أديان وفرق ومذاهبالإلحاد

رحلة الفشل في محاولة إيجاد دليل على نظرية التطور| إياد قنيبي

رحلة اليقين الحلقة23

في سبيل الخرافة ( رحلة الفشل في محاولة إيجاد دليل على نظرية التطور)

في الحلقتين الماضيتين، رأينا كيف أسَّس داروين عناصر خُرافته على شفا جرُفٍ هارٍ، وبنى عليها أنصارهُ من بعده؛ فَانْهار بهم في مزيدٍ من مصادمة العقل والعلم، فالمسألة ليست أخطاءً صُحِّحت وثغراتٍ سُدَّت، بل خروقٌ وُسِّعت، و(عنزةٌ ولو طارت)، وما زادتِ التَّعديلاتُ النَّظريَّةَ إلَّا خُرافيَّةً ومصادمةً للاكتشافات. يقولون لك: لكنْ، هذه النَّظريَّة عليها أدلَّةٌ، وقد جاء مَنْ بعد داروين ليحشدوا المزيد مِن الأدلَّة تعالوا نرَ مجموعات (الأدلَّة المزعومة)!

الأحافير

حسب داروين، فإنَّ الكائنات الحيَّة تطوَّرت من أصلٍ مشتَرَكٍ -أو أصولٍ قليلةٍ- بتدرُّجٍ بطيءٍ، ومن ثم يُفترَض أن نرى ذلك التَّدرُّج على أرض الواقع، لكنَّنا نجد بينها -في الحقيقة- تمايزًا كبيرًا، وفجَواتٍ هائلةً، وحدودًا عازِلةً، فأين الكائنات الانتقاليَّة بين الزَّواحف والطُّيور مثلًا؟ لا وجود لها على أرض الواقع. أَقرَّ (داروين) بأنَّ هذا يناقض خيالاته، فعوَّض عن ذلك بتخيُّل أنَّ هذا التَّدرُّج والكائنات الانتقاليَّة كانت موجودةً في الماضي، ومن ثم يجب أنَّ نجد أحافيرها وأجسامها المتحجِّرة تحت الأرض.

ثانيًا: وجد (داروين) أنَّ الكائنات الانتقاليَّة ليست (لا حصر لها) كما تُحتِّم خُرافته؛ بل لا وجود لها، ومن ثم فكلُّ الأدلِّة كانت ضدَّ افتراضات (داروين) هل جَهل (داروين) ذلك؟ لَمْ يجهله ولعلَّ البعض يظنُّ أنَّ هذه الاكتشافات جاءت بعد (داروين)، والحقُّ أنَّها مِن أيَّامه وقد تكلَّم باستفاضةٍ عن كائنات (العهد الكامبري)، وتساءل أيضًا عن غياب الكائنات الانتقاليِّة قائلًا: “بما أنَّه -حَسْبَ هذه النَّظريَّة- فإنَّه لا بدَّ أن تكون قد وُجِدت في الماضي أشكالٌ لا حصر لها مِن الكائنات الانتقاليَّة، فلماذا لا نجدها مدفونةً بأعدادٍ لا حصر لها في طبقات الأرض؟” ممتازٌ، إذن، استيقظتَ مِن أحلامك يا (داروين)؟ لا، بل لا بدَّ للخرافة أنْ تستمرَّ بدل أن يُعنوِنَ (داروين) اعترافاته هذه بعنوان: (السجلُّ الأحفوريُّ يخيِّب أحلامي كما خيَّبها ما فوق الأرض) عَنْوَنها في كتابه بعنوان: (عدمُ اكتمالِ السِّجلِّ الأحفوريِّ).

