أديان وفرق ومذاهبالشيعةشبهات حول الصحابةشبهات وردود

رد علمي مقنع للطاعنين في معاوية رضي الله عنه

هذا رد علمي مقنع، يكشف بإذن الله شبهات الطاعنين في معاوية رضي الله عنه، ولم أبيِّن في ردي هذا عدم صحة الكثير من روايات الإخباريين التي تقدح في معاوية، بل سأتكلم على فرض أنها ثابتة!

ولن أناقش المخالف لإثبات صحة ما ورد في فضل معاوية من آثار، مثل ما في صحيح البخاري (3765) أنه قيل لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية، فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: أصاب، إنه فقيه.

وروى أبو نعيم في حلية الأولياء (8/ 275) من طريق سعيد بن عبدالعزيز عن إسماعيل بن عبدالله عن قيس بن الحارث عن الصنابحي عن أبي الدرداء قال: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول الله من أميركم هذا – يعني معاوية = قيل لقيس: أين صلاته من صلاة عمر؟ قال: لا أخالها إلا مثلها.

وروى الخلال في كتاب السنة (2/ 442) وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 173) من طريق جبلة بن سحيم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما رأيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية، فقيل: ولا أبوك؟ قال: أبي عمر رحمه الله خير من معاوية، وكان معاوية أسود منه.

وروى الخلال في كتاب السنة (2/ 440) وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 175) من طريق وهب بن منبه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت رجلًا كان أخلق للملك من معاوية، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب، ولم يكن بالضيق الحصر العُصعُص المتغضب.

وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 185) عن هشام بن عروة قال: صلى بنا عبدالله بن الزبير يومًا من الأيام فوجم بعد الصلاة ساعة فقال الناس: لقد حدث نفسه ثم التفت إلينا فقال: لا يبعدنَّ ابن هند إن كانت فيه لمخارج لا نجدها في أحد بعده أبدًا! والله إن كنا لنفرقه وما الليث على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا, وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا, والله لوددت أنا متعنا به ما دام في هذا الجبل حجر – وأشار إلى جبل أبي قبيس – لا يتحول له عقل, ولا ينقص له قوة.

وروى الآجري في الشريعة (5/ 2465) وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 172) عن التابعي الجليل مجاهد بن جبر قال: لو رأيتم معاوية لقلتم: هذا المهدي!

وروى اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (8/ 1532) عن الميموني قال: قلت لأحمد بن حنبل: أليس قال النبي صلى الله عليه وسلم: « كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي»؟ قال: بلى، قلت: وهذه لمعاوية؟ قال: نعم، له صهر ونسب, قال: وسمعت ابن حنبل يقول: ما لهم ولمعاوية؟! نسأل الله العافية! وقصد الإمام أحمد بن حنبل أن معاوية صهر النبي صلى الله عليه وسلم لأن أخته أم حبيبة بنت أبي سفيان هي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا سماه بعض العلماء خال المؤمنين؛ لأن أخته هي أم المؤمنين رضي الله عنهما، فهو صهر النبي وهو أيضًا من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جدهما واحد وهو عبد مناف بن قصي، فله صهر ونسب من النبي صلى الله عليه وسلم.

وروى الخلال في السنة (2/ 438) من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق السبيعي الهمداني وهو معدود من شيعة الكوفة الثقات قال رحمه الله: ما رأيت بعده مثله يعني معاوية.

فهذه الروايات كلها بأسانيد صحيحة، ولكني لن أقف عندها لأثبت للمخالف صحتها، ولكن سأتكلم في ردي هذا على فرض أن هذه الروايات الواردة في فضل معاوية ومناقبه كلها روايات ضعيفة غير ثابتة!

إذًا سيكون ردي بأسلوب جديد من باب التسليم للخصم بأن كل ما قيل في معاوية من مثالب صحيح ثابت، وأن كل ما ورد فيه من مناقب لا يصح منه شيء!

فهل يمكننا أن نواجه معاوية ونعدُّ عليه كل سيئاته ونتركه يدافع عن نفسه بنفسه؟!

