سؤال أتباع خرافة التطور: لماذا يخلق الله طيورا بأجنحة لا تطير؟
أمثلتنا اليوم -إخواني- هي من عالَم الحيوان، ومُفاجآتها أكبر من مفاجآت الحلقة الماضية. يقولون لك.. : [في الحيوانات أخطاء وأعضاء زائدةٌ تدلُّ على أَنّها لم تأتِ بِتصميم خالقٍ عليمٍ، فما فائدة أجْنِحة الطُّيور التي لا تطير؟ ما فائدة العظام الخلفيّة في الحوت؟ ما فائدة الطّول الزّائد للعَصَب الحُنجريِّ الرّاجع لدى الزّرافة؟]
أولًا: أجنحة الطّيور التي لا تطير. قالوا [ما مكان هذه الأجنحة؟ نعامةٌ بأجنحةٍ ولا تطير، أليس كذلك؟ الإيمّو بأجنحةٍ ولا تطير، الرِّيّا لا تطير، ولماذا؟ والبطريق أيضًا، بأجنحة ولا يطير، وهذا جالاباجس بأجنحةٍ ولا يطير، لماذا؟
وانظروا -إخواني- كيف أنّ ما يجعل منه البعض شُبهةً يَتحوّل بالعِلم إلى دليلٍ جديدٍ على عظمة الله تعالى؛ رأينا ذلك في شبكيّة العين وغيرها -الحلقةَ الماضيةَ-، وها نحن نراه في جناحي البطريق الذي اتّخذ منه أتباع الخُرافة شُبهةً وهو مليءٌ بآيات العَظَمة، والحِكمة، والقُدرة.
ماذا عن النّعام؟ لديه أجنحةٌ ولا يَطير أيضًا، كلِّفْ نفسك أيّها السّائل أن تتابع برنامجًا وثائقيًا لترى هذا الطّائر الذي تصل سرعته إلى (80) كيلومترًا في الساعة كيف يَستخدم أجنحته كمَكابح لتخفيف سرعته، والدّوران المُفاجئ أثناء المطاردات، أو الهربَ من الافتراس، كيف يَستخدم أجنِحته لتخويف الحيوانات التي تعتدي على بيوضه، وللاستعراض عند التّزاوج، وغيرِها، وغيرها..
ثمّ عُد بعد ذلك كلِّه واسمعهم يقولون… : [فالآن، الخَلْقَويُّ أو التّكوينيُّ لا يستطيع أن يفسِّر لنا، لماذا هذه الطُّيور لها أجنحةٌ ولا تطير؟] بالإضافة إلى هذا كلِّه -إخواني- لاحِظوا مغالطةَ (الاستدلال الدّائريِّ) في الحديث عن أجنِحة الطّيور؛ الاستدلال الدّائريُّ مغالطةٌ معروفةٌ في عِلم المغالطات المنطقيَّة، يجعل فيها المدّعي برهانه مِن نفس الدّعوى التي يُريد بَرْهَنتَها، أي أنَّ الدَّعوى هي نفسُها النّتيجة.
حين يقولُ هؤلاء أنّ هذه الأجنحة بلا فائدةٍ، ما الذي يجعلكم تحكمون أنّها بفائدةٍ أو بلا فائدةٍ؟ سيقولون: مساعدتُها للحيوان على البقاء، حسب مفهوم الانتخاب الطبيعيِّ، هذه الأجنحة لا تساعد الحيوان، وبالتّالي فليس لها فائدةٌ، وبالتّالي فقد جاءت بها الصُّدف العمياء، لا بتصميمٍ حكيمٍ.
قال ليَ البطريق: حتى أعيش في الأجواء القطبيّة شديدة البرودة فإن جسمي مليءٌ بالدُّهون، وحتى أحافظ على هذه الدُّهون فلا بُدَّ لي مِن أنْ أنزل في الماء لأصطاد.
