فرقة الخوارج ونشأتها
ما أن استشهد عثمان – رضي الله عنه – حتى ابتدأ ظهور الفرق، لأن حادث استشهاده أثار العديد من القضايا فتلاحقت الأحداث وأخذ بعضها برقاب بعض فبينما بايع الصحابة عليًا – رضي الله عنه -، رأى معاوية الاقتصاص أولًا من قتلة عثمان، ثم اقتتل الفريقان، وظهر التحكيم كوسيلة لرأب الصدع وألح أصحاب علي على التحكيم، بالرغم من معارضته، لأنه كان قاب قوسين أو أدنى من الظهور على الفريق الآخر.
ولما أطاعهم كارهًا، عاد أتباعه فأعلنوا أنه (لا حكم إلا لله) وخرجوا عليه وكفروه، واستتبع ذلك انقسام المسلمين إلى ثلاثة أقسام، فريق يؤيد عليًا وفريق يؤيد معاوية، وفريق ثالث أبى الخوض في النزاع، ومن ضم ظهر التشيع في بدايته لتأييد علي، ثم تحول إلى عقائد كلامية عند مقتل الحسين بن على في موقعة كربلاء. ويلخص لنا ابن تيمية أهم معتقدات الفرق التي ظهرت على أثر استشهاد عثمان – رضي الله عنه -، فيذهب إلى أن أصل مذهب الخوارج تعظيم القرآن وطلب أتباعه، ولكنهم خرجوا على السنة والجماعة – فهم لا يرون اتباع السنة التي يظنون مخالفتها للقرآن، كالرجم ونصاب السرقة، ويجوزون على الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يكون ظالمًا ويكفرون عثمان وعليًا ومن والاهما لحكمهما – في نظرهم – بغير ما أنزل الله، حيث خالفوا القرآن، وكل من خالف القرآن يكفر!!
وظهر بإزائهم الشيعة فقالوا بعصمة الأئمة وعلمهم بكل شيء، وأوحوا الرجوع إليهم في جميع ما جاء به الرسل فلا يأخذون إلا بقول من ظنوه معصومًا، ولا يرجعون إلى كتاب ولا سنة.
وأما القدرية فخاضوا في قدرة بالباطل وانقسموا فى يقين:
فريق يغلب الشرع فيكذب القدر وينفيه أو ينفي بعضه، فينفي قدره ومشيئته.
وفريق يغلب القدر فينفي الشرع في الباطن أو ينفي حقيقته ويقول: لا فرق بين ما أمر الله وما نهى عنه أو بين الأولياء والأعداء.. فينفى حكمة الله سبحانه وتعالى ومشيئته1.
وهكذا يرى أن أكثر الفرق الكلامية يروون باطلًا بباطل وبدعة ببدعة وسننظر في أهم آراء هذه الفرق، ثم نتبعها ببيان مدى انحرافها عن مسلك الجماعة الإسلامية كل على حدة ومن وجهة نظر شيخ الإسلام ابن تيمية.
الخوارج:
تبين لنا أن بعض أهل الفتنة والظلم قتلوا عثمان بن عفان – رضي الله عنه -. فتفرق المسلمون، إذ نشبت معركة صفين فكانت أشبه بانفجار ذي دوي شديد، ألقيت فيه قنبلة التحكيم ففجرت في الحال قيام الخوارج.
وكان معاوية بن أي سفيان ممن رأى أن بيعة علي لم تنعقد لافتراق الصحابة أهل الحل والعقد بالآفاق. وأنه يجب المطالبة بدم عثمان أولًا، ثم يجتمعون على إمام، بينما كانت حجة علي بن أبي طالب التى استند إليها أن البيعة التي تمت له قد عقدها نفس القوم المبايعين أبا بكر وعمر وعثمان قبله، وأنها تمت عن شورى المهاجرين والأنصار، فلا معنى لخروج أحد عن هذه البيعة التى أجمع عليها هؤلاء وأولئك وإلا حق على الخارج عن الجماعة أن يقاتل.
أما معاوية فإنه يبرر موقفه بأنه مطالب بدم عثمان الذي قتل مظلومًا، ولأنه وليه ويؤيد مطالبته بقتل قاتليه، بقول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ [الإسراء: 33] وقد أجابه أهل الشام إلى طلبه حيث بايعوه وأوثقوا له، على أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم أو يدركه بثأره أو يفنى الله أرواحهم.
