لا تحسبوه شرا لكم، بل هو خير لكم!
لقد جدَّد أحفادُ المجوس – الشيعة – حديثَ الإفك الذي تولَّى كِبره رأْسُ المنافقين عبدالله بن أُبَي بن سلول، ولقد أعظمَ الشيعة الفِرْيَة عندما كذَّبوا القرآن وذلك باتِّهامهم أُمَّ المؤمنين عائشةَ بالفجور والعَهْر، واعتبروا سبَّ عائشة – رضي الله عنها – جهادًا في سبيل الله، وقُربةً إلى الله، وهى البريئة التي برَّأها الله من فوق سبع سنوات، وأنزَلَ الله في براءَتها أكثرَ من عشر آيات في سورة “النور”، تفضَحُ المنافقين ومَن وراءَهم من اليهود، وهذه الآيات تُتْلَى إلى يوم القيامة.
وما يقوله الشيعة – عليهم لعْنةُ الله – ويردِّدونه في حقِّ السيدة عائشة، إنَّما هو إيذاءٌ لله ولرسوله وللمؤمنين؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾} [الأحزاب: 57 – 58].
فإنَّ ما وصَفَ به الشيعة أُمَّ المؤمنين عائشةَ، إنَّما هو إفْكٌ جديدٌ، وبهتان عظيمٌ يخدمون به مُخَطَّطات أوليائهم؛ من اليهود والنصارى الذين يسبُّون الرسولَ بين حينٍ وآخرَ، ويتجرَّؤون على كتاب الله بالسبِّ والحَرْق، رغم أنَّ المعروف عن السيدة عائشة خلاف ذلك؛ لوجوه:
- كونها زوجةً للرسول المعصوم يمنعُ من ذلك؛ لأنَّ الأنبياء مبعوثون للكفَّار؛ ليدعوهم ويستعطفوهم، فوجَبَ ألاَّ يكون معهم ما ينفرُهم عنهم، فكون زوجة الإنسان مسافحةً من أعظم المنفِّرات.
- أنَّ المعروف عن السيدة عائشة – رضي الله عنها – قبل حادِثة الإفْكِ الصونُ والبُعد عن مُقَدِّمات الفجور، ومَن كان كذلك، كان اللائقُ إحسانَ الظنِّ به.
- أنَّ القاذِفين كانوا من المنافقين وأتْباعهم من الشيعة الروافض، الذين عُرِف عنهم العَداءُ والافتراء على أصحاب رسول الله وآل بيته، فكلامُهم مَحض افتراءٍ وهَذَيان.
فعندما يطعنُ الشيعة أُمَّ المؤمنين عائشة، فمعنى ذلك طَعْنٌ في الدِّين والرسالة، والعقيدة الإسلاميَّة؛.
فإنْ قيل: كيف يجوز أنْ تكونَ امرأة النبي كافرةً، كامرأة نوح ولوط، ولم يَجُزْ أنْ تكون فاجرةً؟!
فالجواب عن ذلك: أنَّ الكفر ليس من المنفرات، أمَّا الفجور فمن المنفرات، وخيانة زَوجَتَي نوحٍ ولوط ليستِ الفجور، إنمَّا النفاق وإخفاء الكفر، وتظاهرُهما على الرسولَين، وقيل: خيانتهما في الدِّين؛ فعن ابن عباس أنَّه قال: “ما بَغَتْ زوجةُ نبيٍّ قطُّ”.
فقد جاء في الصحيحين عن أبي موسى، وعن أنس – رضي الله عنهما – أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((فضْلُ عائشة على النساء كفضلِ الثَّرِيد على سائر الطعام)).
وعن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – قال: “قلتُ: يا رسول، أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: ((عائشة))، قلتُ: ومِن الرجال؟ قال: ((أبوها))، قلتُ: ثُمَّ مَن؟ قال: ((عُمر))، وسَمَّى رجالاً”.
