الكتابيَّات لَسْنَ مشركات!
(13) زعم البحيري: عَدَم شِرك الكتابيات من اليهود والنَّصارى، بالمُقارنة بين قول الله – عزَّ وجلَّ – {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، وبين قوله تعالى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5].
– الرَّدّ: هذا باطلٌ من عِدَّة وُجُوه كالتَّالي:
1- كما يُطالبنا دائماً بالدَّليل الصَّريح على كُفْر أهل الكتاب، نُطالبه نحن كذلك بدليلٍ صريحٍ على عَدَم شركهن، وِفْقًا للقاعدة التي قعَّدها بنفسه.
2- يُمكننا أن نُقَسِّمَ المُشركين إلى نوعين هما:
أ – مُشركين بالأصالة: كمُشركي مكَّة وما أشبه ذلك، فيَحْرُم زواج المُسلمين من نسائهم.
ب- مُشركين بالله بما عبدوا غيره وحرَّفوا وبدَّلوا في كتابه: وهُم كالذين لم يؤمنوا من اليهود والنَّصارى بنبينا محمد ﷺ، مع أنَّ نبيهم بشَّرهم بذلك كما قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصف: 6].
وكما قال أيضًا: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157]. وبهذا يتَّضِح الفَرْق الظَّاهر جداً بين الآيتين اللَّتين ذكرهما البحيري – الفرق بين المُشركات الأصليَّات والكتابيَّات -.
3- ليس معنى أنَّ شيئاً حُرِّم عليَّ مِن البَعْض، وأُبيح لي من البَعْض، أنَّ هذا يدُلّ على كُفْر الأوَّلين، وإيمان الآخرين، كلَّا.
أرأيت – مثلًا – لو أنَّي اصطدت صيدًا في الحَرَم أليس ذلك حراما عليَّ؟ بلى، وإذا اصطدتُ صيدًا من بلاد الكُفَّار أليس ذلك مباحًا لي؟ بلى، فهل يَعني هذا أنَّ أهل مكة كُفَّار، أو أنَّ أهل بلاد الكُفْر مؤمنون! طبعًا كلَّا.
4- الله – عزَّ وجلَّ – يحلّ ما شاء ويُحرِّم ما شاء، وليس لأحدٍ أن يتدخَّل في ذلك؛ حيث قال تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23].
5- كما أنَّ هُناك وَجْهَ شَبَهٍ في الجُملة بين المُسلمات وبين الكتابيَّات، وليس هذا موجودًا في المُشركات، أنَّ كُلًّا منهما يُؤمن بإلهٍ ونبيٍّ وكتابٍ، إلَّا أنَّ المُسلمات لم يُكذِّبن ولم يُحرِّفن، ولم…، على عكس الكتابيَّات، مما جعلهن يُوصفن بالمُشركات باعتبار ما كسبت أيديهن، كما وضَّحته الآيات السَّابقة.
6- إضافةً إلى أنَّ الكتابيَّات أخفُّ شِركًا من المُشركات الأصليَّات، والكلُّ في جهنمَّ وبئس المصير إذا مُتْنَ على كُفْرهن.
7- إذا كان الأمر كما زعم ذلك البحيري من إيمان الكتابيَّات، لأنَّنا كمُسلمين يجوز لنا الزَّواج منهن، فلما لا يجوز للمُسلمات الزَّواج من الكتابيِّين طالما أنَّهم مسلمون أيضًا؟
أو بعبارة أخرى: بنفس القاعدة التي استدلَّ بها البحيري على إيمان الكتابيَّات، نستدلّ بها نحن على كُفر الكتابيِّين لأنَّه لا يجوز زواج المُسلمات منهم.
8- وأخيراً، فما ذكره ذلك البحيري دليلٌ عليه لا له؛ حيث عُطفت المُحصنات الكتابيَّات على المؤمنات، والعطف يقتضي المُغايرة.
والله أعلم.