بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان. وبعد:
هذه مجموعة من النصائح الذهبية، استخلصتها من مطالعاتي في الإلحاد، وحواراتي مع الملاحدة، أقدم لك أخي المؤمن عسى أن تنتفع بها:
1- تذكر أنّ غايتك من الحوار والمناظرة هي هداية الملحد وتبيين ضلاله بأدلة العقل الصريح والعلم الصحيح، أي أن تكشف له عن تجليات الحقائق في الدين، في الحياة، في الكون، في المصير بعد الموت. هذه الغاية النبيلة تُحتم عليك توخي الحذر من الشرك الخفي، أعني: الغرور، العجب، الرياء، السمعة، وغير هذا من الموبقات الباطنة التي تدمر علاقة الإنسان بالله تعالى. أي تحتم عليك الإخلاص لله تعالى في هذه الغاية النبيلة والهدف العظيم. ذلك لأنّ الإخلاص لله تعالى يمنحك قوة من الله تعالى وبصيرة واضحة. قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر:11]. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ). رواه مسلم، وفي رواية ابن ماجه: ( فأنا منه بريء وهو للذي أشرك ). ولهذا ما زال العلماء يحذرون من المناظرات إلا للضرورة القصوى ولمن هو أهل لها، وذلك لأنّها مزلة الأقدام في مهاوي البعد عن الله، بسبب صعوبة الإخلاص وتطهير النفس من أهوائها في مثل هذه المواقف. إنّ حب الظهور بأنّك واسع الاطلاع، قوي الحجة، مُفحم البرهان، هوى متغلغل في أعماق النفس، ولا يستطيع التخلص منه إلا الواحد بعد الواحد. وليت شعري ما قيمة مجهوداتك إذا ذهبت سدى ولم يكن له قيمة عند الله تعالى؟! وتذكر أنّك عندما تسمح للأنا بالتضخم فيك وللشهوات الخفية بالسيطرة عليك، فذلك يعني أنّك ترضى أن يكلك الله تعالى إلى نفسك، ويعني أنّك ترضى أن تكون للشيطان وليًّا. إذن قبل أي مناظرة وحوار صحح نيّتك لله تعالى وطهر قلبك من كل الأخلاق المرذولة، فعدم الإخلاص لا يثمر ثمرة حتّى لو بذل صاحبه من الجهد ما عساه أن يبذل.
2- كن ذا أدب جميل وأسلوب راق، واختر كلماتك بعناية. فحسن الأدب وجمال الأداء في عرض الأفكار له تأثير قوي على النفس، ولو لا شعوريًّا. ولهذا أمر الله سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم أن ينهج هذا النهج مع أعتى طاغية عرفه تاريخ البشريّة، فقال: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ ﴾ [طه:44] أي أن « تكون بكلام رقيق لين سهل رفيق ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع » [تفسير ابن كثير]. لكن هذا القول ليس يعني الليونة المائعة والاستخذاء والتنازل عن الحق بدعوى تبليغ الدعوة، فإنّ بعض النماذج لا يليق معها إلا الشدة في القول والغلظة في الفضيحة والبيان الكاشف في التناقض والتهافت. كما أنّ هذا ليس يعني التخلي عن قواعد الدين ومصطلحات وتسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقيّة كما وردت في القرآن والسنة، بدعوى تأليف الملحد وتقريبه. فالحق أحق أن يتبع، والانضباط بمبادئ الشريعة ومصطلحاتها أهم شيء بالنسبة لك كإنسان مسلم، لأنّ غرضك هو هداية الملحد ولكن في إطار الدين الرباني. وتذكر أنّ التخلي عن مبادئ الدين وإلغاء مصطلحاته أثناء الحوار، سيوقعك في متاهات أو حرج شديد. ولهذا قال الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم توجيهًا له في محاورة بعض نماذج الكفر والنفاق: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان:52]. أي جهاد الحجة والبرهان بلا كلل ولا فتور. كما أنّ دعوى أنّ الملحد قذر اللسان، مغرم بالشتم والسخرية، تسمح لك أن تنزل إلى مستواه. فأنت تمثل الحق والعدل والجمال، فكيف تكون مثله؟!