لكن يا بطريق، كيف تستطيع أن تنزل بجسمك المليء بالشُّحوم والتي ستجعلكَ تطفو على الماء؟ أجابني: أرأيت هذه الأجنحة التي قالوا أنّها بلا فائدةٍ؟ تعال نر ماذا أصنع بها، انظُر إليّ وأنا أضربُ بها الماء فأغوصُ بسرعةٍ عاليةٍ عميقًا عميقًا في البحر، تمامًا كما الطّائرِ في جوِّ السّماء، انظر إليّ وأنا أستخدم أجنحتي لأتوجّه يَمنةً ويَسرًة كما أريد.. لكنْ، كيف استطعت أن تَخرجَ من الماء بهذه السّرعة الصّاروخيّة؟ أجابني البطريق: أرأيت هذه الأجنحة نفسها التي زعموا أنّها بلا فائدة؟ إنّها مصمَّمةٌ بشكلٍ عجيبٍ؛ انظر إليّ ماذا سأفعل، سأصعد لأسبحَ وأتقلّب عند سطح البحر أوّلًا، أتدري لماذا؟ لأملأ ريش أجنحتي بفُقاعات الهواء، يساعدها على ذلك أنّ لديّ غُددًا تُفرز عليها مادّةً دهنيّة عازلَةً للماء، انظر إلى فُقاعات الهواء وهي تَتجمّع بين الرّيش.
ثُمّ سأنزل في الماء مرة أخرى حتّى يقومَ الماء بضغْطِ أجنحتي وما حَوَته من هذه الفُقاعات، وهذا يقلِّل كثافة جسمي، فالآن أستطيع أن أصعد إلى سطح البحر بسرعةٍ هائلةٍ مطلقًا فُقاعات الهواء كأنِّي طائرةٌ نفّاثةٌ. وهذه الفُقاعات تُقلِّل احتكاك جسمي بالماء فتُسهِّل خروجي، فبأجنحتي نزَلتُ لأكسب عيْشي، وبأجنحتي أصعد.، ولولا أجنحتي -التي زعموا أنّها بلا فائدةٍ- لما عِشت أصلًا! {هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلالٍ مبين}
يعني افتَرَضوا أنّ خُرافة التّطوُّر صحيحةٌ، وبالتّالي فمِعيارها فيما له فائدةٌ وما ليس له فائدةٌ معيارٌ صحيحٌ -وهو مساعدته على البقاء-، فحَكموا بأنّ هذه الأجنحةَ بلا فائدةٍ لأنّها لا تُساعد على البقاء بزعمهم، وبالتّالي فلا خَلْقَ عن قَصْدٍ، إذَنْ فالتّطوُّر صحيحٌ! هذا هو الاستدلال الدّائري، وهو يشبه أنْ أقول لك: “أنا صادقٌ، وبما أنّي صادقٌ فإنْ قلتُ لك أنّي لا أكذب، فأنا صادقٌ في هذه الدَّعوى، وبالتّالي فأنا صادقٌ”؛ الدّليل مأخوذٌ من الدعوى نفسِها فنقولُ لهم: المنظومة الإيمانيّة المُنسجمة المتوافقة مع العلم الصحيح، الخاليةُ مِن مغالطاتكم تقول: أنَّ الخالق يخلق أشياء للجمال، فقال في أصنافٍ من الحيوانات: ﴿ولكُمْ فيهَا جمَالٌ حينَ ترِيحُونَ وحينَ تسْرَحُونَ﴾ فحتى لو افترضنا أنّ أجنحة وذيولَ الطُّيور الجميلة كالطّواويس وغيرها لا تُساعد على البقاء، وحتّى لو افترضنا أنّكم اطَّلَعتم على أحاسيس هذه الطّيور ومُيولها الجنسيّة وأثبتُّم أنّها لا تُساعد في التّزاوج، فيكفي أنّها تدلُّ العقلاءَ على أنَّ لهذا الجمال خالقًا، فكيف عندما نرى أنّ هذه الأجنحة ليست مفيدةً جماليًّا لنا -نحن عباد الله- فحسب، ولا مفيدةً لهذه الطُّيور فحسب، بل تبلغُ أنْ تكون أساسيّةً لحياتها، كما رأينا في البطريق والنّعام.