجديد.
المقدمة
الحمد لله نحمده, ونستعين به ونستغفره, ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مُضِل له, ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, وصفيه من خلقه وخليله, بلَّغ الرسالة, وأدى الأمانة, ونصح الأمة, فكشف الله به الغمة, ومحى الظلمة, وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين, وأشهد أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله , وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.
ثم أما بعد ؛
« اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ » (صحيح مسلم-1847).
قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} [النساء : 82], هذه الآية تعطينا منهجاً نستطيع تطبيقه على أي كتاب من الكتب, والهدف من هذا المنهج هو اكتشاف ما إذا كان هذا الكتاب من عند الله أم لا. أتمنى أن يستحضر كل قارئ هذه الآية وهو يقرأ جميع أجزاء البحث, فكمية الاختلافات التي سنقوم بمواجهتها كبيرة للغاية, من أول الاختلافات الموجودة بين الترجمات, مروراً بالاختلافات الموجودة بين النسخ اليونانية المختلفة, وأيضاً بين مصادر النص المختلفة, بالإضافة إلى الاختلافات الموجودة بين العهد الجديد والعهد القديم, وفي نهاية سنصل إلى الاختلافات بين العلماء حول النص.
ويقول الله جلا وعلا في مُحكَم التنزيل عن القرآن الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فُصِّلَتْ], وقد فَسَّر الإمام الطبري هاتين الآيتين فقال: [وقوله: {وَإنَّهُ لَكِتاب عَزِيزٌ} يقول تعالى ذكره: وإن هذا الذكر لكتاب عزيز بإعزاز الله إياه، وحفظه من كلّ من أراد له تبديلاً، أو تحريفاً، أو تغييراً، من إنْسّي وجِنّي وشيطان مارد. (…) وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال: معناه: لا يستطيع ذو باطل بكيده تغييره بكيده، وتبديل شيء من معانيه عما هو به، وذلك هو الإتيان من بين يديه، ولا إلحاق ما ليس منه فيه، وذلك إتيانه من خلفه.][[1]]
هذا ما يعتقده المسلم في القرآن الكريم, أما بخصوص الكتاب المقدس, فإن هذا البحث سيتناول كيف تم تحريف نصوص عن أصلها, وكيف تم تبديل وتغيير نصوص من أجل أغراض مُعَيَّنة, فالكتاب المقدس لم يُحفظ على الحقيقة, وإن ادَّعَى أصحاب الكتاب بأن الله تعهد بحفظه.
وقال الإمام القرطبي أيضاً: [{لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} أي لا يكذبه شيء مما أنزل الله من قبل, ولا ينزل من بعده كتاب يبطله وينسخه.][[2]], ويضيف الإمام الرازي قائلاً: [فقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَـٰبٌ عَزِيزٌ} والعزيز له معنيان, أحدهما: الغالب القاهر, والثاني: الذي لا يوجد نظيره، أما كون القرآن عزيزاً بمعنى كونه غالباً، فالأمر كذلك لأنه بقوة حجته غلب على كل ما سواه، وأما كونه عزيزاً بمعنى عديم النظير، فالأمر كذلك لأن الأولين والآخرين عجزوا عن معارضته، ثم قال: {لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} وفيه وجوه: الأول: لا تكذبه الكتب المتقدمة كالتوراة والإنجيل والزبور.][[3]]
لا شك ولا ريب في أن القرآن لا نظير له, فهو الذي يحتوي على الحق كله, وليس فيه باطل البتة, فلا يوجد كتاب قبل القرآن أو بعده يستطيع أن يثبت أن القرآن يحتوي على خطأ, فالقرآن دائماً ما يوافق الحق والحقيقة, وكل كتاب خالفه, أظهرت لنا الأدلة والبراهين أن الـمُخالف للقرآن على الباطل, وأن القرآن حق مبين. ولكن الكتاب المقدس ليس حاله كحال القرآن, فإن أسفار الكتاب المقدس تكذب بعضها بعضاً, وهكذا سنرى في هذا البحث, أن العهد القديم يثبت بطلان ما كُتِبَ في العهد الجديد, وأن الكتاب المقدس لا يوافق الحقيقة, بل يخالفه ونستطيع أن نلمس المخالفة بأيدينا, وأن نراها بأعيننا.
أعلم أن هناك الكثير ممن قد لا يُطيق قراءة البحث كله, لذلك قمت بفهرسة مواضيع البحث, حتى يستطيع أي شخص أن يصل إلى الجزء الذي يريده دون أن يتحمل مشقة قراءة البحث كاملاً, ولكن اعلم يا أخي رحمك الله, أنني لم أطل في البحث من أجل الإطالة, وإنما من أجل أن لا أحرم أحداً من معلومة, قد تسبب في زيادة إيمانه لو كان مسلماً, أو قد تسبب في هدايته لو كان غير ذلك. واعلم أخي في الله, إن سلفنا الكرام ما بخلوا علينا بعلم قط, وكتبوا لنا المجلدات الضخمة, وما علينا إلا أن ننهل من علومهم, فأحببت أن أسير على دربهم وأن أكتب كل معلومة أعرفها بخصوص موضوع البحث. اسأل الله أن يتقبل مني, وأن ينفع بالبحث كل من يقرأه.
أبو المنتصر شاهين 9 رمضان 1431 الخميس, 19 أغسطس 2010 |
مدخل إلى نقاط البحث
(الفاندايك) 2 كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: «هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. 3 صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً».
نجد في النصين اقتباساً, جزء منه مذكور في العدد الثاني, والجزء الآخر في العدد الثالث. هذا الاقتباس منسوب – حسب ترجمة الفاندايك – إلى “الأنبياء”. سنقوم أولاً بالنظر إلى الترجمات والنصوص اليونانية المختلفة, ثم نلقي الضوء على مصدر الاقتباس “الأنبياء”, ثم نقوم بدراسة الاقتباس نفسه, ودقة الاقتباس من المرجع المشار إليه في النص. سنجد أن الاقتباس مُرَكَّب من أكثر من مصدر, وهناك مشاكل كثيرة في النقل من المصدر, وفي عزو الاقتباس إلى مرجع “الأنبياء”.
الجزء الثاني من البحث سيكون عن الاختلافات التي نجدها بين الترجمات, والنصوص اليونانية, فإذا بحثنا في الترجمات العربية الأخرى سنجد أن الاقتباس منسوب إلى “إشعياء النبي” وليس “الأنبياء”. وعلى ضوء هذه المعلومة؛ سنقوم بطرح المشاكل التي ستنتج عن نسبة الاقتباس الـمُرَكَّب إلى “إشعياء النبي” وحده.
وفي النهاية سنقوم بدراسة نصية نقدية حول نص مرقس 1/2, والتي تحتوي على العديد من المشاكل النصية بسبب الاختلافات بين المخطوطات, وسنقوم بالتركيز على الاختلاف الموجود حول مصدر الاقتباس, هل – بحسب قواعد النقد النصي – كتب مرقس: كما هو مكتوب في “الأنبياء” أم “إشعياء النبي”. وفي هذا الجزء سنقوم بالكشف عن جريمة تحريف مقصودة, وسنلقي الضوء على أسباب التحريف وآراء العلماء حول هذه المشكلة.
۩ نقاط البحث:
- المشاكل النصية الموجودة في النصين. (الاختلافات الموجودة بين الترجمات والنسخ اليونانية.)
- مصدر الاقتباس – الأنبياء. (هل يجوز نسبة الاقتباس الـمُرَكَّب إلى “الأنبياء” فقط ؟)
- مصدر الاقتباس – إشعياء. (هل يجوز نسبة الاقتباس الـمُرَكَّب إلى “إشعياء” فقط ؟)
- الاقتباس الـمُرَكَّب ودقة النقل من المصادر. (مشاكل في نقل كاتب الإنجيل من مصادر الاقتباسات.)
- المشكلة النصية: الأنبياء أم أشعياء ؟ (أي قراءة هي الأصلية ؟ ولماذا تم تحريف النص ؟)
- نظريات العلماء ومناقشاتهم للإشكاليات. (مناقشة نظريات العلماء المختلفة, والحلول المقدمة للإشكاليات.)
وفي النهاية, سنكتشف بإذن الله عز وجل مع هذا البحث أن كاتب إنجيل مرقس قام بتحريف الاقتباسات ولم ينقل نقلاً أميناً من المصادر, بالإضافة إلى خطأ عزو الاقتباسات إلى مصادرها الصحيحة. كل هذا يوضح بشرية الكتاب وينفي عنه الوحي الإلهي. وفوق كل هذا سنجد التحريف الـمُتَعَمَّد للنص من أجل مشاكل لاهوتية يريدون إخفاءها عن طريق التحريف, ولكن الحق يَعْلُوا ولا يُعلا عليه.
اختلافات بين الترجمات والنسخ اليونانية
قبل أن نبدأ بمقارنة الاقتباس الموجود في مرقس بنظيره في العهد القديم, يجب أن نعلم أولاً ما هو النص المكتوب في مرقس على وجه التحديد, لأنه لن يكفينا مجرد مقارنة ترجمة عربية للعهد الجديد بترجمة عربية للعهد القديم, ولكن يجب علينا أن نرجع إلى النص اليوناني لمرقس, ثم نبحث عن نظيره في العهد القديم سواء كان من النص العبري أو الترجمة السبعينية اليونانية.
البداية ستكون بمقارنة الترجمات العربية المختلفة لنصيّ إنجيل مرقس 1/2-3, فهذه المقارنة ستعكس لنا الاختلافات الظاهرة بين المخطوطات, فإن الاختلافات بين الترجمات ما هي إلا انعكاسات لاختلافات المخطوطات. ولا أقصد بالاختلافات بين الترجمات اختلافات الصياغة, فسوف نتخطى اختلافات الصياغة بالرجوع إلى النص اليوناني, ولكني أقصد الاختلافات النصية حول كلمات أو عبارات موجودة في ترجمة ومحذوفة من الأخرى وهكذا.
بمقارنة الترجمات العربية المختلفة؛ نجد أن العدد الثالث ليس له اختلافات نصية بين الترجمات, ولكن الاختلافات كلها موجودة في العدد الثاني. بنظرة سريعة للترجمات العربية المختلفة سنكتشف اختلافات عديدة:
- (الفاندايك) كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: «هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ.
- (العربية المشتركة) بدأت كما كتب النبـي إشعيا: ((ها أنا أرسل رسولي قدامك ليهيّئ طريقك.
- (الآباء اليسوعيين) كتب في سفر النبي أشعيا: ((هاءنذا أرسل رسولي قدامك ليعد طريقك.
- (كتاب الحياة) كما كتب في كتاب إشعياء:«ها أنا أرسل قدامك رسولي الذي يعد لك الطريق؛
- (الإنجيل الشريف) قال الله في كتاب إشعيا النبي: “أنا أبعث رسولي قدامك، لكي يعد لك الطريق،
- (العربية المبسطة) فكما هو مكتوب في كتاب النبي إشعياء: ها أنا أرسل رسولي قدامك.ليعد الطريق.
- (البولسية) على حسب ما هو مكتوب في أشعيا النبي: “ها أناذا أرسل ملاكي أمام وجهك، ليهيئ لك الطريق.
۩ الاختلافات بين الترجمات:
- الفاندايك: مكتوب في “الأنبياء”. باقي الترجمات: مكتوب في “أشعياء النبي”.
- الفاندايك: أُرْسِلُ “أمام وجهك”. باقي الترجمات: تحذف عبارة “أمام وجهك”. (عدا البولسية)
- الفاندايك: “ملاكي”. باقي الترجمات: “رسولي”. (عدا البولسية)
ملحوظة: ممكن اعتبار أن الترجمات الأخرى (عدا البولسية) استبدلت عبارة “أمام وجهك” بـ “قدامك” وبذلك تكون قد حذفت كلمة “قدامك” التي وضعتها ترجمة الفاندايك في نهاية النص, أو نستطيع اعتبار أن الترجمات الأخرى قَدَّمَت كلمة “قدامك” التي تضعها ترجمة الفاندايك في نهاية النص وبذلك تكون قد حذفت عبارة “أمام وجهك”. أياً كان الأمر, فهناك اختلاف واضح.
هذه هي الاختلافات التي نستطيع أن نلاحظها بمقارنة الترجمات العربية, ولكن بمقارنة النسخ اليونانية المختلفة سنجد المزيد من الاختلافات ! سنأتي بنسخة يونانية للنص المستلم (GNT-TR), والتي تُمَثِّل الأصل الذي تم ترجمة الفاندايك منه, ونقارنها بنسخة يونانية نقدية حديثة (UBS4RE), والتي تعتبر الأصل الذي تم ترجمة جميع الإصدارات الحديثة للعهد الجديد.
(GNT-TR) 2 ῾Ως γέγραπται ἐν τοῖς προφήταις, ἰδοὺ ἐγὼ ἀποστέλλω τὸν ἄγγελόν μου πρὸ προσώπου σου, ὃς κατασκευάσει τὴν ὁδόν σου ἔμπροσθέν σου·[[4]]
(UBS4RE) 2 Καθὼς γέγραπται ἐν τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ, Ἰδοὺ ἀποστέλλω τὸν ἄγγελόν μου πρὸ προσώπου σου, ὃς κατασκευάσει τὴν ὁδόν σου·[[5]]
۩ الاختلافات بين النص المستلم والنص النقدي:
- المستلم: (῾Ως)[[6]] “كما”. النقدي: (Καθὼς)[[7]] “طبقاً لـ”.
- المستلم: (τοῖς προφήταις) “الأنبياء”. النقدي: (τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ) “أشعياء النبي”.
- المستلم: (ἐγὼ) “أنا”. النقدي: محذوف.
- المستلم: (ἔμπροσθέν σου)[[8]] “قدامك”. النقدي: محذوف.
هذه هي الاختلافات التي نجدها بين النص المستلم الذي يمثل الفاندايك, والنص النقدي الذي يمثل الترجمات الأخرى الحديثة. من المعروف أن النسخة اليونانية النقدية هي الأدق علمياً, والقائمة في الأساس على المخطوطات القديمة الأقرب للأصل زمنياً, ولكننا سنؤجل البحث حول أي النصين أدق (المستلم أم النقدي) إلى مرحلة أخرى من البحث. أما الآن, فسنقوم بترجمة النص اليوناني المستلم والنص اليوناني النقدي حتى نكتشف حقيقة اختلاف الترجمات حول هذا النص, وأيهما الترجمة الأدق والأقرب للصواب.
العهد الجديد, ترجمة بين السطور يوناني عربي (مرقس 1/2)[[9]]
كما كُتِبَ في إشعيا النبي: ها أُرْسِلُ ملاكي أمام وجهك, الذي سيُهيئ طريقك
۩ ترجمة حرفية للنص النقدي والنص المستلم:
- النقدي: كما (أو: وفقاً لما) كُتِبَ في إشعيا النبي: ها أُرْسِلُ ملاكي أمام وجهك, الذي سيُهيئ طريقك.
- المستلم: كما كُتِبَ في الأنبياء: ها أنا أُرْسِلُ ملاكي أمام وجهك, الذي سيُهيئ طريقك أمامك.
۩ مُلاحظات حول الترجمات:
ترجمة (τὸν ἄγγελόν μου): الفاندايك والبولسية تترجمانها إلى “ملاكي” مع إسقاط أداة التعريف (τὸν), أما الترجمات العربية الأخرى فتترجمها إلى “رسولي” مع العلم أن الترجمة الأدق بحسب قواميس اللغة اليونانية[[10]] هي “ملاكي” وليس “رسولي”. سنقوم بتسليط الضوء على هذه النقطة أكثر عندما نتناول المصدر الـمُقْتَبَس منه.
ترجمة (πρὸ προσώπου σου): الفاندايك والبولسية تترجمانها إلى “أمام وجهك”, أما الترجمات العربية الأخرى فتترجمها إلى “قدامك”, وبعد رؤية النص اليوناني النقدي لا يجوز لنا أن نعتبر أن الترجمات الأخرى قامت بتقديم كلمة “قدامك” التي تضعها الفاندايك في نهاية النص, حيث أن النص النقدي اليوناني يحذفها أصلاً, حيث أنها موجودة في النص اليوناني المستلم (ἔμπροσθέν σου).
ترجمة (πρὸ προσώπου σου): كلمة (πρὸ) تعني (before) أو “قبل”, وتعطي معنى الأوَّلِيَّة والسَّبْق[[11]]. وكلمة (προσώπου) غالباً ما تترجم إلى “وجه”[[12]], ولكنها أيضاً تأخذ معنى “الشخص” أو “النفس”[[13]], لذلك من الممكن ترجمة العبارة إلى “أمام وجهك” كما فعلتا الفاندايك والبولسية, أو قد تترجم إلى “قدامك”, ولكن الترجمة الأولى والأصح هي “أمام وجهك”. سنقوم بتسليط الضوء على هذه النقطة أكثر عندما نتناول المصدر الـمُقْتَبَس منه.
من الغريب والعجيب أن جميع الترجمات الحديثة تضع كلمة “أنا” (ها أنا أرسل, هاءنذا أرسل, أنا أبعث, ها أناذا أرسل), رغم أن المقابل اليوناني لها (ἐγὼ) غير موجود إلا في النص المستلم ! أكرر: سنقوم بتسليط الضوء على جميع هذه النقاط مرة أخرى عندما نتناول المصدر الـمُقْتَبَس منه. حيث أن جميع هذه الاختلافات بين الترجمات والنصوص اليونانية المختلفة لها معاني كثيرة, ولها أسباب ودوافع, لن تتجلى لنا إلا عندما ندرس ونناقش مصادر الاقتباسات.
ترجمة الفاندايك تقول أن الاقتباس مكتوب في “الأنبياء”, أما الترجمات الأخرى فتقول أنه مكتوب في “إشعياء النبي” ! فما هو “الأنبياء” ؟ وما هو “إشعياء النبي” ؟ وهل هناك فارق بينهما أم أنهما اسمان لـمُسَمىً واحد ؟ إنها أسماء لكتب مقدسة يهودية, أثناسيوس الرسولي الذي قام بتحديد قانون العهد القديم والجديد, قام بتفصيل الكتب اليهودية التي يستطيع المسيحي أن يعتبرها من وحي الله, فما هي هذه الكتب ؟ يقول أثناسيوس في رسالته الفِصْحِيَّة رقم 39 الآتي:
هناك إذن العهد القديم، اثنان وعشرون كتاباً كعدد – لأنه كما سمعت – من المسَلَّم به أن هذه هي عدد الرسائل بين العبرانيين؛ ترتيب الكتابات وأسمائهم كالآتي: الأول، سفر التكوين، ثم الخروج، ثم سفر اللاويين، ثم العدد، ومن ثَمْ سفر التثنية. تليهم يشوع بن نون، ثم القضاة، ثم راعوث. ومرة أخرى، بعد هذه الكتب, أربعة أسفار للملوك، الأولى والثانية يتم اعتبارهما كتاب واحد، وعلى نحو مماثل، الثالث والرابع في كتاب واحد. ومرة أخرى، أخبار الأيام الأول والثاني في كتاب واحد. وعزرا أيضاً، الأول والثاني في كتاب واحد. بعد هذه هناك كتاب المزامير، ثم الأمثال، ثم سفر الجامعة، ونشيد الإنشاد. بعدهم سفر أيوب، ثم الأنبياء، الإثنى عشر في كتاب واحد. ثم إشعياء كتاب واحد، ثم ارميا مع باروخ و المراثي والرسالة في كتاب واحد، بعد ذلك، وحزقيال ودانيال كل منهما كتاب. هكذا تم تشكيل العهد القديم.[[14]]
فهناك كتاب اسمه “الأنبياء” يضم كتابات الأنبياء الإثنى عشر, وهناك كتاب آخر اسمه “إشعياء” يضم كتابات النبي إشعياء, فمن هم الأنبياء الذين كتاباتهم ضمن كتاب “الأنبياء” ؟ إذا علمنا من أثناسيوس أن أسفار موسى الخمسة كلٌ منهما في كتاب, ويشوع بن نون والقضاة وراعوث والمزامير والأمثال والجامعة ونشيد الإنشاد وأيوب وإشعياء وحزقيال ودانيال كلٌ منهما في كتاب, وارميا مع باروخ والمراثي والرسالة في كتاب, وأخبار الأيام الأول والثاني في كتاب. هكذا لن يبقى لنا إلا “الأنبياء”, وأربعة أسفار للملوك, وعزرا الأول والثاني. أما الأربعة أسفار للملوك فهم الملوك الأول والثاني في كتاب واحد, وصاموئيل الأول والثاني في كتاب واحد. أما عزرا الأول والثاني فهما عزرا ونحميا. هكذا لم يبقى لنا إلا: (هوشع, ويوئيل, وعاموس, وعوبيديا, ويونان, وميخا, وناحوم, وحبقوق, وصفنيا, وحجي, وزكريا, وملاخي) وهؤلاء هم الأنبياء الإثنى عشر الذين كتاباتهم مجموعة في كتاب واحد يُسَمَّى “الأنبياء”.
إذن, بحسب الفاندايك, الاقتباس من كتاب “الأنبياء”, وبحسب الترجمات الأخرى, الاقتباس من كتاب “إشعياء”, وهذان كتابان مختلفان ! فهل يُعقل أن يكون الاقتباس من الكتابين معاً ؟! أم أن كتاباً من الاثنين لا يحتوي على الاقتباس, ويجعل عزو مرقس خاطئاً ؟! وربما الكتابان لا يحتويان على الاقتباس ويجعلان مرقس وكأنه أخطأ في عزو الاقتباس إلى مرجع مُحَدَّد ؟! كل هذه الأسئلة تحتاج إلى دراسة الاقتباس نفسه.
القمص تادرس يعقوب ملطي يقول بخصوص مرقس 1/2-3 الآتي: [جاء في بعض النسخ “كما هو مكتوب في إشعياء النبي…” وقد اقتبس القديس مرقس نبوتين عن “السابق للسيد” إحداهما من ملاخي النبي (3: 1)، والأخرى من إشعياء (40: 3).][[15]], فمن المعروف أن القمص يقوم بتفسير نص الفاندايك, ولكنه يشير إلى أن هناك بعض الـ “النسخ” تعزو الاقتباس إلى “إشعياء النبي”, ولعله يقصد بكلمة “النسخ” المخطوطات القديمة, أو الترجمات الأخرى, أو كليهما معاً.
القمص تادرس يعقوب ملطي يُعلن أن مرقس قام باقتباس نبوتين, إحداهما من ملاخي والأخرى من إشعياء, والأب مَتَّى المسكين يؤكد الكلام نفسه فيقول: [وهكذا يتضح أن ق. مرقس جمع نبوَّة ملاخي النبي من الأصل العبري (1:3) على نبوَّة إشعياء النبي لأنهما فعلاً يكمِّلان ما حدث بالفعل على يد المعمدان.][[16]], مع الأخذ في الاعتبار معلومة القمص تادرس بخصوص أن هناك نسخ تعزو الاقتباس إلى “إشعياء النبي”.
الآن يجب علينا أن نتوقف لحظة للتفكير, إذا كان مرقس قد اقتبس نبوَّتين, الأولى من “ملاخي” والأخرى من “إشعياء”, فكيف ينسب الاقتباسين إلى مرجع واحد فقط ؟! الاقتباس الأول من “ملاخي”, وملاخي من الأنبياء الإثنى عشر الذين كتاباتهم مجموعة في كتاب واحد اسمه “الأنبياء”, والاقتباس الثاني من “إشعياء”, وكتابات إشعياء ونبواته مجموعة في كتاب واحد مختلف عن كتاب “الأنبياء”. إذن هناك مشكلة, فبحسب الترجمات التي بين أيدينا, كاتب إنجيل مرقس يعزو اقتباس مُكَوَّن من مرجعين إلى مرجع واحد فقط, فإن كان العزو إلى “الأنبياء” فكتاب “الأنبياء” لا يحتوي على نبوة إشعياء, وإن كان العزو إلى “إشعياء النبي” فكتاب “إشعياء” لا يحتوي على نبوة ملاخي ! ما هذه المشكلة ؟ وهل يعني هذا أن مرقس أخطأ في عزو اقتباسه الـمُرَكَّب إلى مراجعه الصحيحة ؟
الدكتور وليام إدِّي يُقَدِّم حلاً لهذه المشكلة في تفسيره: [والمراد بالأنبياء هنا كتاب نبوَّاتهم, لأن الشهادة من اثنين منهم, وهما ملاخي وإشعياء, مل 3/1 و أش 40/3, فجمع شهادتي هذين في شهادة واحدة مع أن أحدهما كان قبل الآخر بنحو 360 سنة, وعلة ذلك وحدة الموضوع.][[17]], وهنا نشعر وكأن الدكتور وليام يريد أن يقول لنا أن عبارة “مكتوب في الأنبياء” لا تشير إلى كتاب مُحَدَّد اسمه “الأنبياء” وإنما المقصود بالعبارة “كتاب نبوَّاتهم” أي الكتاب الذي يحتوي على نبوة ملاخي, والكتاب الذي يحتوي على نبوة إشعياء, ولا يقصد كتاباً واحداً مُعَيَّناً, فهل هذا التفسير صحيح ؟
لمعرفة صحة كلام الدكتور من عدمه يجب علينا أن نبحث في العهد الجديد عن طرق الاقتباس المختلفة من الكتب المقدسة اليهودية. من خلال هذا البحث سندرك جيداً مقصد كاتب إنجيل مرقس من استخدام كلمة “الأنبياء”, هل كان يقصد الكتاب الذي يحتوي على كتابات الأنبياء الإثنى عشر, أم أنه يقصد بشكل عام كتاب النبوة الذي ستجد فيه هذه النبوة أياً كان الكتاب ؟
۩ أسماء مراجع اقتبس منها كتبة العهد الجديد:
- الناموس. مثل: [لوقا 2/23, يوحنا 8/17, يوحنا 10/34, 1كو 9/9, 1كو 14/21].
- النبي. مثل: [متى 1/22, متى 2/5-6, متى 2/15, متى 13/35, متى 21/4, متى 27/35].
- الأنبياء. مثل: [متى 2/23, مرقس 1/2, يوحنا 6/45, أعمال 7/42, أعمال 13/40, أعمال 15/15].
- إشعياء النبي. مثل: [متى 4/14, متى 8/17, متى 12/17, مرقس 7/6, لوقا 3/4, لوقا 4/17].
- إرميا النبي. مثل: [متى 2/17, متى 27/9].
- يوئيل النبي. مثل: [أعمال 2/16].
- سفر المزامير. مثل: [لوقا 20/42, أعمال 1/20, أعمال 13/33].
كتبة العهد الجديد كانوا يعزون اقتباساتهم إلى هذه المراجع, تم استخدام مرجع “الأنبياء” ست مرات, فعلينا أن نفحص هذه النصوص حتى نَتَعَرَّف على قصد الكتبة من عزو اقتباساتهم إلى “الأنبياء”, وهل كانوا يقصدون كتاباً مُحَدَّداً بهذا الاسم, أم أنه اسم عام لأي كتاب يحتوي على نبوَّات ؟
۩ النص الأول: متى 2/23
Mat 2:23 وَأَتَى وَسَكَنَ فِي مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ: «إِنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيّاً».
(UBS4RE) καὶ ἐλθὼν κατῴκησεν εἰς πόλιν λεγομένην Ναζαρέτ, ὅπως πληρωθῇ τὸ ῥηθὲν διὰ τῶν προφητῶν ὅτι Ναζωραῖος κληθήσεται.
