الملحد.. ومشاعر الحياة والموت والعلاقات الإنسانية!
إن مِن أعجب نفسيات البشر نفسية المُلحد أو اللاأدري!.. ذلك أنه الوحيد من بين البشر الذي قد خلع نفسه مِن لباس الفطرة الإيماني السابغ!.. وانسلخ بعقله مِن حقيقة وجود إلهٍ لهذا الكون!.. وهي التي لا يُنكرها حتى المشركون أنفسهم!!.. يقول الله تعالى عنهم: “وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ” !!… الزمر 38.
وعلى هذا نجد أن المشرك نفسه أحسن حالا ًمن الملحد الذي أنكر وجود الله!!.. فالمؤمن أو المشرك على الأقل تجد أنفسهم مسوغًا لفعل الخير!.. وتجد أنفسهم مُبررا للتضحيات في الدنيا!.. بل وتنتظر أنفسهم المكافأة على ذلك كله بعد الموت!.. أما في النوازل والمصائب فتجد أنفسهم في الإيمان بإلهٍ عونًا على الصبر على المكاره!.. وعونًا على الابتعاد عن اليأس أو الانتحار!..
وهكذا تتضح المعادلة الظالمة التي رضي فيها الملحد أو اللا أدرياني لنفسه بنصيب المغبون !!.. إذ بالله عليكم لو كانت نسبة وجود إلهٍ من عدمه هي النصف للنصف جدلا؛ أفلا يكون من المنطق المادي النفعي البحت أن يعيش الإنسان مؤمنا سعيدا – نفسيا وحياتيا بشرع الله – بدلا من أن يعيش تائها حائرا لا لذة له في خير ولا صبر له على شر؟!!!..
لن أخوض الآن في الدلائل المادية والعقلية على وجود الله تعالى والتي لا يُنكرها إلا كل مَن سفه نفسه وعقله!.. ولكني سأكتفي بالإشارة إلى قيمة مشاعر الموت والحياة فقط .. و إلى العلاقات الإنسانية العامة عند الملحد أو اللاأدري!!..
فأسألك – بينك وبين نفسك وربك- وبالله عليك..
هل تفكرت يوما في ميلاد طفل جديد لك؟!.. سواء كان ابنك أو ابن أختك أو ابن أخيك إلخ؟!!..
بماذا تفسر مشاعرك ساعتها؟!.. والتي قد تصل أحيانا عند عددٍ من الناس -ويا للعجب- إلى البكاء مِن الفرح!.. أو حتى البكاء تعاطفا مع الموقف وخصوصا عند النساء؟!!.. بماذا تفسر هذا الشعور بالفرحة الغامرة ساعتها؟!.. ومَن في رأيك الذي فطر البشر على ذلك؟!..هل هي الصدفة أو التطور مثلا يعطياننا بذلك حافزا على حب البقاء؟!!.. وبفرض أن ذلك كذلك؛ هل للصدفة أو التطور عقلٌ لزرع هذه المشاعر فينا أصلا؟!.. أيضا.. مَن الذي جَبـَـلَ الأب والأم على الحنو الفطري على وليدهما والتضحية من أجله مهما كانت الظروف؟!!.. ألم يكن مِن الأحرى ونحن نتاج صدفة بلا مشاعر كما يؤمن الملحد أو اللاأدري ألا نفرح كهذا الفرح؟!.. وألا نهتم بأولادنا -لدرجة تصل للموت من أجلهم- كهذا الاهتمام؟!..
اللهم إنه الله الذي فطر وغرس فأحسن الخلق والتدبير!..
ثم أسألك عن الموت.. بالله عليك هل تفكرت يوما في موتك؟!.. أو في موت إنسان عزيز عليك؟!.. ماذا دار بعقلك وقلبك ساعتها؟!.. بل هل حضرت يوما وفاة إنسان عزيز عليك بالفعل؟!!.. هل حضرت غــُسله وتكفينه ودفنه؟!… هل تفكرت في قيمة هذه الحياة التي تعيشها أنت الآن ماذا تعني بأكملها في مقابل لحظة النهاية والموت هذه ؟!.. بل هل يجوز في عقلك وتفكيرك أن يموت الإنسان العاقل العاطفي الاجتماعي هكذا في لحظة!.. وكأنه صرصور صغير قد داسته إحدى الأقدام فضاع كل ما كان يملك ويُفكر ويضحك ويأمل ويتمنى ويُحب إلى الأبد؟!!!..
بل هل تفكرت يوما في احتمالية أن يكون هناك بالفعل إلهٌ وقيامةٌ وحساب؟!.. هل فكرت ساعتها ماذا سيكون موقفك؟!!.. خصوصا وأنه لا عودة !..ولا رجوع !.. فالدنيا دار عمل، والآخرة دار حساب ؟!..
بل ولماذا تستمر في الحياة أصلا وتتحمل آلامها المادية والمعنوية وتناضل وتكافح وتعمل و و و.. إذا كان مصيرك في النهاية حتما هو الموت أيها الكائن الصُدَفي؟!..
أليس من العقل أن تخطو خطوة النهاية الحتمية تلك من الآن بدلا ًمن طول هذا العناء؟!!!..
وإلى هنا نأتي للسؤال الثالث والأخير أيها الكائن وليد الصدفة والعائد إلى العدم !!!..
ألا وهو: ما هو تفسيرك لخوفك الشديد من الموت إذا؟!.. بل وما تفسيرك لتعلقك بالحياة وبمَن تحب مِن زوجتك وأولادك وآباءك وأصدقاءك ومعارفك؟!!!… أليس مِن الأولى بك أيها الكائن الصُدفي أن لا يعنيك كل هذا أصلا في شيءٍ ماديّ؟!… بل ما تفسيرك للعواطف التي تجيش في قلبك أحيانا فتــُـترجمها عيناك إلى دموع ؟!!!..
لماذا تبكي؟!.. وعلى ماذا تبكي ؟!!.. وكيف تبكي ؟!!..
هل قامت تلك الصدفة والطبيعة بغرس ذلك فيك أيها البشري؟!… وفي أي جين وراثي ذلك؟!.. بل وما معيار الضحك والبكاء عندك ؟!!!…
خصوصا وأن الطفل الوليد يعرفهما حتى قبل أن يعي ما حوله!.. وحتى قبل أن يدرك بعينيه ما يراه!!…
فسبحان الله الواحد الباريء الخالق!!.. المُذكِّر لعباده بهذه القدرة الفريدة منه قائلا: “وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى “ النجم 42- 43!..
فاللهم لا تحرمنا من نعمة التفكر فيك!.. ومن نعمة الإيمان بك!.. ومِن نعمة البكاء بين يديك.
واهد للحق كل ضال يبحث عنه بإذنك..آميـــن ..