في هذه الحلقة نرى أسلوباً آخر من أساليب مروجي الخرافات: أسلوب “الخَنْفَشة”: الإحالة على المجهول !
- في الحلقة معلومات عن حفرية آردي (Ardi) التي اعتبرها مروجو الخرافة (أهم اكتشافات القرن فيما يتعلق بتطور الإنسان)
ادَّعى داروين أنّ نَظَريّته تَتطلَّب ظُهورَأنواعِ الكائنات بِشكلٍ تدريجيٍّ بطيءٍ جدًّا، وأنْ تَكُون طبقاتُ الأرض مليئةً بعددٍ لا حَصْرَ له من الكائنات الانتقالية.
وأنا أقولُ: (ادّعى) لأنّنا بيَّنّا؛ بالتَّفصيل في حَلَقة (من سَرَق المَليُون) أَنَّ عِبَارة (لا حَصْر لها) قاصرةٌ عن وصْف العَدَد الخَيَاليّ الفَلَكيّ الّذي سيَنتُجُ دُوْن أن يَتَحوّل كائنٌ إلى كائنٍ آخر.
على كلٍّ فَلْنَفترِض أنّه يُمْكن -بعددٍ لا حَصْر له من الكائناتِ الانتقاليّة- أنْ تَتَحقّقَ خيالاتُ داروين، هذا يعني أنّ الكائنات سَتَظهر في طبقات الأرض بتدرّجٍ وليس بشكلٍ فُجائيٍّ؛ لأنّ ظُهورها بشكل فُجائيّ يعني أنَّها لَمْ تَتَطوَّر عن شيءٍ قَبْلها.
لذلك قال داروين في الفَصْل العاشر مِنْ كتابه (أصلُ الأنواع): “إذا ظَهرَت بالفعل أنواعٌ كثيرةٌ من الكائنات للحياة في وقْتٍ واحدٍ فإنَّ هذا سيكون قاتلًا لنَظَريَّة التطوُّر بالانتقاء الطبيعيّ”.
بتَعبِيره: Would be fetal to the theory of” evolution through natural selection”. حسنا يا داروين، أنت تَعْلم -مِن أيّامِك- أنَّ أنواعًا كثيرةً ظهرت فجأةً، بَدءًا مِن طَبَقات (العَهْد الكَامْبِري)، وتَعْلمُ أنَّ هذه الظّاهرة تَكرَّرت في طَبَقات أخرى حيثُ نرى أنواعًا عديدة تَظْهرُ فجأةً في نفسِ الطَّبقة غيْرَ مسبوقةٍ بكائناتٍ وسيطة -على حدِّ تعبيرِك-.
أَقرَّ داروين أنَّ هذه الصُّعوبة تُواجهُ نَظَريَّته، بَدَل أن يُقِرَّ بأنَّها حقيقةٌ تَهدِم خُرافَته، وذَكَر أنّ بَعْض أَقْرانه اعتَرَض عليه بهذه الحقيقة. تُرى هل أَقَرَّ داروين من قَبِيل الموضوعيَّة والنَّزاهة كما يَظُنّ البعض؟
أين الكائنات الانتقاليّة التي (لا حَصْر لها)، والتي تَسبِق ظهورَ أنواعٍ كثيرة من الكائنات دَفعةً واحدة في طبقةٍ من الطبقات؟
يُجيبك داروين: “نحن نَجْهل طبقات الأرض فيما وراء حدود أمريكا وأوروبا”؛ يعني، رُبَّما توجد الكائنات الانتقاليّة التي لا حصْر لها -حسْب داروين والتي تعجُّ بها طبقات الأرض- هناك في أطراف جبال اليمن، والصين، وموزمبيق، وهونولولو، والواقواق.
يقول لك داروين: “نَحْن ننسى كم العالم فسيح، فقد يكون الذي حصل تاريخيًّا هو أن الكائنات تطوّرت تدريجيًّا”else where” في مكانٍ ما، وبالصُدْفة -بطريقةٍ ما- انتقلت نُسَخٌ من بعض الكائنات إلى أرض أمريكا وأوروبا”.
ومؤكَّدٌ -إخواني- حتّى يُضبَط هذا التصوُّر (السيناريو) علينا أن نفترض أنّ هذه الكائنات -لسببٍ ما- لَمْ تُتَابع عمليّة التطوُّر في أرض أمريكا وأوروبا، بل استمرَّ التطوُّر خارج أمريكا وأوروبا، وكُلَّ فترةٍ تنتقل نُسَخٌ من كائناتٍ أخرى -بطريقة ما- إلى أمريكا وأوروبا ولا تَتَطوَّر، وبالتالي فطبقات الأرض في مكان ما خارج أمريكا وأوروبا يجب أن تَعُجَّ بالكائنات الانتقاليّة.
بِمِثل هذا التصوُّر (السيناريو) الواهي جدًّا تَفْهم قول داروين في خِتام مُنَاقشته: “أنَّنا لا نمتلك إلاّ ما يُشبه المجلَّد الأخير لتاريخ السِجلّ الأُحْفوريّ محدودًا بِبلدين أو ثلاثة، ومن هذا المجلّد لم يُحفظ إلاّ فصلٌ واحدٌ، ومن هذا الفصل لم تُحفَظ إلاّ سطورٌ قليلةٌ من بعض صفحاته”.
حسنًا يا داروين، إذا قبِلنا تفسيرك هذا للطبقات العليا، فما ردُّك على طبقاتِ (العهْد الكامبري) السَحِيقة العَمِيقةِ في الأرض؟ هذه الطبقات ظهرت فيها أنواعٌ من الكائنات فجأةً أيضًا، فيما يُعرف بـ(الانفجار الكامبري) دون وجود (كائناتٍ انتقاليَّةٍ لا حصْر لها) تحْتها، فلا يُتصوَّر أن تُوجَد لهذه الكائناتِ كائناتٌ انتقاليَّةٌ سبقتها في مكانٍ ما؛ لأنَّها أعمقُ الطّبقات عمليًّا وليس تحتها طبقاتٌ ذات شأن.
– يقول لك داروين: “رُبَّما قبل أن تترسّبَ طبقاتُ العهد الكامبري السحيقة العميقة في الأرض، رُبَّما كانت هناك فتراتٌ من الزمن طويلةٌ جدًا بطول الزمن من العهد الكامبري حَتَّى الآن أو أَطْول، وهذه الفترات كانت تعُجُّ بالكائنات الحيّة”.
– لكن يا داروين هل يُعقَل أنَّ هذه الفتراتِ الزمنية الطويلة كانت تَعُجُّ بالكائنات الحيّة المتنوِّعة، ولم نجد من هذه الكائنات شيئًا يُذكَر؟ – هل تستطيع أن تُثبِت خطئي؟ هل نَزلْتَ عميقًا، وثَقَبتَ الأرض إلى أن وَصَلتَ إلى النّاحية الثانية من الكرة الأرضية، لتُثبتَ أنَّه ليس هناك طبقاتٌ كهذه؟
– بصراحةٍ، لا..