الصوفية وتحريف النصوص وتأويلها
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
من أساليب الصوفية في “هجر السنة النبوية” إظهارها للناس بصورة مُلفَّقة مُزوَّرة، عن طريق التأويل الباطل والتحريف والتغيير والتبديل في الروايات بصورةٍ تتنافى أصلاً مع ما كانت عليه عند المُحدِّثين، والتبديلُ والتحريفُ عند الصوفية يختلف باختلاف الغاية المطلوب تحقيقها في كلِّ حادثة أو حديث؛ إسناداً أو متناً1.
وأقربُ مِثالٍ لِمَا حرَّفته الصوفية في “السنة النبوية“: ما أُضيف من “زيادة مُنكرة” إلى حديث زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ: (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَتَصَدَّقَ؛ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالاً، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ، إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ). قُلْتُ: مِثْلَهُ، وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ). قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا 2.
وقد اختلق بعضُهم “زيادةً مُنكرةً على الحديث”، وهي: (أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: يا أبا بكر! إنَّ اللهَ راضٍ عنك فهل أنتَ راضٍ عنه؟ فاستفزَّه السُّرورُ والوَجْدُ، وقام يرقص أمام الرسول قائلاً: كيف لا أرضى عن الله؟)3.
فهذه “الزيادة المُختَلَقة” اعتمد عليها الصوفيةُ في زعمهم بمشروعية الرَّقص والدوران في حِلَقِ الذِّكر.
وإنَّ مَنْ له أدنى نصيب من العقل لَيُنْكِرُ هذه الزيادة؛ فمَنْ يعلم حالَ أبي بكرٍ رضي الله عنه ورَجاحةَ عقلِه ورزانتَه التي عصمَتْه في الجاهلية أنْ يسجد لصنمٍ أو أنْ يشرب الخمرَ، والتي دلَّته إلى تصديق صاحبه صلى الله عليه وسلم والإيمانِ به؛ لَيُدْرِكُ أنَّ مِثلَ هذا التَّصرُّفِ لا يليق به في حضرةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذْ تأباه المروءةُ التي اتَّصف بها، ويأباه الأدبُ مع الله تعالى، ثم مع رسوله صلى الله عليه وسلم الذي التزم به رضي الله عنه.
وقد أنكر العلماء على الصوفية في هذا الفِعل الأرعَن، ونبَّهوا إلى أنَّ إدخال الرَّقص في ذكر الله تعالى من “البدع المنكرة”، قال العز بن عبد السلام رحمه الله: (وأمَّا الرَّقص والتَّصفيق فَخِفَّةٌ ورُعونةٌ مُشبَّهة لرعونة الإناث لا يفعلها إلاَّ راعنٌ أو مُتصنِّع كذَّاب، وكيف يتأتَّى الرَّقصَ المُتَّزِن بأوزانِ الغِناء مِمَّنْ طاش لبُّه، وذهب قلبُه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ“4، ولم يكن أحدٌ من هؤلاء الذين يُقتدى بهم يَفعلُ شيئاً من ذلك)5.
ومن أعظم مصائب الصوفية “التأويل الباطني” لنصوص الكتاب والسنة: فلا يكاد يوجد آيةٌ أو حديثٌ إلاَّ وللمتصوفة الزنادقة “تأويلاتٌ باطنيةٌ خبيثة” لها. قال ابن الجوزي رحمه الله – في ذكر نماذج من ذلك “التأويل الباطني” للصوفية: (وقد جَمَعَ “أبو عبد الرحمن السُّلمي” في “تفسير القرآن” من كلامهم الذي أكثره هذيانٌ لا يَحِلُّ نحو مجلدين؛ سمَّاها: “حقائق التفسير” فقال – في فاتحة الكتاب عنهم – أنهم قالوا: إنما سُمِّيت فاتحة الكتاب؛ لأنها أوائل ما فاتحناك به من خطابِنا؛ فإن تأدَّبتَ بذلك، وإلاَّ حُرِمْتَ لطائفَ ما بعد! قال المصنف رحمه الله: وهذا قبيح؛ لأنه لا يختلف المُفسِّرون: أنَّ الفاتحة ليست من أوَّل ما نزل.
وقال – في قول الإنسان “آمين”؛ أي: “قاصدون نحوَك”. قال المصنف رحمه الله: وهذا قبيح؛ لأنه ليس مِنْ أمَّ؛ لأنه لو كان كذلك، لكانت الميمُ مشددةً.
وقال في قوله: ﴿ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى ﴾ [البقرة: 85]، قال: قال أبو عثمان: “غرقى في الذنوب”.
وذَكَرَ – في قوله: ﴿ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ﴾ [النساء: 31]، قال أبو تراب: “هي الدعاوي الفاسدة”: ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [النساء: 36]، قال سهل: “هو القلب” ﴿ وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ “النفس” ﴿ وَابْنَ السَّبِيلِ ﴾ “الجوارح”.
قلت [ابن الجوزي]: وجميعُ الكتابِ من هذا الجنس، ولقد هممتُ أنْ أُثبِتَ منه ها هنا كثيراً، فرأيتُ أنَّ الزمان يضيع في كتابةِ شيءٍ بين الكفر والخطأ والهذيان، وهو من جنس ما حكينا عن الباطنية، فمَنْ أراد أنْ يعرفَ جِنسَ ما في الكتاب فهذا أُنموذجه، ومن أراد الزيادةَ فلينظر في ذلك الكتاب)6.
- انظر: السنة النبوية ومطاعن المبتدعة فيها، (ص 245). ↩︎
- رواه الترمذي، واللفظ له، (2/ 939)، (ح 4038) وقال: (حسن صحيح)؛ وأبو داود، (1/ 288)، (ح 1680). وحسنه الألباني في (صحيح سنن الترمذي)، (3/ 202)، (ح 2902). ↩︎
- المعتقد الإيماني شرح منظومة الشيباني، أبو البقاء الأحمدي الشافعي (ص 33). ↩︎
- رواه البخاري، (1/ 501)، (ح 2691). ↩︎
- قواعد الأحكام في مصالح الأنام، (2/ 186). ↩︎
- تلبيس إبليس، (ص 293-294) باختصار. ↩︎