الأديان والفرق والمذاهبالإلحاد

رصاصة دارون على الإنسانية| إياد قنيبي

رحلة اليقين 7(1 من 2)

الملحِدون حين أنكروا الله، لَجأ مُعظَمُهم، إلى ما يُعرف بنظرية التطّور لـ( داروين) كتفسيرٍ لوجود الإنسان، وسنُناقش هذه النظرية نقاشًا علميًا في الموضِع المناسب بإذن الله، وإنّما يَعنينا هنا الإشارة إلى بعضِ النتائج الأخلاقية (للتطّور الدارويني) لِنرى هذا الذي تبنَّى التطّور كبديلٍ عن وجود الله: هل زوَّده هذا البديل بأيّ أساسٍ للأخلاق؟ أَمْ على العكس تمامًا؟

(التطوُّر الدارويني) يقوم على أنَّ الكائنات جاءت عَبْر تطوُّر خليةٍ أولية، بطَفراتٍ عشوائيِّة وانتخاب طبيعي.

الانتخاب الطبيعي يعني: أنَّ البقاء في هذه الطبيعة هو للكائن الأصلح في قدرته على التكيُّف مع الطبيعة. و البقاء للأصلح يعني: الصراع مع الكائنات الأخرى الأحطّ في السُّلَّم التَّطوُّري فالصراع هو قانون الطبيعة حَسْب داروين، نَشَرَ ذلك في كتابه (أصل الأنواع)، ثُمَّ في كتابه “The Descent of Man” (أصل الإنسان).

سحب داروين نظريته على الإنسان، واعتبر أنّه تطوَّرَ من أصلٍ شبيهٍ بالقرود، وحين يتكلَّم داروين عن الإنسان الأرقى تطوُّريًا، فإنَّما هو يعني (الأوروبيّ الأبيض) أمّا باقي الأجناس فهم عند داروين في مرحلةٍ وسطى بين القرود والغوريلّا وسلفِهم، وبين الإنسان، أي: لم يكتمل تطوُّرهم بعد.

كيف؟ يقول تشارلز داروين في كتابه (أصل الإنسان) في الفصل السادس: “في فترةٍ مستقبليةٍ ما ليست ببعيدة -إذا ما قِيست بالقرون- ستَقوم الأجناس المتحضِّرة من الإنسان، وبشكل شِبه مُؤَكَّد بإبادة واستبدال الأجناس الهَمَجيِّة عَبْر العالَم” أَطلق داروين -بأفكاره هذه- الرصاصة على إنسانيّة الإنسان واستند عليها الأوروبيّون للقيام بإباداتٍ جماعية وحملات تطهيرٍ عِرقي، خاصَّةً ضد الإفريقيِّين وسُكَّان الأمريكتين وأستراليا الأصليين فهؤلاء أقرب للحيوانات في نظر الداروينيِّين.

صحيحٌ أنَّ كثيرًا من المُمارسات الإجرامية كانت تَتِمّ قبل انتشار فكرة التطوّر الدارويني، لكنَّ هذه الفكرة أراحت ضمائر المجرمين، فقد أصبح لِجَرائمهم مبرِّرٌ علميّ، فاسْتَمرّوا في أفعالهم، بل وتَصاعدت وتيرتُها.

مَلَفّ الإجرام الذي مُورِسَ كبيرٌ جدًا لا يتَّسِع له المقام، لكنْ إشاراتٌ سريعة تُقَرِّب لك الصورة: وشمِلت الحملات سرقة أعدادٍ كبيرة من الأطفال الأستراليّين الأصليّين، وتم إرسال أعدادٍ كبيرةٍ منهم إلى متاحف التاريخ الطبيعي في أمريكا وبريطانيا لتحديد ما إذا كانوا يُشَكِّلون الحلقة المفقودة في طريق تطوّر الحيوان إلى إنسان، وقد اعتذر رئيس وزراء أستراليا كيفن رود “Kevin Rudd” للأجيال المسروقة -قبل 9 سنوات فقط- في 13 فبراير 2008، وانتشر الخبر بعنوان: “الاعتذار الرسمي من كيفن رود للأجيال المسروقة” أبدًا، بل لا زالوا يَتَبنَّون الداروينيّة، ولا زالت عقيدتها في نفوسهم، وبدافع الداروينيّة أيضًا أقنع البِيض بعض القبائل الإفريقية أنّها أرقى تطوُّريًا من قبائل أخرى، لِاختلاف طول الأنف أو ارتفاع القامة إلى آخره، وكان ذلك أحد الدوافع لحروب إبادةٍ بين هذه القبائل التي كانت تعيش بسلام، كما في مأساة رواندا “Rwanda” بين التوتسي والهوتو”Tutsi and Hutu” بل لم يَسلم الداروينيّون من شرّ أنفسهم وبِاسم الداروينيّة أيضًا، فبعضهم رأى نفسه أرقى من البعض الآخر تطوُّريًا، فبعد أربعين عامًا من كتاب داروين (أصل الإنسان)، قامت الحرب العالميّة الأولى.

ما علاقة الحرب العالميّة الأولى؟ أليس سببُها -حسبما تعلّمناه في المدارس- هو اغتيال ولي عهد النمسا وزوجتِهِ مِنْ قِبَل طالب صربيّ؟ هذه كانت مُجرَّد شرارة، لا تُفسِّرُ اشتعال أوروبا كلِّها خلال أيام لتنخرط، في هذه الحرب، إنّما كانت هناك عوامل شحنت النفوس للحرب، أسباب دينية، سياسية. ومن أهمّ الأسباب: انتشار الداروينيّة الاجتماعية التي هَيّأت كثيرًا من الأوروبيّين المؤمنين بها لدخول الحرب، والتصرُّف فيها كحيوانات برِّيَّة، فالصراع وسفك الدماء هو قانون الطبيعة عندهم، وقد ذكر هذا الدور الداروينيّ في الحرب، كثيرٌ من الكُتَّاب: كالكاتب البريطاني جيمس جول”James Joule” في كتابه (منابِع الحرب العالميّة الأولى)، وكذلك ريتشارد هفستاتر “Richard Hofstadter” في كتابه: (الداروينيّة الاجتماعيّة في الفكر الأمريكي) والذي أُلِّف أثناء الحرب العالمية الثانية. بل وأنتج الفكر الدارويني كبار السفاحيّن، كهتلر “Hitler” الذي أسَّس النازيّة على تَمَيُّز العرق الآريّ الألمانيّ، كما في كتاب: (الداروينيّة وهولوكوست العِرقيّة النازيّة) وستالين “Stalin”، كما في كتاب (علامات في حياة ستالين) ليرسلافسكي “Yaroslavsky” والذي جاء فيه: “في سنٍّ مبكِّرةٍ جدًا -وبينما كان لازال تلميذًا في المدرسة الكَنَسِيَّة- نضج لدى الرفيق ستالين العقل النَّقدي والمشاعر الثَّورية، حيث بدأ القراءة لداروين وأصبح ملحدًا” وقبل عامين نشرت السي إن إن “CNN” الأمريكية تقريرًا بعنوان : “الحرب مظهرٌ من مظاهر الداروينيّة الاجتماعية” خَلُص الى العبارة التالية: “عندما تَلعب الداروينيّة الاجتماعية في غابة السياسات الدوليّة، فإنّ الحروب تبدو حَتميّ.

زر الذهاب إلى الأعلى