في بداية تحليل هذا النص, يجب علينا العودة إلى النص اليوناني, ومقارنتها مع النص اليوناني الخاص بمرقس 1/2. في هذا النص نجد العبارة اليونانية تقول: (τὸ ῥηθὲν διὰ τῶν προφητῶν) أي: “ما قيل بواسطة الأنبياء”, فكلمة (διὰ) تعني “بوساطة” أو “من خلال”[[18]], وكلمة “الأنبياء” (τῶν προφητῶν) جاءت في حالة الجر أو الإضافة (Genitive), لذلك, فترجمة العبارة اليونانية لا يجب أن تكون: “ما قيل بالأنبياء” بل يجب أن تكون: “ما قيل بواسطة الأنبياء”, فإن كلمة “بالأنبياء” تعطي الإيحاء بأنك لو ذهبت إلى “الأنبياء” ستجد هذا القول, ولكن هذا المعنى غير صحيح, أما عبارة “بواسطة الأنبياء” فتعطي معنى أكثر شمولية في أن العبارة الآتية من أقوال الأنبياء, ولكن ليس من الضرورة أن نجدها مدونة في كتاب من كتب الأنبياء أو بالتحديد في كتاب “الأنبياء”.
هذا ما يوضحه الدكتور موريس تاوضروس فيقول: [يُلاحظ هنا أن الإنجيلي لم ينسب القول إلى نبوة معينة, بل إلى مجموعة من الأقوال النبوية, ولذلك لم يقل: لكي يتم ما قيل بالنبي, بل قال ما قيل بالأنبياء. فكيف نفسر هذه النبوة مع أنها لم ترد صريحة في العهد القديم ؟][[19]], ونجد أيضاً في التفسير التطبيقي للكتاب المقدس: [لا يسجل العهد القديم، بصورة محددة، هذه العبارة: “سيدعى ناصريا”، ومع هذا, فكثيرون من العلماء يعتقدون أن متى كان يشير إلى نبوة غير مدونة في الكتاب.][[20]]
هذا بخصوص نص متى 2/23, أما إذا رجعنا إلى مرقس 1/2, سنجد أن العبارة بحسب النص اليوناني المستلم هي (γέγραπται ἐν τοῖς προφήταις), وكلمة (γέγραπται) من الأصل (γράφω) توضح أننا نتكلم عن شيء مكتوب[[21]], وهذا المكتوب نجده (ἐν) “في”, في ماذا ؟ “في الأنبياء” (τοῖς προφήταις), وهنا تأتي كلمة “الأنبياء” في الحالة الإعرابية “قابل” (Dative), والتي من ضمن استخداماتها الإشارة إلى مكان مُعَيَّن نستطيع الذهاب أو الرجوع إليه[[22]], وتستخدم أيضاً في الإشارة إلى مرجع مُحَدَّد[[23]], فعندما نجد – بحسب النص اليوناني – “كُتِبَ في الأنبياء” فالإشارة إلى الكتابة, بالإضافة إلى ورود كلمة “الأنبياء” في حالة القابل, تجعلنا على يقين من أن الكاتب يشير إلى مرجع مكتوب نستطيع الرجوع إليه.
إذن, هناك فرق كبير بين “الأنبياء” (τῶν προφητῶν) المذكورة في متى 2/23, و “الأنبياء” (τοῖς προφήταις) المذكورة في مرقس 1/2, فالنص اليوناني يكشف لنا ما لا نستطيع اكتشافه من خلال الترجمة العربية. ولهذا أعلن الكثير من علماء المسيحيين إن نص متى 2/23 لا يشير إلى مرجع مكتوب نستطيع الرجوع إليه. دعونا نطلع على بعض هذه الأقوال:
- التفسير الحديث للكتاب المقدس: [والناصرة لم يأت ذكرها في العهد القديم, أو أية كتابات يهودية معاصرة أخرى, وعبارة “أنه سيدعى ناصرياً”, لا نجدها في العهد القديم (…) يجب ملاحظة أن الصيغة التي تُقَدِّم الاقتباس تختلف عن النمط المعتاد, انظر المقدمة, من ناحيتين: فهي لا تشير إلى نبي بعينه بل بعبارة “أنه” (hoti), وهذا يفيد أنه لم يقصد بها اقتباس من فقرة معينة, بل تلخيصاً لموضوع التطلعات والآمال النبوية.][[24]]
- التفسير المسيحي القديم للكتاب المقدس: [جيروم: لو وُجِدت هذه الآية في الكتاب المقدس, لما قال: “لأنه قيل بلسان الأنبياء”, بل لقال بصراحة أكبر: “لأنه قيل بلسان نبي”. والآن, بكلامه العام على الأنبياء بعامة, أظهر أنه لم يأخذ الكلام حرفياً, بل استعمل المعنى العام للكتاب المقدس. (CCL 77:16)][[25]]
- تفسير وليم باركلي لإنجيل متى: [ويختتم متى هذا الجزء أيضاً بالإشارة إلى نبوة تقول: “إنه سيدعى ناصرياً”. وهذه النبوة تواجه المفسرين بصعوبة كبيرة, ذلك لأنه لا توجد آية في العهد القديم بهذا المعنى – وحتى مدينة الناصرة نفسها غير مذكورة على الإطلاق في العهد للقديم. ولم يوجد حل كاف لهذه المشكلة. ويعتقد البعض أنه يشير إلى اعتقاد بعض اليهود في فترة ما بين العهدين, أن المسيا سيدعى ناصرياً.][[26]]
إذن, وبناءاً على كل ما سبق, نستطيع أن نقول بثقة, إن صياغة كاتب إنجيل مرقس تجعلنا متأكدين من أنه يقصد مرجع مكتوب, ولو كان يريد أن يجعل كلامه عاماً لاستخدم أسلوباً مختلفاً كما فعل كاتب إنجيل متى, وهكذا ما زالت المشكلة قائمة: كيف يعزو كاتب إنجيل مرقس اقتباساً مُرَكَّباً إلى مرجع لا يحتوي إلا على جزء واحد من الاقتباس ؟
۩ النص الثاني: يوحنا 6/45
Joh 6:45 إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللَّهِ. فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنَ الآبِ وَتَعَلَّمَ يُقْبِلُ إِلَيَّ.
(UBS4RE) ἔστιν γεγραμμένον ἐν τοῖς προφήταις, Καὶ ἔσονται πάντες διδακτοὶ θεοῦ· πᾶς ὁ ἀκούσας παρὰ τοῦ πατρὸς καὶ μαθὼν ἔρχεται πρὸς ἐμέ.
هذا النص يبدو قريباً جداً لنص مرقس 1/2, حيث أننا نجد كلمة (γεγραμμένον) والتي تعني “مكتوب”, بالإضافة إلى عبارة “في الأنبياء” بنفس الصيغة الإعرابية التي نجدها في مرقس 1/2 (ἐν τοῖς προφήταις), فهل بالفعل سنجد الاقتباس “وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللَّهِ” في كتاب الأنبياء ؟ في الحقيقة نحن لا نجد هذا الاقتباس “حرفياً” في أي كتاب من كتب العهد القديم ! ولكن الاقتباس يُشبه نصاً موجوداً في سفر إشعياء النبي, لذلك نجد أن العلماء يدعون بأن النص مأخوذ من إشعياء.
ولكن لنا سؤال: إن كان الاقتباس مأخوذاً من سفر إشعياء النبي, فلماذا لم يعزو الاقتباس إليه مباشرة ؟مثل: (متى 4/14, متى 8/17, متى 12/17, مرقس 7/6, لوقا 3/4, لوقا 4/17), أم أن العلماء يبحثون عن أي نص يشبه الاقتباس ثم يقولون أن المسيح كان يقصد هذا النص من هذا الكتاب لمجرد مواجهة المشكلة. انظروا إلى ما قاله بيرناند في تفسيره العلمي: [الاقتباس مأخوذ بشكل حُرّ من إشعياء 54/13, ولا يتفق حرفياً مع أي من النص العبري أو السبعيني.][[27]]
الاقتباس الموجود لا يتفق حرفياً مع أي من النص العبري أو اليوناني السبعيني لـ إشعياء 54/13 ! ولكن فقط لأن الاقتباس يُشبه نص إشعياء, نجد المسيحيين يَدَّعُون إن الاقتباس مأخوذ منه ! ولكننا نجد في تفسير نسخة الـ (NIV) أن الاقتباس له العديد من النصوص المشابهة في كتابات الأنبياء الآخرين: [نص العهد القديم الذي يبدو وكأنه كان على بال يسوع هو إشعياء 54/13, “جميع أبنائكم سيعلمهم الرب”, ولكن معنى الاقتباس موجود في أماكن أخرى في العهد القديم, على سبيل المثال: المزامير 25/4-5 و 94/12, إشعياء 2/3, ارميا 16/21, ميخا 4/2, صفنيا 3/9, ملاخي 1/11.][[28]]
تأملوا عبارة “كان على بال يسوع” ! عبارة تعطي انطباع بعدم الدقة والعشوائية, ولكن ما يهمنا الآن الآتي: طالما أننا لا نجد الاقتباس حرفياً في أي مكان في العهد القديم, وأن للنص ما يوافقه من كتابات الأنبياء الصغار (ميخا, وصفنيا, وملاخي), وأن النص لا يتفق حرفياً مع نص إشعياء 54/13 العبري أو اليوناني, إذن, لا نستطيع أن ننسب الاقتباس إلى إشعياء, بل من الأولى أن ننسب النص إلى كتاب “الأنبياء” كما يبدو من ظاهر النص.
۩ النص الثالث: أعمال 7/42-43
Act 7:42 فَرَجَعَ اللهُ وَأَسْلَمَهُمْ لِيَعْبُدُوا جُنْدَ السَّمَاءِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الأَنْبِيَاءِ: هَلْ قَرَّبْتُمْ لِي ذَبَائِحَ وَقَرَابِينَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْبَرِّيَّةِ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ 43 بَلْ حَمَلْتُمْ خَيْمَةَ مُولُوكَ وَنَجْمَ إِلَهِكُمْ رَمْفَانَ التَّمَاثِيلَ الَّتِي صَنَعْتُمُوهَا لِتَسْجُدُوا لَهَا. فَأَنْقُلُكُمْ إِلَى مَا وَرَاءَ بَابِلَ.
(UBS4RE) 42 ἔστρεψεν δὲ ὁ θεὸς καὶ παρέδωκεν αὐτοὺς λατρεύειν τῇ στρατιᾷ τοῦ οὐρανοῦ, καθὼς γέγραπται ἐν βίβλῳ τῶν προφητῶν, Μὴ σφάγια καὶ θυσίας προσηνέγκατέ μοι ἔτη τεσσεράκοντα ἐν τῇ ἐρήμῳ, οἶκος Ἰσραήλ; 43 καὶ ἀνελάβετε τὴν σκηνὴν τοῦ Μολὸχ καὶ τὸ ἄστρον τοῦ θεοῦ ὑμῶν ᾩιφάν, τοὺς τύπους οὓς ἐποιήσατε προσκυνεῖν αὐτοῖς· καὶ μετοικιῶ ὑμᾶς ἐπέκεινα Βαβυλῶνος.
في هذا النص نجد عبارة في منتهى الدقة (καθὼς γέγραπται ἐν βίβλῳ τῶν προφητῶν), والتي نستطيع أن نترجمها إلى: “طبقاً لما كُتِبَ في كتاب الأنبياء”, الفرق بين هذه العبارة وعبارة مرقس 1/2 هو كلمة “كتاب”, والتي تأتي أيضاً في حالة القابل, فهل هناك فرق حقيقي بين أن يعزو الكاتبُ الاقتباسَ إلى “كتاب الأنبياء” أو إلى “الأنبياء” ؟ الإجابة ستكون في دراسة العدد القادم, والذي نجده أيضاً في أعمال الرسل.
الاقتباس موجود في سفر عاموس, وهو من الأنبياء الإثنى عشر الذين كتاباتهم مجموعة في كتاب واحد اسمه “الأنبياء” !
Amo 5:25-27 «هَلْ قَدَّمْتُمْ لِي ذَبَائِحَ وَتَقْدِمَاتٍ فِي الْبَرِّيَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ؟ 26 بَلْ حَمَلْتُمْ خَيْمَةَ مَلْكُوكُمْ وَتِمْثَالَ أَصْنَامِكُمْ نَجْمَ إِلَهِكُمُ الَّذِي صَنَعْتُمْ لِنُفُوسِكُمْ. 27 فَأَسْبِيكُمْ إِلَى مَا وَرَاءَ دِمَشْقَ قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ الْجُنُودِ اسْمُهُ».
۩ النص الرابع: أعمال 7/42-43
Act 13:40-41 فَانْظُرُوا لِئَلاَّ يَأْتِيَ عَلَيْكُمْ مَا قِيلَ فِي الأَنْبِيَاءِ: 41 اُنْظُرُوا أَيُّهَا الْمُتَهَاوِنُونَ وَتَعَجَّبُوا وَاهْلِكُوا لأَنَّنِي عَمَلاً أَعْمَلُ فِي أَيَّامِكُمْ عَمَلاً لاَ تُصَدِّقُونَ إِنْ أَخْبَرَكُمْ أَحَدٌ بِهِ».
(UBS4RE) βλέπετε οὖν μὴ ἐπέλθῃ τὸ εἰρημένον ἐν τοῖς προφήταις, 41 Ἴδετε, οἱ καταφρονηταί, καὶ θαυμάσατε καὶ ἀφανίσθητε, ὅτι ἔργον ἐργάζομαι ἐγὼ ἐν ταῖς ἡμέραις ὑμῶν, ἔργον ὃ οὐ μὴ πιστεύσητε ἐάν τις ἐκδιηγῆται ὑμῖν.
في هذا النص نجد عبارة “في الأنبياء” (ἐν τοῖς προφήταις) كما نجدها مكتوبة في مرقس 1/2, فكلمة “الأنبياء” جاءت في حالة القابل, والتي أشرنا سابقاً أنها تدل على مكان أو مرجع نستطيع الرجوع إليه, فأين يا ترى نجد الاقتباس الذي عزاه كاتب أعمال الرسل إلى “الأنبياء” ؟ إنه في سفر حبقوق, أحد الأنبياء الإثنى عشر الذين كتاباتهم مجموعة في كتاب اسمه “الأنبياء” !
يقول أنطونيوس فكري في تفسيره: [هنا يستخدم بولس الرسول نبوة حبقوق 5/1 التي قالها حبقوق كتحذير عن عدم الطاعة. ونبوة حبقوق كانت أن أقوى قوة عسكرية في الوجود وهى قوة بابل وقتها ستدمر أورشليم والهيكل لعدم الطاعة.][[29]]
إذن, عندما عزا كاتب أعمال الرسل الاقتباس إلى “الأنبياء” (ἐν τοῖς προφήταις) وجدناه في سفر حبقوق, وهو نبي من الإثنى عشر الذين كتاباتهم مجموعة في كتاب اسمه “الأنبياء”, وعندما عزا كاتب أعمال الرسل الاقتباس إلى “كتاب الأنبياء” (ἐν βίβλῳ τῶν προφητῶν) وجدناه في سفر عاموس, وهو نبي من الإثنى عشر الذين كتاباتهم مجموعة في كتاب اسمه “الأنبياء”, ومن هنا أدركنا أنه لا يوجد فرق عند كاتب أعمال الرسل بين أن يعزو الاقتباس إلى “كتاب الأنبياء” أو “الأنبياء” فقط.
۩ النص الخامس: أعمال 15/15
Act 15:15-17 وَهَذَا تُوافِقُهُ أَقْوَالُ الأَنْبِيَاءِ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: 16 سَأَرْجِعُ بَعْدَ هَذَا وَأَبْنِي أَيْضاً خَيْمَةَ دَاوُدَ السَّاقِطَةَ وَأَبْنِي أَيْضاً رَدْمَهَا وَأُقِيمُهَا ثَانِيَةً 17 لِكَيْ يَطْلُبَ الْبَاقُونَ مِنَ النَّاسِ الرَّبَّ وَجَمِيعُ الْأُمَمِ الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ يَقُولُ الرَّبُّ الصَّانِعُ هَذَا كُلَّهُ.
(UBS4RE) 17 καὶ τούτῳ συμφωνοῦσιν οἱ λόγοι τῶν προφητῶν, καθὼς γέγραπται, 16 Μετὰ ταῦτα ἀναστρέψω καὶ ἀνοικοδομήσω τὴν σκηνὴν Δαυὶδ τὴν πεπτωκυῖαν, καὶ τὰ κατεσκαμμένα αὐτῆς ἀνοικοδομήσω καὶ ἀνορθώσω αὐτήν, 17 ὅπως ἂν ἐκζητήσωσιν οἱ κατάλοιποι τῶν ἀνθρώπων τὸν κύριον, καὶ πάντα τὰ ἔθνη ἐφ’ οὓς ἐπικέκληται τὸ ὄνομά μου ἐπ’ αὐτούς, λέγει κύριος ποιῶν ταῦτα
في هذا النص نجد عبارة “أقوال الأنبياء” (οἱ λόγοι τῶν προφητῶν), فهذه عبارة مختلفة عن “كتاب الأنبياء” أو “الأنبياء”, ولكن كاتب أعمال الرسل في هذا النص يقول إن “أقوال الأنبياء” هذه مكتوبة, فقد استخدم عبارة “وفقاً لما كُتِبَ” (καθὼς γέγραπται) وهي العبارة ذاتها المستخدمة في مرقس 1/2, وإذا بحثنا عن المرجع المكتوب الذي يحتوي على “أقوال الأنبياء”, فسنجد أنها مكتوبة في عاموس 9/11-12, وهو نبي من الإثنى عشر الذين كتاباتهم مجموعة في كتاب اسمه “الأنبياء” ! فهل هذه مجرد صدفة ؟ أنه كلما قال أحد كتبة العهد الجديد إن هذا الاقتباس مكتوب في “الأنبياء”, نجد الاقتباس في كتاب من كتب الأنبياء الإثنى عشر, المجموعة كتاباتهم في كتاب واحد يُسَمَّى “الأنبياء” ؟ لا أعتقد أنها صدفة بأي حال من الأحوال.
بحسب ما كتبه كاتب إنجيل مرقس: “كُتِبَ في الأنبياء” (γέγραπται ἐν τοῖς προφήταις), وبحسب استخدام كلمة “الأنبياء” من قِبَل كتبة العهد الجديد بخصوص الاقتباسات, فإن كاتب إنجيل مرقس يشير إلى الكتاب الذي يجمع كتابات الأنبياء الإثنى عشر والتي يسميها اليهود “الأنبياء”, وعلى هذا فإنه قد أخطأ في عزو اقتباسه المكون من جزأين إلى “الأنبياء” فقط, حيث أن الجزء الثاني من الاقتباس مأخوذ من سفر “إشعياء النبي”. هذا إن كانت ترجمة الفاندايك تحمل النص الصحيح, ولكن ماذا لو كانت الترجمات الأخرى هي الصحيحة, والتي فيها كاتب إنجيل مرقس عزا اقتباسه إلى “إشعياء النبي” ؟ هذا ما سنقوم بدراسته الآن.
الآن ننتقل إلى مرحلة أخرى من مبحث مصادر الاقتباس, بعد أن طرحنا إشكالية عزو كاتب إنجيل مرقس اقتباسه الـمُرَكَّب إلى “الأنبياء” فقط, يجب علينا دراسة إمكانية عزو الاقتباس إلى “إشعياء النبي” فقط. أعتقد أنه من الواضح جداً أن عزو اقتباس مُكَوَّن من جزأين إلى مرجع واحد فقط, خصوصاً أن الجزء الأول من الاقتباس غير موجود في هذا المرجع, أمر يبدو غير صحيح إطلاقاً, تخيل معي: العبارة تقول “كما هو مكتوب في إشعياء النبي” أو كما نجد في ترجمة الآباء اليسوعيين “كُتِبَ في سِفْر النَّبِيّ إشعياء”, والاقتباس الآتي بعد هذه العبارة مباشرةً غير موجود في سفر النبي إشعياء ! هل تستطيع أن تتخيل مدى الصدمة ؟!
أصحاب التفسير التطبيقي للكتاب المقدس لديهم تفسيراً لهذا العزو العجيب: [نرى هنا اقتباساً مزدوجاً مأخوذا من (ملاخي 3/1) ثم من (إشعياء 40/3)، ولكن لم يُذكر إلا اسم إشعياء لأنه كان من عادة كتبة الأسفار الإلهية أن يذكروا الأنبياء البارزين. وتَذْكُر أقدم المخطوطات “إشعياء”، أما المخطوطات الأحدث فتذكر “الأنبياء”.][[30]]
إذن, فهناك ادعاء بأن عادة كتبة الأسفار الإلهية هي ذكر الأنبياء البارزين, أعتقد أن هذا الكلام غير مُقنِع بالمرة, ولكننا سنثبت بالدليل والبرهان أن هذا الكلام لمجرد الهروب من المشكلة, بل إننا فيما بعد سنقوم بتسليط الضوء على هذه المشكلة التي جعلت نُسَّاخ العهد الجديد يقومون بتحريف النص من “إشعياء النبي” إلى “الأنبياء”, وتذكروا المكتوب في التفسير التطبيقي: (وتَذْكُر أقدم المخطوطات “إشعياء”، أما المخطوطات الأحدث فتَذْكُر “الأنبياء”).
أما بخصوص عادة كتبة الأسفار المزعومة, فالواقع يخالف ذلك الادعاء تماماً, فهناك نصوص كثيرة جداً تذكر أن عبارة مُعَيَّنة قالها إشعياء أو أنها مكتوبة في إشعياء أو ما شابه ذلك, وفي جميع هذه الإشارات نجد أن الكلام دائماً في سفر إشعياء النبي, مثل: متى 3/3 (إشعياء 40/3), متى 4/14 (إشعياء 9/1-2), متى 8/17 (إشعياء 53/4), متى 12/17-21 (إشعياء 42/1-4), متى 13/14-15 (إشعياء 6/9-10), متى 15/7 (إشعياء 29/13), مرقس 7/6 (إشعياء 29/13), لوقا 3/4 (إشعياء 40/3-5), لوقا 4/17 (إشعياء 61/1-2), يوحنا 12/38 (إشعياء 53/1), روميا 9/29 (إشعياء 1/9), روميا 10/16 (إشعياء 53/1), روميا 10/20 (إشعياء 65/1), روميا 15/12 (إشعياء 69/9).
لماذا يكون هناك استثناءً في نص مرقس 1/2, كيف يقول الكاتب أنه “كُتِبَ في إشعياء النبي” والاقتباس المكتوب بعد هذه العبارة مباشرة غير موجود في إشعياء النبي ؟! إدعاء إن هذه هي عادة كتبة الأسفار الإلهية هروب من مشكلة العزو الخاطئ لاقتباس مُرَكَّب, فها قد وجدنا أربعة عشر نصاً فيهم إشارات لإشعياء النبي, ودائماً ما نجد الكلام هناك. عَيْبٌ أن نكذب على كتبة الأسفار الإلهية من أجل الهروب من مشكلة تواجهنا, بل من الأفضل والأصلح أن نعترف بالمشكلة ونواجهها, ثم نبحث عن الكتاب الذي: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت : 42]
تأمل أخي المسلم وصديقي المسيحي, قول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً}, {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً} [النساء : 87, 122]. قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله, وهو يشرح كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الله جل وعلا: (وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً من خلقه), قال الشيخ العثيمين: [ودليل الوصف الثاني ـ الصدق ـ: قوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً}، أي: لا أحد أصدق منه، والصدق مطابقة الكلام للواقع، ولا شيء من الكلام يطابق الواقع كما يطابقه كلام الله سبحانه وتعالى، فكل ما أخبر الله به، فهو صدق، بل أصدق من كل قول. ودليل الوصف الثالث ـ البيان والفصاحة ـ: قوله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً} وحسن حديثه يتضمن الحسن اللفظي والمعنوي.][[31]]
إذا وضعنا كلام كاتب إنجيل مرقس تحت الاختبار, سواء كتب: “كما كُتِبَ في الأنبياء” أو “كما كُتِبَ في إشعياء النبي”, هل كلامه يطابق الواقع ؟ بالدليل والبرهان, كلام كاتب إنجيل مرقس لا يطابق الواقع, الجزء الأول من الاقتباس مأخوذ من ملاخي, والجزء الثاني مأخوذ من إشعياء, فلا يجوز نسبة الجزأين لإشعياء فقط, لأن الجزء الأول غير موجود فيه, ولا يجوز نسبة الجزأين للأنبياء فقط, لأن الجزء الثاني غير موجود فيه. يا أيها الناس, إذا كان كاتب الإنجيل مجتهداً لاستطاع أن ينسب اقتباسه إلى المرجع الصحيح, فما بالكم بمن يقول إن هذا الكلام مكتوب بوحي الله, أو إن الكاتب كان مُسَاقاً من الروح القدس ! أخشى أن الموضوع لم ينتهِ عند هذا الحد, بل أن كاتب الإنجيل لم ينقل نقلاً أميناً من المراجع, وهذا ما سنُبَيِّنه الآن.
هل كان كاتب إنجيل مرقس أمينا ؟
في هذا الجزء من البحث سنرجع إلى كتب العهد القديم, وننظر في الاقتباسات التي كتبها كاتب إنجيل مرقس, ومن خلال المقارنة بين الاقتباس والمصدر, سنكتشف مدى أمانة أحد كتبة “الأسفار الإلهية”, وهل نقل “كلمات الإله” – بحسب اعتقاد اليهودي والمسيحي – حرفياً وبأمانة كاملة ؟ أم أنه قام بتحريف وتغيير النصوص من أجل تحقيق مصالح مُعَيَّنة ؟
۩ الجزء الأول من الاقتباس – مرقس 1/2 – (النص النقدي):
ها أُرْسِلُ ملاكي أمام وجهك | Ἰδοὺ ἀποστέλλω τὸν ἄγγελόν μου πρὸ προσώπου σου |
الذي سيُهيئ طريقك | ὃς κατασκευάσει τὴν ὁδόν σου |
كما قرأنا سابقاً, فإن العلماء المسيحيين يقولون أن هذا الاقتباس مأخوذ من سفر ملاخي 3/1. نص ملاخي بحسب ترجمة الفاندايك يقول: (هَئَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي). بالمقارنة البسيطة سنكتشف أن عبارة “أمام وجهك” غير موجودة في ملاخي, بالإضافة إلى أن النص يقول “أَمَامِي” بضمير الـمُتَكَلِّم (First Person), أما في إنجيل مرقس فنجده بضمير الـمُخاطَب (Second Person). وبالمزيد من المقارنة الدقيقة سنكتشف اختلافات أخرى, فلنلقي نظرة على النص العبري[[32]]:
ترجمة عبري عربي – ملاخي 3/1
ترجمة بولس الفغالي للنص العبري: (ها أنا مُرسلٌ ملاكي فيُمَهِّد طريقاً أمامي), عبارة “طريقاً أمامي” تحولت عند كاتب إنجيل مرقس, بحسب ترجمة الفاندايك والنص المستلم اليوناني إلى: “طريقك أمامك” أو “طريقك قدامك”, أما النص اليوناني النقدي فتنتهي بكلمة “طريقك” بتغيير ضمير الـمُتَكَلِّم إلى الـمُخاطَب. نلاحظ أيضاً أن النص في ملاخي يحتوي على كلمة “أنا” والتي لا نجد مقابلها في النص اليوناني النقدي, أما في الفاندايك والنص المستلم اليوناني فنجدها. إذن نستطيع أن نقول إن هناك إضافات حدثت من النُسَّاخ لتجعل النص اليوناني القديم أشبه بالنص الموجود في ملاخي. فلنلقي نظرة على نص الترجمة السبعينية اليونانية ملاخي لعلنا نكتشف المزيد من الاختلافات:
مرقس 1/2 (النص اليوناني النقدي) | ملاخي 3/1 (الترجمة السبعينية اليونانية) |
Ἰδοὺ ἀποστέλλω τὸν ἄγγελόν μου πρὸ προσώπου σου, ὃς κατασκευάσει τὴν ὁδόν σου | ἰδοὺ ἐγὼ ἐξαποστέλλω τὸν ἄγγελόν μου, καὶ ἐπιβλέψεται ὁδὸν πρὸ προσώπου μου |
ها أرسلُ (الـ)ملاكي أمام وجهك, الذي يُهيئ (الـ)طريقك. | ها أنا سأرسلُ (الـ)ملاكي, ويَنظُر طريقاً أمامي. |
ترتيب النص مختلف تماماً ! نجد في ملاخي عبارة (πρὸ προσώπου μου) والتي قد تترجم إلى “وجهي” أو “أمامي”, ولكنها ليست بعد عبارة (τὸν ἄγγελόν μου) “ملاكي” مباشرة, كما نجد في إنجيل مرقس. وهناك أيضاً اختلاف بسيط بين الفعل المستخدم من كاتب الإنجيل (ἀποστέλλω) وما نجده في ملاخي (ἐξαποστέλλω), فإن الإضافة (ἐξ) تشير إلى الخروج والانطلاق أو الإبعاد والانفصال أو الإرسال[[33]]. بالإضافة إلى أن النص في ملاخي يقول “طريقاً” أما في مرقس فهناك أداة تعريف.
