أديان وفرق ومذاهبالإلحاد

لماذا سمح الله بوجود الشر؟

لماذا سمح الله بوجود الشر| الجزء الأول

في هذه الحلقة سنجيب على سؤال “لماذا سمح الله بوجود الشر في العالم؟” وهل فعلاً وجود الشر كما يقول الملاحدة معناه عدم وجود الله؟

أولاً: انهيار المعيار الأخلاقي.

في الإلحاد يا إخوة يؤمن الملحد بيؤمن أن الإنسان نتج عن طريق خرافة التطور، ومنرأرادرأن يعلم لماذا أسميتها خرافة فليرجع لمقاطعنا على اليوتيوب في الروابط التالية.

كما يمكنكم أيضاً مشاهدة سلسلة رحلة اليقين للدكتور إياد القنيبي والتي تجدونها هنا.

خرافة التطور يا إخوة تدعي أن الإنسان ما هو إلا مجرد مواد كيميائية نشأت عن طريق الصدفة بلا هدف ولا غاية ولا قيمة، فالإنسان في الإلحاد لا يختلف كثيراً عن المواد الكيميائية، وهنا دعني أسألك سؤالاً، لو أنك سحقت حفنة تراب أثناء سيرك في الطريق، هل هذا فعل غير أخلاقي؟ بالطبع لا هذا أمر عادي، لا يوجد أدنى مشكلة بسحق حفنة تراب، كذلك الملحد يرى الإنسان مجرد مواد كيميائية كتلك التي تحترق في المعمل، فالملحد لا يملك أي مرجعية أخلاقية، ويرى أن قتل الإنسان لا يختلف كثيراً عن قتل الجراثيم.

وبالتالي ليس من حق شخص مثل هذا يحتقر بني الإنسان كلهم أن يعترض بوجود الشر في العالم وهو يعتبر قتل الإنسان لا يختلف عن قتل الجراثيم.

ثانياً: الملحد المُنتَحِر.

السبب الثاني الذي يمنع الملحد من الاعتراض بوجود الشر هو أن الاعتراض في حد ذاته تدمير للإلحاد الذي يعتمد في تفسيره لوجود الإنسان على خرافة التطور التي هي تعتبر الإنسان مجرد حثالة كيميائية، وبالتالي فاعتراض الملحد بوحود الشر متصادم مع رؤيته الإلحادية التطورية للإنسان، ففي الوقت الذي يعترض فيه بالشر وإيذاء الناس تقول نظرته التطورية أنه لا مشكلة من سحق البشر كلهم، وبالتالي فاعتراضه تدمير لخرافة التطور، واعتراف ضمني بأن للإنسان قيمة.

اعتراضه هو اعتراف ضمني بوجود المعنى من حياة الإنسان والذي يتعارض مع نظرته العدمية للوجود البشري.

كما أن اعتراضه بالشر هو اعتراف منه بأن الشر هو النشاز في الكون الذي هو أصله الخير.

ثالثاً: ماذا عن الخير؟

الاعتراض الكلاسيكي المعتاد دائماً من الملحد هو أنه إذا كان هناك إله فلن يكون هناك شر ولكن الإله غير موجود لأنه الشر موجود، وهنا فلتقلبوا عليه الطاولة واسألوه، إذا كان وجود الشر ينفي وجود الإله فهل وجود الخير يثبت وجود الإله؟

بالطبع الاستدلال بهذا الشكل السطحي لا يجوز، ولكني فقط أعلمكم أن تجيبوه بنفس سطحيته بدلاً من الدخول في جدالات طويلة وعقيمة ولا طائل ولا نافع من ورائها.

أما من أراد التأصيل العلمي لمعضلة الخير فهو ما سنفعل الآن في مقالنا هذا.

