أديان وفرق ومذاهبالمسيحية

المرأة في النصرانية

جاءت أغلب تعاليم المسيح حول المرأة في موعظة الجبل؛ إذ يقول: “قد سمعتم أنه قيل للقدماء: لا تزنِ، وأما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه، فإن كانت عينك اليمنى تعثرك، فاقلعها وألقِها عنك؛ لأنه خيرٌ لك أن يهلك أحد أعضائك، ولا يلقى جسدك كله في جهنم…

وقيل: من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق، وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته، إلا لعلة الزنا، يجعلها تزني، ومن تزوج مطلقة فإنه يزني – متى 5: 27 – 32″.

لقد أثبت الواقع استحالة الاستغناء عن الطلاق، بدليل أن الدول المسيحية سنت قوانين تبيح الطلاق، فهل من مصلحة المرأة المطلقة ألا تتزوج مطلقًا؟!

ولقد علم المسيح تلاميذه وتابعيه أن يطبقوا شريعة موسى في كل شيء؛ فهو لم يأتِ لينقضها، ولم يأتِ بتشريع جديد يعالج به مختلف نواحي الحياة؛ فلقد كان آخر تعليمه لهم: “على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا؛ لأنهم يقولون ولا يفعلون – متى 23: 2 – 3”.

وبينما كان يتحدث أمام جمع كبير من الإسرائيليين، “قال له واحد من الجمع: يا معلم، قل لأخي أن يقاسمني الميراث، فقال له: يا إنسان، من أقامني عليكما قاضيًا أو مقسمًا؟ – لوقا 12: 13 – 14”.

ليس في المسيحية – إذًا – تشريع خاص للميراث، وما جاء في شريعة موسى خاصًّا بذلك ينطبق على المسيحيين، وخلاصته ألا ترث الأنثى إلا عند فقد الذكور.

ولقد كان المسيح رحيمًا بالمرضى، فشفى كثيرًا من أصحاب الأمراض والعاهات، يستوي في ذلك الرجال والنساء، فشفى حماة بطرس – متى 8: 14 – 15، والمرأة التي كانت تنزف سنوات طويلة، وقد قال لها: “ثقي يا ابنة، إيمانك قد شفاك – متى 8: 20 – 21”.

على أن كتَبة الأناجيل قد عرضوا لنا مواقف غريبة للمسيح مع أمه “فقد كان عرس في قانا الجليل، وكانت أم يسوع هناك… ولما فرغت الخمر قالت أم يسوع له: ليس لهم خمر، فقال لها يسوع: ما لي ولك يا امرأة؟! – يوحنا 2: 1 – 4”.

“وفيما هو يكلم الجموع، إذ أمه وإخوته قد وقفوا خارجًا طالبين أن يكلموه، فقال له واحد: هو ذا أمك وإخوتك واقفون خارجًا طالبين أن يكلموك، فأجاب وقال للقائل: من هي أمي؟ ومن هم إخوتي؟! ثم مد يده نحو تلاميذه وقال: ها أمي وإخوتي – متى 12: 46 – 49”.

أما حسب رواية لوقا، فإنه “أجاب وقال لهم: أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها – 8: 12”.

ولقد كانت مثل هذه المواقف موضع تعليق لكثيرين، مثل ول ديورانت الذي يقول عن المسيح: إنه “ينصحنا بنبل وشرف ألا نحكم [ندين] حتى لا يحكم علينا [ندان]، ولكنه يلعن الناس والمدن التي لم تؤمن برسالته، ويلعن شجرة التين التي لم تكن تحمل ثمرًا، ولعله كان قاسيًا بعض القسوة على أمه، وكان يتصف بحماسة النبي العبراني المتزمت أكثر من اتصافه بالهدوء الشامل الذي يمتاز به الحكيم اليوناني” 1.

لقد جاء المسيح رسولاً إلى بني إسرائيل، وكان حريصًا على إعلان ذلك في كل مناسبة، فحين أرسل تلاميذه للتبشير، حصر مهمتهم في الشعب الإسرائيلي فقط، لدرجة أنه أخرج السامريين الذين يؤمنون بموسى والتوراة من نطاق رسالته، وفي هذا يقول الإنجيل: “هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع، وأوصاهم قائلاً: إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة السامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، وفيما أنتم ذاهبون اكرزوا قائلين: إنه قد اقترب ملكوت السموات – متى 10: 5 – 7”2.

ولقد كان من حرص المسيح على بيان أن رسالته لا تختص إلا ببني إسرائيل، أنه لم يسارع إلى تقديم يد العون والرحمة لامرأة ملهوفة استغاثت به أن يرحمها ويشفي ابنتها المريضة، لا لشيء إلا لأن المرأة لم تكن من بنات إسرائيل؛ فقد “خرج يسوع من هناك، وانصرف إلى نواحي صور وصيداء، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم، صرخت إليه قائلة: ارحمني يا سيد يا ابن داود، ابنتي مجنونة جدًّا، فلم يجبها بكلمة!

فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: اصرفها؛ لأنها تصيح وراءنا.

فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة.

فأتت وسجدت له قائلة: يا سيد، أعني.

فأجاب وقال: ليس حسنًا أن يؤخذ خبز البنين [الإسرائيليين]، ويطرح للكلاب [كل من ليسوا من بني إسرائيل]!

فقالت: نعم يا سيد، والكلاب أيضًا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها.

حينئذ أجاب يسوع وقال لها: يا امرأة، عظيم إيمانك، ليكن لك كما تريدين، فشفيت ابنتها من تلك الساعة – متى 15: 21 – 28″.

وإذا كان غير الإسرائيليين كلابًا، فماذا بقي؟!

  1.  قصة الحضارة: ول ديورانت – ج 11 – ص 218. ↩︎
  2. قصة الحضارة: ول ديورانت – ج 11 – ص 218. ↩︎
المصدر
شبكة الألوكة
زر الذهاب إلى الأعلى