قد كفانا هذا صحابي جليل، فروى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (1/ 208) وابن عساكر في تاريخ دمشق (58/ 168) من طريق ابن شهاب قال: حدثني عروة بن الزبير إن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قدم وافدًا إلى معاوية بن أبي سفيان فقضى حاجته ثم دعاه فأخلاه فقال: يا مسور ما فعل طعنك على الأئمة؟! قال المسور: دعنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له، فقال معاوية: لا والله لتكلمنَّ بذات نفسك والذي نقمت عليَّ، قال المسور: فلم أترك شيئًا أعيبه عليه إلا بينته له، فقال معاوية: لا أبرأ من ذنب!! فهل تعد لنا يا مسور مما نلي من الإصلاح في أمر العامة، فإن الحسنة بعشر أمثالها أم تعد الذنوب؟!! فإنا نعترف لله بكل ذنبٍ أذنباه، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلك إن لم يعفو الله لك؟!! فقال المسور: نعم، فقال معاوية: فما جعلك برجاء المغفرة أحق مني؟!! فو الله لما آلي من الإصلاح أكثر مما تلي، ولكن والله لا أخير بين أمرين أمر لله وغيره، إلا اخترت أمر الله على ما سواه، وإني لعلى دين يُقبل فيه العمل ويُجزى فيه بالحسنات والذنوب إلا أن يعفو الله عنها، فإني أحسب كل حسنة عملتها بأضعافها من الأجر، وألي أمورًا عظامًا لا أحصيها ولا يحصيها من عمل بها لله في إقامة الصلوات للمسلمين، والجهاد في سبيل الله، والحكم بما أنزل الله، والأمور التي لست أحصيها وإن عددتها فتكفي في ذلك. قال مسور: فعرفت أن معاوية قد خصمني حين ذكر ما ذكر، قال عروة بن الزبير: فلم أسمع المسور بعد يذكر معاوية إلا صلى عليه!!

فهذه القصة صحيحة ثابتة، قال ابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 1422): “وهذا الخبر من أصح ما يُروى من حديث ابن شهاب، رواه عنه معمر وجماعة من أصحابه”.

فهذا الصحابي الجليل المسور بن مخرمة صارح معاوية بكل سيئاته، حتى قال: لم أترك شيئًا أعيبه عليه إلا بينته له. وأقر بها معاوية وقال: لا أبرأ من ذنب!! وأخبر أنه يرجو رحمة الله كما يرجوها كل مسلم، وأنكر معاوية على المسور أنه ذكر سيئاته ولم يذكر حسناته، وقال له: إنا نعترف لله بكل ذنب أذنباه، فهل لك ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلك إن لم يعفو الله لك؟!! فما جعلك برجاء المغفرة أحق مني؟!! فخصمه معاوية فلم يعد يذكره المسور إلا بخير، وصار يدعو له بعد أن كان يطعن فيه!!

فهل في هذه القصة كفاية لكل ذي عقل؟!

هذا على فرض أن معاوية لم يكن صحابيًّا، ولم يصلِّ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ممن كتب بين يديه، ولنفرض أن معاوية لم يكن ممن جاهد في سبيل الله في الشام، ولم يكن أول من أسس أول أسطول بحري وجاهد الروم في البحار، ولم يكن هو الذي فتح قبرص وقيسارية، ولم يكن صاحب أول جيش غزا القسطنطينية، ولم يكن يغزو في خلافته كل سنة مرتين مرة في الصيف ومرة في الشتاء، ولم يكن في خلافته حليمًا مقيمًا للعدل أكثر من كثير من الملوك الذين جاؤوا من بعده، فكيف إذا كانت له هذه الفضائل والمناقب وغيرها كما هو معروف في كتب التاريخ؟!! فهل في تلك القصة كفاية لكل منصف؟!!

ألا يستحق من كانت له هذه الفضائل أن نقول عنه: رضي الله عنه؟!! فإن لم تكن له هذه الفضائل ألا يجوز أن نقول لأي مسلم: رضي الله عنه من باب الدعاء لا الإخبار؟!!

ألا يجوز أن ندعو لأي مسلم عاص بالرحمة والرضوان وإن كان عاصيًا؟!!

ومعلوم أن الصحابي قد يقع في كبيرة، فالصحابة غير معصومين، وقد ثبت أن أحد الصحابة قتل نفسه كما في صحيح مسلم (978) عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: «أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص، فلم يصل عليه»، وروى مسلم في صحيحه (116) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: هاجر الطفيل بن عمرو الدوسي وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطيًا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لي أراك مغطيًا يديك؟! قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم وليديه فاغفر»، والظاهر أن هذا الصحابي رضي الله عنه هو نفس الصحابي الذي قتل نفسه ولم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا دعا له نبي الرحمة بالمغفرة، فنحن ندعو لكل مسلم بالمغفرة والرحمة وإن كان عاصيًا وإن كان فاسقًا، وإن ارتكب كبيرة ما دام أنه مسلم كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الصحابي، ونقول عنه: رضي الله عنه دعاء لا خبرًا.

