شبهات حول السنةشبهات وردود

القرآنيون

القرآنيون اسم يطلق على طائفة منتسبة إلى الإسلام يزعمون أنهم أهل القرآن، ويرون أن القرآن هو مصدرهم الوحيد للإيمان والتشريع في الإسلام، وأن السنة لا يُحتج بها؛ لأنها إنما كُتبت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة، فهم لا يعترفون بالأحاديث ولا الروايات التي تنسب للنبي صلى الله عليه وسلم على أساس أن الله قد وعد بحفظ القرآن فقط، ولا ذكر للسنة في هذا الحفظ، وهؤلاء امتداد لقوم آخرين نبأنا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( يوشك أن يقعد الرجل متكئاً على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ، ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله ) رواه أبو داود والترمذي.

وهذا الحديث دوَّنه بعض أهل العلم في دلائل النبوة، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم حي ٌّبيننا يصف حال أناس يأتون إلى المسلمين يلُبِّسون عليهم دينهم، ويضللونهم بقولهم: علينا بالقرآن فقط في أخذ الحرام والحلال، يريدون بذلك إنكار السنة والطعن فيها.

وأول ظهور لهذا الفكر في نهاية القرن التاسع عشر بعد الاستعمار الأجنبي الغربي لكثير من البلدان الإسلامية، الذي عمل جاهدا في تغذية ودعم كل فكر منحرف ماديًا ومعنويًا، لزعزعة ثوابت الإسلام، فبدأت تلك الأفكار في الانتشار خاصة في بلاد الهند ومصر ثم انتشرت في العراق وليبيا وإندونيسيا وماليزيا وغيرها.

وفكرة إنكار السنة ظهرت في الهند، في فترة الاحتلال الإنجليزي على يد أحمد خان الذي فسر القرآن بالرأي المحض، ووضع شروطاً تعجيزية لقبول الحديث، مما جعله ينكر أغلب الأحاديث، ثم تلاه عبد الله جكر الوي في باكستان، الذي كان يشتغل بدراسة الحديث، ثم اصطدم بالعديد من الشبهات حوله، فتوصل في النهاية لإنكار كافة الحديث، وأن القرآن هو ما أنزله الله على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وأسس جماعة تسمى أهل الذكر والقرآن التي دعا من خلالها إلى أن القرآن هو المصدر الوحيد لأحكام الشريعة وألف في ذلك كتباً كثيرة، كما ظهر هذا الفكر في مصر وتبناه المدعو أحمد صبحي منصور الذي كانت بدايته من خلال عمله بالتدريس في الأزهر عام 1977م، ولكنه اصطدم بعلماء الدين السنة الذين اضطهدوه، وانتهى الأمر بفصله عن العمل عام 1987م ، وفي عام 2002م اضطر للهجرة لأمريكا لاجئا سياسيا بعد إغلاق مركز ابن خلدون
، وموجة اعتقال شملت صفوف الناشطين من القرآنيين أدخلتهم السلطات المصرية السجن بتهمة ازدراء الأديان، ثم استقر بأمريكا، وظهر على ساحة الإنترنت العربي داعيا لمنهجه الجديد، فأسس المركز العالمي للقرآن الكريم في ولاية فيرجينيا، وموقعه على الإنترنت أهل القرآن ومن خلاله بدأ ينشر مقالاته وكتبه وأبحاثه للتعريف بمنهجه والدعوة إليه.

وقد أثارهؤلاء جملة من الشبهات يزعمون أنها أدلة قاطعة على وجوب ترك السنة النبوية المطهرة، وإهمالها والانصراف عنها، وعدم اعتبارها مصدراً للتشريع، والاقتصار على القرآن المجيد مصدراً وحيداً للتشريع الإسلامي.

أما شبهتهم الأولى فهي قولهم: إنَّ القرآن الكريم كافٍ في بيان قضايا الدين وأحكام الشريعة، وقد اشتمل على الدين كله، بكلياته وجزئياته، وأنه يحتوي جميع الأحكام التشريعية بتفصيلاتها، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام: 38)، ويكفي في الرد على شبهتهم هذه، أنَّ الأمة مجمعة على أن القرآن العظيم قد اشتمل الدين مجملاً في كثير من أحكامه، ومفصَّلا في بعضه، وجاءت السنة النبوية المطهرة فبينت المجمل وفصلته، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبين ويفصل إنما يمتثل أمر الله، فمن أين لهم صفة الصلاة ومقدار الزكاة، وصفة الحج وغيره.