وتحفل المصادر المختلفة بالجدل والحجاج العقلي بين علي والخوارج مما يعطي في مضمونها صورة واضحة عن المعتقدات التى اعتنقها هؤلاء ويعوضنا بعض الشيء عن التماس آرائهم من كتبهم نفسها. لقد أعلنوا شعارهم (لا حكم إلا لله) ولكن عليًا لم يرتج عليه لسماعه هذا الشعار فهو العالم بكتاب الله يعرف جيدًا أنه لم يحد عنه بقبوله التحكيم؛ فقال: (كلمة حق أريد بها باطل).
والخوارج في جمعهم بين تكفير عثمان وعلي يستندون على حجة واحدة هي الحكم بغير ما حكم الله، فيقولون: (لأن عليًا حكم الحكمين وخلع نفسه عن إمرة المؤمنين وحكم في دين الله فكفر، وعثمان ولى رقاب المؤمنين ولاة جور، فحكم بغير ما حكم الله فكفر).
وقد تولى الرد عليهم أهل السنة لبيان خطئهم فيما ذهبوا إليه، فقد حكم الله الناس في كتابه في غير موضع إذ قال – عز وجل – في جزاء الصيد: ﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [المائدة 95] وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 10] وأيضًا: ﴿ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59] وقال: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83].
فهذا محكم القرآن فد جعل أحكامًا كثيرة إلى العلماء، وإلى الأمراء من الناس ينكرون فيه مما لم ينزل بيانه من عند الله، فكيف يساغ لهم القول (لا حكم إلا لله)؟
ولا حجة لهم في تكفير عثمان وعلي – رضي الله عنهما – لأنهما كان وليين للمسلمين في الأصل بإجماع لا اختلاف فيه؟ فالإجماع على إيمانهما وولايتهما ثابت حتى يجيء مثله فيزيل ولايتهما وإيمانهما ويثبت كفرهما، فلا حجة لهم في تكفيرهم. ثم حدث في آخر عهد الصحابة القدرية، فكانت الخوارج تتكلم في حكم الله الشرعي: أمره ونهيه، ووعده ووعيده، وحكم من وافق ذلك ومن خالفه، ومن يكون مؤمنًا ومن يكون كافرًا، فخاضوا في حكم الله أي شرعه بالباطل.
أما عن تفسيرهم للآيات القرآنية التي يتسلحون بها في تكفير من يرتكب الكبائر فإنهم يقيسون على قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ﴾ [المائدة: 5] وقوله عز وجل: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3] وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ﴾ [التغابن: 2] فهم يرون أن الله لم يجعل منزلة ثالثة تقع وسطًا بين الكفر والإيمان فمن كفر وحبط عمله فهو مشرك والإيمان رأس الأعمال وأول الفرائض في العمل، ومن ترك ما أمره الله به فقد حبط عمله وإيمانه ومن حبط عمله فهو بلا إيمان، والذي لا إيمان له فهو مشرك وكافر.
ويرجع تسويتهم بين الكبائر والصغائر إلى سوء فهمهم للقرآن فالله – عز وجل – قد فرق بينهما بقوله: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴾ [النساء: 31] وكذلك ينص الحديث: ففى سنن أبي داود والنسائي وغيرهما من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: “اجتنبوا السبع الموبقات الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات“، وهناك من الأحاديث أيضًا ما وصف فيها الذنوب بالكبائر مما يزيد عن السبعين وربما كان تفسير ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علم أولًا بالسبع المذكورات ثم علم بما زاد، والأرجح أن النص على السبع في كل حديث لزيادة عظمها، وفي الصحيحين عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: “أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك”. قلت: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك“.
فأنزل الله تصديق ذلك: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 68 – 70]. ومن أقوال السلف في هذا الصدد إجابة ابن عباس- رضى الله عنهما- لرجل سأله عن عدد الكبائر فأجاب: (هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار) وعلق ابن مفلح على ذلك بقوله: (الفقيه كل الفقه الذي لا يوئس الناس من رحمة الله – عز وجل – ولا يجرئهم على معاصيه)2.
ويعد ابن تيمية بدعة الخوارج أول بدعة ظهرت في الإسلام، إذ كفروا المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم وتميزوا بالإمام والجماعة والدار وسموا دارهم دار الهجرة وجعلوا دار المسلمين دار كفر وحرب. ومن ناحية أخرى يشيد جمع في موضع المقارنة بينهم وبين الشيعة فإن الخوارج يرجعون إلى القرآن – وهو حق – وإن غلطوا فيه، وهم صادقون فحديثهم من أصح الحديث.