3- تعمق إلى أقصى ما تستطيع في العلوم الشرعية: القرآن والسنة، وكل ما تفرّع عنهما من العلوم المختلفة، إما على يد علماء متعمقين في ذلك أو على كتبهم الصحيحة: القديمة والحديثة، والفكر الإسلامي المعاصر ومدارسه، وأنصحك بالتركيز (و لا أقول إهمال الباقي) على: قواعد التفسير وأصوله، قواعد الفقه وأصوله ومقاصد، قواعد الحديث وأصوله. فهذه الدراسة هي عدّتك وسلاحك الأقوى، وبذلك لن يستطيع الملحد أن يخترق نظامك الإدراكي لدينك. وإلا فمن رام الدعوة إلى الإسلام وإفحام الملحد وهو جاهل بدينه، إلا من تلك الخلاصات والمقالات التي يجمعها من هنا وهناك، فهذا أقرب لأن ينخلع هو نفسه عن ربقة الدين، بعد أن تتهاطل عليه شبهات وإشكالات الملاحدة. على أنّ هذا القول ليس يعني دراسة الدين بنيّة إفحام الملاحدة، بل يجب أن تكون الدارسة أولًا وآخرًا لتنوير العقل، وفهم مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل بتعاليم القرآن والسنّة. إذ أن الواجب في الدعوة هو دعوة نفسك الشخصيّة، قبل دعوة الآخرين.
4- توسع في الثقافات والمعارف والعلوم إلى أقصى ما تستطيع، ولكن مع احترام الأوليات. فذلك سيزيدك بصيرة واضحة بدينك، ومكامن القصور والخلل والباطل فيما عند الآخرين، كما أنّه سيزيد حجتك قوة وبراهينك مناعة، بحيث لا يستطيع الملحد أن يزيّف أمامك أي فكرة. ولهذا لا تقتصر في الدارسة والمطالعة على علوم الشريعة المختلفة، بل وسّع دائرة اهتماماتك لتشمل الثقافات والعلوم المعاصرة: علم النفس، الاجتماع، الحضارة، الفلسفة، الفيزياء.. إلخ. فإذا كانت علوم الشريعة هي الأساس والقواعد، فإنّ هذه الثقافات والعلوم لا شك أنّهم تفسح لك المجال لفهم دلالات الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة بشكل أكثر رحابة، وتعطيك القدرة على رؤية مكامن القصور والخطأ في الفكر الإلحادي.
5- التزم بالحوار الجاد أثناء المناظرة، ولا تسمح للملحد أن يُفقد الحوار قيمته بكثرة التشغيب والصراخ، ومزج المواضيع والتنقل بينها كيف شاء، أي أن يحول مسار المناظرة من الوصول إلى الحق إلى مسار المناظرة لأجل المناظرة فقط وكثرة الصراخ والتشغيب، فهذه هي خطتهم مع من يحاصرهم بالأسئلة والإشكالات، كما أنّ هذا يعني أنّه يجب عليك أن تحدد بشكل صارم مع الملحد الموضوع الذي تريدان الحوار فيه والمناظرة حوله، والامتناع بشكل مطلق عن الخروج عنه. وأيضًا هذا يعني أنّه يجب عليك أن تحدد معه المرجعية التي تحتكمان إليها وترضيان بأحكامها وتلتزمان بقوانينها، وفي حالتك من الطبيعي أن يطالبك بأن تكون المرجعية هي: العقل والعلم. فالتزم له بذلك، إلا أنّك ستجده بشكل تلقائي يكفر بأحكام العقل ومقررات العلوم، لأنّها ببساطة تناقض فكره الإلحادي. ولهذا عندما تجد أنّ المناظرة فقدت قيمتها وانحرف مسارها وكفر محاورك بالمرجعية المتفق عليها، فأنصحك يا أخي أن تعلن انسحابك منها، ليس لأنّك ضعيف الحجة، قليل الحيلة، بل لأنّ ذلك تعظيم لله تعالى، وتقدير لعقلك، واحترام للحقيقة أن تتشوه في حوار عقيم.