ولكن هناك اختلاف أكثر جوهرية, الكلمة التي استخدمها كاتب الإنجيل للتعبير عن فعل الملاك هي: (κατασκευάσει), ولكن هذه الكلمة مختلفة عن التي نجدها في سفر ملاخي: (ἐπιβλέψετα). كلمة (ἐπιβλέψετα) من الأصل (ἐπιβλέπω)[[34]] وتعني “أنظر بعناية إلى” أو “أتَفَرَّس في”[[35]], والتي تعطي إيحاءاً بأن الملاك سيراقب الطريق من أجل التأمين أو الحماية أو أي أمر آخر. أما الكلمة التي استخدمها كاتب الإنجيل (κατασκευάσει) من الأصل (κατασκευάζω) وتعني “يُعِدّ” أو “يَصْنَع”[[36]], وهذا معنى آخر غير الذي نجده في سفر ملاخي.
بعض العلماء يعتقدون بأن كاتب الإنجيل تأثر بنص ملاخي العبري في الجزء الثاني من النص, ومن خلالها كتب “الذي يهيئ طريقك”. الترجمة السبعينية تستخدم كلمة (ἐπιβλέπω) التي شرحناها منذ قليل, ولكن النص العبري يستخدم كلمة (ופנה), والتي جاءت من الأصل (פּנה), والتي تشير إلى من يمشي أمامك[[37]], وهكذا تترجمها النسخة اليهودية الإنجليزية إلى “يُمهد الطريق أمامي”[[38]].
كل هذه الاختلافات جعلت العلماء في حيرة من أمرهم ! هل قام كاتب الإنجيل بتحريف نص ملاخي إلى هذه الدرجة عندما قام بالاقتباس ؟ وهل ملاخي هو المرجع الوحيد لاقتباس كاتب الإنجيل ؟ في الحقيقة, العلماء وجدوا نصاً آخراً في العهد القديم أقرب, أو على الأقل قريب من الصيغة الموجودة في إنجيل مرقس. لذلك نجد من العلماء تصريحات بأن الاقتباس الموجود في إنجيل مرقس 1/2-3 مُكَوَّن أو مأخوذ من ثلاثة مراجع !
عالم النقد النصي الشهير فيليب كونفرت يقول: [في مرقس 1/2, اقتبس الكاتب من الخروج 23/20, ثم بعد ذلك من ملاخي 3/1 (النص العبري), وفي مرقس 1/3, اقتبس من إشعياء 40/3 (الترجمة السبعينية), أو ربما استخدم مرقس مجموعة من النصوص اليهودية التي تتعلق المسيا (Cole 1961, 57 ). أيا كان مصدر مرقس في هذا, فقد عزا ذلك النص لـ إشعياء فقط.][[39]], وديفيد بالمر يقول: [الاقتباس الأول يبدو كمزيج من الخروج 23/20 وملاخي 3/1, والاقتباس الثاني من إشعياء 40/3. ][[40]]
الأب جاك ماسون اليسوعي أيضاً يقول: [إن بعض المخطوطات تذكر “الأنبياء”, بالجمع لا بالمفرد, لأن النص الذي يورده القديس مرقس مكوّن من ثلاث آيات: من سفر الخروج 23/20 ومن النبي ملاخي 3/1 ومن النبي إشعياء 40/3, كأن القديس مرقس يريد أن يؤكد أن البشارة بالسابق لا تقتصر على مرجع واحد بل تشمل الكتاب المقدس بأسره.][[41]]
بغض النظر عن ذكر الأنبياء بالجمع وليس بالمفرد, فإن هذا الأمر قد رددنا عليه باستفاضة, فإنه يوجد كتاب عند اليهود اسمه “الأنبياء” لأنه يجمع كتابات الأنبياء الإثنى عشر, وقد جئنا باستخدام كتبة العهد الجديد لها, وأثبتنا أنه عند الإشارة إلى “الأنبياء”, دائماً ما يكون الاقتباس من سفر من أسفار الأنبياء الصغار الإثنى عشر. هل عندما استخدم كتبة العهد الجديد تعبير “الأنبياء” في أعمال 15/15, وأعمال 13/40-41 وغيرهما كان الاقتباس مأخوذ من أكثر من مرجع ؟ كلا, ولكنه اختراع المفسرين من أجل إخراج كاتب إنجيل مرقس من المشكلة التي وقع فيه.
وفي مرجع آخر باسم تعليق على النص اليوناني نجد الآتي: [هذا الاقتباس في الأساس هو مزيج من ملاخي 3/1 – مع بعض العناصر المستمدة من الخروج 23/20 – ومن إشعياء 40/3، وربما تم نسبة كل هذا إلى إشعياء لأنه الأكثر شهرة، وعلى الرغم من أنه (أي الاقتباس المأخوذ فعلاً من إشعياء) جاء في الجزء الثاني, إلا إنه كان الفكرة الأساسية الرابطة بين الجزأين.][[42]]
في المرجع السابق نجد أيضاً اعترافاً بأن الاقتباس مأخوذ من ثلاثة مراجع, مع تبرير غير منطقي لسوء العزو إلى مرجع واحد ! ألم يستطع كاتب الإنجيل أن يستخدم عبارة مثل “ما قيل بواسطة الأنبياء” (τὸ ῥηθὲν διὰ τῶν προφητῶν) والتي استخدمها كاتب إنجيل متى ؟! أو العبارة المتكررة في العهد الجديد “كما هو مكتوب”, بدون التصريح بأن هذا الاقتباس “كُتِبَ” (γέγραπται) “في الأنبياء” (ἐν τοῖς προφήταις), والتي جاءت في حالة القابل, أي أننا نستطيع الرجوع إليه فعلاً !
إذن, أخذنا معلومة مفيدة, وهي أن الاقتباس مُكَوَّن من ثلاثة نصوص: الخروج 23/20, وملاخي 3/1, وإشعياء 40/3. الخروج 23/20 يقول: (هَا أنَا مُرْسِلٌ مَلاكا أمَامَ وَجْهِكَ لِيَحْفَظَكَ فِي الطَّرِيقِ). عندما نقارن الخروج بالموجود في إنجيل مرقس نجد اتفاق في عبارة “أمام وجهك”, والضمير للمُخاطب أيضاً, فلعل كاتب الإنجيل اقتبس فعلاً من الخروج ! لنلقي نظرة على النص العبري[[43]]:
ترجمة عبري عربي – الخروج 23/20
ترجمة بولس الفغالي للنص العبري: (ها أنا مُرسِلٌ ملاكاً أمامك لِحفظِكَ في الطريق). نجد في نص الخروج كلمة “أنا” مرة أخرى, فسواء اعتقد المسيحي أن كاتب إنجيل مرقس اقتبس من الخروج أو من ملاخي, فإنه أسقط كلمة “أنا” وهذا تأكيد لإضافتها فيما بعد في مخطوطات إنجيل مرقس, وظهورها في النص المستلم اليوناني. ولكن هناك ملحوظة, ألا وهي أن النص في الخروج يقول “ملاكاً” أما في ملاخي فيقول “ملاكي” وهكذا نجدها في إنجيل مرقس. فلنلقي نظرة على نص الترجمة السبعينية:
مرقس 1/2 (النص اليوناني النقدي) | الخروج 23/20 (الترجمة السبعينية اليونانية) |
Ἰδοὺ ἀποστέλλω τὸν ἄγγελόν μου πρὸ προσώπου σου, ὃς κατασκευάσει τὴν ὁδόν σου | Καὶ ἰδοὺ ἐγὼ ἀποστέλλω τὸν ἄγγελόν μου πρὸ προσώπου σου, ἵνα φυλάξῃ σε ἐν τῇ ὁδῷ |
ها أرسلُ (الـ)ملاكي أمام وجهك, الذي يُهيئ (الـ)طريقك. | ها أنا أرسلُ (الـ)ملاكي أمام وجهك, ليحفظك في الطريق. |
بنظرة بسيطة مقارنة بين نص الخروج اليوناني ونص مرقس النقدي, مع إسقاط حرف العطف (Καὶ) الموجود في بداية نص الخروج, وتجاهل كلمة “أنا” (ἐγὼ) التي أسقطها كاتب إنجيل مرقس سواء سهواً أو قصداً, سنجد أن هناك شبه تطابق في الجزء الأول, “ها أرسلُ (الـ)ملاكي أمام وجهك”, ولكن المشكلة كلها تكمن في الجزء الثاني, من أين جاء كاتب الإنجيل بـ “الذي يُهيئ طريقك” ؟ العلماء يعتقدون أنه من وحي النص العبري لملاخي 3/1, مع الاعتراف بأنه لا يوجد نظير “مُطابِق” له في العهد القديم !
الـمُفَسِّر جيمس إدوارد يقول في تفسيره الآتي: [الاقتباس الموجود في 1/2-3 مُعَرَّف على أنه مأخوذ النبي إشعياء, مع أنه في الحقيقة نسيج ثلاثة مقاطع من العهد القديم. الإشارة إلى إرسال رسول الموجود في العدد الثاني مأخوذ من النصف الأول من الخروج 23/20, وملاخي 3/1، مع أنه لا يوجد نظير مطابق في العهد القديم للنصف الثاني من العدد الثاني “الذي سيُمَهِّد طريقك”. الجزء الأكبر من النسيج موجود في العدد الثالث, والتي نقلت إشعياء 40/3 شبه حرفياً.][[44]]
إذن, النصف الثاني من العدد الثاني ليس له نظير مطابق في العهد القديم ! أما الجزء الأول, فيقول العلماء المسيحيون إنه مُكَوَّن من الخروج 23/20, وملاخي 3/1. أعتقد أن المشكلة كبيرة, ولكن المشكلة الأكبر هي تغيير كاتب الإنجيل لضمير المتكلم إلى ضمير المخاطب, مع إضافة عمل الملاك وأنه “سيهيئ طريقك” ! لماذا كل هذه التغييرات ؟ لماذا قام كاتب الإنجيل بهذه “التحريفات” و “الإضافات” ؟ دعونا نرصد التحريفات والتغييرات في جدول بسيط ثم نجيب عن السؤال:
مرقس 1/2 (النص النقدي) | ملاخي 3/1 (الترجمة السبعينية) | الخروج 23/20 (الترجمة السبعينية) |
Ἰδοὺ ἀποστέλλω τὸν ἄγγελόν μου πρὸ προσώπου σου, ὃς κατασκευάσει τὴν ὁδόν σου | ἰδοὺ ἐγὼ ἐξαποστέλλω τὸν ἄγγελόν μου, καὶ ἐπιβλέψεται ὁδὸν πρὸ προσώπου μου | Καὶ ἰδοὺ ἐγὼ ἀποστέλλω τὸν ἄγγελόν μου πρὸ προσώπου σου, ἵνα φυλάξῃ σε ἐν τῇ ὁδῷ |
مع الاعتراف بأن الجزء الثاني من العدد الثاني “الذي يهيئ طريقك” ليس له نظير في العهد القديم, وإنه قد يكون من وحي النص العبري لملاخي, سنقارن فقط بخصوص الجزء الأول, فإذا كان الجزء الأول من الاقتباس مأخوذاً من الخروج 23/20 فقط, فلا فرق إلا في إسقاط حرف العطف (Καὶ), وكلمة “أنا” (ἐγὼ), أما إذا كانت من ملاخي فهناك مشاكل كثيرة جداً, أولها هي إضافة (ἐξ) على الفعل (αποστέλλω), وثانيها عدم وجود عبارة (πρὸ προσώπου) بعد كلمة “ملاكي” مباشرة, وثالثها تغيير الضمير من الـمُتَكَلِّم إلى الـمُخاطَب. ولعل كاتب الإنجيل بالفعل أخذ الجزء الأول من الخروج, واستوحى الجزء الثاني من ملاخي ! ولكن لماذا قام بهذه التغييرات الكثيرة ؟
الإجابة نجدها في تفسير كنيسة المؤمنين الذي يقول: [ملاخي 3/1 وإشعياء40/3 – اللذان يُعتَبَرا المصدرين لاقتباس مرقس الذي يشير فقط إلى إشعياء – يتحدثان عن النبي الذي سيُهيئ لقدوم الرب. مرقس غيّر النصوص النبوية قليلاً لكنه تغيير مُهِم ذو مغزى. في ملاخي “رب الجنود” يعلن أن رسولاً سيسبق قدوم الرب ليطهّر الهيكل. بينما في إشعياء, الصوت الصارخ سيعد لقدوم الرب. تغيير بسيط لكلا النصين جعل الأمر منساباً لنص مرقس, ليكون نبوءة لبشارة يسوع.][[45]]
هكذا إذاً تكون الأمور واضحة, كاتب الإنجيل قام بتحريف النصوص النبوية حتى تصلح لأن تكون نبوات لمن سيبشر بيسوع ! يا له من اعتراف رائع جداً ومنطقي للغاية, ولعل هذا يوضح لنا لماذا قامت الترجمات بتحريف بسيط في الترجمة, فقد استخدموا كلمة “رسولي” بالرغم أن العبارة اليونانية (τὸν ἄγγελόν) و الكلمة العبرية (מלאכי) غالباً ما تترجم إلى ملاك وليس إلى رسول. ولكن كاتب الإنجيل يريد بهذه التحريفات والتغييرات في النصوص النبوية أن يعطي نبوة من العهد القديم توضح قدوم يوحنا المعمدان قبل المسيح عليه السلام, ويوحنا المعمدان ليس ملاكاً, بل رسولاً نبياً, ولذلك قامت الترجمات باستخدام كلمة “رسولي” بدلاً من “ملاكي”. جميع التحريفات لها معنى ومغزى !
۩ الجزء الثاني من الاقتباس – مرقس 1/3 – (النص النقدي):
صوت صارخ في البرية | φωνὴ βοῶντος ἐν τῇ ἐρήμῳ |
أعدوا (الـ) طريق رب | Ἑτοιμάσατε τὴν ὁδὸν κυρίου |
اجعلوا سُبُله قويمة | εὐθείας ποιεῖτε τὰς τρίβους αὐτοῦ |
ترجمة يوناني عربي – مرقس 1/3[[46]]
بخصوص الجزء الثاني من الاقتباس الموجود في العدد الثالث, نجد أنه أكثر دقة في الاقتباس من الترجمة السبعينية اليونانية, إلا في اختلاف في نهاية الاقتباس. نص إشعياء 40/3 بحسب ترجمة الفاندايك يقول: (صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا). نهاية الاقتباس يأتي بشكل مختصر “اجعلوا سُبُله قويمة”, أما في إشعياء فيقول “قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا”. دعونا نلقي نظرة أقرب على النص العبري[[47]]:
ترجمة عبري عربي – إشعياء 40/3
ترجمة بولس الفغالي للنص العبري: (صوتُ مُنادٍ في البرية, وجِّهُوا طريق يهوه, قوِّمُوا في البادية مسلكاً لإلهنا). الاختلاف كما قلنا يظهر في الجزء الأخير, مع ملاحظة أن النص العبري يقول “طريق يهوه” أما نص الإنجيل فيجعله في صيغة الجمع (τὰς τρίβους αὐτοῦ) “طُرُقه”. إذا قمنا بمقارنة نص الإنجيل بنص إشعياء حسب الترجمة السبعينية سنجد شبه تطابق:
مرقس 1/3 (النص النقدي) | إشعياء 40/3 (الترجمة السبعينية اليونانية) |
φωνὴ βοῶντος ἐν τῇ ἐρήμῳ | φωνὴ βοῶντος ἐν τῇ ἐρήμῳ |
Ἑτοιμάσατε τὴν ὁδὸν κυρίου | Ἑτοιμάσατε τὴν ὁδὸν κυρίου |
εὐθείας ποιεῖτε τὰς τρίβους αὐτοῦ | εὐθείας ποιεῖτε τὰς τρίβους τοῦ θεοῦ ἡμῶν |
الاختلاف الوحيد هو أن إشعياء يقول (τρίβους τοῦ θεοῦ ἡμῶν) “سُبُل إلهنا”, أما كاتب الإنجيل فيقول اختصاراً (τρίβους αὐτοῦ) “سُبُله”. إذن, لعل كاتب إنجيل مرقس أحسن الاقتباس فعلاً من الترجمة السبعينية اليونانية لنص إشعياء 40/3, مع مراعاة الاختلاف في نهاية الاقتباس.
۩ مُلَخَّص هذا الجزء:
الاقتباس الموجود في إنجيل مرقس 1/2-3 مأخوذ من ثلاثة مقاطع: الخروج 23/20, وملاخي 3/1, وإشعياء 40/3. نستطيع تقسيم الاقتباس إلى أربعة أجزاء: (1) “ها أرسلُ ملاكي أمام وجهك”, (2) “الذي يُهيئ طريقك”, (3) “صوت صارخ في البرية, أعدوا طريق الرب”, (4) “أجعلوا سبله مستقيمة”. الجزء الثالث منقول تقريباً حرفياً من الترجمة السبعينية لإشعياء 40/3, والجزء الرابع يعتبر اختصاراً لما نجده في الترجمة السبعينية لإشعياء, أما الجزء الثاني فليس له نظير في العهد القديم, ويعتقد الكثير أنه من وحي النص العبري لملاخي 3/1, والمشاكل والتحريفات كلها موجودة في الجزء الأول وقد سردنا المشاكل بالتفصيل. وكل هذا من أجل تكوين نصوص نبوية تبشر بمن سيُبَشِّر بيسوع.
أيهما كتب مرقس: الأنبياء أم أشعياء ؟
إن كنت تعتقد أن المشاكل السابقة هي أكبر مشاكل النصين؛ فأنت مخطئ, فإن ما سنتعامل معه الآن عند العلماء أكبر وأعظم ! القضية ليست فقط اختلافات بين المخطوطات, ولكن المشكلة تدور حول تغيير مقصود للنص لأسباب ودوافع مُعَيَّنَة, هناك من قام بتحريف النص وهناك أسباب دفعته لذلك ! مهلاً يا صديقي المسيحي, فأنا لن أفترِ من عندي, بل كما فعلت سابقاً, سأنقل فقط منأنقأشسيش أقوال العلماء المختصين وأقوم بالتعليق عليها.
عرفنا سابقاً, من خلال مقارنة النسخة اليونانية النقدية (UBS4RE) بنسخة النص المستلم اليونانية (GNT-TR), أن هناك اختلافات عديدة, ونقصد بكلمة اختلاف هنا, وجود أكثر من شكل لنفس النص الواحد, والمفترض أن يكون للنص شكل واحد فقط, حيث أن الكاتب كتب إنجيلاً واحداً فقط, وأي اختلافات نجدها في مصادر نص الإنجيل ناتجة عن مشاكل أثناء انتقال نص الإنجيل تاريخياً. أهم هذه الاختلافات, الاختلاف الخاص بمصدر الاقتباس, هل هو (τοῖς προφήταις) “الأنبياء” أم (τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ) “إشعياء النبي” ؟ أيهما كتب مرقس ؟ ولماذا ظهر الشكل الآخر في مصادر نص إنجيل مرقس ؟
۩ الأدلة الخارجية (ما يخُص مصادر النص):
ترتيب الأشكال المختلفة للنص طبقاً لـ (UBS4RE)[[48]]:
- الشكل الأول: في (الـ)أشعياء النبي [ἐν τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ]: المخطوطات اليونانية: السينائية والفاتيكانية (القرن الرابع), L (القرن الثامن), Δ و 33 و 565 و 892 (القرن التاسع), 1241 (القرن الثاني عشر), 2427 (القرن الرابع عشر).
- الشكل الثاني: في أشعياء النبي [ἐν Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ]: المخطوطات اليونانية: بيزا (القرن الخامس), Θ (القرن التاسع), مخطوطات العائلة الأولى ƒ1 (القرن الثاني عشر وما بعده), 205 (القرن الخامس عشر), 700 و 1243 و l 253 (القرن الحادي عشر), 1071 (القرن الثاني عشر), الترجمات القديمة: الأرمينية (القرن التاسع عشر), الجورجية (القرن الخامس), اللاتينية القديمة: a (القرن الرابع), b, d, ff_2 (القرن الخامس), f, q (القرن السادس), aur (القرن السابع), l (القرن الثامن), c (القرن الثاني عشر), الفولجاتا (القرن الخامس), السريانية: البشيطا (القرن الخامس) والفلسطينية (القرن السادس) والهاركلينية على الهامش (القرن السابع), القبطية: الصعيدية (القرن الرابع) والبحيرية (القرن التاسع).
- الشكل الثالث: في الأنبياء [ἐν τοῖς προφήταις]: المخطوطات اليونانية: السكندرية, واشنجطون (القرن الخامس), مخطوطات العائلة الثالثة عشر (القرن الثالث عشر وما بعده), 1424 (القرن التاسع), 28, 1006 (القرن الحادي عشر) 180, 1010, 1505 (القرن الثاني عشر), 579, 597, 1292, 1342 (القرن الثالث عشر), مخطوطات نص بيزنطي أحرف كبيرة: E, F, H, Σ (القرن السادس), G, P (القرن التاسع), مع أغلبية مخطوطات النص البيزنطي الأخرى, أغلبية مخطوطات القراءات الكنيسة, الترجمات القديمة: بعض مخطوطات الفولجاتا, السريانية الهاركلينية (القرن السابع), القبطية البحيرية على الهامش (القرن التاسع), الأثيوبية (القرن السادس), السلافينية (القرن التاسع).
- الشكل الرابع: في أشعياء وفي الأنبياء [ἐν Ἠσαΐᾳ καὶ ἐν τοῖς προφήταις]: بعض المخطوطات اللاتينية القديمة (القرن الخامس وما بعده).
- سنقوم بمناقشة الأدلة الآبائية فيما بعد.
المخطوطة السينائية من القرن الرابع الميلادي – الشكل الأول: “في (الـ)أشعياء النبي”
مصادر نص إنجيل مرقس تحتوي على أربعة أشكال مختلفة للنص: (1) “في (الـ)أشعياء النبي”, (2) “في أشعياء النبي”, (3) “في الأنبياء”, (4) “في أشعياء وفي الأنبياء”. الشكل الأول والثاني للنص يجعلا الاقتباس لإشعياء النبي, بغض النظر عن وجود أداة تعريف قبل إشعياء أو لا, فلن تفرق كثيراً وجودها أو عدمها, فإن الشكلين في نفس الاتجاه. أما الشكل الثالث فهو المنافس الرئيسي للشكلين الأول والثاني, والـمُفاضلة ستكون بين هاتين الفرقتين. أما الشكل الرابع فهو خارج حسابات العلماء, حيث أنه موجود في مخطوطات لاتينية قليلة فقط, وليس له أي دعم من المخطوطات اليونانية, فمن الواضح جداً أن الشكل الرابع جاء من دمج الشكل الثاني والثالث, وهو نوع من أنواع التغييرات المقصودة للنص تُسَمَّى عند العلماء بـ “Conflation” (الجمع بين أشكال مختلفة للنص في مخطوطة جديدة فيكون شكلاً جديداً)[[49]].
وبمناسبة هذا الشكل الغريب “في إشعياء وفي الأنبياء”, أعتقد أنه كان عليه أن يكتب “في الأنبياء وفي إشعياء”, حيث أن الاقتباس المأخوذ من “الأنبياء” جاء أولاً, ثم جاء من بعده الاقتباس المأخوذ من إشعياء, ولكن لعل هذا الترتيب في الشكل الرابع يشير إلى قِدَم “إشعياء” وجودها في مخطوطات قبل ظهور الشكل الذي يحتوي على “الأنبياء”. وعلى كل حال, هذا الشكل دليل على أن عزو الاقتباس لـ “إشعياء” وحده أو لـ “الأنبياء” وحده خطأ, ويجب العزو إلى المصدرين معاً.
المخطوطة الفاتيكانية من القرن الرابع الميلادي – الشكل الأول: “في (الـ)أشعياء النبي”
بنظرة بسيطة نستطيع أن نرى أن الشكل الثالث “في الأنبياء” ليس له أي شواهد قبل القرن الخامس, أما الشكل الأول “في (الـ)إشعياء النبي” فنجده في أقدم وأصح مخطوطتين يونانيتين: السينائية والفاتيكانية. نلاحظ أيضاً أن الشكل الثاني “في إشعياء النبي” – والذي هو في جانب الشكل الأول “في (الـ)إشعياء النبي” – موجود في أقدم وأغلب الترجمات: اللاتينية, القبطية, السريانية, الجورجية, الفولجاتا. أما الشكل الثالث “في الأنبياء” فنجده فقط في ترجمات من القرن السادس وما بعده. هكذا نستطيع أن نقول بمنتهى الثقة والثبات إن الشكلين الـمُدَعَّمَيْن لـ “إشعياء النبي” هما الأقدم, وأن الشكل الثالث جاء فيما بعد.
مخطوطة بيزا من القرن الخامس الميلادي – الشكل الثاني: “في أشعياء النبي”
نستطيع أن نلاحظ أيضاً أن الشكلين الأول والثاني منتشرين في عدد لا بأس به من المخطوطات, وهذه المخطوطات من جميع العائلات النصية تقريباً, فهناك أهم مخطوطات النص السكندري: السينائية والفاتيكانية والقبطية, وأهم مخطوطات النص الغربي: بيزا واللاتينية القديمة والفولجاتا, وهناك شواهد من النص القيصري أيضاً. ومن علامات انتشار الشكل الأول والثاني في المخطوطات, وجوده في الكثير من المخطوطات المتأخرة زمنياً (من القرن التاسع وما بعده), بالإضافة إلى وجودها في مخطوطة دير سانت كاترين للأناجيل الأربعة باللغة العربية, والتي ترجع إلى القرن التاسع الميلادي[[50]]. أما الشكل الثالث – فكما قلنا سابقاً – لا نجده في أقدم الشواهد, إلا أنه انتشر فيما بعد في أغلبية مخطوطات العهد الجديد من النص البيزنطي[[51]].
مخطوطة دير سانت كاترين للأناجيل الأربعة من القرن التاسع الميلادي – الشكل الثاني: “أشعياء النبي”
كل ما قلناه سابقاً أقر به أكابر علماء النقد النصي, وإليكم ما قالوه:
- بروس تيري: [القراءة الموجودة في النص (UBS3: (الـ)إشعياء النبي), نجدها في عدة أنواع من النصوص القديمة.][[52]]
- بروس متزجر: [قراءة (UBS4: (الـ)إشعياء النبي) موجودة في أقدم الشواهد النموذجية للنص السكندري والغربي.][[53]]
- دانيال والاس: [على الجانب الآخر, الشواهد الخاصة بـ “في إشعياء النبي” (سواء كانت بأداة تعريف قبل إشعياء أو لا) قديمة ومنتشرة جغرافياً بشكل كبير: (א B D L Δ Θ f1 33 565 700 892 1241 2427 al syp co Ir). هذه الشواهد تدل على أن القراءة منذ القرن الثاني, ومنتشرة بشكل واسع, وموجودة في الشواهد الأكثر أهمية للنصوص السكندرية والغربية وكذلك القيصرية.][[54]]
المخطوطة السكندرية من القرن الخامس الميلادي – الشكل الثالث: “في الأنبياء”
ونجد أيضاً في تفسير نسخة الـ NIV الآتي: [الاقتباس في العددين الثاني والثالث يُرجِعنا إلى العدد الأول لبيان أن بداية البشارة جاءت “كما هو مكتوب في إشعياء النبي” بالرغم من أن العديد من المخطوطات القديمة لمرقس تقرأ “كما هو مكتوب في الأنبياء”, نجد أن أفضل المخطوطات تشير فقط إلى “إشعياء”. ربما أراد مرقس أن يلقي الضوء على الاقتباس من إشعياء 40/3 في العدد الثالث.][[55]]
مخطوطة واشنطون من القرن الخامس الميلادي – الشكل الثالث: “في الأنبياء”
إذن, نستطيع أن نقول إن الشكل الأول والثاني الـمُدَعِّمَان لـ “إشعياء النبي”, نستطيع أن نجدهما في أقدم المخطوطات وأصحها, سواء كانت للنص السكندري أو الغربي أو القيصري, فكما قال دانيال والاس عنها إنها “منذ القرن الثاني, ومنتشرة بشكل واسع, وموجودة في أكثر الشواهد أهمية”, أما الشكل الثالث فلا نجدها إلا في مخطوطات القرن الخامس وما بعدها, وانتشرت في مخطوطات النص البيزنطي, والتي تمثل أغلبية مخطوطات العهد الجديد.
