مقالات أخرىشبهات وردود

الفوارق بين الرجل والمرأة

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، أما بعد:

فقال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

أكمل الله لنا هذا الدين، وبيَّن لنا قواعده وأحكامه، وأتَم علينا نعمه الظاهرة والباطنة، ورضي لنا الاسلام دينًا، فأمرنا بأن نقوم بما يقتضيه ونقف عند حدوده شكرًا له وتعبدًا.

فجاء هذا الدين حاكمًا للبشرية في ميادين الحياة كافة، عقيدة ونظامًا، وكان من أبرز شرائعه التي جاء بها ما يتعلق بالنظام الاجتماعي الذي تُعد فيه الأسرة نواة، وتُعد المرأة من أهم أركان هذه الأسرة، فالإسلام لم ينظر إلى المرأة بعيدًا عن محيطها الذي تعيش فيه، وبعيدًا عما أوجده الله فيها من قدرات، وميولات، واستعدادات فطرية خَلْقية، وكانت أحكامه التي شُرِعَت لها بمقتضى ما يناسبها، ويليق بقدراتها، ويكفل حقوقها1.

ولا شك أن المرأة كانت ولا زالت عنصرًا من أهم عناصر أي مجتمع إنساني، فهي الأم، والزوجة، والأخت، والابنة، هي الرعاية، والعاطفة إذا بحث الرجل عنهما، وكذلك هي الجد، والصبر، والتحمل إذا اقتضت الحاجة، ومع أنها الأضعف جسدًا بحكم تكوينها الجسدي المناسب لوظائفها الطبيعية في الحياة، فإنه لم يتهمها أحد بنقصان قدراتها العقلية؛ إذا اعتنت بها أو اعتنى بها مُربيها أو وليها، فنرى لها سموًّا وتميزًا في بعض المجالات الفكرية والعلمية، مثلُها مثل الرجل تمامًا بتمام أو زيادة، فإذا جئنا إلى الدين، فلرب مؤمنة واحدة يوزن إيمانها بألف رجل أو يزيد، والقرآن والسنة تملأهما نصوص العدل والمساواة في الأجر والعمل للمحسن من الجنسين فيما أمره الله به، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ [آل عمران: 195]2.

ومع أن مكانة المرأة في الإسلام كانت النقلة النوعية الأبرز في تاريخ البشرية العملي في النظر إليها بعدل الله وتكريمه لها، فإن البعض في العصر الحديث – ومع تغييب العلم الديني عن أبناء الأمة عمدًا – صار يستغل بعض النصوص الإسلامية بعد استقطاعها من سياقها أو معناها؛ ليحاول إيهام الناس باضطهاد المرأة في الإسلام، وعدم العدل معها في مواطن العدل، وعدم المساواة معها في مواطن المساواة3.

نعم هناك عدل، وهناك مساواة، لكن هناك أيضًا مراعاة لتلك الفوارق، والاختلافات التي أوجدها الله بين الجنسين، وهذه القضية نالت الكثير من المنازعات والمناظرات والمناقشات في جميع العصور وفي الشرق والغرب، وتُبنى على أثرها العديد من المسائل، وحُّلها يعد حلًّا لقضايا شتى، فسنتناول في هذا المقال حقيقة وجود تلك الفوارق، وهل هي موجودة فقط في الإسلام؟ وهل في إثبات الفوارق ظلم للمرأة؟

وما السبب الرئيس الذي أدى إلى نفي تلك الفوارق؟ وما الآثار المترتبة على نفيها؟ وما الآثار المترتبة على الإيمان بوجود تلك الفوارق؟

المسألة الأولى: هل الفوارق بين الرجل والمرأة حقيقية؟

• ذكر الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه (حراسة الفضيلة) عدة أصول للفضيلة، واستفتح أول أصل بوجوب الإيمان بالفوارق بين الرجل والمرأة، فقال: إن الله سبحانه وتعالى خلق الرجل والمرأة شطرين للنوع الإنساني ذكرًا وأنثى: ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾ [النجم: 45]، يشتركان في عِمارة الكون كلٌّ فيما يخصه، ويشتركان في عمارته بالعبودية لله تعالى، بلا فرق بين الرجال والنساء في عموم الدين: في التوحيد، والاعتقاد، وحقائق الإيمان، وإسلام الوجه لله تعالى، وفي الثواب والعقاب، وفي عموم الترغيب والترهيب، والفضائل، وفي عموم التشريع)4.