6- لا تنخدع ولا تهولك كثرة تشقيق الملاحدة للكلمات ورفعهم الدائم لشعارات براقة، مثل: عقل، دليل، علم، لقد درسنا وبحثنا، وعلماء العالم كلهم متفقون على كذا.. إلخ، فهم بهذا ينشدون صدمتك النفسيّة، لكي يعجز عقلك عن التفكير وبالتالي يتشرّب طروحاتهم وشبهاتهم. أي أنهم يمارسون إرهابًا نفسيًّا. وهذا خطة يهوديّة، مارسوها قديمًا مع المسلمين، لكي يشككوهم في الإسلام. ولهذا خلّد الله تعالى هذا الموقف في القرآن لكي يعتبر به المؤمن، فقال حكاية عنهم: ﴿ وقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ واكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آل عمران:72].
« هذه مكيدة أرادوها ليلبّسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم وهو أنهم تشاوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار ويصلوا مع المسلمين صلاة الصبح فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم ليقول الجهلة من الناس إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيصة وعيب في دين المسلمين » [تفسير ابن كثير]. كما أنّها خطة الفلاسفة قديمًا، بل وكل فرق الضلال من الصوفيّة والروافض وغيرهم، قد قال الإمام الغزالي عن الفلاسفة ومقلديهم: « وإنما مصدر كفرهم سماعهم أسماء هائلة، كسقراط، وبقراط، وأفلاطون، وأرسطو طاليس، وأمثالهم، وإطناب طوائف من متبعيهم وضلالهم في وصف عقولهم، وحسن أصولهم، ودقة علومهم: الهندسيّة، والمنطقيّة، والطبيعيّة، والإلهيّة، واستبدادهم – لفرط الذكاء والفطنة – باستخراج تلك الأمور الخفيّة، وحكايتهم عنهم أنّهم – مع رزانة عقولهم، وغزارة فضلهم – منكرون للشرائع والنحل، وجاحدون لتفاصيل الأديان والملل، ومعتقدون أنّها نواميس مؤلفة وحيل مزخرفة. » [تهافت الفلاسفة:24]. فكن واثقًا بدينك وعقلك. فأنت تنتمي إلى الحق المطلق.
7- كن على يقين أنّ الوحي الرباني والمنهج الإسلامي يستحيل أن يناقض عقلًا صريحًا أو علمًا ثابتًا. فالوحي كلام الله، والعقل خلق الله، ولا يمكن أن يتناقض كلام الله مع خلقه. ولهذا قال الحق: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾[الروم:30]. كما أنّ الله تعالى نبّه على عمق الانسجام بين الوحي والعقل بقوله: ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾ [الحجر:29]. أما إذا صادفت ما يوحي بالتناقض بين معطيات الوحي ومعطيات العقل وفروعه، فاعلم أنّه ليس تناقضًا حقيقيًّا، بل هو بسبب نقص في المعطيات: إما أنّ المعطى الديني الذي اعتمدت عليه ليس صريحًا بل محتملا، أو ليس صحيحًا بل ضعيفًا (في حال أحاديث السنة)، أو مجملا وليس مفصلًا، أو مقيّدًا وليس مطلقًا. وإما أنّ المعطى العقلي الذي اعتمدت عليه ليس كاملًا في مقدماته، أو ليس صحيحًا في بعض أجزائها، أو أنّه نظرية لا ترقى إلى اليقينيّة العلميّة.. إلخ.
وإنّما ينبغي أن تفهم أنّه يستحيل وجود تناقض بين صحيح المنقول وصريح المعقول؛ لأنّ اعتقادك أنّ الخالق إله كامل كمالا مطلقا: علما، حكمة، قدرة، رحمة.. إلخ، يحتّم عليك أن تعتقد أنّه يستحيل أن يتضمن وحيه ما يتناقض مع العقل البشري الذي ما خلق الوجود إلا لأجله.
