لماذا أبو هريرة أكثر الصحابة حديثًا ؟!
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فقد جاءني سؤال يسأل صاحبه: لماذا أبو هريرة هو أكثرُ الصحابة حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ولماذا عدد أحاديثه أكثر من عدد أحاديث أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم؟!
فقلت متوكلًا على ربي، وبه ومنه التوفيق:
أولا: أبو هريرة رضي الله عنه لم يكن منشغلًا بأي شيء عن تعليم الناس أمور دينهم وحديث نبيهم عليه الصلاة والسلام، في حين أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلي كانوا مشغولين بأمور السياسة وإدارة شؤون الأمة الإسلامية، فطبيعي أن يكون عدد أحاديث أبي هريرة – الذي نقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس – أكثر منهم.
ثانيا: أبو بكر الصديق رضي الله عنه تُوُفِّيَ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بسنتين وبضعة أشهر، وكان خلال هذه المدة مشغولا بأمور الخلافة كما قلت أعلاه، فطبيعي أن يكون عدد أحاديثه قليلا.
وأما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكان خيرَ مُعِينٍ لأبي بكر في عمله السياسي، وأما فترة خلافة عمر فكانت عشر سنوات تقريبًا بعد الصديق، وكان هو الخليفة الذي يدير شؤون الأمة الإسلامية، فلم يكن لديه وقت لتعليم الناس الحديث النبوي ونقله إليهم! وكذلك عثمان وعلي رضي الله عنهما، فكان جُلُّ اهتمام الخلفاء الأربعة منصبًا على إدارة الدولة الناشِئة المباركة.
ثالثا: الخلفاء الأربعة ماتوا جميعًا قبل سنة 40 هـ، في حين أن أبا هريرة ظل حيًا حتى سنة 58 هجرية، وكان رضي الله عنه مُتَفَرِّغًا لتعليم الناس أمورَ دِينِهِم، فمن الطبيعي جدًا أن تكون أحاديث أبي هريرة أكثر عددًا من أحاديث الخلفاء الأربعة.
رابعا: عدد أحاديث أبي هريرة لا يتجاوز 5000 حديثًا، وكلها أحاديث مكررة بأسانيد متعددة إليه، بمعنى أن متن الحديث يكون واحدًا، ولكنْ سمعه من أبي هريرة رجلانِ من التابعين، فيُسَمَّي كلُّ سَنَدٍ منها حديثًا، مع أنه في الأصل حديثٌ واحدٌ، وأما بدون المكرر فعدد أحاديث أبي هريرة 1300 حديث تقريبًا.
وقد شاركه الصحابة في رواية 1200 حديث منها، وقد تفرّد أبو هريرة بـ 100 حديث فقط عن الرسول صلى الله عليه وسلم!
خامسا: هناك شيءٌ يجب التنبيه عليه، وهو أن هذا العدد الكبير من الروايات المنسوبة إلى أبي هريرة فيه أسانيد ضعيفة، وهذا يعني أن أبا هريرة لم يقله ولم يَرْوِهِ أصلا، فلا يصح أن يُنسب إليه!
سادسا: أبو هريرة كان ملازمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن جاء رضي الله عنه مسلمًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة السابعة من الهجرة، ولهذا يقول له عبد الله بن عمر بن الخطاب ؓ : [يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْلَمَنَا بِحَدِيثِهِ].(1)
ويقول عنه طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: [ لاَ أَشُكُّ إِلاَّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ نَسْمَعْ ].(2)
سابعا: تستطيع قياس الصحابة المُكْثِرِين في رواية الحديث على أبي هريرة، فأمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها هي أكثر الصحابة حديثًا بعد أبي هريرة، لأنها أيضًا كانت متفرغةً لتعليم الناس أمورَ دِينِهِم ولم تكن منشغلة بأمور السياسة وشؤون الحُكم مثل الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم.
والحمد لله رب العالمين ،،،،
مراجع البحث:
(1) مُسْنَدُ الإمام أحمد بن حنبل ج8 ص21، ط مؤسسة الرسالة – بيروت.
(2) سنن الإمام الترمذي ج6 ص166، ط دار الغرب الإسلامي – بيروت.