تحريف التوراة والإنجيل
يعرف التحريف لغة بأنه “التغيير”1، وتحريف الكلم عن مواضعه: تغييره2.
ويعرف الوحي بأنه “الإشارة والرسالة والإلهام والكلام الخفي، ويقال وحي للشيء المكتوب”3.
“وأصل الوحي في اللغة إعلام في الخفاء. ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبياء الله ورسله وحياً”4.
وتقول دائرة المعارف الأمريكية: “الوحي هو توصيل الحق من الله إلى الناس. لكن أكثر الوحي صراحة لإرادة الله بالنسبة للإنسان هو ما كان في الكلمة المكتوبة. وهذه الكلمة المكتوبة هي مفتاح كل الوحي الخاص بالطبيعة والمشيئة الإلهية5.
والتوراة هي وحي الله إلى رسوله موسى.
والإنجيل هو وحي الله إلى رسوله المسيح عيسى بن مريم.
فالمسيح يقرر أن الله علمه ماذا يقول وماذا يفعل، وأنه لا يتكلم مع نفسه، بل بإذن الله وتعليمه، فيقول:
تعليمي ليس لي بل للذي أرسلني. إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم: هل هو من الله، أم أتكلم أنا من نفسي. من يتكلم من نفسه يطلب مجد نفسه.
وأما من يطلب مجد الذي أرسله فهو صادق وليس فيه ظلم – يوحنا 7: 16-18″.
“الذي أرسلني هو أعطاني وصية: ماذا أقول وبماذا أتكلم – يوحنا 12: 49”.
••••
إن ما في الصفحات القليلة التي سطرناها آنفاً – اعتماداً على دراسات علماء الكتاب المقدس وخلاصة أقوالهم – ليقطع بحقيقة وقوع التحريف في التوراة والإنجيل.
ويبدأ التحريف بتغيير الكلمة أو كلمات أو فقرات. وقد يكون ذلك بالحذف أو الإضافة أو الاستبدال أو إسقاطها من النص الأصلي بالكلية.
فيكفي مثلاً تغيير كلمة: عبد إلى كلمة: ابن، فتتحول عبارة: عبد الله، إلى ابن الله. وهذا تغيير أو تحريف ينقل القائلين به من الجنة إلى السعير.
لقد ندد أنبياء بني إسرائيل بالتحريف الذي مارسه كتبة الأسفار وحفاظها عبر العصور، فها هو النبي أرميا يقول فيما أوحي إليه:
“إذا سالك هذا الشعب أو نبي أو كاهن قائلاً: ما وحي الرب فقل لهم: أي وحي؟! إني أرفضكم هو قول الرب.
أما وحي الرب فلا تذكروه بعد، لأن كلمة كل إنسان تكون وحيه، إذ قد حرفتم كلام الإله الحي رب الجنود إلهنا- أرميا 23: 23: 36″.
وتقرر الترجمة الفرنسية المسكونية أن “كلام الإله” المذكور في هذا الإصحاح الثالث والعشرين من سفر أرميا يقصد به: “نص مكتوب- text ecrit”.
وهذا ما يؤكده النبي ارميا نفسه في الوحي الذي تلقاه من ربه: “كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا. حقاً إنه إلى الكذب حولها قلم الكتبة الكاذب – ارميا 8: 8”.
لقد سبق أن عالجنا موضوع تحريف الكتاب المقدس في أعمال سابقة، أخص منها: “البرهان المبين في تحريف أسفار السابقين”6. الذي صدر عام 1996.
وأكتفي هنا بذكر أمثلة محدودة لكي يستطيع القارئ أن يتأكد بنفسه من حقيقة بعض ما وقع في هذه الأسفار من تحريف.
••••
أمثلة من تحريف التوراة:
تعرف التوراة بأنها أسفار موسى الخمسة التي تتصدر الكتاب المقدس، والتي تعرف أيضاً باسم: الناموس. وفيما يلي مثالين فقط لتحريف التوراة.
المثال الأول: تحريف بشارة محمد خاتم النبيين في ترجمة إنجليزية:
يقول الكتاب المقدس للبروتستانت، على لسان موسى:
“قال لي الرب، قد أحسنوا في ما تكلموا. أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به. ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي، أنا أطالبه (انتقم منه) تثنية 18: 18 -19”.