الشر يا إخوة هو نشاز في الكون، وهو قليل جداً، الحروب هي حدث نادر في تاريخ الأمم وقرون طويلة من السلام، عدد أيام مرضك هي قليلة جداً مقارنة بسنين صحتك، بل إن آلام الجسد هي دقائق معدودة في أيام وأيام من الإحساس بالراحة، فالخير في الكوكب هو الأصل، بل إن الخير كالطوفان في الكوكب، دور الأيتام والجمعيات الأهلية ودور رعاية المسنين وغيرها وغيرها وغيرها الكثير من أعمال الخير في الكوكب كله تجعل السؤال عن الشر هو سؤال غير منطقي وسخيف، الأمر أشبه بأن تقف أمام لوحة مميزة وجميلة وبديعة للعين تاركاً كل تفاصيلها حاصراً بصرك للون الاسود فيها ولا ترى غيره، وتسأل كالأحمق كيف للوحة من المفترض أنها جميلة يكون فيها كل هذا السواد.

أغبي أنت؟

انظر للوحة كاملة، انظر لجمالها المتكامل بسوادها، السؤال عن جمال اللوحة هو الأصل، السؤال عن الخير هو الأصل، لماذا يوجد خير في كوكب من المفترض أنه محض مادة؟ ماذا يفعل الخير في هذا الكوكب البائس؟

الملحد في اعتراضه بالشر في ظل وجود الخير الهادر في الكوكب أشبه بالسخيف التافه وأنا هنا لا أقصد الكلمتين بالمعنى الشتائمي بل أقصدهم بمعناهم اللغوي.

الملحد باعتراضه بالشر في ظل الخير الغارق فيه الكوكب أشبه بالسخيف التافه الذي دخل فندقاً كبيراً أنيقاً، يعطي للإنسان كامل احتياجاته لكن الملحد قرر أن هذا الفندق مكان سئ لمجرد أن فيه غرف كغرف الصيانة شكلها سئ أو على الأقل لا تحقق لجنابه الرفاهية التي هو بيحلم بها، فخرج علينا وقال أن الفندق سئ وليس له صانع لإنه لو كان له صانع ما كان وضع فيه بعض الغرف السيئة.

طيب هذه غرف صيانة، أو غرف صممها مهندس الفندق لحكمة هو كمهندس يعلمها وأنت كبكتيريا لا تفهمها، ثم كيف لك أن تترك الفندق الفخم بأناقته مركزاً على غرفتينأو ثلاثة لا يعجبون سيادتك؟ على أي شئ كنت ترضع في طفولتك؟ 

الملحد يظن أنه طالما أن الإله متصف بصفة الكمال فلابد أن يخلق كوناً كاملاً كمالاً مطلقاً، وهذا غباء، من أين لك إلزام الإله بخلق كوناً كاملاً لأنه كإله متصف بالكمال؟ الله خلق الكون لغاية محددة ومجرد ما أن تنتهي هذه الغاية سيفني الكون وحينها سيدخل من استحقوا الكون الكامل وهو الجنة إليه، فبدلاً من أن تضع يدك في يد المسلمين لينزعوا بشريعتهم الشر من العالم جالس تولول كالنساء.

رابعاً: الشر دليل على وجود الله.

أجل يا سادة وجود الشر دليل على وجود الله، أجل عزيزي الملحد القارئ لهذا المقال الآن، كل محاولاتك في نفس وجود الله عن طريق وجود الشر هي محاولات تثبت وجود الله لا تنفيه، فالشر نفسه دليل على وجود الله، أتريد أن تعرف كيف يكون الشر دليل على وجود الله؟ ركز معي.

لو الله غير موجود فبالتالي الوجود كله عبارة عن مجرد مواد كيميائية، وبالتالي فالقيم الأخلاقية غير موضوعية وغير متعالية على المادة ولا يوج خير ولا شر، ولكننا نجد وجوداً للشر، وبالتالي فالقيم الأخلاقية هي قيم متعالية على المادة، إذا فالكون ليس مجرد مواد كيميائية، إذاً فالله موجود.

بعبارة أوضح أنت لن تدرك الشر إلا بإدراكك للخير، لن تفهم طبيعة الخط المعوج إلا بإدراكك لطبيعة الخط المستقيم، فوجود الشر دليل على وجود الخير، و وجود الخير هو دليل على تجاوز القيم الأخلاقية لطبيعة المادة، وبالتالي فهناك إله.

