هولندا و البندورة فيتامين النجاح ( خلط الحقائق بخرافة نظرية التطور)
تستعرض الحلقة إبطال مفهوم التطور الصغروي (Microevolution)، والذي يستخدمه حتى بعض معارضي الخرافة،يضربوا أمثلة بطائر البرقش و سمك الجابي والسَّحالي الإيطاليَّة على التطور الصغروي والطفرات العشوائية في المادة الوراثية.
ما يمارِسه مروِّجو خرافة التَّطوُّر بمهارة، الخلطُ بين المشاهدات والافتراض بين الحقائق والخرافة، ساعاتٌ من الشَّرح المستفيض عن تفاصيل الأحياء والاكتشافات والأبحاث، ثُمَّ ذِكْرُ الخرافة في الثَّنايا ليَسهُلَ بلعُها، ليبدو وكأنَّ الحقائق المذكورة وخرافةَ التَّطوُّر جزءان لا يتجزءان، حزمة، لا بدَّ من أخذهما سويَّةً،
فتقولُ: “هذا الشَّخصُ كَلامُه علمي، ويتكلَّم بتجاربٍ وبملاحظاتٍ دقيقة” لكن حقيقةُ الأمر أنه حشر كذبةً أو سوء تفسير، وظَّف به كلَّ هذه المشاهدات في الاتِّجاه الخاطئ تمامًا. بغضِّ النَّظر عن إذا كان مقتنعًا بهذه الكذبة أم غير مقتنِع،
لعلك تُناقِش أَحدَهم فيقول لك: ماذا تعرفُ عن طائر البرقش؟ ماذا تعرفُ عن سمك الجابي؟ عن السَّحالي الإيطاليَّة؟ عن مقاومة البكتيريا للمضادَّات؟ وعن البكتيريا الهاضمة للسَّيْترات؟
تَسألُه: ما لها هذه الأمثلة؟
فيقول لك: هذه كلُّها حَصَل لها تطوُّر صغرويٌّ “micro evolution” نراه أمام أعيننا، طفرات عشوائيَّة في المادَّة الوراثيَّة أنتجت بالصُّدفة صفاتٍ نافعة للبرقش، سمك الجابي، السَّحالي، البكتيريا، فأصبحت أكثر قدرة على التَّكيُّف في بيئةٍ ما، فحَصَل لها انتخابٌ طبيعيٌ وهذا كلُّه في زمن محدود، ومن ثم فمع مئات ملايين السنين يمكن أن تكون البكتيريا قد تطوَّرت إلى كل أنواع الكائنات الحيَّة بالطَّفرات العشوائيَّة أيضًا،
فتجد في هذه الكائنات وفي مادَّتها الوراثيَّة وطريقة قراءتها القدرةَ على تغيير خصائصها؛ لتتأقلم مع التَّغيُّرات البيئيَّة بطريقةٍ دالةٍ على أنَّها وبيئتَها من تصميم عليمٍ، قديرٍ، حكيمٍ، قيومٍ على خَلْقِه، كما رأينا بوضوحٍ -إخواني- في حلقة البكتيريا الهاضمة للسَّيْترات، وكما سنشرح أكثر لاحقًا -بإذن الله- عن الأمثلة الأخرى التي يذكرونها.
في حين يدّعي متَّبع الخرافة أنَّها طفراتٌ عشوائيَّة، أي أنه بَهَرَكَ بكثرة الأمثلة، وكذبَ في محلِّ الشَّاهد تحديدًا، وحقيقةُ الأمر أنَّ كلَّ ما ذكره من أمثلة حجةٌ لك لا عليك.
خطأٌ كبيرٌ يقع فيه حتَّى بعضُ المعارضين للخرافة أنَّهم يقولون: “نحن لا نُنْكر التَّطوُّر الصُّغروي، لكنَّنا نُنْكر التَّطوُّر الكبروي، الذي يحوِّل كائنًا إلى نوعٍ آخر من الكائنات، فالبكتيريا تطوَّرت، لكنَّها بقيت بكتيريا، وعصافير داروين “Darwin” تطوَّرت، لكنَّها بقيت عصافير”
وكلُّ الأمثلة التي يوردونها هي على تكيُّفاتٍ بديعةٍ دقيقةٍ لا مكان فيها للعشوائيَّة أبدًا، فليست ماكرو ولا مايكرو ولا نانو ولا فيمتو تطوُّر.
الخلط بين الحقِّ والباطل طريقةٌ قديمةٌ أنكرها الله -تعالى- على أهل الكتاب، ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [القرآن 3: 71].
وهكذا هؤلاء، يخلِطون الحقائق بباطلِ الخرافة ويكتمون الحقائق التي تهدم خرافتهم. بالإضافة إلى ذلك يتمُّ خلط المشاهدات الكونية الدَّالَّةِ على الله بالشَّهوات، فلا تكاد ترى فيلمًا وثائقيًّا إلا ويُحشَر فيه مشاهد تستدعي الغرائزَ وتَحْرِف العقل، وكأنَّه من وحي الشَّيطان إلى أوليائِه؛ حتَّى لا يتسرَّب الإيمان إلى القلوب عند مشاهدة بدائع الخلق، ولا يتحرَّكَ اللِّسان بقول:﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [القرآن 3: 191] بل تطغى الشَّهوة وتَسْتَحكِم الغفلة باستحضارِ هذه المشاهد.
إذن أوَّلُ أسلوبٍ تكلَّمنا عنه -إخواني- هو الخلط بين الحقيقة والخرافة، تستمع إلى كلام علمي ممتع تُحِسُّ أنَّه أضاف إلى حصيلتك المعرفيَّة الكثير حقًّا، فتنبهر ثُمَّ بلمسة سحرية يُوَظَّفُ هذا الكلام لترويج الخرافة.
عوِّد نفسك -أخي- أن تَفْرِز بين المعلومة والاستنتاج، هذا الذي تُحَدِّثُني عنه -يا من تخاطبني-، هل هو معلومةٌ واقعية أم استنتاجٌ من عندك؟ إن كان معلومة فأعطني الدَّليل عليها، وإن كان استنتاجًا فعَلَيَّ أن أتحقَّق من صحَّة استنتاجك؛ لأن صحَّة المعلومة لا تعني بالضَّرورة صحَّة الاستنتاج. كن ناقدًا عميقًا وفرِّق بين الحقيقة والخرافة