أديان وفرق ومذاهبالمسيحية

المسيحية كما جاء بها المسيح (5)

موازنة بين المسيح في القرآن الكريم والمسيح في المسيحية الحاضرة:

[قال تعالى]: ﴿ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [مريم: 34، 35]. وتلك ديانته كما جاء بها، ودعا إليها، فما الذي عرض لها من بعده، وما الذي أُدخل عليها بعد أن رُفِع إلى ربه؟… أول ما أدخل على هذه الديانة هو ما يتعلق بشخص المسيح عليه السلام، ولنسارع في بيان اعتقادهم في المسيح بإيجاز، ثم بعد ذلك نبين الأدوار التاريخية التي مرَّت بتاريخ المسيحيين، ومحاولين ما استطعنا أن نبين مصادر هذه الاعتقادات التي تتعلق بالمسيح، ثم بقوانينهم الكنسية.

يعتقد المسيحيون أن الله سبحانه وتعالى أوصى آدم بألا يأكل من الشجرة، فأكل منها بإغواء إبليس، فاستحق هو وذريته الفناء، ولكن الله سبحانه وتعالى رحمة منه بعبادة جسَّد كلمته وهي ابنه الأزلي تجسدًا ظاهرًا، ورضي بموته على الصليب، وهو غير مستحق لذلك، لكي يكون ذلك فداء الخطيئة الأولى وعدلها، ولم يكن في استطاعة أحد أن يقوم بذلك الفداء سوى ابن الله وابن الإنسان معًا، وكان ذلك الابن، وهذا الفداء هو المسيح عيسى ولد مريم العذراء.

أرسل الله إليها ملاكه جبريل، وبشرها بأن المسيح مخلص الدنيا يولد منها، وإن الروح القدس يحل فيها، فتلد الكلمة الأزلية، وتصر والدة الإله. وقد ولد ببيت لحم، إذ كان قد ذهب إليها يوسف النجار خطيب مريم الذي لم يتركها بعد أن حملت: لرؤيا رآها في منامه تمنعه من ذلك، لأن بيت لحم بلده، فذهب إليها ومعه مريم ليقيد اسمه في الإحصاء العام الذي أمر به الرومان.

ولد المسيح في خان قد نزل فيه يوسف ومريم، ولفقرهما لم يجدا مأوى لهما في الخان سوى مكان الدواب. ولقد قمطته وأضجعته في مذود البقر.

وفي ليلة ميلاده ظهر ملاك لجماعة من الرعاة كانوا يحرسون قطعانهم فيلا الحقول المجاورة لبيت لحم، فرأوا بفتة جمهورًا من الملائكة مسبحين قائلين: «المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة»، فترك الرعاة القطعان، وذهبوا إلى المكان الذي دلهم عليه الملائكة، فرأوا الطفل في المذود، وعادوا وهم يمجدون الله، ويسبحونه على كل ما سمعوا ورأوا، كما قيل لهم.

وقد ختن المسيح لما مرت ثمانية أيام من وقت ولادته، وسمى يسوع. أي المخلص في زعمهم كما سماه الملاك عند التبشير به.