شئ آخر وهو أن وجود الشر معناه قصور الكون، وقصور الكون معناه أن الكون ممكن الوجود و ليس واجب الوجود ولو أردت فهم هذه المصطلحات يمكنك الرجوع لمقطعنا على اليوتيوب الذي شرحنا فيه الدليل الكوسمولوجي كأحد الأدلة على وجود الله من هنا، المهم أن وجود الشر معناه أن الكون ممكن الوجود، وبالتالي يوجد واجب الوجود لاستحالة التسلسل في الممكنات وبالتالي هناك واجب الوجود وهو الله.

خامساً: نعمة الألم. 

نحن كيف نشعر بالألم؟

لو أننا فعلاً كما يقول التلاحيد بيقولوا أننا نشأنا عن طريق خرافة التطور، فليس في الطبيعة ما يفرض و يوجب أن يكون عندنا جهاز عصبي يشعر بالألم، لماذا يوجد جهاز عصبي ينقل الألم؟

الجهاز العصبي يا شباب والذي يضم المخ هو أعقد شئ في الكون، يحمل حوالي كوادرليون وصلة، وعشرات الآلاف من الأسلاك العصبية وغيرها الكثير من التركيبات البيولوجية المعقدة.

الدماغ قادر على أن يحصل معلومات أعظم ملايين المرات من التي يحصلها الإنسان فعلاً طوال حياته، عالِم الأعصاب ورئيس إحدى أكبر المؤسسات المعنية بدراسة المخ والأعصاب قال عصارة خبرة سنين من الأبحاث العلمية والدراسات العلمية في الجهاز العصبي للإنسان فقال:-

(تكشف الأعمال الأخيرة حول معالجة المعلومات وتخزينها على مستوى الخلية العصبية الواحدة عن ديناميكية فوق التصور).

الجهاز العصبي الذي نشعر من خلاله بالألم هو في حد ذاته مُعجِز ودليل على وجود الله وحكمته، وبالتالي أن يخلق الإله الحكيم لنا جهازاً مثل هذا يجعلنا نشعر بالألم فهذا يعني أنه يوجد شئ ذا قيمة في الألم يريدنا أن ندركه، هناك شئ يريدنا أن نفهمه ونعرفه من خلال الألم.

وهنا اسمحوا لي أن أتكلم قليلاً عن الألم نفسه، وأريد أن أقول أن هذا الجزء من المقال مستفاد من الكتاب الذي اتسبب في بكائي بهيستيريا بسبب إدراكي لرحمة الله بنا من خلال الألم، هذا الكتاب اسمه “هبة الألم”.

علماء الأعصاب اخترعوا قفازاً أسموه قفاز الألم، مهمة هذا القفاز أن يُشعِر مريض الجذام بالألم لحظة وقوع أي خطر، وهذا لأن مرضى الجذام لا يشعرون بالألم، مريض الجذام بسبب أنه فاقد الإحساس بالألم فهو من الممكن أن يفقد يده أو قدمه من غير ما يشعر، من الممكن أن يموت بسبب مسمار دخل رجله من غير ما يدرك، فكان لابد من صناعة شئ يشعره بالألم، مريض الجذام يتمنى أن يشعر بالألم الذي أنت كمسلم تتضجر منه بدلاً من أن تحمد الله عليه وأنت كملحد تتحجج به بدلاً من أن تحاول البحث عن الحكمة من وراءه.

المهم أن علماء الأعصاب اخترعوا قفاز الألم وأنفقوا عليه أموالاً وأوقاتاً واختبارات وتجارب، وفي النهاية خرجوا بعشرين منبه عصبي في القفاز الواحد، في حين أن الرضيع بمجرد ولادته يكون في طرف اصبع واحد فقط من أصابعه الف منبه عصبي.

