زعَمَ البحيري أنَّ دية المرأة مثل دية الرَّجل! وتهكَّم على الإجماع المُنعقد على النِّصف!
(58) زعم البحيري: أنَّ دية المرأة مثل دية الرَّجل، وتهكَّم على الإجماع المُنعقد على النِّصف.
– الرَّدّ: نختصره في نِقاطٍ سريعةٍ كالتَّالي:
أولًا: قول البحيري أنَّ قولة «لا أعلم مُخالفاً» أكبر من الإجماع بكثير، فهذا جَهْلٌ مُرَكَّبٌ؛ لأنَّ الجزم من القائل بالإجماع أقوى عِنْد الأُصُوليِّين من قولة «لا أعلم مخالفاً»، وهي تُقال مِن العالم تورُّعًا.
ثانيًا: الإجماع نقله غير واحد مِن أهل العِلْم منهم: «ابن المُنذر»، و «ابن حزم»، و «ابن عبد البر»، و «ابن رشد»، ونقل «ابن قدامه» الإجماع عن الصَّحابة كما في «المغني» (9/571).
فلمَّا كان هذا إجماع العُلماء، وسبيل الأُمَّة، وَجَبَ علينا اتِّباعه؛ لقول الله – عز وجل -: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
فَمَنْ أَرَادَ أن يخرج عن سبيل المؤمنين الذين اتَّفقوا عليه جميعاً، ويسلك دَرْبًا غير دَرْبِهِم فله ما أراد، ولكن ليعلم أنَّ الوعيدَ ينتظره.
وأيضاً لقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]، والوسط هو العَدْل الخيار، ومُقتضى ذلك أنَّهم عُصِمُوا من الخطأ فيما أجمعوا عليه. فإذا قُلنا أنَّهم ظلُّوا أربعةَ عشرَ قرنًا أو أكثر على خطأ فكأنَّنا نُكذِّب القُرآنَ، ونتَّهِم اللهُ – سبحانه وتعالى – في كلامه، ثمَّ كيف لأُمَّةٍ تكون شهيدةً على النَّاس، ولا تستطيع طيلة قُرُونٍ مُتوالية أن تشهد لنبيها بالحقّ؟! أم كانت مُنتظرة ليأتي ذلك الجَهُول وأمثاله ليشهدوا هم؟ – نعوذ بالله من الزَّيغ والبُهتان -.
ثالثًا: إسلام البحيري صرَّح مِن قَبْل بأنَّه يعتدّ باتِّفاق الصَّحابة و يُصدِّق إجماعهم، فلما لا يعتدّ به هُنا، وقد سبق وقلنا أنَّ «ابن قدامه» نقل الإجماع عن الصَّحابة كما في «المغني» (9/571).
رابعًا: لماذا لا يُعتدّ بالإجماع، وقد اعتدّ به في مقال له عن زَوَاج السَّيِّدة عائشة ▲ حيث قال: «تكاد تكون مُتَّفِقَة»، وقال أيضًا: «تقول كلّ المصادر التَّاريخية»، وكذلك قوله: «ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف» وغير ذلك، فلماذا يُناقض نفسه، أم أنَّه يمشي بمنهج اليهود وهو: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} [المائدة: 41].
خامسًا: أمَّا استشهاد البحيري بقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]، فاستشهادٌ من جاهل؛ للتَّالي:
1- الآية تتكلَّم عن جزاء القَتْل وحُكمِه والتَّحذير منه، ولا تتكلَّم من قريبٍ أو بعيدٍ عن القَصَاص أو الدِّية أو ما شابه أبداً، بدليل نصّ الآية، إضافةً إلى أنَّ الآية التي قبلها هي التي كانت تتكلَّم عن دية القتل الخطأ.
2- نحن نتفق أنَّ كلمة (مُؤْمِنًا) في هذه الآية عامَّة، تشمل الرِّجال والنِّساء والكِبَار والصِّغار و…، فمن قتل امرأة مؤمنة – بل جارية صغيرة – مُتعمِّداً، فجزاءه الوعيد المذكور في الآية؛ لأنَّه – كما سبق – الآية تتحدَّث عن الجزاء.
سادسًا: وأمَّا قوله «ليه حضرتك»، نقول له نفس الكلمة في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، «هل المرأة حيوان مات يعني؟» حتى أخوها يأخذ مثلها مرَّتين،، أم أنَّه تشريع ليس لنا فيه دخل.
يجب على البحيري أن يتذكَّر قوله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23].