8- تأكد بصورة مطلقة أنّ الملاحدة على باطل وضلال مهما زخرفوا القول وزيّنوا الحديث، ذلك لأنّهم ناقضوا صريح المعقول، ورفضوا دلائل العلوم، وعاندوا بديهيات الفطرة. بل تأكد أنهم يدركون في قرارة أنفسهم أنّهم على باطل وأنّ هناك شيئا مضطربًا في نظامهم الإدراكي، ولكن هناك مجموعة من العناصر التي تتدخل في تنفيرهم من الله والهروب منه، حتى وإن قامت كل الادلة على وجوده وضرورة عبادته والطاعة له، من مثل: الأفكار المسبقة التّي تمنعهم من مراجعة الحق والقبول به، الأزمات النفسيّة التي مروا بها في فترة من فترات حياتهم الماضية، رغبتهم في الشعور بالتقدير الذاتي عن طريق: خالف تُعرف، نشدان بعضهم للشهرة: فلان مفكر حر، فلان لا يقلد أحدًا بل يتقيد فقط بالعقل والعلم، سوء أوضاع المسلمين وربطهم – أي الملاحدة – بطريقة لا شعوريّة بين الدين والتخلف في واقعنا المعاصر، عجزهم الفاضح عن فهم جوهر حقائق الوجود وعلاقاته، وبالتّالي هم يرفضون ليس لعدم الدليل بل لعجزهم عن فهمه وإقامته، انخداعهم بأقاويل بعض الغربيين بأنّ العلم في العصر الحديث يستطيع تفسير كل شيء وأنّه حقائق مطلقة، ولما كانت الحقائق على وجود الله تعالى واضحة، والبراهين على ضلال الإلحاد والكفر جليّة، فضحهم الله تعالى فقال: ﴿ وجَحَدُوا بِهَا واسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وعُلُوًّا ﴾ [النمل:14].
9- أحد أهم خطط الملاحدة في التشغيب على العقل المسلم والتشويش على الحقائق لديه، هو استعمال طريقة العموميات والتعميمات. ماذا أقصد بهذا الكلام؟؟ طريقة العموميات أقصد بها أنّ الملحد يستعمل الكلمات بمعناها العام المقبول لدى جمهور الناس، ويرفض تحليلها والدخول في تفاصيلها؛ لأنّه يدرك أنّ هذا التفصيل للكلمات وتحديد المعاني المرادة منها بالضبط أثناء الحوار والمناظرة سيهدم عليه أفكاره وينقض له بناءه الإلحادي. ولهذا احرص أيها المؤمن على عدم الانخداع بالعموميات، بل طالبه دائما بتحديد الكلمات بمعانيها اللغوية والاصطلاحيّة، وهذا ما يسميه علماؤنا بالسبر والتقسيم، أي تفكيك الكلمات لقبول ما فيها من الحق ورد ما فيها من الباطل. أما طريقة التعميمات فأقصد بها، أنّ الملحد يأخذ الكلمة التي تشمل بمفهومها العام مجموعة من المعطيات، ثم يركز على باطل بعض تلك المعطيات ليسحبه على جميعها، مثل: كلمة دين. فهذه الكلمة تشمل الاسلام، المسيحية، اليهودية، البوذية.. الخ، والملحد حين يريد خداع نفسه وخداع المؤمن يأخذ معطيات المسيحية أو البوذية مثلا ويضفيها على الاسلام بسبب أنّ المسيحية دين والاسلام دين إذًا هما سواء، ولهذا كن حذرًا أثناء الحوار من التعميمات، ووافقه على أنّ هذه الكلمة تشمل الجميع، لكن خصائصها وحقائقها تختلف من دين إلى آخر.
10- لا تغتر بالمصادر التي يذكرها الملحد أثناء حواره ومناظرته، فهم – غالبهم – قوم بُهت، يفترون الكذب وهم يعلمون، وبعضهم الآخر يجهل ما ينقل، بل يلجؤون إلى عملية القص في القرآن، وفي الحديث مع الاستشهاد بالضعيف والموضوع، وفي كلام العلماء؛ ولهذا يجب عليك أن تطالبه أولاً بالمصدر، وأن تتأكد بنفسك، ثم تأمل معاني الحديث وشروح العلماء له إن كان حديثًا صحيحًا مقبولاً لدى علماء الحديث، وأيضًا سياق الآيات والأحاديث، وأيضًا سياق شاهده من كلام العلماء، والغفلة عن هذه الحقيقة ستجعل الملحد يحاصرك في دائرة ضيقة حرجة، تجد فيها نفسك ملزمًا بالدفاع ولو بالخطأ الذي لا يقبله الله ولا رسوله ولا علماء الأمة، وهذا راجع إلى الفكرة السابقة من أنّه يستحيل أن يتناقض كلام الله أو كلام رسوله صلى الله عليه وسلم مع معطيات العقل الصريح والعلم الصحيح، أما كلام العلماء فالجمهور معصوم من الخطأ، وما يوجد في كلام بعضهم مما فيه مخالفة لتقريرات القرآن والسنة، فذلك أمر طبيعي، إذ ما جعل الله العصمة لأحد إلا: للقرآن، السنة، جمهور العلماء. والقرآن والسنة حاكمان على كلام العلماء، وليس كلام العلماء هو الحاكم عليهما. وستجد الملحد يستشهد بكلام بعض العلماء مما يوافق هواه أكثر مما يستشهد بالقرآن والسنة، إذا وجدك يقظًا معه؛ ولهذا لا تدهش لأخطاء بعض علمائنا رضي الله عنهم.
