أديان وفرق ومذاهبالأديان والفرق والمذاهبالمسيحيةالمقالاتمكتبة الموقع

د. زينب عبد العزيز تكتب: إلي شيخ الأزهر: البابا وجائحة «كلنا أخوة»

في الثالث من أكتوبر 2020 قام البابا فرانسيس بالتوقيع على خطابه الرسولي الثالث، وذلك في قبر القديس فرانسيس الأسيزي (الصورة بعاليه) والذي اتخذ اسمه تيمنا بمذهبه “التنصير بالمحبة وبلا عنف”.. والخطاب بعنوان “كلنا أخوة”، وتم نشره رسميا في اليوم التالي بثمانية لغات. واتخاذ البابا اسم ذلك القديس رمزا له يضعه منذ أولي خطواته الكنسية على مسرح السياسة والتنصير بلا جدال.

يقع الخطاب في 90 صفحة، ويتكون من بضعة نقاط تمهيدية تليها ثمانية فصول، وينتهي بصلاتين: إحداهما للرب، والأخرى من أجل توحيد كافة المسيحيين. والخطاب عبارة عن برنامج سياسي اجتماعي ديني لفرض كاثوليكية روما، إذ أنه ايضا بما يشبه التحدي للمسيحيين والكاثوليك الذين يرفضون دعواه، وذلك في إطار عام تحت مسمي “ثقافة اللقاء”، الذي يسعي لجعله معيارا للعلاقات السياسية والوطنية والدولية. ويعتمد في ذلك على ما استوحاه ـ على حد قوله ـ من لقائه بالإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، الذي يستشهد به وبوثيقة “الأخوة الإنسانية” ونقل عدة أجزاء منها في هذا الخطاب الرسولي. وهو ما يُعد موقفا لا سابقة له في الكنيسة الكاثوليكية..

وفي واقع الأمر لم أجد مسمي لهذا الخطاب الألعوباني أدق من كلمة “جائحة”، فالخطاب مستوحى أساسا من جائحة كورونا وكل ما واكبها من أحداث وتناقضات، خاصة الهدف من إطلاقها على الصعيد العالمي، وقد بات الأمر معروفا، وكذلك كل ما سوف ينجم عنها وعنه.. و”عنه” هنا تقع على ذلك الخطاب الداهية المستوحى منها والهادف الي تنفيذ النظام العالمي الجديد في المجال الديني وفقا لما كان محددا من قبل. ويوضح البابا انه اتخذ من جائحة كورونا حجة يتغنى بها، على أنها كشفت للعالم عدم قدرته على التصدي لها وأنه لا بد من إعادة النظر في سياسة العالم وتوحيد قيادته. فلا يمكن حل كل المشكلات بنظام حرية السوق أو إقامة مجرد سياسة صحية عادلة.

ويقال رسميا إن البابا مجرد قائد ديني، وهو غير صحيح، فلو ألقينا نظرة خاطفة على تاريخ البابوات لرأينا عكس ذلك تماما. وإن تأملنا بابوات ما بعد المجمع الفاتيكاني الثاني (1965)، لرأينا ان الثلاثة المتتاليين قاموا بتنفيذ قرارات ذلك المجمع الأخير بحزافيرها. فالبابا يوحنا بولس الثاني قام بنسف النظام الشيوعي، وهو أحد أهم قرارات المجمع الفاتيكاني. والبابا بنديكت السادس عشر أول من سب الإسلام رسميا وعلنا في المحاضرة التي ألقاها في جامعة راتسبون سنة 2006، لوصم الإسلام رسميا. وتوابعها معروفة. أما البابا الحالي فيتبع خطي من يحمل اسمه، فرانسيس الأسيزي، أول من رافق إحدى الحملات الصليبية في القرن الثاني عشر ليلتقي بالسلطان مالك الكامل ومحاولة تنصيره بالمحبة والإقناع.. وبهذا الخطاب تحديدا فإن البابا فرانسيس يواصل تنفيذ قرار المجمع باقتلاع الإسلام وتنصير العالم بلا مصادمات وإنما بالمحبة والتودد..

وأول ما أبدأ بالإشارة اليه هنا ان معظم هذه المحاور الواردة في هذا الخطاب فقد سبق للبابا فرانسيس تناولها في أحاديثه أو لقاءاته، إلا أنه هنا يفرضها على أنها الحل الذي لا رجعة فيه. فالخطاب بكله قد استوحي الخطوط العريضة من “النضج الإنساني، المستوحى من التجربة المسيحية ومن المبادئ الراسخة للعقيدة الاجتماعية للكنيسة”. لذلك يطالب البابا بسرعة إقامة خطة حقيقية سياسية عالمية. وأنه لا بد وأن يمتد الحوار بين الأديان وبين العلوم ذاتها وبين مختلف الحركات المتعلقة بالبيئة مؤكدا على أهمية الحوار في تطبيق كل ذلك. ولم يفت البابا ان يوجه الفصل السادس للمسيحيين وتوضيح أنه عليهم ان يعيشوا رسالتهم كحماة لعمل الرب فهو الجزء الأساسي لحياة صالحة. وذلك التزاما بقرار فرض مشاركة كل المسيحيين في عملية التنصير..