عام (1922) وجد عُشَّاق الُخرافة ضِرسًا في (نبراسكا) في الولايات المتّحدة نعم، ضرسٌ فاعْتَبروه دليلًا مهمًّا على التَّطوُّر ورسموا عليه شِبه إنسانٍ قالوا أنّه عاش قبل (6) ملايين سنةٍ وأعطوه اسمًا علميًّا ونشرت مجلّة سَيَنْسْ “Science” -المعروفة- مقالًا علميًّا مُحكَّمًا عن هذا الاكتشاف العظيم، لكن بعد (5) سنواتٍ تبيَّن أنَّ هذا السَّنّ هو سنُّ خنزيرٍ وعادت مجلّة “سَيَنْسْ” نفسُها فنشرت نفيًا لما جاء في مقالها السّابق.

ثمّ عام (1979) عثر عُشَّاق الخرافة على عظمةٍ قالوا: وجدنا الدّليل، إنّها ترقوة شِبه إنسانٍ عاش في الزّمان البعيد ثمّ تبيّن أنّها جزءٌ من ضلع دولفين كما نشرت مجلة نيو سَيَنْتست “New Scientist” بعد (4) سنواتٍ.

ثمّ عام (1984) وجد ثلاثةٌ مِن العلماء -عُشَّاق الخرافة- جزءًا مِن جمجمة طاروا بها فرحًا، ها هو الدليل أخيرًا، رسموا على هذا الجزء من الجمجمة شِبه إنسانٍ قالوا أنَّه مات وهو في (17) من عمره وقدّروا أنَّه عاش قبل (900) ألفٍ إلى (1.6) مليون سنةٍ، وسَمَوهُ إنسان أورس (Orce Man)، وحدّدوا له مكانًا في سُلَّم التَّطوّرِ المزعوم، وسُمِّيَ هذا الاكتشاف (اكتشاف القرن)، وأُقيم له مؤتمرٌ صحفيٌّ حضره كبار الشّخصيّات، وعمّت الأفراح والّليالي المِلاح، لكنَّها فرحةٌ ما تمَّت؛ تبيَّن بعد ذلك أنها جمجمةُ حمارٍ صغيرٍ، وأصبح هؤلاء سخريةً للمجلّات السّاخرة.

وهكذا يسير عُشَّاق الخرافة في السّهول وفي الجبال والمزابِل والمقابر يبحثون عن أصولهم في كلِّ شيءٍ تَطؤُهُ أقدامهم؛ في أضراس الخنازير، وأضلاع الدّلافين، وجماجم الحمير كمفلسٍ ملتاثٍ يحسب البَصْقةَ قِرْشًا كلُّ هذا في سبيل الخُرافة.

بصمات الصُّدفة

في أعضاءٍ لا فائدة منها كان داروين في كتابه (تحدّر الإنسان)، الّذي نشره بعد (أصلِ الأنواع)، قد ذكر أمثلةً عديدةً على أعضاء ضامرةٍ غير مفيدةٍ في جسم الإنسان كدليلٍ على التّطوُّر وسمّاها (الأعضاء الأثريَّة)، مَنْطِقُهُ في ذلك: أنَّ هذا الإنسان ما دام قد جاء بمجموع الصُّدف، فإنّ الصُّدف ستكون قد تركت بَصْمَتَها في منتجاتها: بقايا تطوّريّةً، وآثارًا مِن الأسلاف والجدود الحيوانيّة، الّتي لم يَعُد لها وظيفةٌ في جسد الإنسان، وكأنّ (داروين) قد فتح بذلك بابًا فأسرع أنصارهُ يتدافعون فيه يُنقّبون جسم الإنسان ويمحِّصُونه جزءًا جزءًا بحثًا عن أخطاء!

التشابهات في الشكل الخارجي والتشابهات التشريحية

الدّليل [الثالث] -والّذي اعتمد عليه داروين كثيرًا: وجود بعض التّشابهات الشَّكليَّة في الشّكل الخارجيّ، والتّشابهات التشريحيّة بين بعض الكائنات الحيّة اعتبار الشَّبَه دليلًا على وَحْدة الأصل ليس مقدّمةً علميّةً، ولا منطقيّةً ويكفي في إبطال دلالته ظاهرة التَّشابهات الشّديدة بين الحيوانات (المشيميّة) وشبيهاتها (الجِرابيّة).

التّشابه الجنينيُّ

زر الذهاب إلى الأعلى