ولقد حدث بعد ولادته بأيام أن وفد إلى أورشليم جماعة من حكماء المجوس وعلمائهم، قالوا إنه لاح لهم في السماء نجم عرفوا من مرآه بما أوتوا من علمهم وما عندهم من آثار ونبوات إنه نجم مولود جديد هو ملك اليهود المنبأ به فعزموا على الرحيل إليه، ليسجدوا له، وحملوا معهم هدايا من الذهب واللبان والمر. وكانوا في مسيرهم يسيرون والنجم الذي رأوه يهديهم إلى الطريق هم ومن معهم من خدم، حتى جاءوا إلى المدينة، وسألوا عن مكان الملك المولود، فلما علم هيرودس ملك اليهود بأمرهم دعاهم إليه، واستطلع طلعهم، وتعرف أمرهم فقصوا عليه قصصهم وما ابتعثهم إلى الضرب في الأرض. والمجيء إلى أورشليم، فسرى إلى نفسه الخوف على ملكه من هذا الوليد، ثم دعا إليه كهنة اليهود وكتبتهم، وسألهم أين يولد المسيح، فقالوا: في بيت لحم اليهودية حسب النبوءات فقال للمجوس: اذهبوا إلى بيت لحم، ومتى وجدتم الصبي فأخبروني لأسجد له، قال ذلك، وأخفى في نفسه أمرًا لم يبده، فذهبوا والنجم يتقدمهم، ووجدوا الصبي يسوع وأمه، فسجدوا له، وقدموا هداياهم، وفي هذا الوقت ظهر ملاك الرب في الحلم ليوسف، وقال له: قم وخذ الصبي وأمه، وأهرب إلى مصر، لأن هيرودس يطلب الصبي ليقتله، ففعل كما أمر، وخرجت الأسرة المقدسة إلى مصر وسافر المجوس إلى بلادهم من غير أن يعرجوا على هيرودس لأنهم نهوا عن العودة إليه بوحي أوحى إليهم في حلم، فأخذه الغيظ، واندفع فأمر بقتل جميع أطفال بيت لحم والبلاد التي تجاوره ممن لا يتجاوز سنه سنتين. زاعمًا أن يسوع لابد أن يكون أحدهم.

رحلت الأسرة المقدسة إلى مصر ونزلوا حيث يوجد الدير المحرق، كما يعتقدون، وبعد أن قاموا بضعة أشهر اعتزموا الرحيل، لأن ملك الرب ظهر ليوسف في الحلم، وقال له: قم وخذ الصبي وأمه وعد إلى اليهودية، لأن هيرودوس الذي كان يطلب نفس الصبي قد مات، فقاموا واتجهوا إلى فلسطين، ومروا في طريقهم بالمطرية، واستظلوا بشجرة هناك تسمى شجرة العذراء. وفي بعض الآثار أنه لما دخلت مريم وابنها يوسف أرض مصر، انكفأت أصنامها وتحطمت، وكان ذلك إتمامًا لنبوة أشعياء القائلة: «هو ذا الرب راكب على سحابة وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه، ويذوب قلب مصر داخلها». [سفر أشعياء – 19: 1].

ولما عادوا إلى فلسطين أقاموا في الناصرة. ولما بلغ يسوع الثلاثين من عمره عمد في نهر الأردن، عمده يوحنا المعمدان، ثم صام أربعين يومًا، ولما شرع في التبشير ظهر له الشيطان يجربه. وقال له: أعطيك هذه الدنيا إن خررت وسجدت لي؛ فأجابه يسوع وقال: أذهب يا شيطان. ثم تركه إبليس. وإذا ملائكة قد جاءت وصارت تخدمه، وبعد هذه التجربة صار في طريق التبشير. فلازمه حواريوه الاثنا عشر، واختار معهم سبعين أرسلهم مثنى مثنى إلى قرى اليهود والجليل للتبشير. ثم أقام ثلاث سنوات يبشر، ويأتي بالمعجزات المثبتة لألوهيته في زعمهم: يشفى المريض، ويفتح أعين العميان، ويخرج الأرواح النجسة، وينهر الرياح إذا ثارت، والبحر إذا أصخب بالأذى، وقذف بالزبد، فيهدآن.

ولما رأى اليهود أن الأمر يكاد يفلت من أيديهم تشاوروا لكي يصطادوه، وتآمروا عليه، وشكوه ظلمًا، وكذبوا عليه، ثم أمسكوا به وأسلموه إلى بيلاطس حاكم فلسطين من قبل الرومان. فقضى عليه بالموت صلبًا، فصلب في زعمهم ودفن. وبعد أن مكث في القبر ثلاثة أيام قام في الفصح، ومكث أربعين يومًا أرتفع بعدها إلى السماء أمام تلاميذه الذين عينهم لنشر ديانته، إذ قال لهم: «أذهبوا إلى العالم، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها، وعمدوهم باسم الأب والابن وروح القدس».

المصدر: «محاضرات في مقارنة الأديان» (ص 24 – 27).

المصدر
شبكة الألوكة
زر الذهاب إلى الأعلى