وهذا لا يتعارضُ مع حديث تفضيل “خديجة” في قوله – صلى الله عليه وسلم-: ((ما أبْدَلني الله خيرًا منها)).
يقول الإمام ابن تيميَّة مُعلِّقًا على هذا: “فإنَّ خديجة نفعتْه في أوَّل الإسلام نفْعًا لم يقمْ غيرُها فيه مقامَها، فكانتْ خيرًا له من هذا الوجْه؛ لكونها نفعتْه في وقت الحاجة، وعائشة صحبتْه في آخر النبوة وكمال الدِّين، فحصَلَ لها من العِلم والإيمان ما لم يحصلْ لِمَن لم يدركْ إلاَّ أوَّلَ النبوة، فكانتْ أفضلَ لهذه الزيادة؛ فإنَّ الأُمَّة قد انتفعتْ بها أكثر مما انتفعتْ بغيرها، وبلَّغتْ من العِلم والسُّنِّة ما لم يبلِّغْه غيرُها، فخديجة كان خيرُها مقصورًا على نفْس النبي ولم تبلِّغ عنه شيئًا، ولم تنتفعْ بها الأُمَّة كما انتفعوا بعائشة… والمقصود هنا أنَّ أهْلَ السُّنة مجمعون على تعظيم عائشة ومَحبَّتها، وأنَّ نساءَه أُمَّهات المؤمنين اللواتي ماتَ عنهنَّ، كانتْ عائشة أحبَّهنَّ إليه، وأعظمَهُنَّ حُرْمة عند المسلمين”؛ “منهاج السُّنة” (2/ 260).
والظاهر من كلام ابن تيميَّة: أنَّ جهات الفضْلِ بين خديجة وعائشة متقاربة؛ ابن حجر، “فتح الباري” ( 7/ 136).
وقد ثبَتَ في الصحيح أنَّ الناس كانوا يتحرَّون بهداياهم يومَ عائشة؛ لِمَا يعلمون من محبَّته إيَّاها؛ حتى إنَّ نساءَه غِرْنَ من ذلك، وأرْسَلْنَ إليه فاطمة – رضي الله عنها – تقول له: نساؤك يسألْنَكَ العدلَ في ابنة أبي قُحافة، فقال لفاطمة: ((أيْ بُنية، أمَا تُحِبِّين ما أحبُّ؟))، قالتْ: بَلَى، قال: ((فأحبِّي هذه))، وكان يقول لزوجته أُمِّ سَلَمة: ((لا تؤذِيني في عائشة؛ فإنَّه واللهِ ما نزَلَ عليّ الوحْي وأنا في لحاف امرأة منكُنَّ غيرها)).
وفي الصحيحين أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((يا عائش، هذا جبريل يُقرئكِ السلام))، قلتُ: “وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى”، وكان في مَرَضه الذي ماتَ فيه يقول: ((أين أنا اليوم؟))؛ استبطاءً ليوم عائشة – رضي الله عنها – وتوفِّي بين سَحْرِها ونَحْرها، وفي حِجْرها، وجَمَعَ الله بين رِيقِه ورِيقها.
إنَّ هؤلاء الشيعة ليسوا فردًا أو أفرادًا، إنَّما هم “عصبة” مُجتمعة ذات هدفٍ واحد، يريدون زَعْزعة العقيدة في قلوب المسلمين، وتشكيكَهم في أحاديث نبيِّهم، وتشويه صورة الصحابة – أمثال: أبي بكرٍ وعُمر، وعثمان وعائشة – في نفوس المسلمين، مُستغلِّين جهْلَ المسلمين بدينهم، وضَعف عقيدتهم، وتفاهةَ تفكيرهم، وانشغالهم بالثقافات الوافدة التافهة على حساب العِلم الصحيح الذي يَرتكزُ على القرآن الكريم والسُّنة الصحيحة.