العلماء أيضاً حاولوا أن يطوروا حساسات عصبية توضع على أصابع مرضى الجذام حتى يشعروا بالألم، أجل العلماء ينفقون ملايين الدولارات حتى يجعلوا الإنسان يشعر بالألم الذي أنت سيادتك تعترض به على الوجود الإلهي، المهم أنهم بعد ملايين من الدولارات والأوقات والتجارب والأخطاء صنعوا حساسات بالألم ولكن … 

بعد ما جربوها اكتشفوا أنها لا فائدة منها، لإنها تحت تحكم المريض الذي كلما حصل شئ يُشعِره بالألم يقوم بتعطيل الحساسات من على أصابعه فتحصل له مشاكل أكثر من الممكن أن تصل لقطع الإصبع أو حتى الذراع كاملاً بسبب أن المريض يفقد الشعور بالألم بعد إزالة الحساسات وهذا يؤدي لتعرض يديه للأحداث اليومية التي من الممكن أن تؤدي لنتائك كارثية، وهنا تتجلى حكمة ربنا في جعله الألم خارج تحكمنا ولا تحت أيدينا.

كما قام العلماء بتحليل دموع العين النازلة وقت تقطيع البصل، وبين دموع الحزن المنسابة عند الإحساس بالأسى، واكتشفوا أن دموع الحزن المنهمرة عند الإحساس بالألم تكون مليئة بالسموم، فماذا يعني هذا؟

أي أن دموعك المنسابة على خديك عند حزنك هي دموع تغسل جسدك من سمومه.

وبعد كل هذا يأتيك تلحوداً بمحدودية علمه وجهله المطبق الشديد ليقول لك “لماذا هناك ألم؟” الحمد لله على نعمة الألم.

سادساً: حكمة الإله وغباء الإنسان.

الملحد أو الربوبي في اعتراضهم بالشر ينظرون للإله على أنه إنسان ولكنه إنسان ذكي يفكر بنفس طريقة تفكيرهم العقيمة الضيقة المحدودة، غير مدركين أن حكمة الله أوسع بكثير من عقولهم التي لم تستطع أن تدرك حتى الآن طبيعة الإلكترون فهل تظنون أن عقولاً كتلك من الممكن أن نعتمد عليها في فهم حقيقة الكون ككل؟

حكمة الله ثابتة بدلالة الكون والنص الشرعي، ومحدودية عقولنا وتفكيرنا ثابتة بدلالة الكون والنص الشرعي، فأن نجهل مظاهر الحكمة في تفاصيل الشر فهذا لا يعطينا الحق أبداً أن نعترض على قدر الله.

سابعاً: التوراة أصل اعتراض الكافر.

مشكلة الشر يا إخوة تبلورت في عصر الأنوار، في هذا العصر كان الهدف كل الهدف هو مجرد الثورة على الكنيسة وسلطانها وكان العهد القديم من الكتاب المقدس مادة دسمة للاعتراض بمشكلة الشر بسبب المذابح الدموية والإبادات الجماعية التي أمر بها، فمثلاً نقرأ في سفر صموئيل أنه تم قتل من خمسين لسبعين ألف إنسان لمجرد أنهم نظروا للتابوت.

وفي سفر حزقيال نجد أوامر بإبادة الشباب والبنات العذراء والشيوخ بل وحتى الأطفال والنساء.

وفي سفر صموئيل أيضاً نجد أوامر بقتل الرضع والحيوانات، وفي سفر هوشع نجد أوامر بشق بطون الحوامل.

شرورية إله العهد القديم دفعت بحسب نصوص التوراة المحرفة النبي موسى نفسه أن يظهر تضجره وغضبه من هذا الإله الجزار للخلق بلا هدف وهذا ما يظهر في سفر الخروج.

وليس فقط النبي موسى الذي تضجر من هذا الإله، بل إننا أيضاً نقرأ في سفر حبقوق أن النبي حبقوق هو أيضاً سأم من شرور إله العهد القديم وظُلمه.

ونجد في سفر المزامير أيضاً مؤلف السفر يتسائل في يأس عن سبب عدم تدخل إله العهد القديم في الشر في العالم بل وإحداثه له في بعض الأحيان.

فالاعتراض بمشكلة الشر نابع أصلاً من تحريفات اليهود للعهد القديم وللتوراة، وليس نابعاً من عقل منطقي حقيقي.

زر الذهاب إلى الأعلى