والخطاب بكله معني بالبيئة شكلا ويطالب بالحوار من أجل بيتنا المشترك، بيت العالة الإبراهيمية، بعد أن يكون قد محي كل ما يمت الي الإسلام والتوحيد بالله، بما أنه طوال الخطاب يؤكد على ان الرب الوحيد الأوحد في العالم هو يسوع المسيح. لذلك يطالب بسرعة إقامة سلطة حقيقية سياسية عالمية وفقا لمنهجه. كما تغني بمختلف مكونات المسيحية من مناولة وافخارستيا وطقوس دينية بصورة شاعرية، خاصة حول يوم الأحد وأهمية يوم الأحد، “لأن الروحية المسيحية تدمج قيمة الراحة، وراحة الرب، بفرحة العيد”..

والوثيقة تشير 26 مرة الي ضرورة وأهمية الحوار. فهو يطالب بتغيير حقيقي شخصي ومحلي ودولي.. تغيير بمعني الكلمة لتنفيذ مخططه، لكن: هل سيمكنه هو تنفيذ ذلك قانونا في نفس كيان كنيسته الذي بات كالنسيج المهلهل من كثرة ما ألم به من ادانات في مجال الشذوذ والتلاعب وتهريب الأموال واختلاسات بعض كبار القادة لذلك الكيان، وتهم التعامل مع المافيا وتجارة الأعضاء وكل ما تحمله وتتناقله الصحف والكتب بمختلف التفاصيل؟
أما أهم النقاط التي يطالب بها فهي: إصلاح منظمة هيئة الأمم؛ إلغاء عقوبة الإعدام في العالم؛ قبول المهاجرين أيا كانوا؛ إلغاء كل أشكال العبودية وخاصة تجارة الأعضاء؛ إلغاء الأسلحة الذرية والنووية؛ العمل على إلغاء الديانات التي تحث على العنف، التركيز على “عبادة الرب وحب القريب بحيث لا تؤدي بعض ملامح العقائد الي تغذية العنف وإنكار حقوق الأخر”؛ توحيد الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما. وخاصة التأكيد علي حب القريب أيا كانت عقيدته قائلا: “نحن، المسيحيون، نطالب بالحرية في البلدان التي نمثل فيها الأقلية، مثلما نحبذها لمن ليسوا مسيحيون حيث يكونون أقلية. فهناك حق أساسي لا يجب أن يتم نسيانه ونحن على طريق الأخوة والسلام. أنها الحرية الدينية لمؤمنو كل الأديان” (بند 279). بل أنه يطالب بإلغاء كلمة “الأقلية”.

ومن اللافت للنظر قدرته في التشكل والتلوّن، فنراه في البند رقم 240، يورد جملة (متي 10: 34ـ36) التي يقول فيها السيد المسيح: «لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا. فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها والكنّة ضد حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته». وهي عبارة جد شهيرة من كثرة ما هريت بحثا ونقدا وانتقادا على قسوتها وتناقضها مع فكرة ذلك الإنسان المسالم وكل ما يحمله من محبة. فيغطيها البابا بعبارة «علينا أن نفهمها في سياق وقتها»! وكأن المعني قد تغيّر مع الزمن. واللافت للنظر هو انكشاف موقف البابا رغم كل التورية والتحايل في لي العبارة، فقد قام بالتأكيد على دور الصهاينة وأنه «لا يجب نسيان المحرقة» (بند 247) ويكرر عبارة صلاة «امنحنا قوة الخجل مما استطعنا عمله كبشر وأن نخجل».. كما اعتذر عن هيروشيما ونجازاكي وكل ما قام به الغرب من اضطهاد وتجارة بشر وقتل عرقي.. ثم شرح معني الكاثوليكية وأنها تعني فهم الكنيسة لجمال الدعوة للحب العالمي!! أما المسلمين فقد أشار إليهم في ديباجة البداية في النقطة الثالثة وهو يتحدث عن القديس فرانسيس الأسيزي الذي توجه لتنصير المالك الكامل بهويته كمسيحي ضاربا المثل لأتباعه «حتى وإن كان السلطان ضمن السرازين وغيرهم من الكفرة». وكلمة سرازين Sarrasins بالفرنسية تعني «القتلة»، وهي عبارة تم إطلاقها على المسلمين منذ الفتوحات الإسلامية وخاصة أيام فتح إسبانيا. ونطالع في أحد أكبر قواميس اللغة الفرنسية Trésors de la langue Française, 16 vol. أنها تعني «اسم الشعوب المسلمة في الشرق الأوسط». وما يؤكد أن البابا فرانسيس يعني ويقصد متعمدا اختيار هذا المسمى للإسلام والمسلمين أنه سبق واستخدمه في وثائق «الأخوة الإنسانية» وفي خطاب القداس الذي أقامه في الإمارات.. لكن المترجم ينقلها «مسلمين» وليس «قتله».. ونفس التلاعب تم في ترجمة لفظ الجلالة بكلمة God أو Dieu وليس Allah.. وليراجع من يشاء، فقد بات الفاتيكان يستخدم لفظ الجلالة ألله حين يترجم هذه النصوص ليقع المسلمون في استدراج أو فضيحة أو حتى كفر أننا نعبد نفس الإله. ليتنا نفيق ونفهم موقعنا في خضم الأحداث الجارية، وندرك ما يخططه لنا الغرب الصليبي المتعصب، خاصة وأنه ليس سرا وإنما هي قرارات معلنة مطبوعة ومترجمة منذ سنة 1965.. ليتنا نفيق ونفهم قبل أن تتوالى الأحداث بترتيبات البابا القادمة والمبنية على هذه الوثيقة الشديدة الوضوح، إضافة إلى ما سبقها وما سوف يتبعها في الأيام القليلة القادمة.

د. زينب عبد العزيز 6 أكتوبر 2020

زر الذهاب إلى الأعلى