وهذه مسألة مهمة جدًّا، فنحن عندما نترضى على المبشرين بالجنة؛ كالخلفاء الراشدين الأربعة وبقية العشرة، وأصحاب بدر والحديبية، هو من باب الإخبار والدعاء، أما عندما نترضى على غيرهم ممن لم يثبت بالنص كونهم من أهل الجنة، فهو من باب الدعاء لا الإخبار، وبهذا يزول كثير من الإشكال.

فليس ترضينا عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، كترضينا عن صحابي قتل نفسه أو ظلم نفسه بالغلول أو الزنا أو شرب الخمر، أو غير ذلك، فترضينا عن الأولين إخبارًا ودعاءً، وترضينا عن الآخرين دعاءً لا إخبارًا.

والله أمرنا أن نستغفر لمن سبقونا بالإيمان، وهذا يدل بوضوح على أنهم غير معصومين، فطوبى لمن أحسن الظن بإخوانه المسلمين، لا سيما إن كان من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ودعا لهم جميعًا بالمغفرة كما أمره الله في كتابه، ولم يجعل في قلبه غلا للذين آمنوا، واجتنب كثيرًا من الظن الذي يجعله يسيء إلى السابقين له بالإيمان بما لا يعلم وقوعه منهم، ولو أُوقف لِيحلف بالله إن ذلك وقع منهم لما تجرأ على الحلف إن كان ذا تقوى؛ لأنه لم ير بعينيه، ولم يسمع ممن حضر القصة مباشرة، فكيف يصيب قوما بجهالة بسبب أخبار باطلة، أو أخبار صحيحة لكن قد زيد فيها ونقص، وما آفة الأخبار إلا رواتها، أو أخبار لا يعلم وجهها ولا يعلم حقيقتها، أو أخبار قد تاب أصحابها، أو أخبار لأصحابها من الحسنات ما يكفر الله بها سيئاتهم؟! ولم لا يدعو المسلم لهم وإن أخطأوا ويترضى عنهم بدلًا من سبهم ولعنهم وسوء الظن بهم؟! حتى وإن عذب الله من يشاء من هذه الأمة ببعض ذنوبهم، فلن يخلدهم الرحمن في النار؛ لأنهم مسلمون موحدون، فلم لا نسأل الله أن يغفر لهم، والله أرحم الراحمين؟!

ألا تعلم يا مسلم أن المؤمنين قد يقتتلون، ويحصل بغي من بعضهم على بعض وما زالوا عند الله مؤمنين، وإن كان بعضهم ظالِمًا باغيًا؟! ألم تسمع قول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 9، 10]، فسماهم جميعًا مؤمنين مع حصول القتال والبغي من بعضهم، وتأمل ما رواه البخاري (2704) عن الحسن البصري قال: استقبل والله الحسنُ بن علي معاويةَ بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها، فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين: أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس؟! من لي بنسائهم؟! من لي بضيعتهم؟! فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كريز، فقال: اذهبا إلى هذا الرجل، فاعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه، فأتياه، فقالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك قال: فمن لي بهذا؟! قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئًا إلا قالا: نحن لك به، فصالحه، فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى ويقول: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»، فتأمل يا أخي قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن بن علي رضي الله عنهما: (لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، فسماهم جميعًا مسلمين، والإمام الحسن رضي الله عنه خير من معاوية، ولم يتنازل عن الخلافة لرجل كافر أو منافق كما يظن الشيعة، وقد كان الحسن معه من الجيوش أمثال الجبال، ومع ذلك تنازل لمعاوية وهو يعتبره مسلمًا، حقنًا لدماء المسلمين، فاجتمعت بحمد الله الكلمة، وكان الصلح خيرًا كما أخبر الله في كتابه، ومن اعتقد أن الحسن تنازل لكافر أو منافق، فقد طعن في الحسن أشد الطعن، وأساء به الظن، وحاشاه أن يترك أمر الأمة لكافر أو منافق، بل استحق بفعله هذا ثناء النبي صلى الله عليه وسلم، وعُدَّ هذا من أعظم مناقبه رضي الله عنه.

وما أحسن الحديث الذي رواه أحمد في مسنده (27410) – وصححه الألباني والأرناؤوط – عن أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رأيت ما تلقى أمتي بعدي، وسفك بعضهم دماء بعض، وسبق ذلك من الله تعالى، كما سبق في الأمم قبلهم، فسألته أن يوليني شفاعة يوم القيامة فيهم، ففعَل).

