الشيفرة المحيرة!
تعالوا نرى تفاصيل مبهرة في عالم الخلية تزداد بعدها تعظيما لله سبحانه وتعجباً من حال الملحدين!! في هذه الدقائق العشرة تلخيص لموضوع يتناوله طلاب العلوم الحيوية والطبية في عدد من المحاضرات طرحناه هنا لقناعتنا بأن عامة الناس من خارج المجال الطبي سيستفيدون كثيرا من فهم الشيفرة الوراثية فيديوهات توضيحية مميزة وشرح مبسط فننصح كثيرا بالمتابعة أيها الكرام
أيُّها الكرامُ، في الحلقةِ الماضيةِ رأيْنا الطُّولَ المَهُولَ للمادةِ الوراثيَّةِ في جسمِ الواحدِ منَّا. اليومَ سنرَى ما هو أعْجبُ!، سنرى كيفَ تُتَرجمُ هذه المادَّةُ الوراثيَّةُ إلى شحمٍ ولحمٍ ودمٍ، شاهدٌ آخرُ على صُنعِ اللهِ الَّذي أتْقنَ كلَّ شيءٍ.
الموضوعُ ليسَ سهلًا، وقد يبدُو في البدايةِ عِلميًّا جامدًا، لكنَّهُ مهِمٌّ للغايةِ، فأنصحُ جدًّا بالصَّبرِ إلى النِّهايةِ، وستكُونُ الفائدةُ عظيمةً -بإذنِ اللهِ-.
كيفَ تتِمُّ ترجمةُ الجِينِ إلى بروتينٍ؟ الجِينُ أشبهُ ما يكونُ بأحرُفٍ مَقروءةٍ، والبروتينُ جُسَيْمٌ حقِيقيٌّ مَبنيٌّ من مجموعةِ أحماضٍ أمِينيَّةٍ، أي مجموعةُ أحماضٍ أمينيَّةٍ متَّصلةٍ ببعضِها تشكِّلُ البروتينَ.
ما هي هذه العمليَّةُ الَّتي تبدُو وكأنَّها عاقِلةٌ، فتقرأُ الأحرُفَ وتفُكُّ ترميزَهَا وتُصَنِّعُ البروتينَ على أساسِها؟ تأتِي قارئاتٌ إلى الجِينِ المُرادِ ترجمتُه تحديدًا، هذه القَارئاتُ عبارةٌ عن مجموعةٍ من الُجسَيماتِ المُتجمِّعةِ، تأتِي فتَفُكَّ خَيْطَي المادَّةِ الوراثيَّةِ (دي إن ايه) “DNA” عن بعضهما وتَقرأُ أحدَهُما فتُصَنِّعُ شريطَ: (آر إن ايه) “RNA” متناسبًا معهُ. هذه الجُسَيماتُ التي تُشبهُ المَطارِقَ هي عِبارةٌ عن نيوكليوتيداتٍ مختلفةٍ موجودةٍ في نواةِ الخليَّةِ، تَصُفُّها القَارِئَاتُ على حسبِ الجينِ، أي تتَّخِذُ الِجينَ كقالَبٍ تُشَكِّلُ على أساسِه شريطَ النُّسخةِ.
بعد ذلكَ تَخرجُ النُّسخةُ خارجَ النَّواةِ، فيأْتِي عاملٌ -والَّذي في حالةِ الخليَّةِ يُسمَّى رايبوزومًا “Ribosome”- ليقْرأَ النُّسخةَ ويُصنِّعَ وحدةَ بناءٍ على أساسِها.
هنا تأتِي عُقدةُ تحويلِ النُّسخةِ إلى بروتيناتٍ، النسخةُ مكونَّةٌ من نيوكليوتيداتٍ، أي من حُروفٍ من كَلامٍ، والبروتينُ مُكوَّنٌ من أحْماضٍ أمينيَّةٍ، أي من مادَّةٍ حقيقيَّةٍ.
كيفَ سَيسْتطيعُ هذا العاملُ -الرَّايبوزومُ- أنْ يَبنيَ بروتينًا من قراءةِ شريطِ نيُوكليُوتيداتٍ؟ هناك جسيماتٌ اسمُها النَّواقِلُ؛ تي-آر إن أيه “t-RNA”، تَركبُ على النُّسخةِ مثلَ الليغو “Lego”، ومن النَّاحيةِ الأُخرَى تحمِلُ حِمضًا أَمينيًّا.
لذلك نقولُ إنَّ البروتينَ النَّاتجَ مُرَمَّزٌ في المادَّةِ الوراثيَّةِ، أي أنّ المعلوماتُ اللَّازمةُ لصناعتِهِ مُخزَّنةٌ في المادَّةِ الوراثيَّةِ بلُغةٍ خاصَّةٍ، وتحتاجُ قارئاتٍ قادرةً على فكِّ الرَّمز.
