أدعياء التنويرشبهات أخرىشبهات وردود

زعم البحيري: أنَّه مثل «أبي حنيفة»، وقال: «نحن رِجال وهُم رِجال»!

(80) زعم البحيري: أنَّه مثل  «أبي حنيفة» الذي قاله: «نحن رِجال وهُم رِجال»، ومِن ثَمَّ أراد البحيري أن يُشبِّه نفسه بالتَّابعين و «أبي حنيفة»، وأنَّه رَجُلٌ في العِلْم والفَهْم مثلهم.

– الرَّدّ: من جهات كالتالي:

أولًا: سِياق كلام «أبي حنيفة» – رحمه الله – كالتَّالي، حيث قال: [ما جاء عن الرسول ﷺ فعلى الرَّأس والعين، وما جاء عن الصَّحابة، اخترنا، وما كان من غير ذلك، فهُم رجال ونحن رجال]1.

ويتَّضِح مِن هذا أنَّ «أبا حنيفة» يقبل كلام الله ورسوله ﷺ، ويتخيَّر من كلام الصَّحابة ╚ ولا يخرج عن قولهم، أمَّا التَّابعون فهو رجلٌ مثلهم لأنَّه عاصرهم وعاصروه، فيجتهد كما اجتهدوا.

ومما يوضح ما ذكرناه بالمثال ما ذكره «يحيى بن ضريس» حيث قال: [شهِدت سُفْيَان وَأَتَاهُ رجل فَقَالَ: «مَا تنقم على أبي حنيفَة؟»، قَالَ: «وَمَاله؟»، قَالَ: «سمعته يَقُول: آخذ بِكِتَاب الله، فَمَا لم أجد فبسنة رَسُول الله ﷺ، فَإِن لم أجد فِي كتاب الله وَلَا سنة آخذ بقول أَصْحَابه آخذ بقول من شِئْت مِنْهُم وأدع قَول من شِئْت ولا أخرج من قَوْلهم إِلَى قَول غَيرهم، فَإِذا مَا انْتهى الْأَمر أَو جَاءَ الْأَمر إِلَى إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ وَابْن سِيرِين وَالْحسن وَعَطَاء وَسَعِيد بن الْمسيب وَعدد رجَالًا فقوم اجتهدوا فأجتهد كَمَا اجتهدوا»]2.

فإذا نظرنا إلى مولد «أبي حنيفة» الذي كان في عام (80) من الهجرة، ووفاته التي كانت في عام (150) من الهجرة، وقارنَّا ذلك بوفاة الذين ذكر أسمائهم وهم:

«إبراهيم النخعي» (ت:196)، و «عامر الشعبي» (ت:103)، و «ابن سيرين» (ت:110)، و «الحسن البصري» (ت: 110)، و «عطاء بن أبي رباح» (ت: 114)، و «سعيد بن المسيب» (ت: 94).

بالمُقارنة بين هذه التَّواريخ نجد أنَّ «أبا حنيفة» عاصرهم إلَّا أنَّهم أكبر منه سِنًا.

وأيضًا حَكَى الإمامُ «الذَّهَبِيُّ» في «سير أعلام النبلاء» (6/391): [أنَّ أبا حنيفة وُلِدَ: سنة ثمانين، في حياة صِغار الصَّحابة، وَرَأَى الصَّحَابيَّ أنسَ بنَ مَالِك ؓ.]

ثانيًا: الخِلافات والاجتهادات المُتباينة بين التَّابعين والمُفسِّرين والعُلماء لم تَكُن في الأُمُور الجوهرية وأُصُول الدِّين والاعتقاد، إنَّما كانت في مسائل فِقْهِيَّة وفرعية، فلم نجد منهم – مثلًا – أحدًا اختلف في كُفْر اليهود والنَّصارى أو تحريف كُتُبهم وغير ذلك.

 ثالثًا: وبعد الذي ذكرناه كلّه نجد أنَّ هذا الكلام عن «أبي حنيفة» إسناده باطل مُنكر؛ فهو مَرْوِيٌ من طريق «نوح الجامع» وهو متروك الحديث كما قال «أبو حاتم»، و «مُسلم بن الحجاج»، و «أبو بشر الدولابي»، و «الدارقطني» وغيرهم، وكذبه جماعة من العُلماء كما ذكر «الحافظ ابن حجر».


([1]) انظر: «سير أعلام النبلاء = الذهبي» (6/401)، ط/ مؤسسة الرسالة – بيروت، و «الوافي بالوفيات = الصفدي» (27/90)، ط/دار إحياء التراث – بيروت.

([2]) انظر: «تاريخ ابن معين = يحيى بن معين» (4/63)، ط/ مركز البحث العلمي – مكة المكرمة، و «تهذيب الكمال = المزي» (29/443)، ط/مؤسسة الرسالة – بيروت.

زر الذهاب إلى الأعلى