قال المؤرخ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية (8/ 129): روى البيهقي عن الإمام أحمد أنه قال: الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فقيل له: فمعاوية؟ قال: لم يكن أحد أحق بالخلافة في زمان علي من علي، ورحم الله معاوية، وروى ابن أبي الدنيا عن عمر بن عبدالعزيز، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأبو بكر وعمر جالسان عنده، فسلمت عليه وجلست، فبينما أنا جالس إذ أُتي بعلي ومعاوية، فأُدخلا بيتًا وأُجيف الباب وأنا أنظر، فما كان بأسرع من أن خرج علي وهو يقول: قُضي لي ورب الكعبة، ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول: غفر لي ورب الكعبة، وروى ابن عساكر عن أبي زرعة الرازي أنه قال له رجل: إني أبغض معاوية، فقال له: ولم؟ قال: لأنه قاتل عليًّا، فقال له أبو زرعة: ويحك إن رب معاوية رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فأيش دخولك أنت بينهما؟ رضي الله عنهما، وسئل الإمام أحمد عما جرى بين علي ومعاوية، فقرأ: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 134]، وكذا قال غير واحد من السلف.

هذا وإن بعض عوام الشيعة يظنون أن معاوية روى أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كذب عليه، والله المستعان، وقد سرد العلامة السيد محمد بن إبراهيم الوزير اليماني أحاديث معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم في كتب الحديث الستة المشهورة، وبيَّن صحتها حديثًا حديثًا، وذكر لأحاديثهم المروية في الأحكام شواهد مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريقهم، وهي بضعة وثلاثون حديثًا رواها معاوية، وشاركه في روايتها غيره من الصحابة، وليس فيها أي حديث منكر في الشرع، قال ابن الوزير بعد سردها حديثًا حديثًا، مبينًا مَن رواها من الصحابة: هذه عامة أحاديث معاوية، وهي موافقة لمذهب الشيعة والفقهاء، قال: ولم يرو معاوية شيئا قط في ذم علي بن أبي طالب، ولا في فضائل عثمان، ولا تفرَّد برواية ما يخالف الإسلام، ثم سرد أحاديث عمرو بن العاص، وهي عشرة أحاديث فقط، ثم سرد أحاديث المغيرة بن شعبة، وهي أربعة وعشرون حديثًا، وبيَّن رواية من رواها من الصحابة غيرهم، وأثبت صحة أحاديثهم على وجه لا شبهة فيه؛ ينظر: الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وآله وسلم لابن الوزير الحسني العلوي الهاشمي ج٢ص ٥٢٣- ٥٦٩.

واعلم أخي الكريم أن رواة الحديث كانوا يروون الأحاديث النبوية عن كل صحابي وعن كل تابعي، وعن كل أتباع التابعين وتابعيهم، وقد روى أهل الحديث رحمهم الله أحاديث كثيرة جدًّا عن علي بن أبي طالب وعن الحسن والحسين وعلي بن الحسين، ومحمد الباقر وجعفر الصادق، وزيد بن علي وغيرهم من أهل البيت رضي الله عنهم، فأهل الحديث كتبوا عن علماء أهل البيت كل ما وصل إليهم من أحاديثهم، ولم يفرطوا في شيء منها، ولو نظرت في مسند الإمام أحمد بن حنبل، فستجد أنه روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أكثر مما روى عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعًا، فقد روى أحمد في مسنده عن علي بن أبي طالب 818 حديثًا، من الحديث رقم 562 إلى الحديث رقم 1380.

فأهل السنة أحق بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه من الشيعة، وعلماء أهل الحديث أعلم من الشيعة باﻷحاديث النبوية التي رواها علي رضي الله عنه، وأعلم بأقوال علي وفقهه وأخباره.