۩ الأدلة الآبائية:
اقتباسات آباء الكنيسة والكتبة الأوائل, هو المصدر الثالث من مصادر نص العهد الجديد. يحاول البعض إعطاء هذا المصدر قوة خاصة في الاستشهاد, ولكن الأمر ليس هكذا عند العلماء. على كل حال, وبخصوص مرقس 1/2, فإن آباء الكنيسة منذ البدء, غالباً ما يقتبسون النص بالشكل الأول “في (الـ)إشعياء النبي” أو الثاني “في إشعياء النبي”. ولكن يجب لفت انتباه صديقي المسيحي إلى معلومة في غاية الأهمية سأطرحها في شكل إجابة لسؤال: من أين عرفت الآباء الذين اقتبسوا النص بهذا الشكل أو ذاك ؟ الإجابة ببساطة: من النسخ اليونانية النقدية مثل (UBS4RE) أو (NA27), أو من أي عالم معروف متخصص في النقد النصي, فلست أنا من أدَّعي أن هذا الأب اقتبس أو لم يقتبس.
هناك سؤال آخر في غاية الأهمية: لماذا علينا أن نأخذ بأقوال العلماء المتخصصين ؟ لماذا لا نفتش بأنفسنا في كتابات الآباء ونستخرج الاقتباسات لنرى في أي شكل اقتبس النص ؟ الإجابة: لأن هناك الكثير من غير المتخصصين لا يستطيعون التمييز بين الاقتباسات وشرح الأب نفسه, فيأتي بالشرح ظناً منه أنه اقتباس لنص ما بسبب تشابه الشرح مع النص ! ولكن لكي يكون كلام الأب شاهداً لنص معين من العهد الجديد, لابد أن يكون هناك تصريح من الأب بأنه اقتباس, بالإضافة إلى أن يكون للنص المقتبس علاقة وثيقة حرفية بالنص كما نجده في العهد الجديد. هذه المعايير ليست من نفسي, ولكنها المعايير الموجودة في النسخ اليونانية النقدية[[56]].
على كل حال, وكما قال الشاعر: “عَلَىَّ نَسَج القَوَافِي مِنْ مَعَدِنِها..”, فلابد لك أيها القارئ أن تعي جيداً, وتدرك من الذي يلتزم المعايير العلمية والحيادية حتى لو لم يكن على دينك, ومن الذي يُدَلِّس ويكتب بجهل حتى لو كان على دينك, ولا تجعل العاطفة حكماً على مثل هذه الأمور الأكاديمية البحتة, بل اجعل عقلك حكماً عدلاً مُقسطاً, حتى يرشدك إلى الصواب بإذن الله جل وعلا. وهكذا سنقوم بعرض الآباء الذين اقتبسوا مرقس 1/2, مع عرض بعض اقتباساتهم, وسنأخذ مثالاً على استشهاد خاطئ بكلام أحد الآباء, حتى ندرك الفرق بين الشاهد الصحيح والشاهد السقيم, والله وَلِيّ التوفيق.
بحسب النسخ اليونانية النقدية[[57]] (سنقوم بتفصيل الأمور فيما بعد وفقاً للمرجعين السابقين), الآباء الذين اقتبسوا الشكل الثالث “في الأنبياء” هم: إيريناوس (ت. 202م), وأستيريوس السوفسطائي (ت. 341م). وأما الذين اقتبسوا الشكل الأول “في (الـ)إشعياء النبي” أو الثاني “في إشعياء النبي” هم: إيريناوس أسقف ليون (ت. 202م), والعَلَّامة أوريجانوس (وُلد 185م – ت. 254م), وفيكتورينوس أسقف بيتو (ت. حوالي 304م), وسيرابيون أسقف تمويس (أسقفاً قبل 339م – 359/362م), وأمبروسيستور (بعد 384م), وأبيفانيوس السلاميسي (ت. 403م), وسويريانوس الجَبَلي (ت. بعد 408م), وخروماتيوس أسقف أكويليا (ت. 407م), وهيسيشيوس (بعد 450م), وجيروم (ت. 419م), وأوغسطينوس أسقف هيبو (ت. 430م).
من الواضح أن كفة الشكل الأول والثاني أرجح بكثير من كفة الشكل الثالث, فالشكل الثالث ليس له إلا اثنين من الآباء يشهدان له, وأما الشكل الأول والثاني فلهما من الآباء أحد عشر (هناك آباء آخرون ولكن هؤلاء هم الأهم). هذا الفارق العددي يوضح لنا بجلاء مدى الانتشار الجغرافي للشكلين الأول والثاني, حيث أن هؤلاء الآباء من بلاد مختلفة, بعضهم كتب باليونانية والآخر كتب باللاتينية, فهذا يعطي قوة كبيرة.
في البداية يجب علينا توضيح نقطة في غاية الأهمية: كيف يكون إيريناوس أسقف ليون شاهداً لكلا الكفتين ؟ الإجابة تكمن في معرفة طبيعة كتابات هذا الأب. إيريناوس يُعد من أهم وأشهر لاهوتي القرن الثاني, وُلِد حوالي 140م وتوفى 202م, وكتابه ضد الهرطقات أو الرد على الهراطقة هو أقدم دحض للهرطقة في الأدب المسيحي. هذا الكتاب كُتِبَ أصلاً باللغة اليونانية ولكنه فُقِد, والموجود هو ترجمة لاتينية للنص كاملاً.[[58]]
النسخة الأصلية اليونانية لكتاب إيريناوس فُقِدت بالفعل, ولكن هناك بقايا للنص اليوناني محفوظ من خلال اقتباسات هيبوليتوس وأبيفانيوس للكتاب[[59]]. وهكذا, وبحسب الإصدارات اليونانية النقدية التي أشرنا إليها سابقاً, فإننا نجد في النص اليوناني لـ إيريناوس اقتباساً للشكل الثاني, ونجد في النص اللاتيني اقتباساً آخراً لنفس الشكل, مما يدل على أن الأصل عند إيريناوس هو الشكل الثاني “في إشعياء النبي”, ولكن في الترجمة اللاتينية المتأخرة نجد الشكل الثالث “في الأنبياء”, وقد تم اقتباسه مرتين.
على هذا يُعَلِّق دانيال والاس قائلاً: [مشكلة شهادة إيريناوس هو أنه كَتَبَ باليونانية لكن أغلب ما حُفِظَ عنه كان باللاتينية. النصوص اليونانية المتبقية له تحتوي على “في إشعياء النبي“. بينما كانت النصوص المتأخرة اللاتينية فقط تقرأ “في الأنبياء”. و هكذا كانت قراءة الملك جيمس متماشية مع أغلب المخطوطات المتأخرة.][[60]]
إذن, إيريناوس يُعتبر شاهداً للشكل الثاني “في إشعياء النبي” حيث أن أقدم نصوص كتاباته اليونانية تشهد بذلك, أما النصوص المتأخرة اللاتينية فتشهد للشكل الثالث “في الأنبياء”, وهذا لا دهشة فيه, فليس صعباً أن تغير في كتابات الآباء, ألم يتم التغيير في الكتاب نفسه ؟! وعلى كل حال, سنقوم بعرض ثلاث اقتباسات لـ إيريناوس, اثنين للشكل الثالث, وواحد للشكل الثاني:
كتاب ضد الهرطقات – الكتاب الثالث, الفصل العاشر, العدد الخامس: [وهكذا مرقس أيضاً, مُترجِم وصاحب بطرس, يبدأ إنجيله بـ: “بدء إنجيل يسوع المسيح, ابن الله؛ كما هو مكتوب في الأنبياء, ها أنا أرسل رسولي أمام وجهك, الذي سيهيئ الطريق”.][[61]]
النص اللاتيني للاقتباس[[62]]
كتاب ضد الهرطقات – الكتاب الثالث, الفصل السادس عشر, العدد الثالث: [ولهذا السبب قال مرقس: “بدء إنجيل يسوع المسيح, ابن الله؛ كما هو مكتوب في الأنبياء“. عارف بنفس ابن الله الواحد, يسوع المسيح, الذي تم الإعلان عنه بواسطة الأنبياء, الذي هو عمانوئيل الذي جاء من نسل داود.][[63]]
النص اللاتيني للاقتباس[[64]]
كتاب ضد الهرطقات – الكتاب الثالث, الفصل العاشر, العدد الثامن: [وعلى الجانب الأخر، بدأ مرقس الإشارة إلى الروح النبوية القادمة من الأعالي إلى الإنسان, قائلا: “بدء إنجيل يسوع المسيح، كما هو مكتوب في إشعياء النبي” مشيراً إلى الجانب الروحي للإنجيل.][[65],[66]]
هكذا نكون قد وضَّحنَا, بما لا يدع مجالاً للشك, أن النصوص اليونانية لكتابات إيريناوس تشهد للشكل الثاني, أما الشكل الثالث فلا نجدها إلا في النصوص اللاتينية المتأخرة. والآن, للنظر إلى الشاهد الثاني للشكل الثالث, وهو أستيريوس السوفسطائي, أحد آباء القرن الرابع.أنا شخصياً لا أعتقد أن أستيريوس شخص يستحق أن يُنقل منه شيئاً, فإنه كان تلميذاً للوسيان الأنطاكي, والذي يُعتبر أبو الآريوسية ! ومن الواضح أن عقيدة لوسيان لم تكن موافقة للإيمان الأرثوذكسي المستقيم, حيث نجد أن آريوس ويوسابيوس النيقوديمي يفتخران بكونهما من تلاميذه, حتى أنهما كانا يطلقان على أنفسهما إنهما لوسيانيان.[[67]] أما أستيريوس نفسه فقد جَحَدَ الإيمان في اضطهاد مكسيميانوس, وربما كان الكاتب الآريوسي الأول, حتى أن آريوس نفسه قد استعان بكتاباته في رفضه لإيمان نيقية. وذلك حسب ما شهد به أثناسيوس إذ يدعوه “المُضَحي” لأنه ضحى للأوثان وجحد الإيمان, ويدعوه أيضاً “المحامي” لبدعة آريوس.[[68]]
هل يفرق مع المسيحي أن يكون أستيريوس كافراً أو لا ؟ المسلم لا ينقل إلا من الثقة الثبت صاحب العقيدة السليمة, أما عند المسيحيين فينقلون من أي شخص, حتى لو كان مجهولاً أو كافراً ! إذن, أستيريوس يُعتبر الشاهد الآبائي الوحيد للشكل الثالث, بعد أن بَيَّنَّا أن إيريناوس يعتبر في الحقيقة شاهداً للشكل الثاني بحسب أقدم النصوص اليونانية. والآن فلننتقل إلى عرض أقوال باقي الآباء الذين شهدوا للشكل الأول أو الثاني.
الشاهد الثاني بعد إيريناوس هو العَلَّامة أوريجانوس, الذي وُلِد 185م وتوَفَّى 254م. لقد اقتبس أوريجانوس الشكل الأول مرة, واقتبس الشكل الثاني ثلاث مرات, هذه المرات الأربعة باللغة اليونانية, وهناك مرة اقتبس فيها الشكل الثاني باللغة اللاتينية. يُعتبر أوريجانوس شاهداً قوياً جداً, حيث أنه عاش في نهايات القرن الثاني وبدايات القرن الثالث, وكان صاحب علم غزير ! يصفه أصدقاؤه والمعجبون به بأنه: أمير مفسري الكتاب المقدس, أمير الفلسفة المسيحية, معلم الأساقفة, ويُقال إنه لا يوجد عقل بشري يستطيع أن يستوعب كل ما كتبه. ويقول القديس أبيفانيوس (حوالي 315 – 403م) إن أوريجانوس كتب 6000 مخطوطة, كُتِبَت باليونانية, وقد تُرجمت بعض كتاباته إلى اللاتينية أثناء حياته والبعض الآخر بعد وفاته. ومن شدة ولعه بالمطالعة كان يؤجر المكتبات طوال الليل ليقرأ ما بها من كتب. وقد امتدح القديس جيروم حبه للمطالعة وقال عنه إنه كان يقرأ وهو يأكل, وهو يمشي, وحتى أثناء راحته, وهكذا امتدت معرفته إلى درجة كبيرة وكان تفوقه العقلي لا يُنازع, وعمل بالتعليم.[[69]]
والآن لنعرض اقتباسات أوريجانوس للشكل الأول والثاني:
كتاب ضد كلسس – الكتاب الثاني, الفصل الرابع: [لا, بل إن واحداً من الإنجيلين – مرقس – قال : “بدء إنجيل يسوع المسيح, كما هو مكتوب في إشعياء النبي, ها أنا أرسل رسولي أمام وجهك, الذي يهيّئ طريقك قدامك”.][[70]]
كتاب تفسير أوريجانوس لإنجيل يوحنا – الكتاب الأول, الفصل الرابع عشر: [وبالمثل مرقس نفسه يقول: “بدء إنجيل يسوع المسيح, كما هو مكتوب في إشعياء النبي, ها أنا أرسل رسولي أمام وجهك, الذي يهيّئ طريقك. صوت شخص يصرخ في البرية, اعدّوا طريق الرب, اجعلوا سبله مستقيمة”.][[71]]
كتاب تفسير أوريجانوس لإنجيل يوحنا – الكتاب السادس, الفصل الرابع عشر: [على الجانب الآخر نجد في مرقس, نفس الكلمات مدونة في بداية إنجيل يسوع المسيح, بالتوافق مع كتاب إشعياء, هكذا: “بدء إنجيل يسوع المسيح, كما هو مكتوب في إشعياء النبي, ها أنا أرسل رسولي أمام وجهك, الذي يهيئ طريقك أمامك. صوت شخص يصرخ في البرية, اعدّوا طريق الرب, اجعلوا سبله مستقيمة”.][[72]]
وعَلَّقَ أوريجانوس بعد هذه الفقرة قائلاً: [ربما كان يوحنا يسعى لمقارنة: “اعدّوا طريق الرب, اجعلوا السبل مستقيمة لإلهنا”, فكتبها هكذا: “اجعلوا سبل الرب مستقيمة”. بينما دمج مرقس نبوتين تم الإخبار عنهما بواسطة نبيين في مكانين مختلفين, فجعل منهما نبوءة واحدة, “كما هو مكتوب في إشعياء النبي, ها أنا أرسل رسولي أمام وجهك, الذي سيهيّئ طريقك. صوت شخص يصرخ في البرية, اعدّوا طريق الرب, اجعلوا سبله مستقيمة”.][[73]]
هكذا نجد أن أوريجانوس لا يعرف إلا الشكل الأول “في (الـ)إشعياء النبي” أو الثاني “في إشعياء النبي”, ويعلم جيداً أن الاقتباس مُرَكَّب من مكانين مختلفين, وليس من إشعياء وحده, وهذا إن دَلَّ على شيء, فإنما يدُلُّ على ثقافة أوريجانوس وكثرة اطلاعه.
فيكتورينوس أسقف بيتو (تَوَفَّى حوالي 304م) هو الأب الثالث الذي اقتبس الشكل الثاني “في إشعياء النبي” للنص. فيكتورينوس كان أحد آباء القرن الثالث, وكان أسقفاً لمدينة بيتو Pettau في سوريا. يُعد من المفسرين المبكرين في الكنيسة اللاتينية, ويقول عنه جيروم إنه لم يكن متمكناً من اللاتينية مثل تمكنه من اليونانية.[[74]]
كتاب تفسير رؤيا يوحنا الـمُبارك – الرؤيا 4/7-10: [لهذا السبب, مرقس, كأحد الإنجيليين يبدأ هكذا: “بدء إنجيل يسوع المسيح, كما هو مكتوب في إشعياء النبي,” صوت صارخ في البرية” – له صورة (شخصية) أسد.][[75]]
بعد فيكتورينوس, هناك العديد من الآباء الذين اقتبسوا الشكل الثاني للنص, ولكن لن أتناول إلا أهم الشواهد. إيريناوس وأوريجانوس وفيكتورينوس من أقدم الشواهد الآبائية للشكل الأول والثاني, فهم من آباء القرن الثاني والثالث, ولكن يوجد أيضاً مجموعة كبيرة من آباء القرن الرابع والخامس, وأهم هؤلاء الآباء هم أوغسطينوس أسقف هيبو, وجيروم المدعو قديساً.
الآباء الأقل أهمية هم سيرابيون أسقف تمويس (أسقفاً قبل 339م – 359/362م) والذي كان رئيسا لجماعة رهبانية في صعيد مصر, ثم سُيِّم بعد ذلك أسقفاً لتمويس إحدى مدن شمال الدلتا. دُعي بـ “المعلم” أو “المفسر” نظراً لغزارة علمه وعبقريته الفذة وعظم تعاليمه, وذلك ما ذكره جيروم في كتابه “مشاهير الرجال”. وقد كان المدير الـ13 لمدرسة الإسكندرية اللاهوتية, وفي 339م أرسل إليه أثناسيوس إحدى رسائله الفصحية صدرها بقوله “إلى الأخ الحبيب والشريك في الخدمة”.[[76]]
وهناك أيضاً أمبروسيستور (بعد 384م) وهو اسم أعطِي لمؤلف تفاسير لجميع رسائل بولس إلا الرسالة إلى العبرانيين, وهذه التفاسير غالباً ما نجدها وسط أعمال القديس أمبروسيوس.[[77]] بالإضافة إلى القديس أبيفانيوس السلاميسي (وُلد حوالي 315م – أسقفاً 367م – تَوَفَّى 403م) والذي يعتبر من الآباء المشاهير الذين اقتبسوا الشكل الثاني للنص, وتعتمد شهرته أساساً على محاولاته دحض الهرطقات والمناداة بإيمان نيقية الأرثوذكسي, فقد كان صياداً للهرطقات متمسكاً بإيمان نيقية, ويقول عنه جيروم إنه أتقن اليونانية والسريانية والعبرية والقبطية والقليل من اللاتينية.[[78]]
وهناك سويريانوس الجَبَلي (تَوَفَّى بعد 408م) والذي كان أسقفاً لمدينة جَبَله (بالقرب من اللاذقية) في سوريا, وكان واعظاً مقتدراً جداً. جعله القديس يوحنا ذهبي الفم نائباً له قبل رحلته إلى أفسس في 401م. وقد كان مدافعاً لا يلين عن إيمان آباء مجمع نيقية ضد الهراطقة واليهود ولكن أعماله تفتقر إلى الأصالة والإبداع.[[79]] بالإضافة إلى خروماتيوس أسقف أكويليا (تَوَفَّى 407م) والذي أصبح كاهناً للكنيسة في 387 أو 388م بعد موت فاليريانوس أسقف هذه المدينة.[[80]]
وفي النهاية هناك هيزيخيوس الأورشليمي (تَوَفَّى بعد 450م) والذي كرَّمته الكنيسة اليونانية واعتبرته قديساً وذا موهبة كبيرة في تفسير الكتاب المقدس, فقد فسَّر الكتاب المقدس كله, وكان بوجه عام يتبع طريقة مدرسة الإسكندرية في التفسير الرمزي ورفض التفسير الحرفي لمعظم أجزاء الكتاب المقدس.[[81]]
جميع هؤلاء الآباء الذين سبق ذكرهم قاموا باقتباس الشكل الثاني “في إشعياء النبي” للنص, ولكن من أجل عدم شهرة هؤلاء الآباء فلن أتناول اقتباساتهم وسأكتفي بالمراجع التي أشرت إليها مُسبقاً, والتي تخبرنا إنهم اقتبسوا الشكل الثاني للنص. أما الآن سأقوم بعرض اقتباسات أهم اثنين من آباء القرن الرابع والخامس, هما جيروم المدعو قديساً وأوغسطينوس أسقف هيبو.
جيروم هو أشهر آباء الكنيسة اللاتينية على الإطلاق, وُلِد حوالي 345م وتَوَفَّى 419م, كان دارساً للكتب المقدسة, مُترجماً, ومُجادلاً وناسكاً. من أهم أعماله الكتابية: تنقيح الترجمة اللاتينية للأناجيل, والعهد الجديد, وترجمة الكتاب المقدس إلى اللاتينية (الفولجاتا أي “الرائجة”), وقد بدأ عمل حياته الحقيقي في 383م, عندما وكَّل إليه البابا داماسوس مراجعة الترجمة اللاتينية القديمة للأناجيل, وقد امتدت هذه المهمة لتشمل (وإن في أقل دقة) باقي العهد الجديد.[[82]]
رسالة جيروم رقم 57 – إلى باماخيوس عن أفضل وسيلة ترجمة: [مرقس تلميذ بطرس، يبدأ إنجيله كالآتي: “بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله، كما كُتب في إشعياء النبي: ها أنا أرسل رسولي أمام وجهك, الذي سيُعد الطريق أمامك. صوت شخص يصرخ في البرية: اعّدوا طريق الرب, اجعلوا سبله مستقيمة”.][[83]]
وبعد هذا عَلَّقَ جيروم قائلاً: [هذا الاقتباس مُكَوَّن من اثنين من الأنبياء؛ نستطيع أن نقول ملاخي (وكأن جيروم غير مقتنع بهذا ويدرك أن الجزء الأول من الاقتباس فيه مشاكل كثيرة) وإشعياء. بالنسبة للجزء الأول “ها أنا أرسل رسولي أمام وجهك, الذي سيُعد لك الطريق”. موجود في نهاية ملاخي. أما الجزء الثاني :”صوت شخص يصرخ … الخ” نقرأه في إشعياء. على أي أساس إذاً قام مرقس بوضع هذه الكلمات في بداية كتابه: “كما كٌتب في إشعياء النبي، ها أنا أرسل رسولي ..” في حين أنه، وكما قلنا, ليس مكتوباً في إشعياء على الإطلاق، ولكنه في ملاخي, آخر الأنبياء الإثنى عشر ؟ دعوا هذا الـمُفْتَرِض الجاهل يرد على هذا السؤال إن استطاع, وسأطلب وقتها العفو لكوني مخطئاً.][[84]]
هنا لنا وقفة مع تعليق جيروم, فإننا نجد منه توضيحاً للمشكلة وتصريحاً بها, فكأنه يقول إن عبارة مرقس هذه خاطئة: “كما كٌتب في إشعياء النبي، ها أنا أرسل رسولي..” لأن الكلمات: “ها أنا أرسل رسولي..” ليست مكتوبة في إشعياء على الإطلاق. ولكن نجد في الوقت نفسه شبه سخرية من قِبَل جيروم, وكأنه يطرح أمامك الإشكالية وهو يعرف الحل جيداً, ولكنه يريد أن يُشكل عليك سُخرية منك, بل أن جيروم قام بطرح أكثر من مشكلة في هذه الرسالة بعد مشكلة مرقس 1/2, وفي النهاية يُقدم لنا جيروم حل هذه المشاكل كلها.
هذا هو الحل الذي قدمه جيروم لجميع المشاكل: [يبدو واضحاً من جميع هذه المقاطع أن الرسل وكُتَّاب الأناجيل قد سعوا أثناء ترجمتهم للعهد القديم إلى توضيح المعنى بدلاً من التركيز على الكلمات, وأنهم لم يعتنوا بالحفاظ علي الصِيغ والتراكيب, طالما أنهم سيجعلون موضوع الفقرة أكثر وضوحاً.][[85]]
ما قاله جيروم قاله أيضاً بروك في التفسير الأمريكي الحديث: [ببساطة؛ مرقس ومعه باقي كتبة الكتاب المقدس لم يستخدموا التقنيات الدقيقة كما في أسلوب الأبحاث الحديثة. حيث أنه لم يكن ذلك ضرورياً بالنسبة لهم.][[86]]
بكل صراحة, حل خطير لم يخطر لي على بال, وإجابة مُفحِمَة لا يستطيع إنسان أن يردها ! ما هذا الكلام العجيب ؟! جيروم يتكلم وكأن إنجيل مرقس ليس كتاباً مكتوباً بوحي الله جل وعلا, ويتجاهل تماماً أنه من المفترض أن يكون كاتب الإنجيل مُسَاقاً من الروح القدس ! يتكلم وكأن كاتب الإنجيل مجرد إنسان يجتهد في توضيح نقطة أو معلومة معينة بغض النظر عن إحكام النص وضبطه علمياً. ولماذا أنا مُتعجب هكذا ؟ الكتاب بالفعل عمل بشري صافي, مُجرد اجتهاد بشري, ولهذا خرج النص بهذا الشكل الذي يحتوي بالفعل على عبارة خاطئة تماماً, ولكن هذا ليس مهماً, الأهم هو أن تصل إليك المعلومة التي كتب عنها الكاتب, بغض النظر عن طريقة كتابته.
هكذا نجد أن جيروم يقتبس الشكل الثاني “في إشعياء النبي” للنص, ويؤكد أن عبارة مرقس خاطئة “كما كٌتب في إشعياء النبي، ها أنا أرسل رسولي..” حيث أنها ليست مكتوبة في إشعياء على الإطلاق, ولكن كل هذا لا يهم, فالأهم هو توصيل المعلومة التي يكتب عنها المؤلف. والآن لننظر في اقتباسات أوغسطينوس أسقف هيبو والمدعو قديساً.
أوغسطينوس المدعو قديساً وُلد 354م وتَوَفَّى 430م, كان أسقفاً لمدينة هيبو, وكان يحب اللاتينية ويتقنها ويُلِم بثقافتها, ولكنه لم يستسغ اللغة اليونانية, أما العبرية فلم يكن له أي إلمام بها. هناك معلومة عجيبة جداً عن شباب أوغسطينوس تتناقض تماماً مع لقب “قديس” ! لقد تعلم أوغسطينوس من والدته التقية مونيكا التعاليم المسيحية, ولكن عندما بلغ من العمر 19 عاماً ترك الإيمان المسيحي, وتعلق بفتاة وكان له معها علاقة مُحَرَّمة, بل وأنجب منها ابناً غير شرعي أسماه أديوداتس, واحتقر ديانة أمه المسيحية واعتبرها خرافات باطلة.[[87]]
هذا “القِدِّيس” قام باقتباس الشكل الثاني “في إشعياء النبي” للنص, وسنقوم بعرض اقتباساته:
كتاب انسجام الأناجيل – الكتاب الثاني, الفصل السادس: [ومن ثم أن بدأ هكذا “بدء إنجيل يسوع المسيح, ابن الله, كما هو مكتوب في إشعياء النبي, ها أنا أرسل رسولاً أمام وجهك, الذي يهيّئ طريقك أمامك. صوت شخص يصرخ في البرية, اعدّوا طريق الرب, اجعلوا سبله مستقيمة. كان يوحنا يعمد في البرية, ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا” … الخ.][[88]]
كتاب انسجام الأناجيل – الكتاب الرابع, الفصل الأول: [ثم استهل مرقس بالتالي: “بدء إنجيل يسوع المسيح, ابن الله: كما هو مكتوب في النبي إشعياء” وهكذا إلى أن قال, “ثم دخلوا كفرناحوم وللوقت دخل المجمع في السبت وصار يعلم”.][[89]]
هكذا نكون قد عرضنا اقتباسات الآباء الذين اقتبسوا مرقس 1/2, أب واحد فقط يُعتبر شاهداً حقيقياً للشكل الثالث للنص, مقابل أحد عشر أب قاموا باقتباس الشكل الأول والثاني, فلم يعد هناك شك في أن الشكلين المدعمين لـ “إشعياء” لهما اليد العليا في كتابات الآباء, من القرن الثاني إلى القرن الخامس الميلادي. وقبل أن نختم كلامنا عن الأدلة الآبائية أريد أن أوضح مثالاً لسوء الاستشهاد بأحد الاقتباسات.
