تخريج حديث الحجل وبيان بطلان ما يفعله الصوفية من الرقص عند الذكر
يستدل الصوفية بما يفعلونه من رقص وتمايل عند الذِّكر بما ورد عن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أنه حجل أمام النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وحديث الحجل مروي من طرق:
الطريق الأولى: عن علي رضى الله عنه.
أخرجه أحمد (857)، والبزار (744)، والبيهقي في «الآداب» (626)، والبيهقي في «الكبير» (21069)، من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن عليٍّ رضى الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وجعفر وزيد، قال: فقال لزيد: «أَنْتَ مَوْلَايَ»، فحجِل، قال: وقال لجعفر: «أَنْتَ أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي»، قال: فحجِل وراء زيد، قال: وقال لي: «أَنْتَ مِنِّي، وَأَنَا مِنْكَ»، قال: فحَجِلت وراء جعفر.
قال البزار: «وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علي بن أبي طالب ﭬ بهذا الإسناد».
وقال البيهقي: «هانئ بن هانئ ليس بالمعروف جدًّا، وفي هذا – إن صح – دلالة على جواز الحجل، وهو أن يرفع رجلًا ويقفز على الأخرى من الفرح، فالرقص الذي يكون على مثاله يكون مثله في الجواز, والله أعلم»اهـ.
قلت: هذا إسناد ضعيف لأجل هانئ بن هانئ.
قال الشافعي، كما في «الكامل» (1/ 291): «هانئ بن هانئ لا يُعرف».
وقال ابن المديني، كما في «الميزان» (5/ 50): «مجهول».
وقال ابن سعد في «الطبقات» (8/ 342): «هانئ بن هانئ الهمداني، روى عن علي بن أبي طالب، وكان يتشيع، وكان منكر الحديث».
وقال الحافظ في «التقريب»: «مستور».
وقال في «التهذيب» (11/ 23): «وأهل العلم بالحديث لا ينسبون حديثه لجهالة حاله».
وهانئ بن هانئ لم يرو عنه سوى أبي إسحاق السبيعي.
وقد وثقه العجلي، على طريقته في توثيق المجاهيل في طبقة التابعين، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وهو يذكر فيه المجاهيل أيضًا.
وقد نقل المزي عن النسائي أنه قال فيه: «لا بأس به».
وفي الحديث علة أخرى، وهي عنعنة أبي إسحاق السبيعي.
قال العلائي في «جامع التحصيل» (ص245): «عمرو بن عبد الله السبيعي أبو إسحاق، مكثر من التدليس».
وذِكْر الحجل منكر؛ لأن الحديث عند البخاري (2699) و (4251)، من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء ﭬ، دون ذكر الحجل.
♦ ♦ ♦
الطريق الثانية: عن جابر رضى الله عنه.
أخرجه العقيلي في «الضعفاء» (6/ 134)، والطبراني في «الأوسط» (6559)، وأبو نعيم في «معرفة الصحابة» (1435)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (962)، من طريق مكي بن عبد الله الرُّعَيْني، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزبير، عن جابر ﭬ، قال: لما قدم جعفر من أرض الحبشة، تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أن نظر جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حَجِل – قال سفيان: يعني مشى على رجل واحدة إعظامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم – فقبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه، وقال له: «يَا ابْنَ أَخِي، أَنْتَ أَشْبَهُ النَّاسِ بِخُلُقِي وَخَلْقِي».
وأخرجه البيهقي في «الدلائل» (4/ 246)، من نفس الطريق، ولكن جاء فيه: «سفيان الثوري» بدل «سفيان بن عيينة».
قال العقيلي: «مكي بن عبد الله الرعيني، عن ابن عيينة، حديثه غير محفوظ، ولا يُعرف إلا به»، ثم ذكر هذا الحديث.
وقال الطبراني: «لم يرو هذا الحديث عن سفيان بن عيينة إلا مكي بن عبد الله الرعيني».
وقال البيهقي: «في إسناده من لا يُعرف».
وقال ابن الجوزي: «هذا حديث لا يصح، ولا يُعرف إلا بمكي».
وقال الذهبي في «الميزان» (4/ 379): «مكي بن عبد الله الرعيني، عن سفيان بن عيينة، له مناكير. قال العقيلي: حديثه غير محفوظ، ثم ساق حديثه عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: لما قدم جعفر من الحبشة تلقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم…»اهـ.
♦ ♦ ♦
الطريق الثالثة: عن ابن عباس رضى الله عنه.
أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (10/ 153)، وابن عساكر في «تاريخه» (19/ 361)، عن محمد بن عمر، قال: حدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إن عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب وأمها سلمى بنت عميس كانت بمكة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم علي النبي، فقال: علام تترك ابنة عمنا يتيمة بين ظهري المشركين، فلم ينهه النبي صلى الله عليه وسلم عن إخراجها، فخرج بها فتكلم زيد بن حارثة، وكان وصي حمزة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينهما حين آخى بين المهاجرين، فقال: أنا أحق بها، ابنة أخي، فلما سمع بذلك جعفر بن أبي طالب، قال: الخالة والدة، وأنا أحق بها، لمكان خالتها عندي أسماء بنت عميس، فقال علي: ألا أراكم تختصمون في ابنة عمي، وأنا أخرجتها من بين أظهر المشركين، وليس لكم إليها نسب دوني، وأنا أحق بها منكم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَنَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ، أَمَّا أَنْتَ يَا زَيْدُ فَمَوْلَى اللهِ وَمَوْلَى رَسُولِهِ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا عَلِيُّ فَأَخِي وَصَاحِبِي، وَأَمَّا أَنْتَ يَا جَعْفَرُ فَشَبِيهُ خَلْقِي وَخُلُقِي، وَأَنْتَ يَا جَعْفَرُ أَوْلَى بِهَا؛ تَحْتَكَ خَالَتُهَا، وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا عَلَى عَمَّتِهَا»، فقضى بها لجعفر، قال محمد بن عمر: فقام جعفر فحَجِل حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذَا يَا جَعْفَرُ؟»، فقال: يا رسول الله، كان النجاشي إذا أرضى أحدًا قام فحَجِل حوله، فقيل للنبي: تزوجها، فقال: «ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ»، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبي سلمة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «هَلْ جُزِيتَ سَلَمَةُ؟».
