المخطط العدائي للإسلام ونتائجه
اختفت وراء مقتل عثمان – رضي الله عنه – دواعى الفتن والمؤامرات، فإن الأحداث التى أشعل نارها عبدالله بن سبأ تدلنا على أنه كان المحور الذي التف حوله الحانقون والحاقدون والمنافقون، فأطلوا برأسهم بعد أن قمعهم الشيخان قبله، لسببين: أحدهما خوفهم من الظهور أمام عمر بن الخطاب لأنهم يعرفون أسلوبه في الزجر والردع، والثاني، كثرة عدد الصحابة الذين يعرفون فضائل عثمان فيخرجون ألسنة الطاعنين فيه، وربما وجدنا في دفاع عبد الله بن عمر عنه في وجه الطاعنين ما يؤيد نظرنا، ولم يكن كل الناس كابن عمر1.
ولا نستطيع الاسترسال في ذكر هذه المطاعن ودفاع عثمان عن نفسه، فقد لا تسمح طبيعة هذه الدراسة من تحقيق غرضنا2، ولكننا نكتفى بالقول، إن المتابع للأحداث في كتب التاريخ بحيدة مع سلامة قصد، يعثر على ملامح خطط معدة من قبل، وأشهرها تزييف كتاب على لسان عائشة – رضى الله عنها – تأمرهم فيه أن يخرجوا. ثم إن عثمان دافع عن نفسه في كل الافتراءات التي وجهت إليه وأبى تنفيذ مشورة بعض الصحابة بقتلهم قمعًا للفتن، وأعاد الوفود إلى بلادها، ولكنهم ما لبثوا أن عادوا بعد تظاهرهم بالرجوع متعللين مرة أخرى باكتشاف كتاب على لسان عثمان يأمر فيه أمراء الأمصار بقتلهم ولكن الخليفة تبرأ مما نسبوه إليه. وناظرهم محمد بن مسلمة فتظاهروا مرة ثانية بالعودة، ولكن ما لبثوا أن عادوا.
ومما يدلنا على حرص عثمان على وحدة المسلمين ودرء الفتن عنهم، أنه قبل مناقشتهم والدفاع عن نفسه لمقارعة الحجة بالحجة فبرهن على سلامة موقفه وقوة شخصيته وحرصه على الإقناع والاقتناع. ويقوي هذا الاستنتاج أنه ما كان أحد من الصحابة يظن أن الأمر يصل إلى حد قتله.
وعانت الأمة اللإسلامية من آثار استشهاده ما عانت، إذ تحول الدفع اللإسلامي النشط، إلى نكسة موسفة أصابت المجتمع الإسلامي في الصميم، ولهذا فإننا نظن أننا لا نخطئ إذا عللنا هذه الأحداث بأصابع محركة من وراء الستار بدهاء وإحكام، وسنحت لأصحابها فرصة المضي قدمًا لتنفيذ أهدافهم فكان هدفهم الأول إحداث صدع كبير فلما تحقق أصبح من الميسور أن تتلاحق الفتن. فيأخذ بعضها برقاب بعض، وما دامت الشرارة الأولى قد بدأت. فقد أصبحت النتائج محققة، ومعظم النار من مستصغر الشرر.
ونقول هذا ردًا على منكري وجود شخصية عبد الله بن سبأ اليهودي المتظاهر بالإسلام للكيد والطعن، أو المستبعدين لهذه الأحداث الضخمة ونسبتها إلى شخصه وحده. وقد يصعب فعلًا تصديق أن يقوم شخص واحد بكل هذا، ولكننا نرى أن هناك مخططًا محبوك الأطراف، يصل بين وفود الأمصار، وترويج شائعات حول تصرفات الخليفة، ثم الإصرار على قتله بعد أن اتضح سلامة موقفه، بدليل أن الحصار حول منزله قد استمر أكثر من شهر، ثم هاجموه على حين غرة فقتلوه وهو يقرأ القرآن!!
والحق أن دور ابن سبأ كان إدارة شبكة المنافقين والأعداء وتوظيفها في إشاعة الفتن والقلاقل في العالم الإسلامي هذا المخطط الذي لم يتوقف.
ففي الدراسة التي أجراها الدكتور الزغبي خلص إلى:
ترجيح وجود مؤتمر سري أومحفل من محافل القوة الخفية (الماسونية) عقد في سبأ، وخطط إلى ما يفضي إلى عرقلة سير الدعوة الإسلامية، وكلف فرقة بهبوط المدينة المنورة منذ عهد عمر – رضي الله عنه – فاندست كعادتها المتقنة في المجتمع الإسلامي، وما لبث أن استعانت بالعناصر الموتورة التي يتزعمها تلامذة عبد الله بن أبي بن سلول، أو الموتورة بقوميتها لفيروز الفارسي والهرمزان، ونفذت قرار اغتيال عمر بن الخطاب وأطاحت بعثمان بن عفان وخلفت ألوهية علي بن أبي طالب.
ونقول في النهاية:
(ذهب مؤسسو الفتنة، وعاش أبناؤهم مسلمين فيما يبدو للناس، ويهوداً في الحقيقة، أي: عاشوا عيونًا وآذانًا، ومطلقي التهم وخالقي الأحزاب ومنظمي المؤمرات)3.