تَكَوَّنَ البروتينُ -أي وحدةُ البِناءِ-، فتَتلقَّفَهُ مُعرِّفاتٌ خاصَّةٌ تقُودُهُ إلى المَكانِ المناسبِ له في الخليَّةِ، مِثلَ مَا يقومُ العُمَّالُ بوَضعِ وحداتِ البناءِ في المكانِ المناسبِ من المدينةِ.
مثلًا، هُناكَ بروتيناتٌ تتجمَّعُ لتُشكِّل حُزَمًا، هذهِ الحُزَمُ تُشكِّلُ ما يُشْبهُ شَبكةَ الطُّرقِ داخلَ الخليَّةِ. بروتيناتٌ أخرَى تُخزَّنُ داخلَ حُوَيصلاتٍ كبيرةٍ، تنقُلُها بروتيناتٌ أخرَى أيضًا تُسمَّى البروتيناتِ النَّاقلةَ “Motor Proteins”، مُتَّخِذةً الحُزَمَ المذكورةَ كطريقٍ تَسيرُ عليه.
كلُّ شيءٍ يَهتدي إلى مكانهِ المناسبِ.. ﴿رَبُّنَا الَّذي أَعطى كُلَّ شَيءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدى﴾ فَاسْألْ نفسَكَ: من أَبْدعَ هذا كلَّهُ؟ يُجِيبُكَ الإلحادُ: إِنَّه اللَّاشَيءُ.. العَدمُ! العدمُ أَوجدَ النيوكليوتيداتِ ورَتَّبها على شكلِ جِيناتٍ مُنتَظمةٍ.
العدمُ رَصَّ هذا الكَمَّ الهائِلَ من المَعْلوماتِ، ورَصَّها مُشفَّرةً داخلَ نواةٍ صَغيرةٍ جدًّا.
إنَّه العَدَمُ، أوْجدَ القَارئاتِ التي تَتوجَّهُ إلى الجِينِ المَطلوبِ تَحديدًا وتُصدِرُ منهُ نُسخةً.
ثمَّ العدمُ أَخْرجَ النُّسخةَ من النُّواةِ إلى سَائلِ الخليَّةِ.
ثمَّ العدمُ أَوْجدَ الرَّايبُوزُوماتِ التي تَفكُّ الرَّموزَ الوراثيَّةَ وتُحوِّل ما يُشبهُ الأحرُفَ المرصوصَةَ إلى البرُوتينِ المطْلوبِ، مُستعينةً بالنواقلِ.
ثمَّ العدمُ ساقَ البروتينَ النَّاتجَ إلى مكانِهِ المُناسبِ في الخَليَّة.
إنه العدمُ، أَوْجدَ البروتينَ المنْقولَ والبرُوتينَ النَّاقلَ وشبكةَ الطُّرقِ التي يَسِيرانِ عليهَا.
إِنَّهُ العدمُ، أَوجدَ ذلك كلَّهُ، وأوْجدهُ صُدفةً!
فَإيَّاكَ أنْ تَظنَّ أنَّ هذا كلَّهُ بحاجةٍ إلى خالقٍ عظيمٍ عليمٍ، قديرٍ حكيمٍ أتْقنَ كلَّ شَيءٍ! بَلِ المَسألةُ مسألةُ وقتٍ، بَلايِينُ السِّنينِ، يُجرِّبُ فيها العَدمُ خَبْطَ عشواءَ، فَيخْلقَ هذا كُلَّهُ من لَاشَيْءَ، ويُنظِّمَهُ، في هَذا النِّظامِ الرَّائعِ البَديعِ..!
أَتَعْلمُونَ -إِخواني- قدْ كنتُ أَسيرُ في تَحضِيرِ حَلقاتِ رِحلةِ اليَقينِ إلى أنْ وَصلتُ إلى نماذجِ الإِتقانِ في الخَلقِ، فتجمَّدتُ عِندها وتَردَّدتُ، وانْعَقدَ لسَانِي وجَفَّ حِبْرُ بَيَانِي؛ لأنَّنِي حَقيقةً بِقَدرِ مَا أسْتحْضِرُ عَظمةَ اللهِ في أَيَّةِ زَاويةٍ من زَوَايَا خَلقِه، فَإنَّنِي لا أسْتسِيغُ فِكرَةَ مُحاولةِ إِقناعِ أحدٍ، أنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا بُدَّ لَه مِن خَالقٍ! لكنْ، معذرةً إلى ربِّكُم ولعلَّهم يتَّقونَ.