النَّصارى مؤمنون بنصِّ القرآن!
(6) زعم الغر البحيري: أنَّ النَّصارى مؤمنون، مُستشهدًا بقوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82].
– الرَّدّ: وهذا باطلٌ مِن وُجُوه كالتَّالي:
أولًا: اقتطاعه الفادح الفاضح، حيث لم يذكر سِياق الآية كاملًا، والآيات التي تليها مُباشرة تقول: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ * فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [المائدة: 83 – 86].
أليس هذا كذباً؟ الآية تتحدَّث عن الذين أسلموا لله ربّ العالمين! والسِّياق يؤكِّد ذلك، فكيف يأتي هذا ويزعم أنَّ الآية تتحدَّث عن عوام النَّصارى!
ثانيًا: على القِياس بأنَّ آيات النَّار خُوطب بها كُفَّار قريش فَقَط كما زعم البحيري، تكون هذه الآية التي ذكرها خاصَّة بالنَّصارى آنذاك فقط – وهذا الرَّد من باب المُحاججة والمُناظرة والمجادلة فقط -.
ثالثًا: كما زعم إسلام البحيري أنَّ الآيات التي كَفَّرت اليهودَ أو النَّصارى مثل {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17]، و {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: 73]، وغيرها إنَّما هي مُؤقَّتة بالوقت الذي كانت فيه، كذلك يَلْزَمُهُ أنْ يَقول في الآية التي استشهد بها مثلَ ما قال في هذه الآيات، وإلَّا أصبح مُتناقضًا.
رابعًا: لو سَلَّمْنَا جَدَلًا بِصِحَّة قول البحيري لأبطلنا قولَه أيضًا، لأنَّه يقول بإيمان اليهود والنَّصارى معًا، وإنَّما الآية التي استشهد بها – على حدّ زعمه – تُثبت إيمانَ النَّصارى فقط بزعمه، فإذنْ؛ نفس الآية لا تثبت إيمانَ اليهود، وبهذا يكون قد ناقض نفسه.
وهذه الرُّدُود الثَّلاثة الأخيرة ذكرناها من باب المُحاججة والمُناظرة لبيان تناقض ذلك المدعو البحيري، وإلَّا فقد سبق في الرَّد الأول البيان الشَّافي والله أعلم.