هناك من ادَّعَى أن العَلَّامة ترتليانوس قام باقتباس الشكل الثالث للنص, وهذا الادعاء عار تماماً من الصحة, أولاً, لأنه لا توجد نسخة يونانية نقدية واحدة أو عالم مُعتبر متخصص في النقد النصي يقول أن ترتليانوس اقتبس الشكل الثالث للنص. ثانياً, لأنك إذا نظرت بتدقيق إلى كلام الأب ستجد فعلاً أنه لا يقتبس أي شكل من الأشكال الأربعة ! لنأتي بكلام ترتليانوس وننظر بأنفسنا, انظر إلى النص الإنجليزي والترجمة العربية:
Just as withal the Spirit, speaking in the person of the Father, calls the forerunner of Christ, John, a future “angel,” through the prophet: “Behold, I send mine angel before Thy” – that is, Christ’s – “face, who shall prepare Thy way before Thee.”[[90]]
تماماً كما أشار الروح, المتحدث عن شخص الآب, ويدعو الـمُبَشِّر بالمسيح, الذي هو يوحنا, الـ “ملاك” المستقبلي, من خلال النبي: “هاءنذا أرسل ملاكي أمام” – المسيح – “وجهك, الذي سيهيئ الطريق أمامك”.
هنا نجد أن ترتليانوس لا يقتبس أي شكل من الأشكال الأربعة, بل يقوم بشرح النبوة الموجودة في ملاخي, ثم أن ترتليانوس يقول (through the prophet) “من خلال النبي”, فهل هذا شكل خامس للنص ؟! الأمر واضح جداً أنه لا يقتبس الجزء محل الدراسة, لذلك أجمع العلماء على أن ترتليانوس ليس شاهداً لأي شكل من الأشكال الأربعة التي نجدها في مصادر إنجيل مرقس. وهكذا نكون قد انتهينا من عرض الأدلة الآبائية الخاصة بنص مرقس 1/2.
۩ مُلَخَّص الأدلة الخارجية (ما يخُص مصادر النص):
من الواضح جداً أننا نجد الشكل الأول “في (الـ)إشعياء النبي” والثاني “في إشعياء النبي” في أقدم مصادر النص من المخطوطات اليونانية (السينائية, الفاتيكانية), والترجمات القديمة (القبطية, السريانية, اللاتينية), والاقتباسات الآبائية (إيريناوس, أوريجانوس), بالإضافة إلى وجودهما في شواهد لأكثر من عائلة نصية (النص السكندري, النص الغربي, النص القيصري). أما الشكل الثالث “في الأنبياء” فلا نجده إلا في مخطوطات القرن الخامس وما بعده (السكندرية, واشنجطون), ولكن هذا الشكل انتشر في الغالبية العظمى من مخطوطات إنجيل مرقس من النص البيزنطي. وهكذا نستطيع أن نقول بمنتهى الثقة إن الشكلين الأول والثاني هما الأقدم ولهما انتشار كبير في المخطوطات القديمة حتى القرن الخامس, ثم أخذا في الاختفاء من المخطوطات وبدأ الشكل الثالث في الانتشار حتى ساد الغالبية العظمى من المخطوطات.
۩ الأدلة الداخلية (تفسير ما وجدناه في مصادر النص):
الآن وصلنا إلى المرحلة الحاسمة, والتي يجب فيها أن نختار شكلاً من الأشكال الأربعة للنص, ومن المفترض أن يكون هذا الشكل الـمُختار هو أقدم شكل للنص تاريخياً, وجميع الأشكال الأخرى جاءت بعده. لقد قمنا بإسقاط الشكل الرابع “في إشعياء وفي الأنبياء” لأننا لا نجده إلا في بعض المخطوطات اللاتينية القديمة, فلا نجد الشكل الرابع في المخطوطات اليونانية أو الترجمات القديمة أو عند الآباء, والواضح جداً أنه دمج بين الشكلين الثاني والثالث. وهكذا علينا الاختيار بين الشكل الأول “في (الـ)إشعياء النبي” والثاني “في إشعياء النبي” والثالث “في الأنبياء”.
قد يسأل البعض: لماذا علينا أن نختار بين الشكل الأول والثاني ؟ لماذا لا نعتبرهما شكل واحد, ونختار مباشرة بينه وبين الشكل الثالث ؟ في الحقيقة, النقد النصي يهتم بالحرفية, وهدفه إعادة تكوين النص الأصلي الذي كتبه المؤلف, أو بحسب الشواهد المتاحة, أقرب صورة للنص الأصلي. وهكذا يجب علينا أن نقرر: هل قام كاتب الإنجيل بكتابة أداة تعريف قبل كلمة “إشعياء” أم لا ؟ هذا إن قلنا أن كفة إشعياء راجحة على الأنبياء.
إذن, علينا أن نختار أقدم شكل للنص, ومن الواضح عندما نتكلم عن القِدَم أننا نتجه إلى الشكل الأول أو الثاني, فكما قلنا سابقاً, الشكل الثالث لا يظهر إلا في القرن الخامس وما بعده. فإن الغالبية العظمى من النقاد النصيين يقولون أن الشكل الأول “في (الـ)إشعياء النبي” هو أقدم شكل للنص, ثم قام البعض بإسقاط أداة التعريف الموجودة قبل كلمة “إشعياء” فظهر الشكل الثاني للنص, ثم قام النُسَّاخ بتغيير أياً من الشكل الأول أو الثاني إلى الشكل الثالث, ولكن لماذا ؟
أعتقد أن الإجابة سهلة وواضحة, فكما قال جيروم: “على أي أساس إذاً قام مرقس بوضع هذه الكلمات في بداية كتابه: “كما كٌتب في إشعياء النبي، ها أنا أرسل رسولي ..” في حين أنه، وكما قلنا, ليس مكتوباً في إشعياء على الإطلاق، ولكنه في ملاخي, آخر الأنبياء الإثنى عشر ؟” هكذا أيضاً رأى النُسَّاخ, فقاموا بتغيير “(الـ)إشعياء النبي” أو “إشعياء النبي” إلى “الأنبياء” حتى تكون العبارة صحيحة نوعاً ما, على الأقل في بدايتها !
۩ أقوال العلماء – تم تغيير “إشعياء” إلى “الأنبياء”:
هكذا يقول الأب مَتَّى المسكين بكل صراحة ووضوح: [أما تكملة القول: (كما هو مكتوب في الأنبياء) فهو تعديل قديم في أصل الآية: (كما هو مكتوب في إشعياء) لأن النص مأخوذ أيضاً في بدايته من (ملاخي 3:1).][[91]], فقد اعترف بأن الأصل قد تم تغييره, وانحرف عن ما كان عليه في البداية, لأن بداية النص من ملاخي وليس من إشعياء, وملاخي موجود “في الأنبياء” (ἐν τοῖς προφήταις).
وهذا ما يقوله بروس متزجر أيضاً: [في المخطوطات القديمة التي تحتوي على مرقس 1/2, الاقتباس الـمُرَكَّب المكون من ملاخي 3/1 وإشعياء 40/3, تم تعريفه بعبارة: “كما هو مكتوب في إشعياء النبي”. النُسَّاخ فيما بعد, شاعرين أن هذه العبارة تحتوي على صعوبة ما, قاموا بتغيير (ἐν τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ) “في (الـ)إشعياء النبي” بالنص الأكثر شمولية (ἐν τοῖς προφήταις) “في الأنبياء”.][[92]]
ويُضيف بروس متزجر في كتاب آخر له: [الاقتباس الموجود في العددين 2 و 3 مُرَكَّب, الجزء الأول مأخوذ من ملاخي 3/1 والجزء الثاني من إشعياء 40/3. من أجل ذلك, من السهل جداً معرفة لماذا قام النُسَّاخ باستبدال الكلمات “في إشعياء النبي” (…) بالصيغة الأكثر شمولية المقدمة لنا “في الأنبياء”.][[93]]
ويقول دانيال والاس الكلام نفسه: [قراءة “إشعياء” لها أدلة خارجية أفضل في كل الأحوال. كما أنها مدعومة بأقدم وأفضل الشواهد من جميع العائلات النصية المعتبرة. بل الأكثر من ذلك أنها القراءة الأصعب. حيث أن الاقتباس في الجزء الأول من العدد يظهر وكأنه من (الخروج 23/20) و (ملاخي 3/1), ثم بعد ذلك يأتي الاقتباس من (إشعياء 40/3) في العدد التالي. بينما القراءة الموجودة في المخطوطات المتأخرة (أي: الشكل الثالث “في الأنبياء”) وُجِدت من أجل حل هذه المعضلة.][[94]]
وبروس تيري يؤيد نفس الرأي: [الاقتباس في العددين 2 و3 من سفرين: الأول من ملاخي 3/1, والثاني من إشعياء 3/40, ويبدوا أن النُسَّاخ قد قاموا بتغيير المرجع كي يبدو أكثر شمولية.][[95]]
ويُعَلِّق ديفيد بالمر فيقول: [من السهل أن نفهم لماذا أراد النُسَّاخ تغيير النص إلى الأكثر شمولية “الأنبياء”، ولكن ليس من السهل أن نفهم لماذا قد يريدوا تغييره بالطريقة العكسية.][[96]]
ويقول فيلند فيلكر رأيه في المشكلة قائلاً: [إذا كان “إشعياء” من الأصل في مرقس, لعل تم تغييره إلى “في الأنبياء” لأن الجزء الأول من ملاخي فقط, والجزء الثاني من إشعياء. هذا هو التفسير التقليدي لقراءة نسخة نستل آلاند (التي تقول أن الشكل الأول هو الأصل). لعل التغيير جاء كرد فعل على اعتداء بورفريه. نستل آلاند غالباً هو الأصل بعد تقييم الشواهد.][[97]]
ومارفن فانسينت يقول: [القراءة الصحيحة في مرقس1/2 هي (ἐν τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ) “في (الـ)إشعياء النبي”, لكن يتضح لنا أن بعض النُسَّاخ وجدوا صعوبة أو استحالة في اعتبار أن اقتباس إشعياء 40/3, “صوت صارخ في البرية .. الخ” مسبوق باقتباس من ملاخي 3/1 “هاأنذا أرسل ملاكي فيهيئ الطريق أمامي..الخ”, وهكذا استبدلوه بـ (ἐν τοῖς προφήταις) “في الأنبياء”.][[98]]
ويقول براتشر في تفسيره لإنجيل مرقس: [النص الموجود بدلا من “إشعياء النبي” الذي نجده في كل الإصدارات الحديثة للنص اليوناني, النص المستلم يحتوي على “في الأنبياء”: هذه القراءة المتأخرة هي تصويب واضح أدخله الناسخ على النص الأصلي لأن أول فقرة مُقتبسة من العهد القديم بواسطة مرقس ليست من إشعياء وإنما من ملاخي 3/1.][[99]]
ويقول جولد في تفسيره النقدي: [ἐν τοῖς προφήταις “في الأنبياء” – لا شك في أن هذا تصحيح للنص الأصلي, ليتغلب على صعوبة نسبة الاقتباس المزدوج من ملاخي وإشعياء إلى إشعياء فقط. بينما نجد أن قراءة كل النصوص النقدية هي ἐν τῷ Ἡσαΐᾳ τῷ προφήτῃ “في (الـ)أشعياء النبي”.][[100]]
ويقول فيليب كونفرت في تعليقاته النقدية: [العديد من النُسَّاخ كانوا على علم بأن مرقس كان يستشهد بأكثر من نبي في العددين التالين (1/2-3), فغَيَّروا “إشعياء النبي” إلى “الأنبياء” كما في النص المستلم ونسخة الملك جيمس.][[101]]
ويقول بروك في التفسير الأمريكي الحديث: [“إشعياء النبي” (40/3) يدعم فقط الجزء الخاص بالاقتباس في العدد الثالث. الجزء الآخر الموجود في العدد الثاني مأخوذ من ملاخي 3/1, ربما مع تلميح للخروج 23/20 أيضاً, (نفس الكلمة تعني ملاك ورسول). نتيجة لذلك نجد أن الكثير من نُسَّاخ العصور الوسطى يستبدلونها بـ “في الأنبياء”. هذه القراءة نجدها في KJV و NKJV, و النسختان تعتمدان على النص اليوناني للعصور الوسطى بدلاً من المخطوطات الأقدم والتي تعتبر الآن من أفضل المخطوطات, كما تفعل الـ NIV (أي أنها تأخذ من المخطوطات الأقدم والأفضل).][[102]]
ويقول واين كاندي في كتابه المتخصص في التقليد النسخي: [يبرر المفسرون بشكل روتيني وجود القراءات المختلفة نتيجة تعرّف أحد الأشخاص على الخلل في عزو الاقتباس الـمُرَكَّب إلى نبي واحد وقام بإصلاحه.][[103]]
وفَصَّلَ واين كاندي قائلاً: [يمكن اعتبار أنه في حالة مرقس 1/2, اختلافات بين المخطوطات حدثت لما يتعلق بنسبة الاقتباس النبوي, سواء كان النص “في إشعياء النبي” أو الأكثر شمولية “في الأنبياء”. الجزء المتنازع عليه في النص يقرأ: (Καθὼς γέγραπται ἐν τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ) والقراءة الأخرى: (ἐν τοῖς προφήταις), ما بعد (هذه العبارة) هو في الواقع اقتباس مُرَكَّب من أجزاء مأخوذة من ملاخي 3/1, والخروج 23/20, وأيضاً من إشعياء 40/3. النقاد النَّصيون يتعرفون بشكل عام بأنالعزو الخاطئ لإشعياء هي “قراءة أصلية” بينما يعتبرون “التصحيح” ناتج عن محاولات النُسَّاخ لتحسين النص.][[104]]
ويقول بنيامين وارفيلد في كتابه الخاص بالنقد النصي: [نستطيع أن نجد أمثلة للتصحيحات التي تمت لإزالة الصعوبات التاريخية, مثلاً في تغيير “إشعياء النبي” إلى “في الأنبياء” في مرقس1/3.][[105]]
۩ تعليقات وملاحظات على أقوال العلماء:
أهم ما يمكن أن نخرج به من خلال كل أقوال العلماء الذين درسوا هذه المشكلة, سواء قالوا بأن الشكل الأول هو الأقدم, أو أن الشكل الثالث هو الأقدم, هو أن جميع العلماء بلا استثناء يقولون إن النص تم تغييره عن عَمْد, فهناك من قام بتغيير النص قاصداً وهو يعلم جيداً ماذا يفعل, فلا يوجد عالم واحد يعتقد أن التغيير حدث عن طريق خطأ غير مقصود. الأب متى المسكين يقول إن “الأنبياء” تغيير للأصل, فمن ذا الذي تجرأ على أن يُغير في كلمة الله ؟ أم أن الذي قام بالتغيير يعتقد بأن إنجيل مرقس كتاب بشري, وجاء هو ليصلح عمل المفسدين ؟ أياً ما كان يدور في عقل الذي قام بالتغيير, فبالتأكيد كانت له أسبابه, ولكن في النهاية, والمحصلة النهائية هي أن هناك من قام بتحريف النص عن أصله, ولا يستطيع أن يُنكِر هذا إلا جاحد.
هذا ما يؤكده دانيال والاس قائلاً: [بالتالي، فإن هذا يتركنا مع سؤال لنا سؤال مُشَوّق: إذا كانت هذه القراءة ليست أصلية (أي: إشعياء)، فمن أين جاءت ؟ النُسَّاخ بالتأكيد كانوا يعرفون أن الجزء الأول من الاقتباس كان من ملاخي, فرغم كل شيء, فإن عدداً ليس بالقليل من هؤلاء النُسَّاخ قاموا أيضاً بنسخ العهد القديم. وكانوا يعرفون الكتاب بشكل جيد. وبالتالي، تغيير غير مقصود إلى “إشعياء” من قِبَل ناسخ مُبَكِّر حسن النيّة, عملية غير مُرَجَّحة. وعلاوة على ذلك، ليس هناك عملياً أي إمكانية أن الكاتب يمكن أن يكون قد كتب إشعياء بطريقة غير مقصودة عن طريق الـ “dittography” (أي: تكرار حرف, أو كلمة, أو عبارة لسبب غير محدد). هذه بداية الإنجيل، ليس فقط أنه لا يوجد أي “إشعياء” في العبارات السابقة (بحيث يمكن تكرارها)، بل أنه لا يوجد أي “ησ” (أي: أول حرفين من كلمة إشعياء باللغة اليونانية) في العبارات السابقة إلا في اسم يسوع (ιησου)، ولكن هذه الكلمة كانت تكتب كاختصار مُقدس “ΙΥ” منذ زمن مبكر.][[106]]
نقطة أخرى في غاية الأهمية, ويجب إلقاء الضوء عليها جيداً, هي أن أغلب العلماء يقولون إن النُسَّاخ قاموا بتغيير الأصل لأنهم وجدوا في الأصل صعوبة أو معضلة أو مشكلة ما, أو ربما وجدوا أن الأصل يحتوي على خطأ ما يجب تصحيحه ! هذا الكلام ليس كلامي البتة, بل تذكروا كلمات جيروم التي عرضناها أكثر من مرة. أخي الكريم وأختي الفاضلة, أيها الأصدقاء المسيحيون, يجب علينا جميعاً أن نعترف بأن عبارة مرقس هذه “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي إشعِياءَ النَّبِيّ: هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي..” خاطئة على الحقيقية, ولا تطابق الواقع, فإننا إذا قمنا بالرجوع إلى سفر إشعياء لن نجدها, إنما هي موجودة في كتاب الأنبياء, فسواء كان للكاتب قصدٌ من وراء هذه الصياغة, أو أنه أخطأ بالفعل, فالعبارة خاطئة على الحقيقة, شاء من شاء وأبى من أبى. راجعوا معي أقوال العلماء, وارجعوا إن شئتم إلى الاقتباسات الكاملة:
- بروس متزجر: “شاعرين أن هذه العبارة تحتوي على صعوبة ما”.
- دانيال والاس: “بل الأكثر من ذلك أنها القراءة الأصعب” و “من أجل حل هذه المعضلة”.
- مارفن فانسينت: “النُسَّاخ وجدوا صعوبة أو استحالة”.
- براتشر: “تصويب واضح أدخله الناسخ على النص الأصلي”.
- جولد: “تصحيح للنص الأصلي”.
- واين كاندي: “الخلل في عزو الاقتباس الـمُرَكَّب” و “العزو الخاطئ لإشعياء” و “محاولات النُسَّاخ لتحسين النص”.
- بنيامين وارفيلد: “للتصحيحات التي تمت لإزالة الصعوبات التاريخية”.
هكذا نخرج من هذه المشكلة بمعلومتين في غاية الأهمية, الأولى هي أن التغيير في النص كان عَمْداً مقصوداً, والثانية هي أن الذي قام بالتغيير اعتقد بأنه يقوم بتصحيح خطأ أو حَلّ إشكالية. وهكذا أغلبية العلماء على قول واحد بأن الشكل الأول هو الأقدم, ثم تم تغيير إشعياء إلى الأنبياء, هذا التغيير تم عن قَصْد, بسبب وجود إشكالية أو خطأ في عزو الاقتباس الـمُرَكَّب إلى إشعياء فقط.
۩ مُلَخَّص الأدلة الداخلية (تفسير ما وجدناه في مصادر النص):
بمنتهى الاختصار, بما أننا نجد الشكل الأول “في (الـ)إشعياء النبي” والثاني “في إشعياء النبي” في أقدم مصادر النص كلها, فلا يوجد سبب لافتراض أن الشكل الثالث “في الأنبياء” أقدم من الشكلين الأول والثاني. وبالإضافة إلى وضوح خطأ هذه العبارة “كما كُتِب في إشعياء النبي: ها أرسل أمام وجهك ملاكي..” كما قال جيروم وغيره, حيث أنها ليست مكتوبة في إشعياء بل في الأنبياء, فأغلبية العلماء يقولون بأن النُسَّاخ غَيَّروا “إشعياء النبي” (سواء بأداء تعريف أو لا) إلى “الأنبياء” حتى تكون العبارة صحيحة ولو في بدايتها.
هناك بعض العلماء خرجوا عن الإجماع ! فقَدَّموا بعض النظريات العجيبة, والتي من خلالها يريدون إثبات أن الشكل الثالث “في الأنبياء” هو الأقدم ! هذه النظريات قد تحتوي على بعض الوجاهة أو النقاط التي تحتاج بعض الردود, ولكن لنتذكر دائماً, سواء كان الشكل الأقدم هو الأول أو الثالث, فالتغيير حدث عن قصد, والدافع هو وجود عيب ما في الشكل الذي تم تغييره.
ولكن قبل أن نقوم بعرض هذه النظريات العجيبة, علينا أن نُثَبِّت نقطة وضَّحناها سابقاً, ألا وهي أننا نجد الشكلين الأول والثاني في أقدم مصادر نص إنجيل مرقس, سواء مخطوطات يونانية من عائلات نصية مختلفة, أو ترجمات قديمة بلغات مختلفة, أو اقتباسات آبائية باللغة اليونانية أو اللاتينية, فمن أجل ذلك نجد أن العلماء لا يفترضون ما هو عكس الواقع الـمُشاهد. ولكن هناك من لا يرضى بالشكل الأول أو الثاني, لأنه ينسب الاقتباس الـمُرَكَّب إلى إشعياء فقط. وماذا في هذا ؟ سنعرف عندما نقوم بمناقشة هذه النظريات, وسنقوم بعرض الاعتراضات والإشكاليات.
۩ الدَّافِع وراء النظريات الأخرى:
هناك بعض العلماء الذين لا يستطيعون قبول الشكل الأول أو الثاني للنص, ويُدافعون بحرقة عن أي شكل آخر للنص إلا الشكل الذي يٌنسِب الاقتباس الـمُرَكَّب إلى إشعياء وحده ! ما هو الدافع وراء كل هذا الإصرار ؟ وايتني يُقدم لنا الإجابة المنطقية:
على ضوء شهادة المخطوطات والنسخ القديمة, تم الاعتبار بشكل عام أن النص المستلم تم تصحيحه مبكراً لتجنب عزو الاقتباس كلياً إلى إشعياء, في حين أن بعض الكلمات فقط تم اقتباسها من إشعياء. هذه وجهة نظر جديرة بالتصديق, غير أن هناك وجهة نظر أخرى يمكن النظر لها بعين الاعتبار. المؤلف لتلك البشارة – مرقس – وُلِدَ يهودياً, و بدون شك – مثل تيموثاوس – كان على دراية بالعهد القديم منذ طفولته. كانت أمه يهودية متدينة, راسخة العقيدة بشكل جَلِيّ, مما يؤهلها لتكون واحدة من أوائل أتباع المسيح, وكانت كما نتوقع أن تكون (أعمال 12/12). ولهذا كان يجب على مرقس – على الأقل – أن يكون هو أيضاً قادراً على إخبارنا من أي كتاب في العهد القديم كان يأخذ اقتباساته, على سبيل المثال, أي تلميذ قرأ العهد القديم بشكل جيد يستطيع أن يخبرنا عن أي مكان يوجد هذا النص أو ذاك. ولو سلمنا بهذا, سيظهر لنا صعوبة استنتاج أن مرقس, في حالة اقتباسه من النبوات المختلفة, مثل ملاخي وإشعياء, من الصعب أن يتكلم وكأنه اقتبس فقط من إشعياء, وبخاصة أنه كان على دراية كاملة أن الجزء الأول من الاقتباسين لم يكن من إشعياء.[[107]]
أقسم بالله الذي لا إله إلا هو, هذا الرجل يتكلم بمنتهى العقلانية والمنطقية, وإن قلمي ليصرخ من فرط إحساسه بعدم قدرته على التعبير, فهناك مشاعر كثيرة بداخلي, امتزجت بعضها ببعض, مشاعر أسى وأسف, ومشاعر فخر واعتزاز, ومشاعر فرحة وسعادة. هذا الرجل يستنكر عدم قدرة إنسان يهودي عادي على نسبة اقتباساته إلى مصادرها الصحيحة, فما بالك يا رجل بالذي يُقال عنه إنه مُساق من الروح القدس ! وايتني يقول إن “أي تلميذ قرأ العهد القديم بشكل جيد يستطيع أن يخبرنا عن أي مكان يوجد هذا النص أو ذاك”, فما بالك بمن يرشده الله جل وعلا من فوق سبع سموات ؟! وايتني يعتبر أن عزو الاقتباس الـمُرَكَّب إلى إشعياء فقط, خصوصاً أن الجزء الأول من الاقتباس ليس موجوداً في إشعياء, نوع من أنواع التدني العقلي والثقافي, وهو لا يقبل هذا على كاتب يهودي, فما بالك بالذي يتمتع بمَعِيَّة الروح القدس ! ومن أجل ذلك, يرفض بعض العلماء أمثال وايتني أي شكل ينسب الاقتباس الـمُرَكَّب إلى إشعياء فقط, أما العلماء الذين يقبلون ذلك, فيخترعون الأسباب لتبرير عبارة مرقس الخاطئة.
ومن أجل ذلك أشعر بالأسى والأسف على كل من يقبل كتاباً يحتوي على مثل هذه المشاكل العجيبة, وأشعر بالفخر والاعتزاز لأني أعتقد بكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, تنزيل من حكيم حميد, وأشعر بالفرحة والسعادة لأن الله تبارك وتعالى نَجَّاني من هذا وجعلني من المسلمين, فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
۩ عزو الاقتباس المُرَكَّب لإشعياء فقط يعني أن الكاتب أخطأ:
هذا هو حال الذين لا يقبلون أي شكل يُنسِب الاقتباس الـمُرَكَّب إلى إشعياء وحده, أما الذين يقبلون فيخترعون الأسباب ليبررون, ولكن هناك طائفة من العلماء يقولون إن عزو الاقتباس الـمُرَكَّب إلى إشعياء وحده خطأ من الكاتب ! يعترفون صراحة بهذا, وهذا هو الحق, ولكن قليل من العلماء يعترفون. ولكن تمهل معي لحظة, سواء كان هذا العالم يعتقد أن الشكل الأول “في (الـ) إشعياء النبي” هو الأقدم أو لا, فإنه يعترف أن هذا الشكل خطأ, فعليك يا صديقي أن تفكر قليلاً, فهناك موقفين من العلماء, أولهما الاعتراف بأن الشكل الأول هو الأقدم مع إعطاء تبريرات للخطأ, وثانيهما الاعتراف بأن الشكل الثالث “في الأنبياء” هو الأقدم مع الاعتراف بأن الشكل الأول لا يمكن أن يكون صحيحاً.
انظر إلى ماكليمونت وهو يتكلم عن كل من يقبل الشكل الأول للنص: [كانوا على استعداد حتى لتفضيل قراءة تنطوي على عدم دقة الإنجيلي في ما يتعلق بالاقتباس من العهد القديم, مثلاً, في مرقس 1/2 “كما هو مكتوب في إشعياء النبي” بدلاً من “كما هو مكتوب في الأنبياء”, على المبدأ القائل أنه على الأرجح تم تغير الأصل من أجل تصحيح الخطأ, على افتراض أن الخطأ قد تسلل إلى النص عن طريق خطأ من الناسخ.][[108]]
هكذا يرفض ماكليمونت الأدلة والبراهين, وكل ما يهمه هو أن يحافظ على صورة الكاتب, وأن لا يجعله من الذين لا يعرفون كيفية الاقتباس الصحيح من العهد القديم ! جميع الأدلة والبراهين والشواهد تشير بقوة إلى أن الشكل الأول هو الأقدم, ولكن أمثال ماكليمونت يرفضون كل هذا, ويَسْبَحون ضِدّ التيار, فقط بدافع لاهوتي, متجاهلين تماماً جميع الحقائق.