لكن: “ترجمة إنجليزية اليوم” (شكل: 1) حرفت عبارة: “نبياً من وسط إخوتهم” لتكون: “نبياً من وسطهم: from among therir own people” لماذا؟
لأن “نبياً من وسطهم” تعني من بني إسرائيل، أما “من وسط إخوتهم” فتعني من أقربائهم وبالذات أولاد عمومتهم وهم بنو إسماعيل. فلقد شاع استخدام لفظ “الأخوة” في أسفار العهد القديم ليعني هذا، كما في قوله: “أرسل موسى رسلاً من قادش إلى ملك أدوم: هكذا يقول أخوك إسرائيل: قد عرفت كل المشقة التي أصابتنا… عدد 20: 14″فالمقصود بـ”إسرائيل” هنا هم الشعب الإسرائيلي الذي كان يقوده موسى. وهؤلاء كانوا أحفاد أحفاد إسرائيل (يعقوب) بن إسحاق بن إبراهيم، كما كان ملك أدوم وشعبه أحفاد أحفاد عيسو أخي إسرائيل، علاوة على كون الأدوميين من ذرية إسماعيل بن إبراهيم. ذلك أن عيسو بن إسحاق هذا كان قد ذهب إلى عمه “إسماعيل وأخذ محلة بنت إسماعيل بن إبراهيم أخت نبايوت زوجة له – تكوين 28: 9”.
مارون بتخم إخوتكم بني عيسو الساكنين في سعير – تثنية 2: 4″. فلغة العهد القديم تقرر أن ذرية الأحفاد الذين يشتركون معهم في الجد الأكبر، وهو هنا إبراهيم.
ومن الواضح أن “ترجمة إنجليزية اليوم” قد حَّرفت هذه البشارة التي لا تزال موجودة في تراجم أخرى مثل:
- الكتاب المقدس للبروتستانت (شكل: 2).
- ترجمة الملك جيمس (شكل: 3)، التي تقول: “من وسط إخوتهم: from among their brethern.
- الترجمة القياسية المراجعة التي تقول: “من وسط إخوتهم: from among their brethern.
- الترجمة الفرنسية المسكونية التي تقول: “من وسط إخوتهم: du milieu de leurs fre`res.
المثال الثاني: حذف عقيدة البعث ويوم القيامة:
لقد حذفت من التوراة عقيدة البعث والحساب يوم القيامة، وهي التي أكد عليها كل من الإنجيل والقرآن.
فلم تبدأ الإشارة – مجرد إشارة – إلى عقيدة البعث والجزاء في الآخرة إلا بعد موسى بأكثر من خمسة قرون (اشعياء 66: 16). ثم في صورة صريحة في سفر دانيال وإن كانت محرفة أيضاً لأنها تتحدث عن قيامة “كثيرين من الراقدين في تراب الأرض”، وليس قيامة الجميع إذ تقول:
“كثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون: هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي – دانيال 12: 2”.
ولقد علق علماء الترجمة الفرنسية المسكونية على ذلك بقولهم: “الوعد بالقيامة الفردية للناس يؤكد تأكيداً صريحاً أول مرة في العهد القديم، في هذا الكتاب (12/2-3). وبذلك يتحول مثوى الأموات إلى جهنم، مكان غياب الله والحرمان من العالم الآتي”7.
ولقد استمرت عقيدة إنكار البعث والحساب سائدة بين قطاعات كبيرة من بني إسرائيل، لدرجة أنه بعد أن جاء المسيح بعد موسى بنحو ثلاثة عشر قرناً من الزمان، كان خصومه الأقوياء طائفة تسمى الصدوقيون يصفهم الإنجيل بقوله: “الذين يقولون ليس قيامة – متى 22: 23” ويقول فيهم سفر أعمال الرسل: “الصدوقيون يقولون أنه ليس قيامة ولا ملاك ولا روح، وأما الفريسيون فيقرون بكل ذلك -أعمال 23: 8”.
ولقد بين المسيح أنه في الآخرة سيمضي الناس فريقين: “هؤلاء إلى عذاب أبدي، والأبرار إلى حياة أبدية – متى 25: 46”.
وأنه لا علم له بذلك اليوم – يوم القيامة والحساب – فلا أحد يعلم ذلك إلا الله وحده:
“أما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن، إلا الآب – مرقس 13: 22”.
وفي القرآن نجد عقيدة البعث والقيامة واليوم الآخر تحتل مكاناً تالياً للإيمان بالله:
﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].
﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].
﴿ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ﴾ [الطلاق: 2].
﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ [الحج: 7].
﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً ﴾ [الفرقان: 11].
ولقد كانت الساعة والإيمان باليوم الآخر من أول ما تلقاه موسى في أول وحي له، إذ قال له ربه:
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى ﴾ [طه: 14-16].
لكن كتبة التوراة أسقطوها من نصوصهم بالكلية، فكان هذا تحريفاً لكلام الله بحذف فقرات بأكملها!
إن هذا القدر يكفي لبيان بعض ما تعرضت له التوراة من تحريف، ولم يعد يماري في هذه الحقيقة إلا جاهل أو عنيد.