زعم البحيري: أنَّ «عكرمة» مولى «ابن عباس» كذَّابٌ ورِوايتُه مَردودة!
(69) زعم البحيري: أنَّ «عِكْرِمَة» كذَّاب، وذكر رواية بذلك وهي: [أن َّ يزِيد بْن أبي زِيَاد قال: دخلت على عَليِّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة مُقَيّد على بَاب الحش، قلت من هَذَا، قَالَ إِن هَذَا يكذب على أَبِي.]
– الرَّدّ: هذا الكلام غير صحيح مِن وُجُوهٍ كالتَّالي:
أولًا: هذه الرِّواية التي ذكرها المدعو البحيري غير صحيحة؛ لأنَّ راويها هو «يزِيد بْن أبي زِيَاد» وهو ضعيف شيعيّ، ولم تثبت هذه الرِّاوية مِن طريقٍ صحيحٍ.
ثانيًا: لو استشهد البحيري بالرواية الأخرى التي حَذَّر فيها «ابنُ عمر» مولاه «نافع» من الكذب عليه كما فعل «عكرمة» مع «ابن عباس»، فسيجدها رواية موضوعة؛ لأنَّ راويها «يحيى البكَّاء» وهو ضعيف متروك الحديث.
ثالثًا: وكذلك لو احتج بكلام «سعيد بن المسيب» في «عكرمة» لن يجده صحيحًا، لأنَّه كلام بغير إسناد، ومن ثَم فهو ضعيف.
رابعًا: يقول «ابنُ حِبان» – رحمه الله –1: [وَكَانَ جَابر بْن زيد يَقُول عِكْرِمَة من أعلم النَّاس، وَمن زعم إِنَّا كُنَّا نتقي حَدِيث عِكْرِمَة فَلم ينصف إِذْ لم نتقي الرِّوَايَة عَن إِبْرَاهِيم بْن أبي يحيى وَذَوِيهِ، وَلَا يجب على مَنْ شَمَّ رَائِحَة الْعلم أَن يُعَرِّجَ على قَول يزِيد بْن أبي زِيَاد حَيْثُ يَقُول: دخلت على عَليّ بْن عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَعِكْرِمَة مُقَيّد على بَاب الحُشِّ، قلت: من هَذَا؟ قَالَ: إِن هَذَا يكذب على أَبِي، وَمن أمحل الْـمُحَال أَن يُجَرَّحَ الْعدْل بِكَلَام الْمَجْرُوح لِأَن يزِيد بْن أَبِي زِيَاد لَيْسَ مِمَّن يحْتَج بِنَقْل حَدِيثه وَلَا بِشَيْء يَقُوله.] اهـ
خامسًا: وهذه بعض أقوال عُلماء الجرح والتَّعديل في «عكرمة»، والتي لم يذكرها عدو الإسلام البحيري:
قال «الشعبي»2: [ما بَقِيَ أحدٌ أعلمَ بكتاب الله من عِكرمة.]
وقيل «لسعيد بن جبير»2: [تعلم أحدًا أعلم منك؟ قال: نعم، عكرمة.]
وقال «قتادة»2: [كان أعلم التَّابعين أربعة: كان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتفسير. وكان عكرمة أعلمهم بسيرة النبي ﷺ، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام.]
وقال «أبو بكر المروذي»3: [قلت لأحمد بن حنبل: يُحتج بحديث عكرمة؟ فقال: نعم، يحتج به.]
وقال «البخاريُّ»4: [ليس أحدٌ من أصحابنا إلَّا وهو يحتج بعكرمة.]
وقال «النَّسائي»4: [ثِقَة.]
وقال «عبد الرحمن بن أبي حاتم»4: [سألت أبي عن عكرمة مولى ابن عباس: كيف هو؟ قال: ثقة. قلت: يحتج بحديثه؟ قال: نعم إذا روى عنه الثقات.]
قال «ابن حبان»5: [كَانَ عِكْرِمَة من عُلَمَاء النَّاس فِي زَمَانه بِالْقُرْآنِ وَالْفِقْه،…، فَحمل أهل الْعلم عَنْهُ الحَدِيث وَالْفِقْه فِي الأقاليم كلهَا وَمَا أعلم أحدا ذمه بِشَيْء إِلَّا بدعابة كَانَت فِيهِ.]