هناك علماء أكثر صراحة ومواجهة للحقائق, مثل واين كاندي الذي يقول: [اللغز الذي مكث مع العلماء طويلاً فيما يتعلق بهذا النص تَرَكَّزَ حول السؤال عن كيفية دخول هذا الخطأ لأول مرة في البشارة المرقسية. الجواب الواضح لذلك هو أن مؤلف بشارة مرقس – ببساطة – أخطأ, أو ربما نسب هذا القول لإشعياء عن قصد بسبب المكانة العظيمة التي احتلها هذا النبي بالتحديد, سواء عنده أو عند جمهوره.][[109]]
لا أستطيع إلا أن أحترم واين كاندي وأمثاله ! فهو يقول صراحة إن عزو الاقتباس الـمُرَكَّب إلى إشعياء وحده خطأ واضح, ولكن هناك احتمالين, الاحتمال الأول هو أن كاتب الإنجيل أخطأ فعلاً, أي أنه لم يقصد هذا ولكن هذا ما كتبه فعلاً, والاحتمال الثاني هو أن كاتب الإنجيل نسب الاقتباس إلى إشعياء وحده قاصداً, رغم معرفته أن هذا العزو خاطئ, ولكنه كان يقصد شيئاً ما من وراء ذلك.
هناك أشخاص على النقيض تماماً, مثل جاي جرين الذي يقول: [النسخ الموجودة بين أيدينا حاليا: (NASB, NIV, NRSV, REB, NAB, GNB, ERV, CEV) جميعها على ما يبدو تتبع إصدار نستل آلاند وجمعيات الكتاب المقدس اليونانية. وكلها تتهم مرقس بعدم معرفة مصادر اقتباساته, تاركة سلطان وصحة الكتب محل شك في نسخها.][[110]]
ويُضيف جاي جرين قائلاً: [الأدلة التي تشهد لقراءة “الأنبياء” هي: المخطوطة A (السكندرية), كل المخطوطات ذات الأحرف الكبيرة إلا في ست منهم, الآلاف من مخطوطات الأحرف الصغيرة, ومخطوطات القراءات الكنسية, وجميع الترجمات القديمة إلا أربعة منهم. وربما يكون الأكثر أهمية من ذلك كله, هو أن هذه القراءة الراسخة جيداً (في التقليد النصي للمخطوطات) لا تترك مرقس والروح القدس مُدانَيْن بعبارة خاطئة, تنسب لـ “إشعياء” أقوال ملاخي.][[111]]
لنا وقفة مع هذا الكلام, تأمل معي التدليس من أجل الانتصار للعقيدة. لقد قمنا بمناقشة الأدلة الخارجية بالتفصيل, ولكن يأتي جاي جرين ويحاول جاهداً أن يُصَوِّر للقارئ أن الشكل الثالث هو الذي له الغلبة من ناحية الأدلة الخارجية. كلام جاي جرين لا يوحي للقارئ أن الشكل الثالث لم يظهر في مخطوطات إنجيل مرقس إلا عند القرن الخامس ! بل يستخدم عبارة مضللة: “القراءة الراسخة جداً” لإيهام القارئ بأن الشكل الثالث للنص له جذور راسخة, محاولة منه للإيهام بقِدَم الشكل.
يقول إن الشكل الثالث موجود في كل مخطوطات الأحرف الكبيرة إلا في ست منهم, إنه الحق الذي أُرِيدَ به باطل ! العبارة صحيحة تماماً, ولكنها مُضَلِّلة للغاية, فإنه لم يذكر للقارئ إن هذه المخطوطات الستة هم أقدم شواهد يونانية للنص, بالإضافة إلى أنهم من عائلات نصية مختلفة, وفوق هذا كله, يريد أن يوهم القارئ بأن عدد مخطوطات الأحرف الكبيرة الـمُقابلة لهؤلاء الستة عدد كبير, في حين أنه لا يوجد إلا ثماني مخطوطات أحرف كبيرة تحمل الشكل الثالث للنص ! هل رأيتم مدى التضليل. ويقول أيضاً إن الشكل الثالث موجود في الآلاف من مخطوطات الأحرف الصغيرة, في حين أن الغالبية العظمى من هذه المخطوطات ترجع لعائلة نصية واحدة, والغالبية العظمى من هذه المخطوطات ترجع إلى القرن العاشر وما بعده !
أما أكثر عبارة تضليلاً فهي أن الشكل الثالث للنص موجود في جميع الترجمات القديمة إلا أربعة منهم, والحقيقة هي أننا نجد الشكل الثالث في الترجمة الأثيوبية (القرن السادس) والسلافينية (القرن التاسع), وفي مخطوطات قليلة متأخرة من ترجمة الفولجاتا اللاتينية, وعلى هوامش الترجمة القبطية البحيرية (القرن التاسع), وفي إصدار واحد من الترجمة السريانية (الهاركلينية: القرن السابع). أما الشكل الثاني “في إشعياء النبي”, فنجده في الترجمة اللاتينية القديمة, والفولجاتا اللاتينية, والترجمة السريانية القديمة, والترجمة القبطية الصعيدية والبحيرية.
لماذا يقوم جاي جرين بتضليل القارئ وإيهامه بأن حال الشكل الثالث أفضل من ناحية الأدلة الخارجية ؟ الإجابة تكمن في عبارته الأخيرة عن الشكل الثالث للنص وأنها “لا تترك مرقس والروح القدس مُدانَيْن بعبارة خاطئة, تنسب لـ “إشعياء” أقوال ملاخي”. يستطيع إذاً أن يقوم بالتدليس على القارئ وتضليله من أجل أن ينصر عقيدته الخاصة بوحي الكتاب. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد, انظر إلى كلام آخر له:
الحقيقة هي؛ أن مرقس لم يسم بأي حال مؤلفي اقتباساته ! لكن آخرين أخذوا على عاتقهم مسألة إدخال إشعياء في المخطوطات المصرية. يجب أن نتذكر هنا أن الغنوصيين وبعض المهرطقين كانوا يبحثون عن الفرص ليتهموا الكتب بالتناقض بين بعضها البعض, ليخطّئوها في بعض المواضع, وأيضا ليشككوا في مواضع أخرى. وبما أن هذا كان معروفاً جداً للجميع, لماذا إذاً كان أصحاب الإصدارات الجديدة في ثقة من أنفسهم إلى هذا الحد ليجمعوا على إدراج هذا الغش في الكتب المقدسة, غير مهتمين – كما يبدو – بأنهم بذلك يعطون الذخيرة والأريحية لهؤلاء الذين يتوقون لتشويه سمعة الكتب, والسلطة الموكلة لهم ؟[[112]]
هنا يحاول جاي جرين إيهام القارئ بأن الشواهد التي تحتوي على شكل “إشعياء” من مصر فقط, وتغافل أنه موجود في أقدم وأهم مخطوطات النص الغربي: بيزا واللاتينية القديمة والفولجاتا, وموجود أيضاً في النص القيصري, بالإضافة إلى وجود الشكل عند أغلب آباء الكنيسة من الشرق والغرب, فأين ما يحاول جاي جرين توصيله من أن الشكل غير موجود إلا في المخطوطات المصرية !
العجيب والغريب هو أن جاي جرين يدرك جيداً هذه المعلومات فيقول: [هناك الكثير من المخطوطات الفاسدة التي تُبرز هذا التحريف, مثل: (Aleph, B, C, D, L. Delta) من مخطوطات الأحرف الكبيرة, وطبقا لدين بورجون؛ هناك أيضا ثلاثون مخطوطة من مخطوطات الأحرف الصغيرة, وهناك ادعاء بأن العديد من الآباء قد قبلوا هذه الكلمات الخاطئة. ولكن كما في العدد الأول، العديد من هؤلاء الآباء يقومون فقط بالاقتباس من أوريجانوس.][[113]]
أخبروني بالله عليكم, هل المخطوطة (D) “بيزا” مخطوطة مصرية ؟ بالطبع لا, هل المخطوطة (C) “الأفرايمية” مخطوطة مصرية ؟ بالطبع لا, بل إن العلماء يقولون إن هذه المخطوطة تتفق مع النص البيزنطي.[[114]] هل المخطوطة (Delta Δ) “السنجالية” مخطوطة مصرية ؟ بالطبع لا, فإنها في مرقس فقط تتفق مع النص السكندري أما باقي المخطوطة فتتفق مع النص البيزنطي.[[115]] ثم يأتي جاي جرين بالخبر الـمُضحك الـمُبكي فيقول إن العديد من الآباء يقتبسون من أوريجانوس ! هل كان إيريناوس الذي عاش قبل أوريجانوس يقتبس منه ؟ هل كان الآباء الغربيون الذين يكتبون باللاتينية يقتبسون من أوريجانوس ؟ من تحاول خداعه يا رجل ؟! يستحيل أن يكون مصدر كتابات كل هؤلاء الآباء الذين يسكنون مشارق الأرض ومغاربها شخص واحد عاش في الإسكندرية ! يا أيها المسيحيون, والله إني أحب لكم الخير, هناك من يريد تضليلكم من أجل الانتصار لعقائد ليست لها الأدلة والحقائق التي تأيدها, الحق أحق أن يُتَّبع, اسأل الله الهداية للجميع.
۩ سياسة التشكيك في مصداقية المخطوطات:
يجب على الباحث الـمُنصف أن يَتَّبِع الأدلة والشواهد, ولكن ماذا لو كانت الأدلة والشواهد لا تناسبه ؟ الحل هو التشكيك والطعن في الأدلة ! هذا ما فعله بورجون, وجاي جرين, ووايتني, حتى يكون في استطاعتهم الاعتماد على المخطوطات المتأخرة. تخيل معي, مخطوطات قديمة أثرية من القرن الرابع والخامس, تُمَثِّل نص الكتاب المقدس في هذه الأزمنة, أقوم أنا بالتشكيك فيها والطعن في مصداقيتها, لا لشيء إلا لأنه لم يسرني ما وجدته في هذه المخطوطات !
جاي جرين ينقل أقوال بورجون التي يؤيدها فيقول: [ماذا عن مصداقية أقدم المخطوطات الموجودة ؟ بورجون ذكر 27 موضعاً أنكرت أو انتقصت (المخطوطات القديمة) فيها من ألوهية المسيح، جميعهم إما بواسطة السينائية (Aleph) أو الفاتيكانية (B)، وفي أغلب الأحيان بواسطتهما معاً, وغالباً توافقهما مخطوطة بيزا (D), وأيضاً المخطوطة الأفرايمية (C), ونادراً المخطوطة السكندرية (A).][[116]]
كما قلت لكم سابقاً, السبب الرئيسي هو الدِفَاع الأعمى عن العقائد, فقد وجدوا أن المخطوطات القديمة لا تُدَعِّم عقائدهم بالشكل الذي يريدونه, وربما أنكرت هذه المخطوطات القديمة عقائدهم, فكيف إذاً يقبلونها ؟ وكيف سيواجهون الناس بما وجدوه فيها ؟ الحل هو الهجوم الشرس على هذه المخطوطات حتى نُفْقِدها مصداقيتها أمام الناس, ونتمسك بأي مخطوطات أخرى تُدَعِّم عقائدنا وتوافق أهواءنا, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
يستمر جاي جرين في نقل أقوال بورجون قائلاً: [قام بورجون أيضا بلفت الانتباه إلى 2,877 حذف من الفاتيكانية (B)، وإلى 3,455 كلمه محذوفة من السينائية (Aleph) والتي قام بورجون بحصرهم من الأناجيل الأربعة فقط. تحتوى أيضاً مخطوطة بيزا (D) على 3,047 كلمة محذوفة. وقد أضاف أيضاً أنه قد اكتشف 2,378 تعديل وتغيير في الفاتيكانية (B)، و3,893 في بيزا (D). قام بورجون يعطي لنا هذا المثال لبيان مدى مصداقية المخطوطات السينائية (Aleph) والفاتيكانية (B) والأفرايمية (C) وبيزا (D): في سبعة أعداد من إنجيل يوحنا 13/21-27, هذه المخطوطات بينها اختلافات في 35 موضعاً: الفاتيكانية (B) مسئولة عن 28 اختلاف، والسينائية (Aleph) عن 22 اختلاف، والأفرايمية (C) عن 21 اختلاف، وبيزا (D) عن 19 اختلاف, والسكندرية (A) عن 3 اختلافات, سواء كانت الاختلافات في المخطوطة نفسها أو مع المخطوطات الأخرى. اليونانية الحقيقية تظهر في هذه المخطوطات الخمسة (عبارة ساخرة نظراً لكثرة الاختلافات في سبعة أعداد فقط من إنجيل يوحنا). وأيضا في الأناجيل هناك 563 إضافة في الفاتيكانية (B) ، و839 في السينائية (Aleph), و2,213 في بيزا (D).][[117]]
قام دانيال والاس بالرد على بورجون قائلاً: [في الواقع ، هذا هو الاتهام الذي اتهم به جون بورجون المخطوطات القديمة. لكن إذا كانت مؤامرة، فهناك ثلاثة مشاكل صعبة باقية – إن لم تكن مستحيلة – يجب علينا شرحها: كيف حدثت مثل هذه المؤامرة التي أصابت هذا العدد الكبير من الشواهد المتنوعة ؟ يجب أن ترجع جذور هذه المؤامرة إلى وقت مبكر جداً لدرجة أنها ستشكك في أي قراءة في العهد الجديد. هذا سيعني أن النسخ الأولى, وكذلك أغلبية مخطوطات العهد الجديد بحسب نظرية نص الأغلبية أصابتها الفساد. وهكذا، فإن نظرية المؤامرة تثبت الكثير جداً. أكثر مما يستطيع بورجون احتماله.][[118]]
دانيال والاس يريد أن يقول ببساطة, إن الطعن في أقدم المخطوطات طعن في نص العهد الجديد بالكامل, فإن فساد شواهد بهذا القِدَم يشير إلى أن التحريف بدأ في زمن مبكر جداً, مما سيعني بالتأكيد أن هذا الفساد والتحريف سينتشر في أغلبية المخطوطات المتأخرة, والتي تنقل من مخطوطات أقدم منها, وهكذا أراد بورجون أن يدافع عن عقيدة خلو الكتاب المقدس من الأخطاء, فقام بتدمير الكتاب المقدس بالكامل !
وهكذا يسير وايتني على خُطَى بورجون وجاي جرين فيقول: [هذا, على أي حال, هو الاستنتاج الذي نجد أنفسنا مجبرين عليه لو كانت حقاً أقدم مخطوطاتنا محل ثقة, والقراءة الموجودة في ثمانية أو عشرة منها مقبولة لنا على أنها القراءة الأصلية. لكن تلك المخطوطات ليست في مجملها محل ثقة. كلهم يناقضون بعضهم البعض بشكل مستمر. جميع هذه المخطوطات تحتوي على قراءات خاطئة دخلت العهد الجديد مبكراً وبدون وعي.][[119]]
والحرب مستمرة على كل المخطوطات التي تحتوي على أشكال للنص لا توافق هوى المسيحي وعقيدته, فهذا هو حال المسيحية منذ القديم, يختارون ما يشاءون, ويتخلصون من كل ما يخالفهم, فإن كانت المخطوطات القديمة تشهد بما يرضيهم, لافتخروا بها, ولوضعوها فوق رؤوسهم, يدورون بها في الطرقات, ليُشْهِدوا الناس كيف أن المخطوطات الأثرية القديمة تدعم العقيدة المسيحية, ولكن الأمر لم يكن هكذا, فأعلنوا الحرب والعداوة على كل مخطوطة مخالفة.
۩ نصائح دانيال والاس لمن لا يقبل الأدلة:
كلمات رائعة, يقدمها دانيال والاس لجميع الذين ينتهجون منهج التشكيك في الأدلة وعدم قبول الشواهد والبراهين. الجميل في كلامه هو أنه قادر على بيان وجهة نظرة بفصاحة كلماته, فلا يستطيع أحد أن يقول لي إن دانيال والاس لم يقصد هذا, حيث أنه لم يترك الفرصة لورود أكثر من معنى في كلامه. سأقوم بعرض كلامه الخاص بمشكلة مرقس 1/2 ثم أقوم بالتعليق عليه:
والآن، ما علاقة كل هذا بقضية خلو الكتاب المقدس من الأخطاء (inerrancy) ؟ ثلاثة أجوبة من الضرورة أن تعطى. الأول، الأدلة ساحقة على أن مرقس كتب “في إشعياء النبي”. مهما كانت معتقدات الشخص حول خلو الكتاب المقدس من الأخطاء, يبدو لي، أنهم يجب عليهم أن يتكيفوا مع هذه الحقيقة.[[120]]
هذا كلام في منتهى الروعة, يا صديقي, يجب أن تَتَّبِع الدليل, اجعل الدليل يقودك إلى العقيدة, لا أن تطعن في الدليل من أجل عقيدة ! هكذا المسلم الذي يبني عقيدته على الأدلة, وليس كالذين يعتقدون ثم يختارون الكتب ويتركون ما يشاءون. لنكمل كلام دانيال والاس:
ثانياً, عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع النقد النصي، إذا نظرنا إلى القول القائل: “نبدأ بافتراض مُسبق بأن الكتاب خالي من الأخطاء (inerrancy)”, سيتحتم علينا منطقياً عمل تصحيحات حدسية في بعض الأماكن (مثل لوقا 2/2). وذلك لأن هناك مشاكل أخرى كثيرة أكثر خطراً من مرقس 1/2 على عقيدة خلو الكتاب المقدس من الأخطاء. ولكن إذا كان هذا هو نَهجُنا؛ ألا ينبغي علينا أيضاً أن نصحح نص الكتاب في أي وقت يُعارض فيه عقيدتنا ؟ هناك الكثير من الفقرات التي قد توحي بأن يسوع كان أقل من إله حقيقي. ألا يكون لنا الحق في تغييرهم لكي يوافقوا قناعاتنا العقائدية ؟ ليست هناك وسيلة لإيقاف مثل هذا الأسلوب العقائدي إذا بدأ.[[121]]
إلى هنا أقول, وبأعلى صوتي, وليسمعني الجميع شرقاً وغرباً, الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة. والله الذي لا إله إلا هو, لم أسمع من قبل قط, أن أحد المسلمين قال إن هذه الشبهة – مثلاً – ليست هي الوحيدة التي تطعن في القرآن الكريم, بل أن هناك شبهات أخرى كثيرة أكثر خطراً من هذه الشبهة على القرآن الكريم. هل تتخيلون مثل هذا القول من مسلم يا مسلمون ؟! بالطبع لا. هل تتخيل أن ينطق أحد شيوخ الإسلام بعبارة مفادها إن هناك الكثير من الآيات توحي – على سبيل المثال – بأن محمداً ليس نبياً من عند الله ! قد نسمع هذه العبارة من شخص ينقد القرآن عن جهل, ولكنها لن تخرج من مسلم أبداً. الكلمات التي نقلتها منذ قليل لمسيحي مؤمن متخصص في النقد النصي, وليس لأحد العلمانيين أو الملحدين الذين يطعنون في الكتاب المقدس. لنكمل كلام دانيال والاس:
ثالثاً, نحتاج ببساطة أن نكون أمناء مع الأدلة التي أمامنا. من المقبول أن نقول في بعض الأوقات “لا أعرف”. عقيدة خلو الكتاب المقدس من الأخطاء (Inerrancy) المصداقية لن تحيا أو تموت بسبب مرقس 1/2. يوجد العديد من النقاد الذين يتبنون قراءة “إشعياء” ويؤكدون على خلو الكتاب من الخطأ, وفي الواقع, أستطيع المجازفة بقول أن أغلب العلماء الذين يؤكدون خلو الكتاب من الخطأ يتبنون تلك القراءة. على الرغم من ذلك, فإن لديهم بعض الخيارات ليفسروا لنا ما حدث. ربما لا يملكون الإجابة الصحيحة, ولكن لنطلق هكذا ببساطة – على “في إشعياء” إنه خطأ نوع من العجرفة. البعض اقترح أن سفر إشعياء كان يترأس كتاب (“لفافة” Scroll) الأنبياء, وهكذا سيكون قصد مرقس “في كتاب (“لفافة” Scroll) إشعياء”. ربما كان كذلك, لكننا نفتقد الدليل الكافي. هناك اقتراحات أخرى أيضا, لكنها ليست إجابات قطعية.[[122]]
عندما قرأت هذا المقطع لدانيال والاس تعجبت كثيراً, شعرت بأن هناك تناقض بين كلامه هذا وكلامه السابق عن إتِّبَاع الأدلة. وكأن دانيال والاس يريد أن يقول لنا إن الأدلة ساحقة وتشير إلى أن شكل “إشعياء” هو الأقدم, ولكن مع ذلك فعقيدة خلو الكتاب المقدس من الأخطاء تبقى كما هي ! يا صديقي العالم دانيال, لقد وَضَّحتَ وبَيَّنتَ أن أغلب العلماء يؤكدون خلو الكتاب من الخطأ, ولكن أين الأدلة التي تؤيد هذا التأكيد ؟ لقد قلت بنفسك إنهم ربما لا يملكون الإجابة الصحيحة, وإنهم يفتقدون الدليل الكافي, وهذا ما بَيَّناه بالفعل في هذا البحث, وقمنا بالرد على تبريراتهم الواهية التي تفقد الدليل.
إذن, يجب على الجميع أن ينظر إلى الجانب الآخر الذي يقول بأن شكل “إشعياء” خطأ, أليست أدلتهم قاطعة وكثيرة ؟ هل عندما أقول شخصياً, أنا التاعب, بعد هذا البحث الطويل, إن شكل “إشعياء” خاطئ تماماً على الحقيقة, كما قالها جيروم وغيره من قبل, ألا يكون معي الدليل, ألا ينبغي على دانيال والاس أو أي شخص آخر أن يَتَّبِع هذا الدليل, أم أن يبقى على الحياد, ويتجاهل الدليل, ويقول لا أعرف ؟
۩ النظرية الأولى – عزو الاقتباس لمرجع مُحدد:
يُقدم لنا فيلند فيلكر هذه النظرية فيقول: [على الجانب الآخر, إذا كان “في الأنبياء” أصلاً في مرقس, ربما تم تغييرها إلى إشعياء لتكون أكثر تحديداً. هذا حدث أيضاً في أماكن أخرى مثل متى 13/35 عندما تم تغيير “من خلال النبي” إلى “من خلال النبي إشعياء” رغم أن الكلمات غير موجودة في إشعياء.][[123]]
هذه النظرية قائمة على فرضية أن الاقتباس غير منسوب إلى مرجع مُحدد, ولكن هذا خطأ, وقد قمنا سابقاً بإثبات أن كتبة العهد الجديد أشاروا أكثر من مرة إلى “ما كُتِبَ في الأنبياء”, فإن كتاب “الأنبياء” مرجع مُحدد, أما المثال الذي أعطاه فيلند, وهو متى 13/35, فإنه لا يُشير إلى مرجع محدد نستطيع الرجوع إليه, وإنما يقول “لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالنَّبِيِّ”, وباليونانية (διὰ τοῦ προφήτου) والتي تعني حرفياً “بواسطة النبي”, فأي نبي هذا ؟ النص لا يُحدد مرجعاً. ولعل هذا هو السبب الرئيسي من وراء ما سماه فيلند بـ “أكثر تحديداً”, فأراد الناسخ أن يُحدد نبياً, فكتب أشهر أنبياء العهد القديم, والمعروف عنه بالنسبة للمسيحيين أنه يتنبأ بما يخص العهد الجديد. أما نص مرقس 1/2, فإنه ينسب الاقتباس إلى مرجع مُحدد كما فعل غير واحد من كتبة العهد الجديد, فإن كان الشكل الثالث “في الأنبياء” هو الأقدم, وهذا الشكل يجعل نص مرقس 1/2 خالياً من المشاكل أو الأخطاء, فهل يُعقل أن يقوم أحد الأشخاص بتغييرها إلى صيغة خاطئة أو تحتوي على صعوبة ؟!
ينقل وايتني عن جيروم فيقول: [كان هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه جيروم منذ ما يقرب من 1500 عام. فعلى الرغم من احترامه للأدلة التي وجدها عندما راجع النسخة اللاتينية القديمة،وإبقائه على قراءة “في إشعياء النبي” (Esaia propheta) في النسخة اللاتينية للإنجيل, قال في تعليقه على نص متى 3/3, في إشارة لمرقس 1/2, إنه يعتقد أن اسم إشعياء هو تحريف للنص من قِبَل النُسَّاخ; مثل قراءات مشابهة في أكثر من موضع.][[124]]
كلام جيروم هذا في غاية العجب, واقتناع وايتني به أعجب وأغرب ! كيف لجيروم أن يعتقد بأن اسم إشعياء هو تحريف للنص من قِبَل النُسَّاخ, ثم يقوم بوضع التحريف في نسخته اللاتينية الفولجاتا ؟! هل يقوم جيروم بنشر التحريف ؟ ثم أننا قمنا بعرض اقتباس سابق لجيروم عندما قال أن عبارة مرقس غير صحيحة, حيث أن كلمات ملاخي ليست موجودة في إشعياء, ولكنه قال إن الأهم هو توصيل الفكرة بغض النظر عن الصياغة نفسها. هل قال جيروم فعلاً إن إشعياء تحريف من النُسَّاخ ؟ إن كان قد قال؛ فكلامه هذا يناقض التفسير الذي قدمه سابقاً, ويُدين جيروم نفسه, حيث أنه كان راضياً بنشر التحريف في نسخته اللاتينية.
يُكمل وايتني في محاولة لتبرير وجود إشعياء في أقدم المخطوطات: [وعندما يُوضع في الاعتبار أن هذه القراءة تظهر على هامش مخطوطة وفي نص الإصدارات السريانية الأخرى; الإصدارات الخاصة بالعهد الجديد في بلد تاتيان، لا يجب أن ندخل في دوامة حيرة كي نعرف من أين وكيف ومتى دخلت هذه القراءة إلى نص العهد الجديد ! من الواضح أنها جاءت من متى 3/3; من خلال تاتيان في الجزء الأخير من القرن الثاني. وهو ما سيدعوه دكتور هورت بالقراءة السريانية المتميزة. حُفظت القراءة في (Aleph. B, L, 2,1, Origen) … الخ. والقراءة الأصلية – كما نجد في النص المستلم – وصلت إلينا في مخطوطات أحرف كبيرة متأخرة ووثائق أخرى.][[125]]
في الحقيقة تبرير عجيب جداً, هل يعقل أن يُكَوَّن شكلٌ للنص في سوريا, حتى ولو كان في القرن الثاني, وينتشر في جميع الشواهد القديمة بداية من القرن الثاني ! هل يُعقل أن يُكَوَّن الشكل في سوريا, ويقتبسها إيريناوس في فرنسا في نفس الفترة الزمنية ! وايتني من الذين لا يريدون قبول حقيقة أن شكل إشعياء كان منتشراً في جميع العائلات النصية من القرن الثاني إلى القرن الخامس وما بعده, ويحاول إيهام القارئ, كما فعل جاي جرين من قبل, بأن شكل إشعياء كان موجوداً في طائفة محدودة جداً من المخطوطات, وهذا عار تماماً من الصحة.
بالإضافة إلى كل ما سبق, فإن الدياتسرون لا يجمع بين نبوة ملاخي ونبوة إشعياء كما فعل كاتب الإنجيل, فنبوة ملاخي موجودة في المقطع الثالث عشر, وهي غالباً مأخوذة من لوقا 7/27[[126]], أما نبوة إشعياء فنجدها في الفصل الثالث, وهي غالباً مأخوذة من متى 3/3[[127]]. وهكذا أقول لجميع الذين يشابهون وايتني في التفكير, لا تخترعوا المبررات واقبلوا الحقائق.
