الأديان والفرق والمذاهبالإلحاد

خلاصة حلقات الأدلة الفطرية على وجود الله ومناقشة الاعتراضات| إياد قنيبي

رحلة اليقين 12

خلاصة حلقات الأدلة الفطرية على وجود الله ومناقشة الاعتراضات

إخوتي الكرامَ، في هذهِ الحلقةِ نلخِّصُ أهمَّ محاورِ الحلقاتِ التِّسعةِ عن الأدلَّةِ الفطريَّةِ على وجودِ اللهِ -تعالى- ضمنَ سلسلةِ (رحلةِ اليقينِ)، ونجيبُ عنْ بعضِ الاعتراضاتِ الَّتي وردَتْ على هذهِ الحلقاتِ.

بيَّنَّا أنَّ هناكَ فِطْرةً موجودةً في الإنسانِ، وشرحْنا بعضَ مُكوِّناتِ هذهِ الفطرةِ كنزعةِ التَّديُّنِ، والبدَهِيّاتِ العقليَّةِ، والنَّزعةِ الأخلاقيَّةِ، والشُّعورِ بوجودِ غايةٍ للحياةِ، والشُّعورِ بالإرادةِ الحرَّةِ.

وبيَّنَّا دلالةَ كلٍّ منْ هذهِ المُكوِّناتِ على وجودِ اللهِ -تعالى-، وكيفَ أنَّ الموقفَ الإسلاميَّ منْ كلِّ مُكوِّنٍ فطريٍّ هو موقفٌ منسجمٌ وعقلي.

وبيَّنّا أنَّ الإلحادَ -في المقابلِ- يقعُ في مأزقٍ معَ كلِّ مُكوِّنٍ فِطريٍّ، وأنَّ أساسَ هذا المأزقِ هو إصرارُ الإلحادِ على تفسيرِ الوجودِ تفسيرًا مادِّيًّا يرفضُ فكرةَ وجودِ إلهٍ فَطَرَ الإنسانَ على هذهِ المكوِّناتِ الفطريَّةِ.

فرأينا كيفَ يتَّسِمُ الموقفُ الإلحاديُّ بما يلي: إنكارِ الأشياءِ المسلَّمةِ والمعلومةِ منَ الواقعِ بالضَّرورةِ.

التَّناقُضِ وعدمِ الانسجامِ.

الخروجِ بنتائجَ تَنفِرُ منها النُّفوسُ بَداهةً.

تحقيرِ قيمةِ الإنسانِ وكرامتِهِ.

وإسقاطِ مِصداقِيَّةِ عقلِهِ ومشاعرِهِ.

وبيَّنَّا أنَّ الإلحادَ إذا حاولَ أنْ يَفِرَّ منْ مُشكلةٍ منْ هذهِ المشكلات، فإنَّهُ يقعُ -ولا بُدَّ- في مشكلةٍ أُخرى؛ فإذا حاولَ -مثلًا- أنْ يعترِفَ بالبدَهيَّاتِ العقليَّةِ، فإنَّهُ يقعُ في التَّناقضِ معَ رؤيتِهِ المادِّيَّةِ وإذا حاولَ الانسجامَ معَ رؤيتِهِ المادِّيَّةِ، فإنَّهُ يقعُ في إنكارِ البدَهيَّاتِ العقليَّةِ وإذا حاولَ الإلحادُ أنْ يفِرَّ منَ اللَّاأخلاقيَّةِ الَّتي يؤدِّي إليها، فإنَّهُ يقعُ في التَّناقضِ معَ رؤيتِهِ المادِّيَّةِ، وإذا أرادَ أنْ ينسجمَ معَ الرُّؤيةِ المادِّيَّةِ، فإنَّهُ يؤدِّي حتمًا إلى نتائجَ لاأخلاقيَّةٍ تَنفرُ منها النُّفوسَ بداهةً، لِذا فإنَّهُ لا ينفعُ الملحدَ أنْ يقولَ: “أنا أرفضُ المقولاتِ اللَّاأخلاقيَّةَ الَّتي يتكلَّمُ بها بعضُ الملحدينَ وأرفضُ إنكارَهُم لمبادِئَ عقليَّةٍ كالسَّببيَّةِ”؛ لأنَّ رفْضَهُ هذا يُوقِعُهُ في التَّناقُضِ معَ إلحادِهِ.