وقال «الذَّهبي»6: [العلَّامة، الحافظ، المُفسِّر.]
وقال «ابن حجر»7: [ثقة ثبت عالم بالتفسير، لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر و لا تثبت عنه بدعة.]
وأخيرًا، قال «ابن حجر»8:
[وقال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي: قد أجمع عامَّة أهل العِلْم بالحديث على الاحتجاج بحديث عكرمة، واتَّفق على ذلك رُؤساءُ أهلِ العِلْمِ بالحديثِ من أهل عصرنا منهم: أحمد بن حنبل، وابن راهويه، ويحيى بن معين، وأبو ثور.
ولقد سألتُ إسحاق بن راهويه عن الاحتجاج بحديثه فقال: عكرمة عندنا إمام الدُّنيا. تعجَّب من سؤالي إيَّاه.
وحدثنا غيرُ واحدٍ أنهم شهدوا يحيى بن معين وسأله بعض الناس عن الاحتجاج بعكرمة فأظهر التعجب، قال أبو عبد الله المروزي: عكرمة قد ثَبَتَتْ عدالته بصحبة بن عباس وملازمته إياه وبأنَّ غَيْرَ واحدٍ من العلماء قَدْ رَوَوْا عنه وَعَدَّلُوهُ، قال: وكلُّ رَجُلٍ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ لم يُقْبَلْ فيه تجريحُ أحدٍ حَتَّى يبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه.] اهـ
وخذوا هذه القاضية التي تقسم ظَهْر إسلام البحيري في بيان تناقضاته وتلاعبه بمتابعيه، حيث قال البحيري عن الحديث الذي رواه الشَّيخان9 عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي ﷺ قال: «وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ» قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الفِتَنِ».
قال البحيري عن هذا الحديث: أنَّه صحيح، ولا يصلح أنْ يكون مكذوبًا.
هل تعلمون مَن هو الرَّاوي عن ابن عباس في هذا الحديث؟! إنَّه عكرمة! نعم عكرمة.
صدَّقتم الآن أنَّ البحيري يتلاعب بمُتابعيه ويحترف منهج اليهود الذي ذكره رَبُّنَا في كتابه {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} [المائدة: 41]
([1]) انظر: «الثقات = ابن حبان» (5/230)، ط/ دائرة المعارف العثمانية – حيدر آباد الدكن الهند.
([2]) انظر: «تهذيب الكمال = الحافظ المزي» (20/272)، ط/ مؤسسة الرسالة – بيروت.
([3]) انظر: «تهذيب الكمال = الحافظ المزي» (20/272)، ط/ مؤسسة الرسالة – بيروت.
([4]) انظر: «تهذيب الكمال = الحافظ المزي» (20/272)، ط/ مؤسسة الرسالة – بيروت.
([5]) انظر: «تهذيب الكمال = الحافظ المزي» (20/288)، ط/ مؤسسة الرسالة – بيروت.
([6]) انظر: «تهذيب الكمال = الحافظ المزي» (20/289)، ط/ مؤسسة الرسالة – بيروت.
([7]) انظر: «تهذيب الكمال = الحافظ المزي» (20/289)، ط/ مؤسسة الرسالة – بيروت.
([8]) انظر: «تهذيب الكمال = الحافظ المزي» (20/289)، ط/ مؤسسة الرسالة – بيروت.
([9]) انظر: «الثقات = ابن حبان» (5/229-230)، ط/ دائرة المعارف العثمانية – حيدر آباد الدكن الهند.
([10]) انظر: «سير أعلام النبلاء = الذهبي» (5/12)، ط/ مؤسسة الرسالة – بيروت.
([11]) انظر: «تقريب التهذيب = ابن حجر» (ص:397) رقم (4673)، ط/ دار الرشيد – سوريا.
([12]) انظر: «تهذيب التهذيب = ابن حجر» (7/272-273)، ط/ مطبعة دائرة المعارف النظامية – الهند.
([13]) صحيح: رواه البخاري في «صحيحه» رقم (447) – واللفظ له -/ومسلم في «صحيحه» رقم (2916).