۩ النظرية الثانية – التوفيق بين الأناجيل:
جاي جرين وبورجون يقدمان لنا هذه النظرية: [يؤمن بورجون أن البداية جاءت عن طريق محاولة توفيق لنصوص البشارات الأربعة, ثلاثة من الأربع بشارات احتوت على اقتباس من إشعياء (متى 3/3, لوقا 3/3-6, يوحنا 1/23), ولسبب ما أو ربما بدون سبب, من حاول القيام بالتوفيق جعل مرقس أيضاً يقتبس من “إشعياء” (أي: مثل الأناجيل الثلاثة الأخرى). في الواقع مرقس كان يقتبس إشعياء, لكنه لا يشير إلى “إشعياء” ولا حتى إلى “ملاخي”, لكنه فقط كان يقول إن الاقتباس من “الأنبياء”.][[128]]
وايتني أيضاً يعرض هذه النظرية والتي قبلها فيقول: [مصطلح “في الأنبياء” إلى حد ما غير دقيق. ويبدو غير مُرضيا بالنسبة للعديد من النُسَّاخ الأوائل. لذلك من أجل إضفاء الدقة عليه، أو ربما للتوفيق بين متى ومرقس; كان الناسخ ببساطة سيقوم “في الأنبياء” إلى “في إشعياء النبي” كما في متى 3/3.][[129]] فيلند فيلكر أيضاً يقول: [التغيير إلى “إشعياء” قد يكون أيضاً ببساطة توفيقاً لإنجيل متى ولوقا.][[130]]
تأمل عبارة بورجون والتي نقلها جاي جرين: “ولسبب ما أو ربما بدون سبب”, عبارة لا تدل إلا على التبرير من أجل التبرير, لا يريد أن يكون شكل “في إشعياء النبي” هو الأقدم بأي طريقة من الطرق, لذلك يقوم بتلفيق سيناريو عجيب لا يوجد عليه أي دليل وليس فيه منطقية من قريب أو بعيد. كلام بورجون لا يدل إلا على عدم فهم للعبارة اليونانية التي شرحناها سابقاً, فهو يقول إن مرقس فقط كان يقول إن الاقتباس من الأنبياء, أي الأنبياء كأشخاص, وليس الأنبياء ككتاب نستطيع الرجوع إليه, وهذا المعنى قمنا بنفيه بالدليل والبرهان مسبقاً, وأثبتنا أن النص اليوناني يشير إلى مرجع مكتوب نستطيع الرجوع إليه, وهكذا استخدمها كتب أسفار العهد الجديد.
بالإضافة إلى ذلك, نجد أن النصوص المشار إليها تحتوي على نبوة إشعياء فقط, فمن الطبيعي أن تكون الإشارة إلى إشعياء. هناك ملحوظة أخرى, متى 3/3, ويوحنا 1/23, جاءا على لسان أشخاص, الأول على لسان المسيح, والثاني على لسان يوحنا المعمدان, فلا يوجد أي تشابه بين هاذين النصين من ناحية الصياغة أو الحرفية. النص الوحيد الذي يُشبه نص مرقس هو لوقا 3/4, والذي يقول: “كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً”. النص اليوناني قد يُترجم حرفياً إلى: “كما كُتِبَ في سِفْر أقوال إشعياء النبي”[[131]]. العبارة في مرقس 1/2 تبدأ بنبوة ملاخي, ثم تأتي بعدها نبوة إشعياء, هل من الممكن أن يقوم شخصٌ بتغيير “الأنبياء” إلى “إشعياء النبي” وهو يعلم أن الاقتباس الموجود بعده مباشرة ليس من إشعياء ؟ أم أنه التغيير “بدون سبب” كما قام بورجون !
وفوق كل ما سبق, وكالعادة, هذه النظرية تتجاهل واقع المخطوطات والشواهد, ألا وهو أن الشكل الأول “في (الـ)إشعياء النبي” والثاني “في إشعياء النبي” هما الأقدم في جميع مصادر النص, والشكل الثالث “في الأنبياء” لا يبدأ في الظهور إلا من القرن الخامس. وهكذا يجب أن تكون النظرية متماشية مع كل الأدلة والشواهد المتاحة لدينا, لا أن تكون مجرد تبرير من أجل الدفاع عن عقيدة مُعَيَّنة.
۩ النظرية الثالثة – إشعياء فقط بدون ملاخي:
يُقدم لنا بيزا, صاحب المخطوطة المشهورة هذه النظرية فيقول: [إذا كان هناك مجال للظن هنا; سيكون ظني على الأغلب أن القراءة القديمة “في إشعياء النبي” هي الأصلية, وأن الجزء المذكور من ملاخي والذي تسلل من الهامش إلى النص, مأخوذ من متى 11/10. وهكذا, تم كتابة “في الأنبياء” (ἐν τοῖς προφήταις) هنا. هذا الرأي مؤكد بحقيقة أن الإشارة إلى إشعياء مذكور في متى3/3 ولوقا 3/4 ويوحنا 1/15، حيث ناقشوا بداية خدمة يوحنا.][[132]]
ويُعَلِّق جان كرانز على هذه النظرية فيقول: [بدلاً من ذلك, قدّم لنا نظرية ظنّية, اشتملت على ثلاثة أو أربعة مراحل: 1- النص الأصلي كان يحتوي على “في (الـ)إشعياء النبي” (ἐν τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ) ولكن بدون الاقتباس من ملاخي. 2- كانت هناك مخطوطة تحتوي على ملاخي كتعليق في الهامش. 3- دخل التعليق إلى النص الأصلي. 4- قام أحد النُسَّاخ بعملية تكييف (بعد الظروف الجديدة, ألا وهي دخول اقتباس ملاخي بين “إشعياء النبي” واقتباس إشعياء نفسه), وكتب “في الأنبياء” (ἐν τοῖς προφήταις), لكي نفسر واقعاً لدينا الآن أن النص يحتوي على اقتباسات من اثنين من الأنبياء.][[133]]
هذه النظرية من أجمل النظريات, نظرية جميلة لأنها تدل على أن صاحبها له خيال خصب جداً ! فإنه يقول لنا ببساطة إن الشكل الأصلي للنص غير موجود في أي مصدر من مصادر النص, أي أن الأصل ضاع تماماً, وجميع الأشكال الموجودة حالياً للنص لم يكتبها كاتب الإنجيل ! ثم أنها غير منطقية إطلاقاً, كيف يتسلل نص ملاخي بين عبارة “كما كُتِب في إشعياء النبي” وبين نبوة إشعياء نفسها ؟! هل هو تسلل مقصود وحكم المباراة لم يكن منتبهاً ؟! عفواً للسخرية ولكني لم أستطع أن أمنع نفسي, فالنظرية ضعيفة جداً من جميع النواحي, ولا تستند على أي دليل البتة, فهي من نسج خيال صاحبها من البداية إلى النهاية, وما عرضتها إلا لأبين للقارئ المدى الذي قد يصل إليه الناقد المسيحي من أجل حل إشكالية في الكتاب المقدس !
۩ النظرية الرابعة – ملاخي فقط بدون إشعياء:
هذه النظرية من اختراعي الخاص, لا لشيء إلا لإثبات إن أي شخص يستطيع أن يخترع نظرية, ما دمنا لا نقيده بالأدلة والبراهين والشواهد. هذه النظرية تقول إن كاتب الإنجيل كتب في الأصل الآتي: “كما هو مكتوب في الأنبياء: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك. كان يوحنا يعمد في البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا” وتجاهل تماماً نبوة إشعياء ! ثم جاء أحد النُسَّاخ فلم يجد نبوة إشعياء التي يجدها في باقي الأناجيل الأخرى, فقام بإضافتها بعد نبوة ملاخي, وترك عبارة “في الأنبياء” كما هي, ثم جاء أحد النُسَّاخ فيما بعد وقام بتغيير المرجع من “الأنبياء” إلى المرجع الموجود في الأناجيل الأخرى “إشعياء”. ما رأيكم في هذا التأليف ؟ هكذا نحل إشكالية خلو الكتاب من الأخطاء, لأن النص الأصلي سيكون صحيحاً تماماً, فإن الاقتباس سنجده بالفعل في الأنبياء, وهكذا أكون قد بررت وجود جميع الأشكال المختلفة للنص, ولكن تبقى مشكلة واحدة, أو عدة مشاكل أهمها: لا يوجد دليل واحد على ما أقوله, فهو تأليف محض فقط من أجل التبرير والدفاع عن العقيدة.
۩ مُلَخَّص ما سبق:
بسبب أن هذه العبارة خاطئة: “كما كُتِبَ في إشعياء النبي: ها أنا أرسل ملاكي أمام وجهك..”, حيث أن النبوة من ملاخي وليست من إشعياء, حاول الكثير من العلماء الدفاع عن وحي الإنجيل, حيث أن أقل تلميذ له أدنى معرفة بأسفار العهد القديم, يستطيع أن يخبرنا من أين يقتبس, فما بالكم بمن كان مساقاً من الروح القدس ! ولا يجوز أن يحتوي الكتاب المقدس على أخطاء, بحسب عقيدة المسيحيين, لذلك, هناك من قام بالتدليس وتزييف الحقائق, وهناك من طعن في أقدم مخطوطات العهد الجديد, وهناك من قام بكليهما معاً, ولم يدرك أنه بفعلته تلك, طعن في مصداقية العهد الجديد تاريخياً بالكامل !
يجب على الجميع قبول الحقائق مهما كانت النتائج, ويجب إتباع الأدلة والبراهين والشواهد, لأنها هي التي ستقودنا إلى الحق, فإذا وضعنا نظرية ما, يجب علينا أن نراعي جميع الأدلة والشواهد, وأن لا نتجاهل أياً منها, وأن نفرض عقائدنا على الأدلة والشواهد, بل لنجعل الأدلة والبراهين تشكل لنا عقائدنا, فلا ينبغي أن نقوم باختلاق المبررات من أجل الدفاع عن العقائد والإيمانيات.
إن كنت قد أحسنت عرض الحجج والبراهين والأدلة, وأصبت غرضي من بيان المشاكل الموجودة في مرقس 1/2-3, فذلك ما كنت أتمنى, وإن كنت ضعيفاً في العرض, مُقصراً في أداء مُهِمَّتي, فإني قد بذلت وسعي. يعلم الله كم بذلت من مجهود حتى يخرج البحث بهذا المظهر, ولكن الكمال لله وحده.
لقد قمت بعرض جميع وجهات النظر المختلفة حول النصين محل البحث, ولم أتحيز لرأي من الآراء, بل عرضت الأدلة والبراهين, والتزمت المنهج العلمي الأكاديمي, وقمت بتوثيق جميع المعلومات التي ذكرتها قدر المستطاع. أتمنى أن يُقَدِّر أصدقائي المسيحيون هذا المجهود, وأن يعلموا إني ما بذلت هذا من أجل هجوم على المسيحية, بل من أجل إظهار ما أعتقد أنه الحق, فإن كان هذا الحق لا يُوافق ما تعتقده الآن, فتأكد أن التزامك بالحق أفضل بكثير من أن تُعَادِيه.
اسأل الله عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
[1] أبو جعفر محمد الطبري: تفسير الطبري, جامع البيان عن تأويل آي القرآن, طبعة دار هجر, الجزء العشرون – صـ443 و445.
[2] أبو عبد الله محمد القرطبي: الجامع لأحكام القرآن, طبعة مؤسسة الرسالة, الجزء الثامن عشر – صـ428.
[3] فخر الدين محمد الرازي: التفسير الكبير ومفاتيح الغيب, طبعة دار الفكر, الجزء السابع والعشرون – صـ132.
[4] Scrivener’s 1881 Textus Receptus (Mk 1:2).
[5] The Greek New Testament, Fourth Revised Edition (Mk 1:2) – Page 117.
[6] Strong’s Hebrew and Greek Dictionaries [G5613 (ὡς hōs hoce) Probably adverb of compound from G3739; which how, that is, in that manner (very variously used as shown): – about, after (that), (according) as (it had been, it were), as soon (as), even as (like), for, how (greatly), like (as, unto), since, so (that), that, to wit, unto, when ([-soever]), while, X with all speed.]
[7] Strong’s Hebrew and Greek Dictionaries [G2531 (καθώς kathōs kath-oce’) From G2596 and G5613; just (or inasmuch) as, that: – according to, (according, even) as, how, when.]
[8] Strong’s Hebrew and Greek Dictionaries [G1715 (ἔμπροσθεν emprosthen em’-pros-then) From G1722 and G4314; in front of (in place [literally or figuratively] or time): – against, at, before, (in presence, sight) of.]
[9] الآباء بولس الفغالي وأنطوان عوكر ونعمة الله الخوري ويوسف فخري: العهد الجديد, ترجمة بين السطور يوناني عربي – صـ161.
[10] Strong’s Hebrew and Greek Dictionaries [G32 (ἄγγελος aggelos ang’-el-os) From ἀγγέλλω aggellō (probably derived from G71; compare G34; to bring tidings); a messenger; especially an “angel”; by implication a pastor: – angel, messenger.]
[11] Strong’s Hebrew and Greek Dictionaries [G4253 (πρό pro pro) A primary preposition; “fore”, that is, in front of, prior (figuratively superior) to. In compounds it retains the same significations: – above, ago, before, or ever. In compounds it retains the same significations.]
[12] King James Concordance [G4383 (πρόσωπον prosōpon) Total KJV Occurrences: 81, face, 51.]
[13] Strong’s Hebrew and Greek Dictionaries [G4383 (πρόσωπον prosōpon pros’-o-pon) From G4314 and ὤψ ōps (the visage; from G3700); the front (as being towards view), that is, the countenance, aspect, appearance, surface; by implication presence, person: – (outward) appearance, X before, countenance, face, fashion, (men’s) person, presence.]
[14] Schaff, P. (1997). The Nicene and Post-Nicene Fathers Second Series Vol. IV. Athanasius: Select Works and Letters. Page 551, 552 – From Letter XXXIX. (for 367.) – Of the particular books and their number, which are accepted by the Church. From the thirty-ninth Letter of Holy Athanasius, Bishop of Alexandria, on the Paschal festival; wherein he defines canonically what are the divine books which are accepted by the Church. [4. There are, then, of the Old Testament, twenty-two books in number; for, as I have heard, it is handed down that this is the number of the letters among the Hebrews; their respective order and names being as follows. The first is Genesis, then Exodus, next Leviticus, after that Numbers, and then Deuteronomy. Following these there is Joshua, the son of Nun, then Judges, then Ruth. And again, after these four books of Kings, the first and second being reckoned as one book, and so likewise the third and fourth as one book. And again, the first and second of the Chronicles are reckoned as one book. Again Ezra, the first and second are similarly one book. After these there is the book of Psalms, then the Proverbs, next Ecclesiastes, and the Song of Songs. Job follows, then the Prophets, the twelve being reckoned as one book. Then Isaiah, one book, then Jeremiah with Baruch, Lamentations, and the epistle, one book; afterwards, Ezekiel and Daniel, each one book. Thus far constitutes the Old Testament.]
[15] تادرس يعقوب ملطي: من تفسير وتأملات الآباء الأولين, الإنجيل بحسب مرقس – صـ25.
[16] الأب متى المسكين: الإنجيل بحسب القديس مرقس, دراسة وتفسير وشرح – صـ119.
[17] د. وليم إدي: الكنز الجليل في تفسير الإنجيل, الجزء الثاني, شرح إنجيلي مرقس ولوقا – صـ10.
[18] دير القديس أنبا مقار: قاموس يوناني عربي لكلمات العهد الجديد والكتابات المسيحية الأولى – صـ34.
[19] د. موريس تاوضروس: تحليل لغة الإنجيل للقديس متى في أصولها اليونانية – صـ77, 78.
[20] بيت تيندل للنشر: التفسير التطبيقي للكتاب المقدس – صـ1871.
[21] Strong’s Hebrew and Greek Dictionaries [G1125 (γράφω graphō graf’-o) A primary verb; to “grave”, especially to write; figuratively to describe: – describe, write (-ing, -ten).]
[22] ستانلي سكريسلت: أصول اللغة اليونانية للعهد الجديد – صـ11. [الموضع في مكان أو زمان.]
[23] Curtis Vaughan & Virtus E. Gideon: A Greek Grammar of the NT (Dative Case) – Page 50. [Dative of reference: Sometimes the force of interest in the dative is reduced to the idea of mere reference.]
[24] ر. ت. فرانس: التفسير الحديث للكتاب المقدس, العهد الجديد, إنجيل متى – صـ87, 88.
[25] الأب الدكتور ميشال نجم: التفسير المسيحي القديم للكتاب المقدس, العهد الجديد 1-أ, الإنجيل كما دونه متى 1 إلى 13 – صـ106.
[26] وليم باركلي: تفسير العهد الجديد, المجلد الأول, إنجيل متى ومرقس – صـ37.
[27] Bernard, J. H. (1929). A critical and exegetical commentary on the Gospel according to St. John. Paged continuously. (A. H. McNeile, Ed.) (1:204-205). New York: C. Scribner’ Sons. [The quotation is freely made from Isa. 54:13, and does not agree precisely with either the Hebrew or the LXX.]
[28] Bryant, B. H., & Krause, M. S. (1998). John. The College Press NIV commentary (Jn 6:45). Joplin, Mo.: College Press Pub. Co. [The Old Testament verse Jesus seems to have in mind is Isaiah 54:13, “All your sons will be taught by the Lord, ” but the concept is encountered elsewhere in the Old Testament (e.g., Ps 25:4–5; 94:12; Isa 2:3; Jer 16:21; Micah 4:2; Zeph 3:9; Mal 1:11; cf. 1 Cor 2:13).]
[29] انطونيوس فكري: تفسير الكتاب المقدس, العهد الجديد, تفسير أعمال الرسل 13/40-41.
[30] بيت تيندل للنشر: التفسير التطبيقي للكتاب المقدس – صـ1978.
[31] الشيخ محمد بن صالح العثيمين: شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية, دار الغد الجديد – صـ76.
[32] الأبوان بولس الفغالي وأنطوان عوكر: العهد القديم العبري, ترجمة بين السطور عبري عربي, ملاخي 3/1 – صـ970.
[33] صموئيل كامل وموريس تاوضروس: اللغة اليونانية للعهد الجديد, الطبعة الثالثة – صـ340.
[34] Strong’s Hebrew and Greek Dictionaries [G1914 (ἐπιβλέπω epiblepō ep-ee-blep’-o) From G1909 and G991; to gaze at (with favor, pity or partiality): – look upon, regard, have respect to.]
[35] دير القديس أنبا مقار: قاموس يوناني عربي لكلمات العهد الجديد والكتابات المسيحية الأولى – صـ52.
[36] Strong’s Hebrew and Greek Dictionaries. [G2680 (κατασκευάζω kataskeuazō kat-ask-yoo-ad’-zo) From G2596 and a derivative of G4632; to prepare thoroughly (properly by external equipment; whereas G2090 refers rather to internal fitness); by implication to construct, create: – build, make, ordain, prepare.]
[37] Strong’s Hebrew and Greek Dictionaries. [H6437(פּנה pânâh paw-naw’) A primitive root; to turn; by implication to face, that is, appear, look, etc.: – appear, at [even-] tide, behold, cast out, come on, X corner, dawning, empty, go away, lie, look, mark, pass away, prepare, regard, (have) respect (to), (re-) turn (aside, away, back, face, self), X right [early].]
[38] Jewish Publication Society. (1997, c1985). Tanakh: The Holy Scriptures : A new translation of the Holy Scriptures according to the traditional Hebrew text. Title facing t.p.: Torah, Nevi’im, Kethuvim = Torah, Nevi’im, Ketuvim. (Mal 3:1). Philadelphia: Jewish Publication Society. [Behold, I am sending My messenger to clear the way before Me, and the Lord whom you seek shall come to His Temple suddenly. As for the angel of the covenanta that you desire, he is already coming.]
[39] Philip W Comfort: NT Text And Translation Commentary – Page 93 [Various scribes, aware that Mark was citing more than one prophet in the following verses (1:2-3), changed “Isaiah the prophet” to “the prophets” (so TR and KJV). In 1:2 Mark quoted first from Exod 23:20 (LXX) and then from Mai 3: 1 (Hebrew text), and in 1:3 he quoted Isa 40:3 (LXX) – or perhaps Mark was using an early Jewish collection of texts relating to the Messiah (Cole 1961, 57). Whatever his source, Mark attributed the text to Isaiah only.]
[40] David R. Palmer: Holy Bible, A Translation From The Greek – Mark 1:2. [The first quotation appears to be a blend of Exodus 23:20 and Malachi 3:1, and the second quotation is of Isaiah 40:3.]
[41] الأب جاك ماسون اليسوعي: إنجيل يسوع المسيح للقديس مرقس دراسة وشرح – صـ40.
[42] France, R. T. (2002). The Gospel of Mark : A commentary on the Greek text (Page 63). Grand Rapids, Mich.; Carlisle: W.B. Eerdmans; Paternoster Press. [This is essentially a combined quotation of Mal. 3:1 (with elements drawn from Ex. 23:20) and Is. 40:3, the whole being attributed to Isaiah presumably because the better-known Isaiah text, even though coming second, was the basis of the herald idea which links the two.]
[43] الأبوان بولس الفغالي وأنطوان عوكر: العهد القديم العبري, ترجمة بين السطور عبري عربي, الخروج 23/20 – صـ127.
[44] Edwards, J. R. (2002). The Gospel according to Mark. The Pillar New Testament commentary (Page 26). Grand Rapids, Mich; Leicester, England: Eerdmans; Apollos. [The quotation of 1:2–3 is identified as coming from the prophet Isaiah, although it is actually a tapestry of three OT passages. The reference to the sending of the messenger in v. 2 follows the first half of both Exod 23:20 and Mal 3:1, although there is no exact counterpart in the OT to the latter half of v. 2 (“who will prepare your way”). The greater part of the tapestry comes in v. 3, which reproduces Isa 40:3 nearly exactly.]
[45] Geddert, T. J. (2001). Mark. Believers church Bible commentary (Page 32). Scottdale, Pa.: Herald Press. [Malachi 3:1 and Isaiah 40:3 (the two main sources of the quotation Mark here attributes to Isaiah) both speak of a messenger who will prepare for God’s coming. Mark modifies the prophetic texts slightly but significantly. In Malachi, the “LORD of hosts” announces that a messenger will precede the Lord’s own coming to purify the temple. In Isaiah, the voice prepares a highway for God. Slight modifications to both texts make it possible for Mark’s text to be a prediction of Jesus’ forerunner.]
[46] الآباء بولس الفغالي وأنطوان عوكر ونعمة الله الخوري ويوسف فخري: العهد الجديد ترجمة بين السطور يوناني عربي – صـ161.
[47] الأبوان بولس الفغالي وأنطوان عوكر: العهد القديم العبري, ترجمة بين السطور عبري عربي, إشعياء 40/3 – صـ693.
[48] The Greek New Testament, Fourth Revised Edition – Page 117. [{A} ἐν τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ א B L Δ 33 565 892 1241 2427 Origen1/4 // ἐν Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ D Θ ƒ1 205 700 1071 1243 l 253 arm geo Irenaeusgr Origen3/4 Serapion Epiphanius Severian Hesychius (ἐν Ἠσαΐᾳ or ἐν τῷ Ἠσαΐᾳ ita, aur, b, c, d, f, ff_2, l, q vg syrp, h_mg, pal copsa, bo Irenaeuslat 1/3 Origenlat; (Victorinus-Pettau Chromatius omit τῷ προφήτῃ) Ambrosiaster (Jerome) Augustine // ἐν τοῖς προφήταις A W ƒ13 28 180 579 597 1006 1010 1292 1342 1424 1505 Byz [E F G H P Σ] Lect vgms syrh copbo_ms mg eth slav Irenaeuslat 2/3 Asterius // ἐν Ἠσαΐᾳ καὶ ἐν τοῖς προφήταις itr_1 vid]
[49] Bruce Metzger & Bart Ehrman: The Text of NT, 4th edit – Page 265. [What would a conscientious scribe do if the same passage was given differently in two or more manuscripts that were available? Rather than make a choice between them and copy only one of the two variant readings (with the attendant possibility of omitting the genuine reading), many scribes incorporated both readings in the new copy that they were transcribing.]
[50] د. يوسف زيدان: مخطوطات دير سانت كاترين – مكتبة الإسكندرية, معلومات عن المخطوطة من الكُتَيِّب المُرفق مع اسطوانات مكتبة المخطوطات الرقمية. (المخطوطة مؤرخة بسنة 284 هجرية [أي ما يقابل 898م])
[51] Hodges, Z. C., Farstad, A. L., & Dunkin, W. C. (1985). The Greek New Testament according to the Majority Text (2nd ed.) (Page 104). Nashville: T. Nelson Publishers. // Pierpont, W. G., & Robinson, M. A. (1995, c1991). The New Testament in the original Greek : According to the Byzantine/Majority textform (Mk 1:2). Roswell, GA: The Original Word Publishers. [Ὡς γέγραπται ἐν τοῖς προφήταις, «Ἰδού, ἐγὼ ἀποστέλλω τὸν ἄγγελόν μου πρὸ προσώπου σου, Ὃς κατασκευάσει τὴν ὁδόν σου ἔμπροσθέν σου.»]
[52] Bruce Terry: A Student’s Guide to New Testament Textual Variants, The Gospel According to Mark V. 1:2. [The reading in the text is found in several types of ancient text.]
[53] Bruce Metzger: A textual commentary on the Greek New Testament, second edition a companion volume to the United Bible Societies’ Greek New Testament (4th rev. ed.) (Page 62). London; New York: United Bible Societies. [A reading found in the earliest representative witnesses of the Alexandrian and the Western types of text.]
[54] Biblical Studies Press. (2006; 2006). The NET Bible First Edition. [On the other hand, the witnesses for “in Isaiah the prophet” (either with the article before Isaiah or not) are early and geographically widespread: א B D L Δ Θ f1 33 565 700 892 1241 2427 al syp co Ir. This evidence runs deep into the 2nd century, is widespread, and is found in the most important Alexandrian, Western, and Caesarean witnesses.]
[55] Black, A. (1995). Mark. The College Press NIV commentary (Mk 1:2). Joplin, Mo.: College Press Pub. Co. [The quotation in vv. 2–3 looks back to v. 1 to explain that the beginning of the gospel came about “as it is written in Isaiah the prophet.” Although many ancient manuscripts of Mark read “as it is written in the prophets,” the best manuscripts refer only to Isaiah. Perhaps Mark wanted to focus on the citation of Isa 40:3 in v. 3.]
[56] United Bible Societies. (2000; 2006). The Greek New Testament, Fourth Revised Edition with apparatus – Page 30*. [The citation must be capable of verification, i.e., the New Testament text or the manuscript cited by the author must be identifiable. Patristic paraphrases, variations, and allusions have no place in this edition. The citation must relate clearly to a specific passage in the New Testament.]
[57] United Bible Societies. (2000; 2006). The Greek New Testament, Fourth Revised Edition – Page 117. [τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ Origen1/4 – ἐν Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ Irenaeusgr Origen3/4 Serapion Epiphanius Severian Hesychius Irenaeuslat 1/3 Origenlat Victorinus-Pettau Chromatius Ambrosiaster Jerome Augustine – ἐν τοῖς προφήταις Irenaeuslat 2/3 Asterius] // Deutsche Bibelstiftung. (1993, c1979). Novum Testamentum Graece – Nestle-Aland 27 – Page 88. [τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ Ir Orpt Epiph – τοις προφηταις Irlat.]
[58] تادرس يعقوب ملطي: نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى – صـ59.
[59] The Early Church Fathers: Ante-Nicene Fathers – Volume 1 – Irenaeus – Introductory Note to Irenaeus Against Heresies. [The great work of Irenaeus, now for the first time translated into English, is unfortunately no longer extant in the original. It has come down to us only in an ancient Latin version, with the exception of the greater part of the first book, which has been preserved in the original Greek, through means of copious quotations made by Hippolytus and Epiphanius.]