ولكن غلطوا في تكفير المسلمين بالذنوب حيث قسموا الناس إلى مؤمن لا ذنب له، وكافر لا حسنة له، بينما قسم الله تعالى الأمة التي أورثها الكتاب واصطفاها، “ثلاثة أصناف” ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات.. قال تعالى: ﴿ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ [فاطر: 31 – 35].
وتقسيم طبقات الأمة الواردة في الآية الكريمة ينطبق على الطبقات الثلاث المذكورة في حديث جبريل (الإسلام) و(الإيمان) و(الإحسان).
كذلك فقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن عقوبة الذنوب تزول عن العبد بنحو عشرة أسباب، نوجزها فيما يلي:
أحدها: التوبة، قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53] وغيرها من الآيات.
الثاني: الاستغفار، كما جاء في حديث: “ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم مائة مرة“.
فإن هذا الاستغفار إذا كان مع التوبة مما يحكم به، عام في كل تائب، وإن لم يكن مع التوبة فيكون في حق بعض المستغفرين، الذين قد يحصل لهم عند الاستغفار من الخشية والإنابة ما يمحو الذنوب.
الثالث: الحسنات الماحية كما قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114] وقال -صلى الله عليه وسلم-: “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات لا بينهن، إذا اجتنبت الكبائر” وقال -صلى الله عليه وسلم-: “الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب“.
السبب الرابع: الدافع للعقاب: دعاء المؤمنين للمؤمن مثل صلاتهم على جنازته فعن عائشة وأنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلهم يشفعون إلا شفعوا فيه” وعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئا، إلا شفعهم الله فيه“ رواهما مسلم.
الخامس: ما يعمل للميت من أعمال البر كالصدقة ونحوها، فقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “من مات وعليه صيام صام عنه وليه“.
السادس: شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيره في أهل الذنوب يوم القيامة، مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: “شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) وقوله -صلى الله عليه وسلم-: “خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكثر: أترونها للمتقين؟ لا. ولكنها للمذنبين الملوثين الخطائين).
السابع: المصائب التي يكفر الله بها الخطايا في الدنيا كما في الصحيحين عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب، ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشركها – إلا كفر الله بها من خطاياه“.
الثامن: ما يحصل في القبر من الفتنة والضغطة والروعة، فإن هذا مما يكفر به الخطايا.
التاسع: أهوال يوم القيامة وكربها وشدائدها.
العاشر: رحمة الله تعالى وعفوه ومغفرته بلا سبب من العباد3.
نعود للحديث عن الخوارج4الذين تطرفوا في معتقداتهم واتجاهاتهم فظهر على آثارها – كرد فعل لها – النظريات الشيعية التي تعد بمثابة تطرف مضاد لجنوح الخوارج في تكفير معارضيهم – وعلى رأسهم علي – فكان لابد أن يظهر المدافع عنه وأن يسلك نفس الطريق المتطرف، فمقابل (تكفير) علي ظهرت فكرة (تأليه) علي كما سنرى عند إحدى فرق الشيعة.
وتكاد تجمع كتب الفرق على أنهم المعنيون بالحديث الذي وصفهم بأنهم يمرقون من دين الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ولهذا فإننا نعجب لوقف المستشرقين فلهوزن لطعنه في الحديث ولنزعته التي لم يستطع إخفاءها: – بما تحمله من دلالة لنظريات المستشرقين بوجه عام – هذه النزعة التي تمجد كل رأي يخالف جماعة المسلمين، وتبحث وتنقب دون يأس أو كلل عن المخالفين لأهل السنة لإبرازها وخدمتها وعرضها على أوسع نطاق!
- ابن تيمية: مجموع فتاوى ابن تيمية ج 13 ص 208- 213. ↩︎
- شرح الإسفراييني ص 255- 262. ↩︎
- باختصار من كتاب (الإيمان الأوسط) لابن تيمية من ص 29 إلى ص 43 مكتبة الفرقان ومكتبة الإيمان والفتاوى ج 7 ص 487 إلى ص 501 ط الرياض. ↩︎
- ولكن الصحابة لم يكفروا الخوارج إذ كانوا يصلون خلفهم، وكان عبدالله بن عمر- رضى الله عنهما – وغيره من الصحابة، كانوا يصلون خلف نجده الحروري. وكانوا أيضًا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم (منهاج السنة ج 3 ص 62). ↩︎