في كُتُب التُّراث نُشبِّه المرأة دائمًا بالبهيمة والنعجة وغير ذلك!
(42) زعم البحيري: أنّه في كُتُب التُّراث نُشبِّه المرأة دائمًا بالبهيمة والنعجة وغير ذلك، ونقل عن «القرطبي» كلامًا مُدلِّسًا عليه فيه كما في تفسيره (15/ 172): [والعرب تُكنِّي عن المرأة بالنَّعجة والشَّاة، لما هي عليه من السُّكُون والمَعْجَزَة وضَعْف الجانب. وقد يُكنَّى عنها بالبقرة والحُجْرَة والنَّاقة، لأنَّ الكُلّ مركوب …]
– الرَّدّ: نختصره في نِقاط سريعة كالتَّالي:
أولًا: هذا من كلام العرب، وليس من كلام الإمام «القرطبي»، إضافة إلى أنَّ «القرطبي» – رحمه الله – كان يُوضِّح معنى كلامهم، وليس هذا إنشاءً منه.
ثانيًا: العرب كنُّوا عن المرأة بالنَّعجة والشَّاة لبعض صِفات مثل السكينة، والمعجزة و…، ولم يريدوا حقيقة الأمر، وهذا حقٌّ، فالمرأة غالبًا ضعيفة الجانب، إلَّا إذا كانت زوجات هؤلاء العلمانيين تَتَجَبَّرُ عليهم، فهذا شأنهم فليجدوا حلًّا له.
ثالثًا: الكِنَاية والتَّمثيل فيما يُساق للتَّعريض أبلغ في المقصود، وهذا عند البُلغاء والفُصحاء من العرب، ليس عند الجَهَلة والبُلَهَاء.
رابعًا: من الأمثلة التي جاءت عند العرب في تشبيه المرأة بالحيوانات قول عنترة بن شداد:
يا شَاةَ ما قَنَصٍ لِمَنْ حَلَّتْ لهُ | حَرُمَتْ عَلَيَّ وَلَيْتَها لم تَحْرُمِ |
فَبَعَثْتُ جَارِيَتي فَقُلْتُ لها اذْهَبي | فَتَجَسَّسِي أَخْبارَها لِيَ واعْلَمِي |
قَالتْ: رَأيتُ مِنَ الأَعادِي غِرَّةً | والشَاةُ مُمْكِنَةٌ لِمَنْ هُو مُرْتَمي |
وهذه الأبيات أوردها «القرطبي» في تفسيره، لكن اقتطعها ذلك المُدلِّس ليُوهم المشاهد بالكذب الذي افتراه.
خامسًا: أمَّا قوله «لأنَّ الكُلّ مركوب»؛ التي تهكَّم عليها، وعرَّض بـ «القرطبي» وبناته في برنامجه السَّاخر، فمعناها: أنَّ أحدَهما بالأعلى وأحدهما بالأسفل، كما حدث مع أب وأم أحدهم، فأنجبوه، وليتهم ما فعلوا، لكنَّه قدر الله – عز وجل -.
فإن لم يُعجبه هذا التَّعبير، نُريد منه أن يفسِّر لنا قول الملك – عز وجل -: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2]، ما معنى يُظاهرون؟ وما هو اشتقاقها اللُّغوي؟ وما المُناسبة بين معناها اللُّغوي وبين الحُكم الشَّرعي؟ عندئذٍ تعلمون يقينًا حُمْق وجَهْل ذلك البحيري.
«الظِّهار» مصدر ظَاهَر يُظَاهِر ظِهَارًا، فهو مُشتقٌّ من الظَّهر؛ لأنَّ الظَّهر هو محلّ الرُّكُوب، والمرأة مركوبٌ عليها، فلهذا سُمِّي هذا النَّوع من مُعاملة الزَّوجة ظِهَارًا.
والظِّهَار أنْ يُشَبِّهَ الرَّجلُ زوجَتَه بأمِّهِ، فيقول: أنتِ عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي، يُريد بذلك أنَّه حَرَّمَهَا على نفسه. كما أنَّ أُمَّهُ حَرَامٌ عليه، فإسناد تركيب التَّشبيه إلى ضمير المرأة على تقدير حالة من حالاتها، وهي حالة الاستمتاع المعروف، سلكوا في هذا التَّحريم مسلك الاستعارة المكنية بتشبيه الزَّوجة حين يقربها زوجها بالرَّاحلة، وإثبات الظَّهر لها تخيُّل للاستعارة، ثمَّ تشبيه ظهر زوجته بظهر أُمِّه، أي في حالة من أحواله، وهي حالة الاستمتاع المعروف. وجعل المشبه ذات الزَّوجة.