وبيَّنَّا في السِّلسلة ِأيضًا كيفَ أنَّ إنكارَ الإلحادِ للفطرةِ يوقِعُه في هدمِ الشِّعاراتِ الَّتي يرفعُها، فشِعاراتُ الملحدينَ: “أنا أحترمُ عقلي، أنا إنسانَيٌّ -أُومِنُ بالإنسانِ-، أنا أصدِّقُ العلمَ”.

وقدْ بيَّنَّا -في الحلقةِ الخامسةِ- إهانةَ الإلحادِ للعقلِ وإسقاطَه لهُ، وبيَّنَّا -في الحلقةِ السَّادسةِ والسَّابعةِ والثَّامنةِ- إهانةَ الإلحادِ للإنسانِ وأخلاقِهِ، وبيَّنَّا -في الحلقاتِ الخامسةِ والعاشرةِ والحادِيةَ عشرةَ- إهانةَ الإلحادِ للعِلْمِ التَّجريبيِّ؛ فهوَ هدمٌ للشِّعاراتِ. وبيَّنَّا كذلكَ كيفَ أنَّ الملحدينَ يقعونَ في نفسِ ما يَعيبونَ المؤمنينَ بوجودِ اللهِ له؛ فَهُمْ يَعيبُونَ المؤمنينَ لإيمانهم بالغيبِ، معَ أنَّ المؤمنينَ لديهمْ أدلَّةٌ على هذا الغيبِ، في حين يقع الملحدونَ في الإيمانِ بغيبٍ لا دليلَ عليهِ كإيمانِهم بتفسيراتٍ مادِّيَّةٍ للمكوِّناتِ الفطريَّةِ معَ انعدامِ الأدلَّةِ عليها. ويَعيبونَ على المؤمنينَ قولَ: “لا نعلمُ لماذا” جوابًا عنْ بعضِ الأسئلةِ، معَ أنَّهُ تسليمٌ مَبْنيٌّ على إيمانٍ عقليٍّ، في حين يقولُ الملحدون العبارةَ ذاتهَا: “لا نعلمُ لماذا” جوابًا عنْ بعضِ الأسئلةِ، مثلَ السُّؤالِ عنْ تفسيرِ وجودِ إرادةٍ حُرَّةٍ للإنسانِ بخلافِ ما تُحتِّمُهُ النَّظرةُ الإلحاديَّةُ المادِّيَّةُ، ويدَّعي الملحدونَ أنَّ المؤمنينَ بوجودِ اللهِ يخادِعونَ أنفُسَهم، في حين أن الملحدينَ هُمْ في الحقيقةِ- مَنْ يخادِعونَ أنفُسَهم، كما بيَّنَّا في حلقةِ: (لماذا نحنُ هنا في هذهِ الحياةِ؟). في المُحَصِّلةِ، إنَّ بعضَ المسلمينَ لديهِم تساؤلاتٌ، وشكوكٌ، وشُبُهاتٌ لم يحصِّلْ إجاباتٍ شافيةً عليها؛ وذلكَ إمّا لتقصيرِهِ في البحثِ عنْ إجاباتٍ منَ المصادرِ المُناسبةِ، أو لأنَّهُ لم يَبْنِ إيمانَه على أُسُسٍ متينةٍ أصلًا، أوْ لِخَللٍ منهجيٍّ كبيرٍ لديهِ، وهو: أنَّه لا يرُدُّ المُتشابهاتِ إلى تلكَ الأسُسِ المُحْكماتِ، أي: لا يُفسِّرُ الجزئيَّاتِ الَّتي تخفى عليهِ في ضَوءِ الأُسسِ العَقَديَّةِ الكبرى الَّتي يمتلِكُ الدَّليلَ عليها؛ فيبقى في قلقٍ واضْطرابٍ. فاعلمْ أيُّها الشّابُّ الَّذي تخلَّيْتَ عنْ دينِكَ وأعلنْتَ ذلكَ لأصحابِكَ محتفلًا بأنَّكَ قدْ تخلَّصْت منْ مجموعةِ التَّساؤلاتِ والشُّكوكِ الَّتي كانتْ تؤرِّقُكَ يومَ كُنْتَ مُسلمًا، اعلمْ أنَّكَ دخلْتَ محيطًا عميقًا متلاطمَ الأمواجِ منَ الشُّكوكِ والتَّساؤلاتِ والتَّناقضاتِ، وتركْتَ العُروةَ الوُثْقى لتَهوِيَ في وادٍ سحيقٍ، ولنْ تجدَ مَفَرًّا منْ هذهِ الحقيقةِ إلّا أنْ تتَعامى عنها.

زر الذهاب إلى الأعلى