11- احذر من التسرع في خوض مناظرات مع الملاحدة، إلا بعد أن تستعد لها جيّدًا: علمًا، وفهمًا. فكم من شاب ظن بنفسه القدرة على المناظرة، والمسكين ليس معه من العلم إلا القشور، فراح يخوض مناظرات ويدخل على صفحاتهم ومنتدياتهم، فوقع في شركهم، فانقلب ملحدًا مثلهم، وإنما السبب هو الحماسة الفارغة من بعض الشباب، يزعمون أنّهم يريدون نصرة الإسلام، ولكن بدون سلاح!! ولقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن من فتنة الدجال وأمره بالهروب منه، فقال: ((من سمع بالدجال فلينأ عنه (يبتعد)، فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به من الشبهات، أو لما يبعث به من الشبهات))، ولهذا خذ مني نصيحة: طالع في علوم الشريعة أولا، واجمع حصيلة معرفية وثقافية ثانيا، وتابع مناظرات فحول الإسلام مع الملاحدة ثالثًا؛ لكي تعرف كيف تدار المناظرات، وكيف تسير، وكيف يجب عليها المناظر المسلم وكيف يلقي الملحد شبهاته، واقرأ كتب الرد على الإلحاد وكشف زيوفه رابعًا، وبعد كل هذا، وهو يأخذ وقتًا، تستطيع أن تتوكل على الله وتبدأ معهم، ومع الوقت ستكتسب خبرة في هذا المجال.
12- وهنا سأضع لك مجموعة من ملامح الإلحاد، عسى أن تنتفع بها:
♦ الإلحاد بفروعه كافة يقوم على كم هائل من الشبهات المضلّلة، بل على كم هائل من التزيّيفات الخادعة، التّي تدور بين أربع مستويات:
1- شبهات عقليّة.
2- شبهات علميّة.
3- شبهات دينيّة.
4- شبهات عاطفيّة.
♦ يستغل الإلحاد القاسم اللغوي المشترك لكلمة: دين، فيعتقدون – ويريدون للقارئ أن يعتقد أيضًا- أنّ كل ما صح بحق المسيحيّة مثلًا يصح بحق الإسلام، والسبب أنّ كليهما تنسحب عليه كلمة: دين، وبالتّالي فهما نسخة واحدة!!
♦ العقل الإلحادي يعجز عن فهم مستويات الوجود: الواجب، الممكن، المستحيل. ولهذا تراه يخلط في أسئلته وافتراضاته، ويؤسس عليها كمًّا هائلًا من النتائج. ومعلوم في قوانين العقل أنّ المقدمة إذا كانت خطأ، فبالضرورة تكون النتيجة خطأً، ولهذا يشدّدون على: من خلق الله؟! علمًا أن صيغة هذا السؤال مثلًا تهدم نفسها بنفسها؛ لأنّه إذا كان الإله مخلوقًا من طرف الله، إذًا فالله هو الإله والخالق الوحيد، أما الآخر فهو مخلوق وليس إلهًا، وقِس على هذا.
♦ يرفض الفكر الإلحادي الاعتراف باللغة وسعة دلالاتها المتنوعة؛ سواء الفكريّة، أم الأخلاقيّة، أم النفسيّة، ولهذا تجد لديه حساسيّة شديدة تجاه المفردات اللغويّة التّي تحمل – من بين ما تحمل – شحنات دينيّة؛ مثل: عقيدة، عبادة، تقليد.. إلخ.