قلت: في إسناده محمد بن عمر الواقدي، وقد أطبق الأئمة على أنه متروك، وكذَّبه أحمد وغيره.
♦ ♦ ♦
الطريق الرابعة: عن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو جعفر الباقر، مرسلًا.
أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (4/ 32)، قال: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: إن ابنة حمزة لتطوف بين الرجال, إذ أخذ عليٌّ بيدها، فألقاها إلى فاطمة في هودجها، قال: فاختصم فيها علي, وجعفر, وزيد بن حارثة, حتى ارتفعت أصواتهم، فأيقظوا النبي صلى الله عليه وسلم من نومه, قال: «هلموا أقض بينكم فيها وفي غيرها»، فقال علي: ابنة عمي، وأنا أخرجتها وأنا أحق بها، وقال جعفر: ابنة عمي, وخالتها عندي، وقال زيد: ابنة أخي، فقال في كل واحد قولًا رضيه، فقضى بها لجعفر، وقال: الخالة والدة، فقال جعفر: فحَجِل حول النبي صلى الله عليه وسلم، دار عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذَا؟»، قال: شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم.
قلت: وهذا إسناد مرسل.
♦ ♦ ♦
قلت: وهذا الحديث على ضعفه فليس فيه دلالة على ما ذهب إليه الصوفية من جهات ثلاث:
الجهة الأولى: أن الصفة المذكورة في الحديث لا تشبه من قريب أو بعيد ما يفعله الصوفية من رقص شديد واهتزاز إلى درجة الوقوع في الأرض.
الجهة الثانية: أن هذا الأمر وقع مرة واحدة، ولم يثبت وقوعه بعد ذلك من أحد من الصحابة، ولا من بعدهم من الصالحين.
الجهة الثالثة: أن هذا الفعل وقع من جعفر عند سماعه كلامًا أعجبه، فما بال الصوفية يفعلونه عند ذكر الله!!
وهذا كلام الأئمة في رقص الصوفية.
قال الإمام أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله في «تلبيس إبليس» (ص230، 231)، ونقل بعضه الإمام القرطبي رحمه الله في «الجامع لأحكام القرآن» (18/ 221، 222): «فإذا طرب أهل التصوف لسماع الغناء صفَّقوا، والتصفيق منكر، يُطرِب ويُخرِج عن الاعتدال، ويتنزه عن مثله العقلاء، ويتشبه فاعله بالمشركين فيما كانوا يفعلونه عند البيت من التصدية، وفيه أيضًا تشبه بالنساء، والعاقل يأنف من أن يخرج عن الوقار إلى أفعال الكفار والنسوة، فإذا قوي طربهم رقصوا.
وقد احتج بعضهم بقوله تعالى لأيوب: ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ﴾، قلت: وهذا الاحتجاج بارد؛ لأنه لو كان أُمِر بضرب الرِّجْل فرحًا كان لهم فيه شُبْهة، وإنما أُمِر بضرب الرِّجْل لينبُع الماء. قال ابن عَقيل: أين الدلالة في مبتلى أُمِر عند كشف البلاء بأن يضرب برجله الأرض لينبع الماء إعجازًا، من الرقص؟! ولئن جاز أن يكون تحريك رِجْل قد أَنْحَلَها تَحكُّم الهوام دلالة على جواز الرقص في الإسلام جاز أن يُجْعَل قوله تعالى لموسى: ﴿ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ ﴾ [البقرة: 60] دلالة على ضرب الجماد بالقضبان!! نعوذ بالله من التلاعب بالشرع.
واحتج بعض ناصريهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: أنت مني وأنا منك، فحجل، وقال لجعفر: أشبهت خَلْقي وخُلُقي، فحجل، وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا، فحجل.
ومنهم من احتج بأن الحبشة زَفَنَت، والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر اليهم.
فالجواب: أما الحجل فهو نوع من المشي، يُفْعَل عند الفرح، فأين هو من الرقص، وكذلك زَفْن الحبشة نوع من المشي يُفْعل عند اللقاء للحرب – إلى أن قال -: ثم دعونا من الاحتجاج، تعالوا نتقاضى إلى العقول؛ أي معنى في الرقص إلا اللعب الذي يليق بالأطفال، وما الذي فيه من تحريك القلوب إلى الآخرة؟ هذه والله مكابرة باردة، ولقد حدثني بعض المشايخ عن الغزالي أنه قال: الرقص حماقة بين الكتفين لا تزول إلا بالتعب. وقال أبو الوفاء بن عَقيل: قد نص القرآن على النهي عن الرقص، فقال عز وجل: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ﴾ [لقمان: 18] وذم المختال، فقال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: 18]؛ والرقص أشد المرح والبطر، أو لسنا الذين قسنا النبيذ على الخمر لاتفاقهما في الإطراب والسُّكْر؟ فما بالنا لا نقيس القضيب وتلحين الشعر معه على الطنبور والمزمار والطبل لاجتماعهما في الإطراب؟! وهل شيء يزري بالعقل والوقار ويخرج عن سمت الحلم والأدب أقبح من ذي لحية يرقص، فكيف إذا كانت شَيبة ترقص وتصفق على وقاع الألحان والقضبان؟!»اهـ، ملخصًا.