تعدد الزوجات في إنجيل متى
كنتُ ذاتَ ليلة أتابع حوارًا روحانيًّا على قناة الكونغو الديمقراطية، وكان سامرُ القوم يتحدَّث عن تعدد الزوجات، وهي قضية شغلَتْ بال الحداثيين من كل جيل، وهم يزعمون أنهم بذلك يطالبون بحقٍّ مضيَّع من حقوق النساء، ويَعرف ذلك كلُّ مَن ألقى النظر وهو شهيد في تاريخ المرأة عبر القرون.
ومما تجدر الإشارةُ إليه: أن الحداثيَّ يسعى ليُحمِّل الإسلامَ والمسلمين تَبعاتِ التعدُّد زورًا، ولا أخطئ إن قلت: جهلاً! والذي حفَّزني إلى كتابة هذه الكلماتِ أن السامر على القناة المذكورة تجرَّأ وقال: إن الإنجيل لم يتطرَّقْ إلى قضية تعدد الزوجات، وهو يريد أن يقول: إن الإنجيل والمسيح – عليه السلام – لم يكونا مع التعدد، ومن ثَم فإن التعددَ من انتهاكات الإسلام والمسلمين لحقوق المرأة، فهذه هي الفكرة التي دفعتْني إلى إلقاء الضوء قدرَ المستطاع على الموضوع من الإنجيل، مستعملاً منطقَ العقل؛ لمقارعة حُجته بالحجة، متحاشيًا أن أستنطق النصوص القرآنية مع أمثاله.
أولاً: التعدد كان مشروعًا قبل مجيء عيسى – عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم – قال المسيح في (5: 17متى): “لا تظنُّوا أني جئتُ لألغيَ الشريعة أو الأنبياء، ما جئتُ لألغي؛ بل لأكمل”، وفي الشريعة – شريعة بني إسرائيل – التعدد مسموح به: (مثلاً: زوجات داود – عليه السلام -).
ثانيًا: تمثيل المسيح للسعادة والراحة الموجودة في ملكوت السماء بالعذارى العشر، وهن خمس حكيمات، وخمس جاهلات، وكلهن لزوج واحد.
وتتجلى إباحة التعدد من ذلك المثل في أوجه، منها:
أ- تمثيل السعادة الحقيقية بالعذارى العشر لعريس واحد، فلو كان التعدد حرامًا في شرعه، ما كان لتمثيله فائدة تحصل به، وحاشا الأنبياء أن يوازنوا الحلال بالحرام في المنفعة.
ب- لو كان التعدد مجهولاً في عهده، لم يحصل لتمثيله فائدة؛ لأنه يكون قد شبَّه البعيد بالبعيد، وذاك شكل من التشبيه يُعاب، فالبعيد يُشبَّه بالقريب؛ تجنبًا للَغْو القول، وحاشا الأنبياء أن يلغوا وهم يوصفون بالفصاحة.
وجاء هذا التمثيل في (متى 25: 1): “حينئذٍ يشبه ملكوت السموات بعشر عذارى، أخذن مصابيحهن وانطلقن لملاقاة العريس، وكانت خمس منهن حكيماتٍ، وخمس جاهلات، وإذا أبطأ العريس نعسن جميعًا ونِمْنَ.
وفي منتصف الليل دوَّى الهتاف: ها هو العريس آتيًا، فانطلِقنَ لملاقاته، وبينما الجاهلات ذاهبات للشراء وصل العريس، فدخلَتِ المستعداتُ معه إلى قاعة العرس وأغلق الباب، وبعد حين رجع العذارى الأخريات، وقلن: يا سيد، يا سيد، افتح لنا، فأجاب العريس: الحق أقول لكُنَّ: إني لا أعرفكن”.
هكذا بهذه الكلمات الخفيفة الموجزة، يُدرَك عدمُ إلمام السامر بالإنجيل، فتقوَّل الأقاويل دونما تريُّث، وهكذا شأن المنصِّرين، فهم يقولون ولا يتأكدون؛ لأنهم متأكدون أن غالبية مسلمي بيئاتهم غائبون عن ساحتهم، ولا يعايشون واقعهم؛ لكننا عاهدنا الله على أن نمضي قدمًا؛ لنكون عناصر إيجابيين لديننا ولبلداننا.