♦ من خُدع الإلحاد الماكرة أنّه يعتمد على طرح أسئلة هي في أساسها مبنيّة على أصول أخرى، وبدون التسليم بتلك الأصول والاقتناع بها، تجرّ تلك الأسئلة الماكرة صاحبها إلى بلبلة فكريّة واضطراب عقائدي مثل: لماذا خلقنا الله بدون أن يأخذ رأينا (أنت مخلوق فكيف يأخذ رأيك؟) إذا كان الله – سبحانه – يريد الخير لنا، فلماذا خلق النّار قبل أن يخلقنا: (أنت مخلوق عاجز عن فهم طبيعة روحك، فكيف تريد أن تحيط علما بحكمة الله المطلقة؟).
♦ « أكثر ما يلجأ إليه الملحدون في الاحتجاج لإلحادهم هو أنّ المؤمنين بوجود الخالق لم يعطوهم على وجوده حجة مقنعة. لكنهم حين يفعلون ذلك يفترضون أنّ الأمر الطبيعي هو عدم وجود الخالق، وأنّ الذي يدعي وجوده هو المطالب بإعطاء الدليل على وجوده، لماذا لا يكون العكس؟ لماذا لا يكون الأمر الطبيعي هو الأمر الذي يؤمن به جماهير الناس والذي يجدون له أصلًا في نفوسهم، وأن الذي يشذ عن هذا هو المطالب بالدليل؟».
♦ ينطلق الإلحاد الغربي من ثلاثة منطلقات: واقعه المعاصر الغارق في الماديّة، تاريخه البئيس مع الكنسية، مقولات الفلسفة اليونانيّة، هذه المعطيات – خاصة المعطى الأول والثاني – ساهمت بشكل كبير وفعّال في تشكيل عقليّة الإلحاد لدى الملاحدة الغربيين، ويأت الإلحاد العربي الغبي الساذج، فيسقط هذه الملابسات على نفسه في علاقته هو بالإسلام وكل شيء.
♦ ينطلق الإلحاد العربي المعاصر من ثلاثة منطلقات: واقعه الحالك المتردي في التخلف والاستبداد، انصهاره في بوتقة الإلحاد الغربي ولهذا ينقل شبهاته وأفكاره، فلستَ تجد فكرة عند الملحد العربي إلا وتجد شقيقه الغربي سبقه إليها أوّلًا، وثالثة الأثافي: جهل شنيع بالمنظومة الإسلامية تصوّرًا وممارسةً، وهذا يدل على فقر العقل الملحد العربي وعجزه عن ابتكار أفكار جديدة تخص عقيدته الإلحاديّة، والعجب أنّه يدعي بعد هذا العقل والحريّة!!
♦ من مميّزات الإلحاد المعاصر عن الإلحاد القديم، أنّ كهنته يروجون لزعم يعتقدون أنّه برهان قاطع على صحة دينهم الإلحادي الجديد، ألا وهو تقديمهم لدين الإلحاد على أنّه حتميّة تاريخيّة وضرورة وجوديّة، وأنّ العلم والزمن كفيلان بإسقاط الإله من على عرشه وبالتّالي كشف خرافات العقائد الدينيّة التي تأسست على فكرة وجود إله مطلق، وبالتّالي سيحل العقل والعلم في تنظيم شؤون الحياة تنظيمًا راقيًا وتفسير معطيات الحياة تفسيرًا صحيحًا، وتحقيق السعادة للإنسان بصورة جميلة، محل العقائد الدينيّة ومقولة الإله المطلق.
♦ يروج كهنة الإلحاد المعاصر وأربابه لفكرة ماكرة كثيرًا ما خدعت الشباب والسذج من النّاس من ذوي الثقافة والمعرفة المحدودة، ألا وهي أنّ الإلحاد ليس دينًا ولا منهجًا ولا عقيدة، بل هو فقط موقف يتبنّاه المرء تجاه مسألة وجود الإله، والحياة بعد الموت. والمكر هنا هو أنّ كل فكرة كلية تشمل بالضرورة: التصورات العقلية، وعنها تنتج القيم الأخلاقيّة، وعنها تتحدد طبيعة القوانين التشريعيّة والعلاقات الاجتماعية. أي أنّ كل فكرة كليّة تأخذ طابعا فلسفيًّا شموليًّا، لا يمكن أن تنفصل عراها مطلقًا.
كانت تلك مجموعة من الأفكار العابرة، حول ما يجب عليك أيها الأخ العزيز الإلمام به، عندما تقرر مناظرة الملاحدة، والله الموفق سواء السبيل.