وتقوم شبهتهم الثانية على أساس ادعائهم أن السنة النبوية ليست وحياً من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنه اجتهاد وتصرف من النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى بشريته، فهو يصيب ويخطئ، ويرد عليهم بأنَ الامة مجمعة سلفا وخلفا إلى قيام الساعة على أنَّ السنة النبوية المطهرة وحي من قبل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وأن النبي صلى الله عليه وسلم، لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، والنصوص من القرآن على ذلك كثيرة جدا، ثم إن القرآن الذي جعلوه المصدر الوحيد للتشريع قد أمر المؤمنين باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يأخذ وما يدع، وما يأمر وما ينهى، قال تعالى: ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) (الحشر:7)، كما رتب الله الإيمان على طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والرضا بحكمه، والتسليم لأمره ونهيه في كل ما يراه ويحكم به، قال تعالى: ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (النساء:65).

ومن شبهاتهم أيضا: أن الله تعالى لم يتكفل إلا بحفظ كتابه من التبديل أو التغيير، والزيادة والنقصان، قال تعالى: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (الحجر: 9)، لذلك ظل القرآن هو الحق الوحيد في دين الله الإسلام، فلم يحرَّف ولم يبدَّل، ولم تدخله كلمة ولا خرجت منه كلمة، ولم يرو بغير لفظه ومعناه، أما السنة فلم يتكفل الله سبحانه بحفظها، ولذلك دخلتها الموضوعات فضاعت ألفاظها ورويت غالبها بالمعنى، ويرد عليهم بأن حفظ القرآن يتناول حفظ السنة لأنها بيان له قال الله تعالى في القرآن: ( لتبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نزِّل إِلَيهِم ) (النحل:44) أي: يُبين لهم بالسنة، فتِبيان القرآن إذاً مُحوَّل على السنة، والقرآن فيه وعد من الله بالحفظ، فيكون وعد الله بحفظ القرآن وعد بحفظ السنة التي تبينه.

ومن شبهاتهم: أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال، ليس لها صفة العموم الزماني والمكاني، إذ هي أحكام أصدرها في زمانه وفقا لظروف أصحابه الذين كانوا معه، وقد انقضى ذلك الزمان بأشخاصه وظروفهم وأحوالهم، وتغير ومن ثم لم تعد تلك الأقوال والأفعال الخاصة بذلكم الزمان صالحة لزماننا ومكاننا، ويُرَدُّ عليهم بأن هذا الذي قالوه في السنة يمكن أن يَرِدَ كذلك على القرآن، ففيه آيات كثيرة وردت في أسباب خاصة ومناسبات وظروف معينة، لكن العلماء لم يذهبوا إلى القول بأن هذه أحكام خاصة بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبزمانهم ولم تعد صالحة لزماننا، والقرآن إنما نزل من أجل التشريع العام لكل زمان ومكان، وقد قعد أهل العلم لذلك قواعد في هذا الباب منها القاعدة المشهورة التي يعرفها عامة المسلمين، وهي أن ” العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”، ومقتضى هذا أن الحكم ينزل في واقعة معينة، ثم يطبق على كل ما يماثلها حتى آخر الزمان.

ويتبين بهذه الشبهات التي استندوا إليها في باطلهم وضلالهم، أنها كلها تدليس وتلبيس على ضعاف العقول، واعتقادُهم هذا خروج عن الإسلام ، وفسوق عن الملة، وإن زعموا الإسلام، وانتسبوا إلى القرآن، لأن هذا كفر بالقرآن قبل أن يكون كفرا بالسنة، لأنه لا تفرقة بين القرآن والسنة، فهما يخرجان من مشكاة واحدة، هي مشكاة الوحي الإلهي المعصوم، ومن تأمل هذا الفكر تبين له أن هدف هؤلاء، والغاية التي يسعون إلى تحقيقها هو القضاء على الإسلام وتفريق الأمة المسلمة.

المصدر
إسلام ويب
زر الذهاب إلى الأعلى