وذكر رحمه الله أن ثَمة فوارقَ بين الرجل والمرأة، جسدية ومعنوية وشرعية، ثابتة قدرًا وشرعًا، وحسًّا وعقلًا.

• وجاء في كتاب (جنس الدماغ) ما يلي: (الرجال مختلفون عن النساء، وهم لا يتساوون إلا في عضويتهم المشتركة في الجنس البشري، والادعاء بأنهم متماثلون في القدرات والمهارات، والسلوك يعني بأننا نقوم ببناء مجتمع يرتكز على كذبة بيولوجية وعلمية، فالجنسان مختلفان؛ لأن أدمغتهم تختلف عن بعضها، فالدماغ هو العضو الذي يضطلع بالمهام الإدارية والعاطفية في الحياة، قد تم تركيبه بصورة مختلفة عند كلٍّ منهما، والذي ينتج عنه في النهاية اختلاف في المفاهيم والأولويات والسلوك)5.

ومن المعلوم أن الفرق في التفكير والسلوك بين الذكر والأنثى، يظهر في جميع مراحل الحياة، وهذه الاختلافات بينهما ثبتت بأرقام علمية قائمة على دراسات قام بها أهل الاختصاص، ولذلك فإن دعاوى المساواة الظالمة بينهما ومحاولة توظيف أحكامها في الميدان، فيها مخالفة لكل شيء؛ مخالفة للدين والعقل والعلم6.

المسألة الثانية: هل الفوارق بين الرجل والمرأة موجودة في الدين الإسلامي فقط؟

نقلتُ بعض أقوال غير المسلمين، واللادينيين أيضًا لا لصحة أقوالهم، بل من أجل إثبات الفوارق لديهم.

• يؤكد غالون في كتابه (عبقرية الوراثة) أن ما دام الرجال قادرين على التفوق بشكل واضح على النساء في كثيرٍ من العلوم، فلا بد أن متوسط القوة الذهنية عند الرجل أكبر من متوسط القوة الذهنية لدى النساء7.

• واستنتج عالم الأنثروبولوجيا ماكروجر آلان أن المرأة حافظت على النمط الطفولي جسديًّا وعقليًّا وأخلاقيًّا، فالمرأة عبارة عن طفل كبير، ومن غير المؤكد أن تكون النساء قد أسهمت بأي فكرة أصيلة مهمة لها أدنى قيمة دائمة للعالم في مجال الفكر المجرد)8.

• وآمن داروين بتفوق الذكور، واستنتج معظم التطوريين أن النساء مختلفات عن الرجال اختلافًا كبيرًا في الحالة العقلية والذكاء؛ كما هي حال إناث وذكور أنواع الحيوانات الأخرى9.

فالمسألة ليست دينية إسلامية، بل قال بها غير المسلمين اللادينيون، وإنما الإسلام ضبط تلك الخصائص ورتب عليها الأحكام.

فشريعة الله شريعة وسط، راعت واقع الناس وفطرتهم، وتعاملت مع الحقائق الثابتة بالعلم والعقل.

المسألة الثالثة: هل في إثبات الفوارق بين الرجل والمرأة ظلمٌ للمرأة؟

لماذا يُتصور دائمًا أن ثمة صراعًا ثنائيًّا ينقسم فيه الجنسين إلى ظالم ومظلوم، أو قوي وضعيف؟ فالمسألة ليست كذلك، المسألة هي أن كل من الجنسين له وظائفه المنوطة به، وخصائصه التي يمتاز بها عن الآخر، فليس الهدف من التفريق بينهما أن يبتغي أحدهم ما عند الآخر من خصائص ومميزات، بل الهدف أن يعيش الإنسان في انسجام تام مع طبيعته التي جُبل وفُطر عليها، وأن يؤدي ما عليه من واجبات، ويتحمل ما عليه من مسؤوليات، فالعلاقة بين الرجل والمرأة مبنية على التكامل والتوافق لا على التقابل والتنافر.

المسألة الرابعة: ما السبب الرئيس الذي أدى إلى نفي تلك الفوارق؟

هناك عدة أسباب أدت بشكل مباشر أو غير مباشر إلى نفي الفوارق بين الرجل والمرأة، لكن جميعها يتفرع تحت معيار واحد وهو (المساواة المطلقة)، فليس في المساواة عدل في جميع الأحيان، بل قد تؤدي المساواة أحيانًا إلى الظلم والجور؛ لأن كل من الجنسين يحمل من القدرات والميول ما لا يحمله ولا يتحمله الآخر، فعندما تكون المرجعية التي يُرجع إليها من أجل الفصل في موضوع الفوارق هي مرجعية مادية بحتة هنا يكمن الخلل؛ ذكر عبدالوهاب المسيري في كتابه (قضية المرأة بين التحرير والتمركز حول الأنثى) – أن ثمة مرجعية مادية تتغلغل في الحضارة تاركة خلفها امرأة ترى أن وظيفتها ربَّة منزل ليس لها أي أهمية؛ وذلك لأنها ليس له مردود مادي أو ثمن، فتسعى خلف حياة تتمركز هي فيها، ويبدأ الصراع الأبدي بين الذكور والإناث، ومحاولة كل منهم الهيمنة على الآخر.

المسألة الخامسة: ما الآثار المترتبة على نفي تلك الفوارق؟

ذكر الأستاذ الدكتور محمود الدوسري في كتابه (التمايز العادل بين الرجل والمرأة في الإسلام) – أن فكرة المساواة بين الرجل والمرأة فكرة علمانية، تدعو إلى تحلل المرأة من الضوابط الشرعية، واتُّخذت ذريعةً للقضاء على التكاليف الشرعية؛ حيث إن الدعوة إلى المساواة التماثلية بين الرجل والمرأة إبطال لهذه التكاليف، ويترتب على ذلك عدَّة آثار:

1- تغريب المجتمع ومسخه؛ ليصبح مجرد صورة من المجتمعات الغربية، فيفقد هويته وأصالته.

2- إقصاء الدين عن الحياة، والاستعاضة عنه بالقوانين الوضعية التي تخالف الشريعة وتهدم ثوابتها وقِيمها.

3- ضياع حقوق الأولاد والرجال.

4- جواز ولاية المرأة في الولايات العامة.

المسألة السادسة: ما الآثار المترتبة على الإيمان بتلك الفوارق؟

أولًا: عندما يكون هناك إيمان وتسليم بالفوارق بين الرجال والنساء، ورضا بكل ما كتب الله لهم وميَّز به بعضهم على بعض، ستنتظم حياة المجتمع الإنساني، وهذا عين العدل10.

ثانيًا: لا يجوز لمسلم ولا مسلمة أن يتمنى ما خص الله به الآخر من الفوارق، لِما في ذلك من السخط على قدر الله، وعدم الرضا على حكمه وشرعه، وليسأل العبد ربَّه من فضله؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 32].

فإذا كان هذا النهي عن مجرد التمني، فكيف بمن ينكر الفوارق الشرعية بين الرجل والمرأة، وينادي بإلغائها، ويطالب بالمساواة ويدعو إليها؟11.

وأقول في الختام: يمكن أن تعرف في أي مجتمع أكثر الأشياء قيمة لديه وقداسة عنده، من خلال قوة ما يُشرع ويُطبق فيه من قوانين وأنظمة تحمي ذلك الشيء وتصونه من الفساد والضياع12، ولذلك على المرأة ألا تَعُدَّ ما شُرِعَ لها في هذا الدين من حجاب وأمور أخرى – احتكارًا لها وتضييقًا لحريتها كما يصوِّر لها البعض؛ فالدين يَعُدُّها شيئًا ذات قيمة وقداسة، والإسلام سبق كل الحضارات القديمة والحديثة بحضارته الفذة التي استطاعت أن ترسم ملامح التوازن بين متطلبات الجسد والروح والعقل والعاطفة؛ بحيث وضعت المرأة في مكانتها المناسبة التي تحقق لها سعادة الدنيا والآخرة، ولن يكون ثمة حل لِما تعانيه المرأة في أي مكان إلا بشريعة رب العالمين13، وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


المصدر
شبكة الألوكة
زر الذهاب إلى الأعلى