شبهات حول عقوبة الردة
الحمد لله… أثار أعداءُ الإسلام ومَنْ تابعهم ممَّن ينتسبون إلى الإسلام الشُّبهةَ حول عقوبة المرتد، فمنهم مَنْ أنكرها، ومنهم مَنْ يقول: بأنها مُخالِفة لأصلٍ من أصول الدِّين، وهو حرية العقيدة؛ إذْ هي مكفولةٌ بنصِّ القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]، وبالتالي فإنَّ وجود عقوبة القتل على المرتد تُنافي وتُعارِض صريح القرآن!
ونقول لهؤلاء المبتورين والمنتسبين إلى العلم، وهو منهم براء:
أولاً: إنَّ عقوبة المرتد، وهي القتل, ثابتةٌ بسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، وعَمَلِ الصحابة – رضي الله عنهم – الذين حاربوا المرتدِّين، فلو لم يكن لهم مُسوِّغ في ذلك لما جاز لهم مُحاربتهم وقتالُهم، ومَنْ قال: بأنَّ هذه الحرب إنما كانت حرباً سياسيةً، نقول له: ما دليلك على ذلك؟ وكيف تُسوِّغ لنفسِك اتِّخاذَ موقفٍ مبنيٍّ على الحدس والظن، وتضرب عرض الحائط الأدلة الصحيحة الصريحة في كونها كانت حروباً ضدَّ المرتدين، فهذا الموقف مخالفٌ لمنطق العقل، والمنهج العلمي السليم في التفكير، فاليقين مُقدَّم على الظن، ومن ثَمَّ فالدليل اليقيني الثابت مُقدَّم على الظَّنِّي الحدسي أو الافتراضي.
ثانياً: اتَّفق العقلاء من كلِّ الأمم على اختلافها وتنوِّعها على أنَّ للأمم أنْ تتَّخذ من الإجراءات والتدابير والقوانين التي تحمي بها سيادتَها وأمنَها القومي، ومن ذلك: عقوبة العملاء والجواسيس الذين يعملون ضدَّ مصلحتها الوطنية، ولم يُنكر أحدٌ هذا عليها، فكيف تُنكرون على الشريعة الإسلامية اتِّخاذَها تدابيرَ ووسائلَ تحمي بها كيانها، وتحفظ بها عقيدة أبنائها أن تُصبح أُلعوبة في أيدي المُغرضين؟
ثالثاً: إنَّ دعوى التَّعارض لا وجودَ لها من الأساس، فحريَّة الدِّين مكفولة للجميع, فلا يجوز إجبارُ أحدٍ على الدخول في دين الله ابتداءً، وإنَّما عليه أن يدخل طواعيةً باختيارٍ حُرٍّ وقناعةٍ مُطلقة، وقبل دخوله يُعْلَم بدستور الدِّين الذي سيَتَحوَّل إليه، وأوَّلُ بنودِه أنه إذا دخله لا يجوزُ له الخروج منه، وإنْ خَرَجَ منه عُوقِبَ بقتله، فالأمر بهذه الصورة لا يُعارِض حرية الاختيار، وإنما يُكَبِّلُ مَنْ يريد الدخول في الإسلام فلا يدخله إلاَّ عن قناعة تامة؛ لأنه يعلم أنه إنْ دخله وخرج منه فسوف يُقتل، فأصبح حدُّ الرِّدَّة، لا كما يزعمون أنه يُعارض حرية الاعتقاد، وإنما يُقلِّل من أعداد الداخلين إلى الإسلام، فلا يدخله إلاَّ عن قناعةٍ تامة.
رابعاً: الإسلام لا يُفتِّش عن القلوب والنوايا, فهذه موكولٌ أمرُها إلى ربِّ العالمين الذي يعلم السِّرَّ وأخفى، وإنما الإسلام له الظاهر دون الباطن، وعلى هذا فلا يجوز تتبُّع الناس في عقيدتهم، والتَّشكيك فيها، واتِّهامهم فيها ما داموا لم يُصرِّحوا بما يُخالف العقيدة، ومن ثَمَّ فإنَّ مَن ارتدَّ بينه وبين نفسه دون أن يُعْلِمَ أحداً لا عقوبةَ عليه؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأََرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: 33, 34]؛ ولأنَّ الإسلام لا يُحاسِبُ على الباطن، فهو بذلك حُرٌّ فيما يعتقد، لكنه مسؤول أمام الله تعالى فيما يعتقد، أمَّا إنْ أظهرَ ارتِدادَه وجَهَر به وأعلنه على الملأ، فإنَّ الإسلام والشريعة هنا تتدخل بمنعه وتطبيق أحكامها عليه؛ لأنه خرج على النَّسق العام للمجتمع والنظام العام، وهذا في عُرف الجميع يستحق العقاب والردع.
فَلِمَ يُحرِّمون على الإسلام والشريعة ما يُبيحونه لحفظ الأمن والأنظمة؟! أليس الدِّين أَولى بالعناية والرعاية والصيانة والحفظ؟!
لا جواب لديَّ إلاَّ الانتكاسة الفكرية والحقد الدَّفين والغيظ المقيت الذي يكاد يفتِّت ضلوعهم من عظمة هذا الدِّين، وحِفظِ ربِّ العالمين له، وتمسُّكِ أتباعه به.