قوله – عز وجل – {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} ليس لنا نحن المُسلمين، إنَّما هو لغيرنا!
(38) زعم البحيري: أنَّ قوله – عز وجل – {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} ليس لنا نحن المُسلمين، إنَّما هو لغيرنا، بدليل أنَّ السُّورة بدأتْ بقوله {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [الماعون: 1].
– الرَّدّ: هذا الكلام من الأعاجيب المُضحكة، وهل يا بحيري الذي يُكذِّب بيوم الدِّين من غير المُسلمين يُصلِّي ابتداءً حتى يُحذِّره ربُّه – سُبحانه وتعالى – مِن السَّهو عن الصَّلاة، ويُحذِّره كذلك من الرِّياء؟!
ثمَّ إنَّ المقصود بالمُصلِّين في قوله {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 4 – 7]، المقصود بهم المُنافقون ومَن سَلَك سبيلهم واتَّصَفَ بصفاتهم، وممَّا يدُلُّ على ذلك قول الله – سُبحانه وتعالى – {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142].
وقيل: إنَّ الآياتِ الثَّلاثة الأولى مِن سُورة الماعون {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون: 1 – 3]، نزلت بمكَّة في العاص بن وائل، والوليد بن المغيرة، وأضرابهم من عُتَاةِ قُريش وكُفَّارِهَا، فهذه الآيات تُعرِّض بهم وتُندِّد بسُلُوكهم.
والآيات الأربعة الأخرى، نزلت في بعض مُنافقي المدنية النَّبوية، فلذا نِصْف السُّورة مكيٌّ، ونصفها مَدَنِيٌّ1.
([1]) انظر: «أيسر التفاسير = أبو بكر الجزائري» (5/620)، ط/ مكتبة العلوم والحكم – المدينة المنورة.