عبودية المسيح عليه السلام وخلقه في الإسلام
الحمد لله نحمده , ونستعين به ونستغفره , ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مُضِل له , ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , وصَيفِّه من خلقه وخليله , بلَّغ الرسالة , وأدى الأمانة , ونصح الأمة , فكشف الله به الغمة , ومحى الظلمة , وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين , وأشهد أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله , وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه .
ثم أما بعد ؛
« اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ »(صحيح مسلم-1847).
( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ {42} يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ {43} ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ {44} إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ {45} وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ {46} قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ {47} وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {48} وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ {49} وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ {50} إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ {51} )[آل عمران]
( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ {59} الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ {60} فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ {61} إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ اللّهُ وَإِنَّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {62} فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ {63} قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ {64} )[آل عمران]
مجموع الفتاوى – إبن تيمية ج: 17 ص: 377
سبب نزول هذه الآية كان قدوم نصارى نجران و مناظرتهم للنبى صلى الله عليه و سلم في أمر المسيح كما ذكر ذلك أهل التفسير و أهل السيرة و هو من المشهور بل من المتواتر أن نصارى نجران قدموا على النبى صلى الله عليه و سلم و دعاهم إلى المباهلة المذكورة فى سورة آل عمران فأقروا بالجزية و لم يباهلوه .
الدر المنثور – جلال الدين السيوطي ج: 2 ص: 227 و228
● أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال أتى رسول الله راهبا نجران فقال أحدهما من أبو عيسى وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعجل حتى يأمره ربه فنزل عليه ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم إلى قوله من الممترين .
● أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس « أن رهطاً من أهل نجران قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان فيهم السيد والعاقب فقالوا له : ما شأنك تذكر صاحبنا؟ قال : من هو؟ قالوا : عيسى تزعم أنه عبدالله! قال : أجل إنه عبدالله . قالوا : فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئت به؟ ثم خرجوا من عنده فجاءه جبريل فقال : قل لهم إذا أتوك { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } إلى آخر الآية » .
● أخرج ابن سعد وعبد بن حميد عن الأزرق بن قيس قال : ( جاء أسقف نجران ، والعاقب ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض عليهما الإسلام فقالا : قد كنا مسلمين قبلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبتما مع الإسلام منكما ثلاث : قولكما اتخذ الله ولداً ، وسجودكما للصليب ، وأكلكما لحم الخنزير ، قالا : فمن أبو عيسى؟ فلم يدر ما يقول . فأنزل الله { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم } إلى قوله { بالمفسدين } فلما نزلت هذه الآيات دعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملاعنه فقالا : إنه ان كان نبياً فلا ينبغي لنا أن نلاعنه ، فأبيا فقالا : ما تعرض سوى هذا؟ فقال : الإسلام ، أو الجزية ، أو الحرب ، فأقروا بالجزية ) .
تفسير القرآن العظيم – تفسير إبن كثير
يقول تعالى: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ } في قدرة الله تعالى حيث خلقه من غير أب { كَمَثَلِ آدَمَ } فإن الله تعالى خلقه من غير أب ولا أم، بل { خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } فالذي خلق آدم قادر على خلق عيسى بطريق الأولى والأحرى، وإن جاز ادعاء البنوة في عيسى بكونه مخلوقا من غير أب، فجواز ذلك في آدم بالطريق الأولى، ومعلوم بالاتفاق أن ذلك باطل، فدعواها في عيسى أشد بطلانا وأظهر فسادًا. ولكن الرب، عَزّ وجل، أراد أن يظهر قدرته لخلقه، حين خَلَق آدم لا من ذكر ولا من أنثى؛ وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر كما خلق بقية البرية من ذكر وأنثى، ولهذا قال تعالى في سورة مريم: { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ } [ مريم : 21 ].
( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[الأنعام : 101]
( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ )[الأنبياء : 26]
( وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ {57} وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ {58} إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ {59} وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ {60} وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ {61} وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {62} وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {63} إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ {64} )[الزخرف]
( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً {27} يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً {28} فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً {29} قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً {30} )[مريم]
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان – تفسير السعدي
فحينئذ قال عيسى عليه السلام، وهو في المهد صبي: { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا } فخاطبهم بوصفه بالعبودية، وأنه ليس فيه صفة يستحق بها أن يكون إلها، أو ابنا للإله، تعالى الله عن قول النصارى المخالفين لعيسى في قوله { إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ } ومدعون موافقته.
( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً {88} لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً {89} تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً {90} أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً {91} وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً {92} إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً {93} لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً {94} وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً {95} )[مريم]
تفسير الطبري – جامع البيان في تأويل القرآن
( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) يقول: ما جميع من في السماوات من الملائكة، وفي الأرض من البشر والإنس والجنّ .
( إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) يقول: إلا يأتي ربه يوم القيامة عبدا له، ذليلا خاضعا، مقرًّا له بالعبودية، لا نسب بينه وبينه.
تفسير القرطبي
( إن كل من في السموات والارض إلا آتى الرحمن عبدا ) ” إن ” نافية بمعنى ما أي ما كل من في السموات والارض إلا وهو يأتي يوم القيامة مقرا له بالعبودية خاضعا ذليلا كما قال: ( وكل أتوه داخرين ) [ النمل: 87 ] أي صاغرين أذلاء أي الخلق كلهم عبيده فكيف يكون واحد منهم ولدا له عز وجل تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا.
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان – تفسير السعدي
{ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا } أي: ذليلا منقادا، غير متعاص ولا ممتنع، الملائكة، والإنس، والجن وغيرهم، الجميع مماليك، متصرف فيهم، ليس لهم من الملك شيء، ولا من التدبير شيء، فكيف يكون له ولد، وهذا شأنه وعظمة ملكه؟”.
1Co 15:28 ومتى أخضع له الكل فحينئذ الابن نفسه أيضا سيخضع للذي أخضع له الكل كي يكون الله الكل في الكل.
1Co 3:23 وأما أنتم فللمسيح والمسيح لله.
1Co 11:3 ولكن أريد أن تعلموا أن رأس كل رجل هو المسيح. وأما رأس المرأة فهو الرجل. ورأس المسيح هو الله.
۩ الحكمة من خلق عيسى من غير أب
والحكمة من خلق عيسى من غير أب لها بُعدان أساسيان:
– المشيئة
– القدرة
فالمشيئة الإلهية المطلقة هي الحكمة الثابتة في الآيات التي بشَّر الله فيها مريم بولادة عيسى:
{قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء} [آل عمران: 47].
ومع المشيئة تكون القدرة: {إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون} [آل عمران: 47].
فمن أهم دلائل القدرة الإلهية .. التنوع في الخلق، وفيه يقول ابن القيم:
( فتأمل كيف دل اختلاف الموجودات وثباتها، واجتماعها فيما اجتمعت فيه، وافتراقها فيما افترقت- على إله واحد .. ودلت على صفات كماله ونعوت جلاله سبحانه وتعالى ).
وللتنوع قاعدة عامة تعرف باسم «القسمة الرباعية» وهي التي أشار إليها ابن القيم في تنوع الخلق وتنوع عملهم، فيقول عن تنوع الخلق:
( ولهذا خلق سبحانه النوع الإنساني أربعة أقسام:
أحدها: لا من ذكر ولا أنثى، وهو خلق أبيهم وأصلهم آدم.
والثاني: من ذكر بلا أنثى، كخلق أمهم حواء من ضلع من أضلاع آدم، من غير أن تحمل بها أنثى، ويشتمل عليها بطن.
والثالث: خلقه من أنثى بلا ذكر، كخلق المسيح عيسى ابن مريم.
والرابع: خلق سائر النوع الإنساني من ذكر وأنثى.
وكل هذا ليدل على كمال قدرته، ونفوذ مشيئته، وكمال حكمته، وأن الأمر ليس كما يظنه أعداؤه الجاحدون له والكافرون به؛ من أن ذلك أمر طبيعي لم يزل هكذا ولا يزال، وأنه ليس للنوع أب ولا أم، وأنه ليس إلا أرحام تدفع وأرض تبلع، وطبيعة تفعل ما يُرى ويُشاهد، ولم يعلم هؤلاء الجهال الضلال أن الطبيعة قوة وصفة فقيرة إلى محلها، محتاجة إلى فاعل لها، وأنها من أدل الدلائل على وجود أمره بطبعها وخلقها، وأودعها الأجسام وجعل فيها هذه الأسرار العجيبة، فالطبيعة مخلوق من مخلوقاته، ومملوك من مماليكه وعبيده، مسخرة لأمره تعالى، منقادة لمشيئته، ودلائل الصنعة وأمارات الخلق والحدوث وشواهد الفقر والحاجة شاهدة عليها بأنها مخلوقة مصنوعة، لا تخلق ولا تفعل ولا تتصرف في ذاتها ونفسها، فضلًا عن إسناد الكائنات إليها ).
وقد أوضحت سورة النساء معنى القسمة الرباعية وعلاقتة بخلق عيسى ابن مريم، فكان الموضوع الأساسي لها هو تحديد المقتضيات الشرعية لخلق الناس رجالًا كثيرًا ونساءً ..
حيث أوضحت أول آية فيها ثلاثة أنواع من الخلق البشري ..
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة } .. آدم .. الذي خُلق من غير أب وأم ..
{ وخلق منها زوجها } .. حواء .. التي خُلقت لأب من غير أم ..
{ وبث منهما رجالا كثيرا ونساء } [النساء: 1] .. جميع البشر .. المخلوقين من أب وأم ..
ليبقى عيسى المخلوق من أم من غير أب ..!!
البحث bdf