ويزعم بعض الشيعة أن أهل الحديث جاملوا بني أمية فرووا أحاديث ترضيهم، وأعرضوا عن رواية الأحاديث التي لا ترضيهم، وهذه دعوى باطلة لا دليل لهم عليها، ولا شك أن دين الله محفوظ، وأي حديث نبوي يحتاجه المسلمون في معرفة دينهم فهو محفوظ بحفظ الله لدينه، ومما يدل على بطلان دعوى مجاملة أهل الحديث لبني أمية أن دولة بني أمية انتهت سريعًا سنة 132 هجرية، وفي هذا التاريخ كان لا يزال بعض التابعين الذين رأوا الصحابة ورووا بعض الأحاديث عن الصحابة مباشرة أحياءً، مثل هشام بن عروة بن الزبير، ويزيد بن أبي عبيد المدني، وحُميد الطويل البصري، وسليمان بن طرخان التيمي، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعاصم بن سليمان الأحول، وأبي حازم سلمة بن دينار، وعيسى بن طَهْمَانَ، وإسماعيل بن أبي خالد وربيعة بن أبى عبدالرحمن المدني، وزيد بن أسلم والربيع بن أنس، وأبي إسحاق الشيباني وقاضي الكوفة عبد الله بن شبرمة الضبي، ونافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي عم الإمام مالك، وأبي عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة وغيرهم، فهؤلاء التابعون طالت أعمارهم حتى عاشوا في عهد الدولة العباسية، وقد عاش أيضًا في عهد الدولة العباسية بعض أحفاد الصحابة رضي الله عنهم، بل وبعض أبناء الصحابة؛ مثل التابعي الجليل سعد بن طارق بن أَشْيَم الأشجعي المتوفى سنة 140 هجرية، وكانت الأحاديث النبوية يرويها العلماء بالأسانيد من قبل ذهاب دولة بني أمية، ومن بعد ذهاب دولتهم، يروونها لطلاب العلم في مساجدهم وفي بيوتهم، ولم يمنعهم من روايتها أحد من الملوك والأمراء، لا في عهد الدولة الأموية، ولا في عهد الدولة العباسية.

ومما يدل دلالة قاطعة على أن أهل الحديث لم يجاملوا بني أمية أنهم رووا أحاديث كثيرة فيها ذم لبني أمية، ورووا أحاديث كثيرة في فضائل أهل بيت النبوة، فمن الأحاديث التي رواها أهل الحديث وفيها ذم لبني أمية:

  • روى أبو يعلى الموصلي (6523) بإسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين، كان دين الله دَخَلًا، ومال الله دُوَلًا، وعباد الله خُوَلًا))، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (744)، وقد رواه أحمد بن حنبل في مسنده (11758) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وبنو أبي العاص هم بنو أمية مثل: مروان بن الحكم بن أبي العاص، وعبدالملك بن مروان وأولاده الذين كانوا ملوكًا، فلو جامل أهل الحديث بني أمية، لجاملوهم في ترك رواية هذا الحديث.
  • روى ابن أبي شيبة في المصنف (35877) بإسناده عن أبي العالية عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أول من يُبدِّل سنتي رجل من بني أمية))، والحديث حسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (1749)، قال الألباني: “ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة، وجعله وراثة، والله أعلم”؛ ينظر: ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (4/ 330). واعلم أن راوي هذا الحديث عن أبي ذر هو التابعي الجليل أبو العالية الرياحي، المتوفى سنة 90 هجرية، فقد روى للناس هذا الحديث ودولة بني أمية في عز قوتها، ولم يمنعه أحد من رواية هذا الحديث.
  • روى مسلم في صحيحه (2545) من طريق الأسود بن شيبان عن أبي نوفل البكري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنها قالت للحجاج بن يوسف الثقفي في وجهه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا «أن في ثقيف كذابًا ومُبِيرًا»، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير، فلا إخالك إلا إياه، قال شراح الحديث: الكذاب هو المختار بن أبي عُبَيد الثقفي الذي ادعى النبوة، والمبير معناه: المهلك، وهو الحجاج الثقفي الذي كان من أشهر أمراء بني أمية وولاتهم الظلمة، وقد روى هذا الحديث الأسود بن شيبان وهو ممن عاصر الدولتين الأموية والعباسية، ورواه شيخه أبو نوفل وهو ممن مات في عهد الدولة الأموية، وحدَّثت به أسماء الحجاج في وجهه، ولم يمنعهم أحد من روايته، فعجبًا ممن يظن أن أهل الحديث أخفوا شيئًا من الحديث مجاملة لبني أمية!
    • وقد روى ابن عساكر في كتابه الكبير تاريخ دمشق (55/ 370، 371) في ترجمة التابعي المشهور محمد بن شهاب الزهري أنه دخل على الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك فقال له: يا ابن شهاب، من الذي تولَّى كبره منهم؟ فقال له: عبدالله بن أُبي، فقال له هشام: كذبت، هو علي بن أبي طالب، فقال له الزهري: أنا أكذب لا أبا لك! فوالله لو ناداني مناد من السماء إن الله أحل الكذب ما كذبت! حدثني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعبيدالله بن عبدالله وعلقمة بن وقاص كلهم عن عائشة أن الذي تولَّى كبره منهم: عبد الله بن أُبي.

فيا أخي المسلم، احذر من الذين يريدون أن يوغروا صدرك على الصحابة رضي الله عنهم، واعلم أن الصحابة بشر غير معصومين، فهل ستكون من أهل هذه الآية الكريمة العاملين بها: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10] ؟!

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

المصدر
شبكة الألوكة
زر الذهاب إلى الأعلى