[60] Biblical Studies Press. (2006; 2006). The NET Bible First Edition. [The difficulty of Irenaeus is that he wrote in Greek but has been preserved largely in Latin. His Greek remains have “in Isaiah the prophet.” Only the later Latin translation has “in the prophets.” The KJV reading is thus in harmony with the majority of late mss.]
[61] The Early Church Fathers: Ante-Nicene Fathers – Volume 1 – Irenaeus Against Heresies – Book III – Chap. X – Proofs of the Foregoing, Drawn from the Gospels of Mark and Luke – V5. [Wherefore also Mark, the interpreter and follower of Peter, does thus commence his Gospel narrative: “The beginning of the Gospel of Jesus Christ, the Son of God; as it is written in the prophets, Behold, I send My messenger before Thy face, which shall prepare Thy way.]
[62] Henry Deane: The Third Book Of St. Irenaeus Bishop Of Lyons Against Heresies, With Short Notes, And A Glossary – Page 30.
[63] The Early Church Fathers: Ante-Nicene Fathers – Volume 1 – Irenaeus Against Heresies – Book III – Chap. XVI – Proofs from the Apostolic Writings, That Jesus Christ Was One and the Same, the Only Begotten Son of God, Perfect God and Perfect Man – V3. [Wherefore Mark also says: “The beginning of the Gospel of Jesus Christ, the Son of God; as it is written in the prophets.” Knowing one and the same Son of God, Jesus Christ, who was announced by the prophets, who from the fruit of David’s body was Emmanuel.]
[64] Henry Deane: The Third Book Of St. Irenaeus Bishop Of Lyons Against Heresies, With Short Notes, And A Glossary – Page 69.
[65] The Early Church Fathers: Ante-Nicene Fathers – Volume 1 – Irenaeus Against Heresies – Book III – Chap. X – Proofs Of The Foregoing, Drawn From The Gospels Of Mark And Luke – V8 [Mark, on the other hand, commences with [a reference to] the prophetical spirit coming down from on high to men, saying, “The beginning of the Gospel of Jesus Christ, as it is written in Esaias the prophet,” — pointing to the winged aspect of the Gospel.]
[66] John Keble: Five Books Of S. Irenaeus Bishop Of Lyons, Against Heresies, With The Fragments That Remain Of His Other Works – Page 236. [And Mark hath made his beginning from the prophetic Spirit, which cometh upon men from on high, thus S.Mark Saying, The beginning of the Gospel of Jesus Christ … as it is written in the Prophet Esaias: implying the winged image of the Gospel.]
[67] تادرس يعقوب ملطي: نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى – صـ126.
[68] المرجع السابق – صـ213.
[69] المرجع السابق – صـ71.
[70] The Early Church Fathers: Ante-Nicene Fathers – Volume 4 – Origen Against Celsus – Book II – Chap. IV [Nay, even one of the evangelists – Mark – says: “The beginning of the Gospel of Jesus Christ, as it is written in the prophet Isaiah, Behold, I send My messenger before Thy face, who shall prepare Thy way before Thee,”]
[71] The Early Church Fathers: Ante-Nicene Fathers – Volume 9 – Origen’s Commentary on the Gospel of John – Book I – 14. The Old Testament, Typified by John, Is the Beginning of the Gospel. [For the same Mark says: “The beginning of the Gospel of Jesus Christ, as it is written in Isaiah the prophet, Behold I send my messenger before thy face, who shall prepare thy way. The voice of one crying in the wilderness, Prepare ye the way of the Lord, make His paths straight.”]
[72] Roberts, A., Donaldson, J., & Coxe, A. C. (1997). The Ante-Nicene Fathers Vol. X : Translations of the writings of the Fathers down to A.D. 325 – Origen’s Commentary on the Gospel of John – Sixth Book V14 – Page 363. [In Mark, on the other hand, the same words are recorded at the beginning of the Gospel of Jesus Christ, in accordance with the Scripture of Isaiah, as thus: “The beginning of the Gospel of Jesus Christ, as it is written in Isaiah the prophet, Behold, I send My messenger before thy face, who shall prepare thy way before thee. The voice of one crying in the wilderness, Prepare ye the way of the Lord, make His paths straight.”]
[73] Roberts, A., Donaldson, J., & Coxe, A. C. (1997). The Ante-Nicene Fathers Vol. X : Translations of the writings of the Fathers down to A.D. 325 – Origen’s Commentary on the Gospel of John – Sixth Book V14 – Page 363. [Perhaps John was seeking to compress the “Prepare ye the way of the Lord, make straight the paths of our God,” and so wrote, “Make straight the way of the Lord;” while Mark combined two prophecies spoken by two different prophets in different places, and made one prophecy out of them, “As it is written in Isaiah the prophet, Behold I send My messenger before thy face, who shall prepare thy way. The voice of one crying in the wilderness, Prepare ye the way of the Lord, make His paths straight.”]
[74] تادرس يعقوب ملطي: نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى – صـ248.
[75] The Early Church Fathers: Ante-Nicene Fathers – Volume 7 – Victorinus – Commentary on the Apocalypse of the Blessed John. [Mark, therefore, as an evangelist thus beginning, “The beginning of the Gospel of Jesus Christ, as it is written in Isaiah the prophet;” The voice of one crying in the wilderness,” – has the effigy of a lion.]
[76] تادرس يعقوب ملطي: نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى – صـ87.
[77] Catholic Encyclopedia > A > Ambrosiaster. [The name given to the author of a commentary on all the Epistles of St. Paul, with the exception of that to the Hebrews. It is usually published among the works of St. Ambrose (P.L., XVII, 45-508).] http://www.newadvent.org/cathen/01406a.htm
[78] تادرس يعقوب ملطي: نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى – صـ231.
[79] المرجع السابق – صـ139.
[80] Catholic Encyclopedia > C > St. Chromatius. [Bishop of Aquileia, died about 406-407. He was probably born at Aquileia, and in any case grew up there. He became a priest of that church and about 387 or 388, after the death of Valerianus, bishop of that important city.] http://www.newadvent.org/cathen/03730a.htm
[81] تادرس يعقوب ملطي: نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى – صـ149.
[82] المرجع السابق – صـ263, 264, 265.
[83] Schaff, P. (1997). The Nicene and Post-Nicene Fathers Second Series Vol. VI. Jerome: Letters and Select Works – Letter LVII. To Pammachius on the Best Method of Translating – V9 – Page 116. [Mark, the disciple of Peter, begins his gospel thus:—“The beginning of the gospel of Jesus Christ, as it is written in the prophet Isaiah: Behold I send my messenger before thy face which shall prepare thy way before thee. The voice of one crying in the wilderness, Prepare ye the way of the Lord, make his paths straight.”]
[84] Ibid. [This quotation is made up from two prophets, Malachi that is to say and Isaiah. For the first part: “Behold I send my messenger before thy face which shall prepare thy way before thee,” occurs at the close of Malachi. But the second part: “The voice of one crying, etc.,” we read in Isaiah. On what grounds then has Mark in the very beginning of his book set the words: “As it is written in the prophet Isaiah, Behold I send my messenger,” when, as we have said, it is not written in Isaiah at all, but in Malachi the last of the twelve prophets? Let ignorant presumption solve this nice question if it can, and I will ask pardon for being in the wrong.]
[85] Schaff, P. (1997). The Nicene and Post-Nicene Fathers Second Series Vol. VI. Jerome: Letters and Select Works – Letter LVII. To Pammachius on the Best Method of Translating – V9 – Page 117. [From all these passages it is clear that the apostles and evangelists in translating the old testament scriptures have sought to give the meaning rather than the words, and that they have not greatly cared to preserve forms or constructions, so long as they could make clear the subject to the understanding.]
[86] Brooks, J. A. (2001, c1991). Vol. 23: Mark; The New American Commentary (Page 39). Nashville: Broadman & Holman Publishers. [Mark and other biblical writers simply did not employ the technical precision of modern research. It was not necessary for their purpose.]
[87] تادرس يعقوب ملطي: نظرة شاملة لعلم الباترولوجي في الستة قرون الأولى – صـ269.
[88] Schaff, P. (1997). The Nicene and Post-Nicene Fathers Vol. VI. St. Augustin: The Harmony of the Gospels – Book II – Chapter VI – Page 113. [For it is thus that he sets out: The beginning of the Gospel of Jesus Christ, the Son of God; as it is written in the prophet Isaiah, Behold, I send a messenger before Thy face, which shall prepare Thy way before Thee. The voice of one crying in the wilderness, Prepare ye the way of the Lord, make His paths straight. John was in the wilderness baptizing, and preaching the baptism of repentance for the remission of sins, etc.]
[89] Schaff, P. (1997). The Nicene and Post-Nicene Fathers Vol. VI. St. Augustin: The Harmony of the Gospels – Book IV – Chapter I – Page 226. [Mark, then, commences as follows: “The beginning of the gospel of Jesus Christ, the Son of God: as it is written in the prophet Isaiah;” and so on, down to where it is said, “And they go into Capharnaum; and straightway on the Sabbath-day He entered into the synagogue and taught them.”]
[90] The Early Church Fathers: Ante-Nicene Fathers – Volume 3 – The Writings of Tertullian – Part First – Apologetic – VII. An Answer to the Jews – Chap. IX. – Of the Prophecies of the Birth and Achievements of Christ.
[91] الأب متى المسكين: الإنجيل بحسب القديس مرقس, دراسة وتفسير وشرح – صـ120, 121.
[92] Bruce Metzger & Bart Ehrman: The Text Of The NT – Its Transmission, Corruption, and Restoration – Page 246. [In the earlier manuscripts of Mark 1.2, the composite quotation from Malachi (3.1) and from Isaiah (40.3) is introduced by the formula “As it is written in Isaiah the prophet.” Later scribes, sensing that this involves a difficulty, replaced ἐν τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ with the general statement ἐν τοῖς προφήταις.]
[93] Bruce Metzger: A textual commentary on the Greek New Testament, second edition a companion volume to the United Bible Societies’ Greek New Testament (4th rev. ed.) (Page 62). London; New York: United Bible Societies. [The quotation in verses 2 and 3 is composite, the first part being from Mal 3.1 and the second part from Is 40.3. It is easy to see, therefore, why copyists would have altered the words “in Isaiah the prophet” (…) to the more comprehensive introductory formula “in the prophets.”]
[94] Biblical Studies Press. (2006; 2006). The NET Bible First Edition. [The “Isaiah” reading has a better external pedigree in every way. It has the support of the earliest and best witnesses from all the texttypes that matter. Moreover it is the harder reading, since the quotation in the first part of the verse appears to be from Exod 23:20 and Mal 3:1, with the quotation from Isa 40:3 coming in the next verse. The reading of the later mss seems motivated by a desire to resolve this difficulty.]
[95] Bruce Terry: A Student’s Guide to New Testament Textual Variants, The Gospel According to Mark V. 1:2. [The quotation in verses 2 and 3 is from two scriptures: the first part is from Malachi 3:1 and the second part is from Isaiah 40:3. Thus it is likely that copyists changed the reference to make it more general.]
[96] David R. Palmer: Holy Bible, A Translation From The Greek – Mark 1:2. [It is easy to understand why copyists would want to change the text to the more inclusive “the prophets,” but not easy to understand why they would want to change it the other direction.]
[97] Wieland Willker: A Textual Commentary on the Greek Gospels – Vol. 2 Mark – Bremen, online published 7th edition 2010 – TVU 2 – 2. Difficult variant NA27 Mark 1:2. [If Isaiah was originally in Mk, it might have been changed to “in the prophets” because the first part is from Malachi and only the second part is from Isaiah. This is the traditional explanation of the NA reading. Perhaps it was a reaction to Porphyry’s assault ? (NA probably original after weighting the witnesses).]
[98] Marvin R. Vincent: A History Of The TC Of The NT – Page 80. [The correct reading in Mark 1:2 is (ἐν τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ) “in Isaiah the prophet;” but it is apparent that some scribe found it difficult or impossible to account for the fact that the quotation from Isa. 40:3, “The voice of one crying,” etc., is preceded by a quotation from Mal. 3:1, “Behold I send my messenger” etc. ; and accordingly substituted (ἐν τοῖς προφήταις) “in the prophets.”]
[99] Bratcher, R. G., & Nida, E. A. (1993], c1961). A handbook on the Gospel of Mark. Originally published: A translator’s handbook on the Gospel of Mark, 1961. UBS handbook series; Helps for translators (Page 5). New York: United Bible Societies. [Text Instead of tō E̅saia tō prophētē ‘Isaiah the prophet’ of all modern editions of the Greek text, Textus Receptus has tois prophētais ‘the prophets’: this late reading is an obvious correction which a scribe introduced into the original text because the first O.T. passage quoted by Mark is not from Isaiah but from Malachi 3.1.]
[100] Gould, E. P. (1922). A critical and exegetical commentary on the Gospel according to St. Mark (Page 4). New York: C. Scribner’s sons. [ἐν τοῖς προφήταις.—There is no doubt that this is a correction of the original, to meet the difficulty of ascribing the double quotation from Malachi and Isaiah to Isaiah alone. The reading of all the critical texts is ἐν τῷ Ἡσαΐᾳ τῷ προφήτῃ.]
[101] Philip W Comfort: NT Text And Translation Commentary – Page 93 [Various scribes, aware that Mark was citing more than one prophet in the following verses (1:2-3), changed “Isaiah the prophet” to “the prophets” (so TR and KJV).]
[102] Brooks, J. A. (2001, c1991). Vol. 23: Mark; The New American Commentary (Page 39). Nashville: Broadman & Holman Publishers. [“Isaiah the prophet” (40:3) supplies only that part of the quotation in v. 3. The part in v. 2 is from Mal 3:1, perhaps with an allusion to Exod 23:20 as well (the same word means angel and messenger). As a result many medieval scribes substituted “in the prophets.” This reading is found in the KJV and NKJV, which are based on the medieval Greek text rather than on the earliest and now regarded best manuscripts as is the NIV.]
[103] Wayne C. Kannaday: Apologetic Discourse And The Scribal Tradition, Evidence Of The Influence Of Apologetic Interests On The Text Of The Canonical Gospels – Page 65. [Commentators routinely report the variant reading to be the result of someone who recognized the defective attribution of a composite quotation to a single prophet and repaired it.]
[104] Ibid. [Consider the case of Mark 1:2. Variation in the manuscripts occurs with regard to attribution of the prophetic citation, whether the text is said to be located “in Isaiah the prophet” or more generally “in the prophets.” The disputed portion of the verse reads, Καθὼς γέγραπται ἐν τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ [v.l. ἐν τοῖς προφήταις]….What follows is, in fact, a composite quotation consisting of material from Malachi 3:1 and Exodus 23:20, as well as Isaiah 40:3. Textual critics generally recognize the erroneous attribution to Isaiah as the “original” reading and the “correction” to be the product of scribal amendment.]
[105] Benjamin B. Warfield: An Introduction To The TC Of The NT – Page 95. [Examples of corrections for clearing up historical difficulties may be found in the change of “Isaiah the prophet” into “the prophets” in Mark 1:2.]
[106] Daniel B. Wallace: Mark 1:2 and New Testament Textual Criticism. http://bible.org/article/mark-12-and-new-testament-textual-criticism [Hence, this leaves us with an interesting question: If this reading is not original, where did it come from? Scribes surely knew that the first part of the quotation was from Malachi–after all, not a few of these same scribes had copied out the OT. They knew their Scriptures well. Hence, an accidental change to “Isaiah” by some well-meaning early scribe is rather unlikely. Further, there is virtually no possibility that a scribe could have accidentally written Isaiah by dittography. This is the beginning of the gospel; there is not only no Isaiah (Hsaia) in the preceding material, there is also no Hs in the preceding material except in Jesus’ name, but that would have been written as a nomen sacrum (IU) from early on.]
[107] S. W. Whitney: The Revisers’ Greek Text – A Critical Examination Of Certain Readings, Textual And Marginal, In The Original Greek Of The NT – Volume I – Page 171, 172. [In view of the testimony of the older manuscripts and versions, it is generally considered that the received reading is an early emendation to avoid the ascribing to Isaiah of words that are taken only in part from Isaiah. This is plausible; and yet there is another view to be taken. The author of this Gospel was born a Jew. He had, beyond a doubt, like Timothy, known the Old Testament writings from his childhood. His mother was evidently a devout, conscientious Jewess, a fit subject to become one of the early followers of Jesus, as we find that she was. (Acts xii. 12.) So that Mark would, at least, be quite as well able to say from which of the Old Testament writings he was quoting, as, for example, any well-read student of the Old Testament to-day would be to say in what book this or that passage might be found. In view of this, it seems hardly just to conclude that Mark, in giving two passages from different prophecies, like these from Malachi and Isaiah, would speak of them both as taken from Isaiah, especially when the first of them was one that he must have known was not in Isaiah.]
[108] J. A. M’Clymont: NT Criticism, Its History And Results – Page 78. [They were even willing to prefer a reading which implied inaccuracy on the part of the Evangelist in quoting from the Old Testament, e.g. in Mark 1 2 , “As it is written in Isaiah the prophet,” instead of “As it is written in the prophets,” on the principle that it was more likely the original was altered in order to correct the mistake, than that the mistake had crept into the text through the error of a copyist.]
[109] Wayne C. Kannaday: Apologetic Discourse And The Scribal Tradition, Evidence Of The Influence Of Apologetic Interests On The Text Of The Canonical Gospels – Page 66. [What lingering puzzlement has remained for scholars regarding this text has centered around the question of how the error first found its way into the Marcan Gospel. The obvious answer is that the author of Mark simply erred, or that he knowingly credited Isaiah with the saying because of the high regard in which he or his audience held this particular prophet.]
[110] Jay P. Green: Textual And Translation Notes On The Gospels – Mark 1:2 [In today’s versions, NASB, NIV, NRSV, REB, NAB, GNB, ERV, CEV, all apparently follow the Nestle/UBS Greek. And all are condemning Mark as being ignorant of the authorship of his quotations, leaving the authority and authenticity of the Scriptures doubtful in their versions.]
[111] Ibid. [The Evidence for in the prophets: MSS. A, all the dozens of uncials but 6, thousands of cursive mss. and lectionaries, all the versions but 4. Even more important, perhaps, is that this well-attested reading does not leave Mark and the Holy Spirit guilty of a false statement which accredits Isaiah with saying the words of Malachi.]
[112] Jay P. Green: Textual And Translation Notes On The Gospels – Mark 1:2 [The fact is, Mark does not ever name the human authors of his quotations! Someone else took it upon themselves to insert Isaiah into the Egyptian MSS. It must be remembered that Gnostics and other heretics sought out opportunities to charge the Scriptures with being contradictory within itself, false in many places, and doubtful in many other places. This being well known, why do our new versionists so confidently and blithely insert these adulterations of the Scriptures, apparently not caring whether they give ammunition and comfort to those who wish to discredit the Scriptures and the authority that goes with them ?]
[113] Ibid. [There are many more corrupted mss. exhibiting this corruption: Aleph, B, C, D, L. Delta of the uncials, and according to Dean Burgon another thirteen cursives, and a claim that many Fathers accept the false words. But as in verse one, many of these Fathers are only quoting Origen.]
[114] Bruce Metzger & Bart Ehrman: The Text of NT, 4th edit. – Page 70. [It seems to be compounded from all the major text types, agreeing frequently with secondary Alexandrian witnesses but also with those of the later Koine or Byzandne type, which most scholars regard as the least valuable.]
[115] Ibid – Page 82, 83. [In Mark, its text belongs to the Alexandrian type, similar to that of L; in the other Gospels, however, it belongs to the ordinary Koine or Byzantine type.]
[116] Jay P. Green: Textual And Translation Notes On The Gospels – Mark 1:2 [WHAT ABOUT THE RELIABILITY OF THE OLDEST EXTANT MANUSCRIPTS? Burgon cites 27 places where the old uncials deny or detract from the deity of Christ, all of them by either Aleph or B, and most of them by both Aleph and B; usually these are accompanied by D, several times by C, and seldom by A.]
[117] Ibid. [He also calls attention to the 2,877 omissions in B, and 3,455 words omitted in Aleph, which Burgon counted in the four Gospels alone. Also Codex D had 3,704 words omitted. Further he states that he had discovered 2,379 substitutions and modifications in B; 2,379 in Aleph; 3,893 in D. Burgon gives this example of the reliability of Aleph, B, A, C, D: In 7 verses of John, 13:21-27, these uncials differ 35 times: B responsible for 28; Aleph for 22; C for 21; D for 19, and A for 3, either singly or in combination with the others. Actual Greek of the 5 uncials is shown. In the Gospels, B also has 536 additions; Aleph has 839; D has 2,213. (Burgon’s Works slightly condensed in Unholy Hands on the Bible, Vol. I, pp. 53, 76, The Causes of Corruption etc.)]
[118] Daniel B. Wallace: Mark 1:2 and New Testament Textual Criticism. http://bible.org/article/mark-12-and-new-testament-textual-criticism [Indeed, this is the charge that John Burgon makes of these early MSS. But if there is such a conspiracy, then three problems remain that are difficult, if not impossible, to explain: (1) How in the world could such a conspiracy have infected so many early and diverse witnesses? Its roots must go back so early that we would have to doubt virtually any reading in the NT. This would mean that the very first copies–and therefore often the majority of MSS (according to majority text theory) got corrupted. Thus, the conspiracy theory proves too much. That’s even too much for Burgon!]
[119] S. W. Whitney: The Revisers’ Greek Text – A Critical Examination Of Certain Readings, Textual And Marginal, In The Original Greek Of The NT – Volume I – Page 172. [This, however, is the conclusion to which we are forced if our oldest documents are really trustworthy, and the reading presented by eight or ten of them here is to be accepted as the genuine reading. But these documents are not altogether trustworthy. They are continually in conflict one with another. They contain many of the erroneous readings that were early and inconsiderately introduced into the New-Testament Scriptures.]
[120] Daniel B. Wallace: Mark 1:2 and New Testament Textual Criticism. http://bible.org/article/mark-12-and-new-testament-textual-criticism [Now, how does all this relate to the issue of inerrancy? Three answers need to be given. First, the evidence is overwhelming that Mark wrote “in Isaiah the prophet.” Whatever one’s beliefs about inerrancy, it seems to me, they have to adjust to this piece of evidence.]
[121] Ibid. [Second, when it comes to dealing with textual criticism, if we want to take an approach to the text that says, “Start with the presupposition of inerrancy,” then we should logically be forced into holding to conjectural emendation in some places (such as Luke 2:2). This is so because there are several more severe problems to inerrancy than Mark 1:2. But if that is our approach, shouldn’t we also emend the text any time it disagrees with our theology on other fronts? There are passages that seem to indicate that Jesus was less than true deity. Don’t we have the right to change them to fit our doctrinal convictions? There is no stopping this kind of dogmatic method once it has begun.]
[122] Ibid. [Third, we simply need to be honest with the evidence in front of us. It is acceptable to say, at times, “I don’t know.” Inerrancy does not live or die with Mark 1:2. There are many fine exegetes who adopt the “Isaiah” reading and yet affirm inerrancy (in fact, I would venture to say that most inerrantist scholars adopt this reading). Nevertheless, they have options as to what is going on. They may not have the answer, but to simply call “in Isaiah” a mistake is quite arrogant. Some suggest that Isaiah headed up the scroll of the prophets and hence Mark meant “In the scroll of Isaiah.” This may be, but we are lacking sufficient proof. There are other suggestions as well, though no firm answers.]
[123] Wieland Willker: A Textual Commentary on the Greek Gospels – Vol. 2 Mark – Bremen, online published 7th edition 2010 – TVU 2 – 2. Difficult variant NA27 Mark 1:2. [On the other hand if “in the prophets” was originally in Mk, it might have been changed to Isaiah to be more specific. This happened also at other places e.g. at Mt 13:35 where “through the prophet” has been changed to “through the prophet Isaiah” even though the word is NOT from Isaiah.]
[124] S. W. Whitney: The Revisers’ Greek Text – A Critical Examination Of Certain Readings, Textual And Marginal, In The Original Greek Of The NT – Volume I – Page 172, 173. [This was the conclusion to which Jerome came nearly one thousand five hundred years ago. For, though in deference to the evidence which he had before him when he revised the Old Latin Version, he retained the reading in Esaia propheta in the Vulgate, hesays, in commenting on Matthew iii. 3, in reference to Mark i. 2, that he thinks the name of Isaiah is a vitiation of the text by scribes like similar readings in other places.]
[125] S. W. Whitney: The Revisers’ Greek Text – A Critical Examination Of Certain Readings, Textual And Marginal, In The Original Greek Of The NT – Volume I – Page 172, 173. [And when it is borne in mind that this reading appears in the margin of one and in the text of the other of the Syriac Versions, – the versions of the country of Tatian’s Diatessaron, we need not be at a loss to see whence or how or when it got into the text. It evidently came from Matthew iii. 3, through Tatian in the latter part of the second century. It is what Dr. Hort would call a Syrian, a distinctively Syrian reading, though preserved in Aleph. B, L, 2,1, Origen, etc. The genuine reading, as found in the Received Text, comes down to us in later uncials and other documents.]
[126] The Early Church Fathers: Ante-Nicene Fathers – Volume 9 – The Diatessaron of Tatian – Section XIII. [This is he of whom it is written, I am sending my messenger before thy face To prepare the way before thee. (Luk 7:27).]
[127] Ibid – Section III. [This is he that was spoken of in Isaiah the prophet, The voice which cries in the desert, Prepare ye the way of the Lord, And make straight in the plain, paths for our God. (Mat 3:3).]
[128] Jay P. Green: Textual And Translation Notes On The Gospels – Mark 1:2 [Burgon believes it began with a harmonistic attempt to harmonize the words of the four Gospels, 3 of them having a quotation from Isaiah (Matt. 3:3; Luke, 3:3-6; John 1:23), and for some reason, or lack of reason, the harmonist included Mark as quoting Isaiah also. Mark does quote Isaiah, but he does not credit either Isaiah or Malachi, saying only that the quotation is from in the prophets.]
[129] S. W. Whitney: The Revisers’ Greek Text – A Critical Examination Of Certain Readings, Textual And Marginal, In The Original Greek Of The NT – Volume I – Page 172, 173. [The expression, ” in the prophets,” is somewhat indefinite. It may have seemed unsatisfactory to some early scribe. So, in order to give it definiteness, or perhaps simply to make Mark correspond with Matthew, he would naturally change “in the prophets” to “in Isaiah the prophet,” as Matthew has it in iii. 3.]
[130] Wieland Willker: A Textual Commentary on the Greek Gospels – Vol. 2 Mark – Bremen, online published 7th edition 2010 – TVU 2 – 2. Difficult variant NA27 Mark 1:2. [The change to “Isaiah” could also simply be a harmonization to Mt/Lk.]
[131] الآباء بولس الفغالي وأنطوان عوكر ونعمة الله الخوري ويوسف فخري: العهد الجديد, ترجمة بين السطور يوناني عربي – صـ279.
[132] Jan Krans: Beyond What Is Written, Erasmus and Beza as Conjectural Critics of the NT – Page 285. [If there were some room for conjecture here, it would seem probable to me that the old reading ‘in the prophet Isaiah’ is genuine and that the place from Malachi, which crept from the margin into the text, is repeated here from Matt 11:10. Therefore it occurred that (ἐν τοῖς προφήταις) was written here. This opinion is confirmed by the fact that only Isaiah’s testimony is cited at Matt 3:3 as well as Luke 3:4 and John 1:15, where they discuss the beginning of John’s ministry.]
[133] Ibid – Page 285. [Instead, he offers a conjecture, which comprises three or four stages: 1 the original text with (ἐν τῷ Ἠσαΐᾳ τῷ προφήτῃ) but without the quotation from Malachi; 2 a manuscript with the Malachi quotation as a marginal gloss; 3 a text with the gloss introduced into the text; 4 a scribal accommodation, (ἐν τοῖς προφήταις), in order to account for the fact that the text now contains quotations from two prophets.]