الأديان والفرق والمذاهبالإلحاد

رصاصة دارون على الإنسانية| إياد قنيبي

رحلة اليقين7 (2 من 2)

ما القيم التي ينادي بها كثيرٌ من الملحدين الدَّاروينيِّين هذه الأيَّام؟ – الحرِّية – المساواة – حقوق الإنسان – حقوق المرأة

تعالوا نرى وضع المرأة حسب الأسس العلمية الدَّاروينيَّة: كان داروين”Charles Darwin” قد بذر بُذُور وصف المرأة بالدُّونيَّة تطوُّريًّا، ففي كتابه (أصل الإنسان) عقد فصلًا بعنوان: (القدرات الذِّهنيَّة للرَّجل والمرأة) وقال فيه عن بعض خصائص المرأة: “هي خواصُّ الأعراقِ الأدنى” في الدَّاروينيَّة ليس هناك أي مبررٍ للتَّحلي بأيٍّ من الأخلاق، بل إنَّ الصِّراع الدَّارويني يتطلَّب من العرقيَّات التي ترى نفسها أرقى تطوُّريًّا أن تتحلَّى بأخلاق الأنانيَّة والطَّمع والاستئثار، والاعتداء على العرقيَّات الأحطِّ منها لتُبِيدَها وتتكاثرَ على حسابها.

أنت أيُّها الملحد أمام أحد خيارين: إما أن تتَّبع أسلافك هؤلاء، وتتَّبع نهجَهم (الإجرامي) -عفوًا، (الأخلاقي) حسب داروينيَّتكم- أو أن تقرَّ بالقيم الأخلاقيَّة وقيم المساواة بين البشر من حيثُ الأصل وترفض الممارسات الدَّاروينيَّة المذكورة، وحينئذٍ فأنت تُنَاقِضُ نفسَك، لأنَّ تفسيرك المادِّي للكون لا يصلح كأساسٍ للقيم المعنويَّة كما بيَّنَّا في الحلقة الماضية، ولأنَّ اقتراضَك لأخلاقٍ من خارج منظومَتِك الفِكريَّة المادِّيَّة هو اعترافٌ ضمنيٌّ منك بفشل منظومتك المادِّيَّة الدَّاروينيَّة، وعدم كِفايتها في تلبية حاجات الإنسان إنَّك أيُّها الملحد حين تتبنَّى قيمًا إنسانيةً في التَّعامل مع كافَّة الأجناس دون تفرقة، وعندما تتبنَّى قيمة الرَّحمة بالضُّعفاء، تكون قد مارست ممارساتٍ لا أخلاقيَّة حسب داروينيَّتِكَ، تَكونُ قد فعلت كما في المثال الذي ضربناه أول الحلقة: سمحت لكائناتٍ أدنى في السُّلَّم التَّطوُّري، بالتَّكاثر على حساب الكائنات الأرقى.

يقولون لك: هناك ملحدون أخلاقهم حسنة. فنقول: ليس سؤالنا عن إمكانيَّة أن يكون الملحد حسن الأخلاق أو المؤمن سيِّـئ الأخلاق، بل السُّؤال العقلاني هو: هل الإلحاد يؤدِّي إلى الأخلاق الحسنة؟ لا شكَّ أنَّ ما لدى بعض الملحدين من أخلاقٍ حسنة ليس سبَبُه إلحادَهم، فالاعتقادُ بأنَّنا في هذه الحياة بلا هدف، بلا رقيب، بلا جزاءٍ على أعمالنا -خيرِها وشرِّها- هذا الاعتقاد لا يمكن أن يكون دافعًا نحو الأخلاق الحسنة، لكن الإنسان في النِّهاية يتأثَّر بمجموعة عوامل: كالتَّربية في الصِّغر، والبيئة المحيطة، وليست القناعة الإلحادية هي العاملَ الوحيد في صياغة الأخلاق، أما الإيمان بوجود الله إيمانًا صحيحًا -ضِمْن التَّصوُّر الإسلامي- فإنه يَدفَعُ نحو مكارم الأخلاق، وإذا كان لدى المؤمِن سوءُ خلق، فهذا لنقصٍ في إيمانه لا أنَّ الإيمان هو الذي تسبَّب في سوء الخلق أو أدَّى إليه. الملحدُ ينسجمُ مع إلحادِه إذا تحلَّى بأسوأ الأخلاق، ويمارِسُ فصامًا نفسيًا ويـخُون مادِّيَّته إذا تحلَّى بمكارم الأخلاق. يقول لك الملحد: العلم الحديث يساعدنا في إبطال أخطاء (نظريَّة داروين) التي أدَّت إلى تفرقةٍ وطبقية، دون هدم النَّظريَّة من أساسها. أعود وأؤكِّد أن هذا ليس مقام تفنيد التَّطوُّر الدَّارويني، لكن كجوابٍ على هذه النقطة نقول: التَّطوُّر الدَّارويني يؤكِّد على أنَّ كلَّ الكائنات -بما فيها الإنسان- هي في تطوُّرٍ مستمر، وهذا يَلزَمُ منه وجود أعلى وأدنى في أعراق الإنسان الموجودة حاليًا، هذا لا خلاف عليه بين الدَّاروينيِّين.

قد يقع الخلاف بينهم على معيار هذا التَّفاضل التَّطوُّري، هل هو حسب حجم الجمجمة؟ أو لون العينين؟ أو بروز الجبهة؟ أو حجم الأنف؟ أو الذَّكاء؟ أو المهارات؟ أو البنية النَّفسيَّة؟ إلى آخره. لكن من حيثُ المبدأ لابدَّ من وجود أدنى وأرقى في الأعراق البشريَّة حسب الدَّاروينيَّة، مما يؤدِّي حتمًا إلى التَّفرقة البغيضة التي رأيناها. تَفْهَمُ بعد هذا كلِّه نعمة تأكيد الإسلام على مساواة البشر بعضهم ببعض من حيثُ الأصل: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [القرآن 49: 13] (أتقاكم)، فجعل مجال التَّنافس أمرًا يملك الإنسان أن يسعى لتحصيله، (التَّقوى) لا لونَ البشرة، ولا حجمَ الشَّفتين، ولا تفلطحَ الأنف. وتدرك بعد هذا كلِّه نعمة الإسلام الذي يقول نبيُّه عليه الصَّلاة والسَّلام: «لا فَضلَ لعَرَبيٍّ على عَجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ، إلَّا بالتَّقْوى» (المحدث : الألباني) ويقول: «إنما النساء شقائق الرجال» (أخرجه أبو داود في سننه) فالحمد لله الذي هدانا إلى أنَّنا لم نوجد في هذه الأرض من أجل الصِّراع، بل لعبادة الله، الذي جعل من أهمِّ وسائل عبادته إحسانَ الإنسان للنَّاس، والرَّحمةَ بضعفائهم، وإيثارَهم على نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى