الفقهاء أجمعوا على أن الغَنِيِّ يَقْتُلُ عَمْدًا في النَّاس كيفما يَشَاء؛ لأنَّه بعد ذلك سَيَدْفَعُ الدِّيَةَ!
(59) زعم البحيري: أنَّ الفقهاء أجمعوا على أن الغَنِيِّ يَقْتُلُ عَمْدًا في النَّاس كيفما يَشَاء؛ لأنَّه بعد ذلك سَيَدْفَعُ الدِّيَةَ!
– الرَّدّ: هذا كَذِبٌ وتدليسٌ وبُطلانٌ ما بعده بُطلان مِن وُجُوهٍ كالتَّالي:
أولًا: نتحدَّى البحيري أن يأتي بهذا الأجماع، بل نتحدَّاه أن يأتي بِعَالِمٍ واحدٍ قال بمثل قوله، ونُبشِّره أنَّه لم ولَن يجد.
ثانيًا: إنَّما الإجماع الحقيقي عِنْد الفُقهاء أنَّ القاتل عَمْدًا يُقتل، غنيًا كان أو فقيرًا، فقد قال «ابن قدامة» – رحمه الله -: [وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ يُقَادُ بِهِ قَاتِلُهُ، وَإِنْ كَانَ مُجَدَّعَ الْأَطْرَافِ، مَعْدُومَ الْحَوَاسِّ، وَالْقَاتِلُ صَحِيحٌ سَوِيُّ الْخَلْقِ، أَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ. وَكَذَلِكَ إنْ تَفَاوَتَا فِي الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ، وَالسُّلْطَانِ وَالسُّوقَةِ، وَنَحْوِ هَذَا مِنْ الصِّفَاتِ، لَمْ يَمْنَعْ الْقِصَاصَ، بِالِاتِّفَاقِ1.] اهـ
ثالثًا: قُبُول الدِّيَة دُون القَصَاصِ حَقٌّ مَكْفُولٌ لوليِّ الدَّمِ، فإنْ شَاءَ قَبِلَ الدِّيَةَ وإنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وإن شَاءَ عَفَا مَجَّانًا، فقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: 178].
وهذا ما عليه المذاهبُ الفِقْهِيَّة الأربعة وغيرُها، وإليك أمثلة:
– المذهب الحنفي: ورد في «البناية شرح الهداية» (13/ 119): [وإذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مَالٍ سَقَطَ القَصَاصُ، وَوَجَبَ المالُ قليلًا كان أو كثيرا.] اهـ
– المذهب المالكي: ورد في «مُوطَّأ مالك» (2/ 874): [بَابُ الْعَفْوِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ.]، وفي (2/ 8:72): [بَابُ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ.]
– المذهب الشافعي: ورد في «المُهَذَّب في فِقْهِ الإمام الشافعي» (3/ 197): [ومن وجب عليه القصاص وهو جائز التَّصرُّف، فله أن يقتصّ وله أن يعفو.] اهـ
– المذهب الحنبلي: ورد في «زاد المستقنع في اختصار المقنع» (ص:210) [باب العفو عن القَصَاص: يَجِبُ بالعَمْدِ القَوَدُ، أَوْ الدِّيَةُ، فَيُخَيَّرُ الوَلِيُّ بَيْنَهُمَا، وَعَفْوُهُ مَجَّاناً أَفْضَلُ.] اهـ
([1]) انظر: «المغني = ابن قدامة» (8/269)، ط/مكتبة القاهرة.