إنَّ ابن سلول مثالٌ يتكرَّر في كلِّ وقتٍ وحين بأسلوبٍ ماكرٍ خبيث، فالكيد هو الكيد، والنفاق هو النفاق، فصوت الشيعة يعلو، ويُعلنون الحربَ على السابقين الأوَّلين، ويتبجَّحون دون تقيَّة، ويفعلون مثلَ ما يفعلُه اليهودُ والنصارى؛ بل أشد، والله مُتمُّ نورِه ولو كَرِه الكافرون.
رغم ضخامة الحادث، وعُمق جذوره، وأثره الأليم، وما وراءَه من عصبة تكَيد للإسلام والمسلمين هذا الكيدَ الماكر اللئيم، إلاَّ أنَّنا نشعرُ بالطمأنينة التي طمْأَنَ الله بها رسولَه وأهْلَ بيته، عندما نزَلَ عليهم قولُه – تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 11].
يقول ابنُ كثير: أي لكلِّ مَن تكلَّم في هذه القضيَّة، ورَمَى أُمَّ المؤمنين عائشة بشيءٍ من الفاحشة نصيبٌ عظيمٌ من العذاب.
فإنْ قيل: مِن أي وجْهٍ كان حادثُ الإفك خيرًا؟
يجيب الإمام الرازي في تفسيره عن ذلك من وجوه:
أحدها: أنَّهم صبروا على ذلك الغَمِّ؛ طلبًا لمرضاة الله – تعالى – فاستوْجَبوا به الثوابَ.
ثانيها: أنَّه لولا إظهارُهم للإفك وإعلانهم به، كان يجوز أنْ تبقى التُّهمة كامنةً في صدور البعض، وعند الإظهار انكشَفَ كذبُ القوم على مَرِّ الدهر
وثالثها: أنَّه صارَ خيرًا لهم؛ لِمَا فيه من شَرفِهم وبيان فضْلِهم؛ من حيث نزلتْ ثماني عشرة آية، كلُّ واحدة منها مُستقِلَّة ببراءَة عائشة، وشَهِد الله – تعالى – بكَذِب القاذفين، ونسَبَهم إلى الإفك، وأوْجَبَ عليهم اللَّعْنَ والذَّمَّ، وهذا غاية الشرف والفضْل.
رابعها: صيرورُتها بحال تعلُّق الكفر والإيمان بقدْحِها ومَدْحها؛ فإنَّ الله – تعالى – نصَّ على كون تلك الواقعة إفكًا، وبالَغَ في شرْحِه، فكلُّ مَن يشكُّ فيه كان كافرًا قطعًا، وهذه درجة عالية.
خيرٌ؛ فهو يكشفُ عن الكائدين للإسلام في شخْص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأهْل بيته كذلك، يكشف للمسلمين عن ضرورةِ تحريم القذْف، ومعاقبة القاذفين – من أمثال الشيعة – بالحدِّ الذي فرضَه الله – تعالى – ويبيِّنُ مَدَى الأخطار التي تحيقُ بالمجتمع لو أُطْلِقتْ فيه الألسنة التي تقذِفُ المحصنات الغافلات المؤمنات؛ ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 4].
﴿ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النور: 13].
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 23].
يقول ابنُ كثير: “هذا وعيدٌ من الله – تعالى – للذين يرمون المحصَنات الغافلات – خَرَجَ مَخرج الغالب – المؤمنات، فأُمَّهات المؤمنين أَوْلَى بالدخول في هذا من كلِّ مُحْصَنة ، ولا سيَّما التي كانتْ سببَ النزول، وهي عائشة بنت الصِّدِّيق – رضي الله عنهما – وقد أجْمَعَ العلماء – رحمهم الله – قاطبة على أنَّ مَن سبَّها بعد هذا، ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذُكِر في هذه الآية، فإنَّه كافرٌ؛ لأنَّه مُعاند للقرآن”؛ ا.هـ.
وأخيرًا: فصبرٌ جميلٌ، والله المستعان على ما تصفون.
وحسبُنا الله ونِعمَ الوكيل!