العنف ضد قضايا المرأة
لَم تعدْ قضية العُنف الأُسري ضد المرأة والطفل هي قضية مُعتدٍ وضحية؛ بل تجاوزتْ ذلك؛ لتصبح عنفًا ضد قضية العنف ذاتها ومناقشتها والاعتراف بها، ولَم يعدِ المُعنفُ هو ذلك الرجل متوسط التعليم؛ بل تجاوَزَ ذلك ليصلَ إلى مسؤولين وذوي المراتب العالية وأصحاب القرار!
ما يُدلل على ذلك أنه قد انعقد لقاء علمي يتمحْور حول قضية الحماية من العُنف والإيذاء، وكانتْ – في رأيي – تلك الحلقات النقاشيَّة عُنفًا في حدِّ ذاتها؛ فالرجلُ ما زال منكرًا للظاهرة إلى حدٍّ ما، وما زال يتحسَّس من مناقشة قضية العُنف ضد المرأة، ويعتبرها خرْقًا لإنسانيته ورجولته، ويتجاهَل مُناقِشُه أن الرجل هو المُعنِّف أو المعتدي، حتى وإن كان هو صاحب قرار في القضية أو صاحب شأن.
أصبحتْ قضية العنف ذات أبعاد كثيرة، لا أعرف من أين نبدأ؟:
هل بالرجل المعتدي؟ أو بالمرأة التي تجهل حُقُوقها؟ أو بأصحاب القرار والمسؤولين؟ أو بالمجالس التي تُعقَد دون أي اهتمام بقضية العنف وبلا قرارات وتشريعات تلمس اهتمامها بالمرأة؟ أو ببَصْمتنا نحن كجُزءٍ من هذا المجتمع؟
حينما طرَحَتْ إحدى المتخصِّصات في ذلك اللقاء قضيَّة تعاملتْ معها عن امرأةٍ معنَّفة من ابنها المدمن منذ عشرين سنة دون أي اهتمام من قبَل الجهات المتخصِّصة للتعامُل مع قضيتها وحلِّها، وبالرغم من توسُّلها لرفع العنف عنها؛ لكن لا من مجيب، فقد أثارت هذه القضية استنكار بعض من كانوا على رأس الحوار إلى درجة خروجهم من دائرة العنف الواقع على المرأة إلى قضية تحرِّي صدق المرأة المعنَّفة في بلاغها؛ فهي في نظرِهم ليستْ صادقة في بلاغاتها!
ولَم يصل الحوارُ إلى هذا الحد فقط؛ بل خُتمت تلك الحوارات من قبل أحد المتخصصين من الرجال بقوله: “إن نسبًا عالية من الرجال – وهم المغلوبون على أمرهم – يتعرَّضون للعنف المعنوي، وبِحُكم رجولتهم لا يلجؤون إلى التبليغ”!
لو تطرَّقنا إلى العنف المعنوي ضد المرأة، لَتَوَصَّلنا إلى أرقام ليس لها نهاية، لكن ليس هذا مِحْورنا الأهم.
فهل أصبحتْ محافلنا العلميَّة مكانًا لإثبات مَن هو الأقوى، ومَن هو الأعنف، وتبرئة طرف وتجريم طرف آخر؟ متى انقلبت الموازين لتكون المرأة هي من تمارس العنف، ويكون الرجلُ هو الحلقة الأضعف؟ أم إنَّ مطالَبة المرأة بحقِّها في الأمن والحماية أصبح عُنفًا ضد الطرف الآخر؟
ما يهمنا – نحن – كنساء هو أن نناقشَ قضايانا بخصوصية وبفَهْم لحاجاتنا، وبوَعْي ووضوح، وأن نصوغ المقترحات كما نراها مناسبةً لنا؛ حتى يتم البت في هذه القضية العائمة بين أيدي الكثيرين لرفع الغطاء عن ما يحيطها من تعتُّم ومِنْ جِدال لا ينتهي.
نحتاج أن نناقشَ قضايانا في المجالس العليا كحقٍّ من حُقُوقنا، ونحن جزء من منظومة المجالس وجزء من هذا المجتمع.
لدينا الأعداد الهائلة من مخرجات التخصُّصات الإنسانية؛ فتيات لديهن الطموح والحماس والرغبة في العطاء والإحساس بالمسؤولية، فلماذا لا تستغل في تحريك قضيَّة المرأة والطفل؛ على سبيل المثال: “إيجاد مراكز في الأحياء تتعامَل مع قضايا المرأة بخصوصية وتخصُّصيَّة، بآلية علميَّة وعمليَّة، وتتعامل بالأخص مع قضية المرأة المعنفة والطفل”.
نحن في حاجة مُلحَّة لإعادة النظر في القضيَّة من وجهة نظر المرأة نفسها، والأهم أن تكون هناك رعاية على المستوى الوطني، بتكاتُف جُهُود حكوميَّة وأهليَّة، وإلى قوانين رادعة لأصحاب الضمائر الميِّتة، حتى لا يأمنوا العقوبة ولا يسيئوا الأدب.
وإن معالجتنا لهذه القضية ستعالج قضيَّة مجتمعٍ بأَسْرِه.