مقالاتمقالات أخرى

السنن الإلهية في الظواهر الاجتماعية

السنن الإلهية في الظواهر الاجتماعية

من حتمية الوقوع بالتقاطع إلى الاتقاء بالتوافق

احتلَّت السننُ الإلهيَّة – الكونيَّة منها والاجتماعية – مكانةً رفيعةً في القرآن الكريم، بما هي قوانين إلهيَّة حتميَّة، كما هو معلوم، وإذا كان القرآن الكريم قد حثَّ الإنسانَ على ضرورة التفكُّر في الظواهر الكونيَّة؛ لسبر أغوار قوانين التسخير الإلهيِّ التي تحكمها، ولفت نظره إلى لا عبثيَّة الخَلْق والتسخير، وغائيَّتهما؛ بقصد تعزيز روح اليقين لديه، ولفت نظره إلى السعي لوضع آليات التسيير العمليِّ لها، في إطار ممكنات الانتفاع الإيجابيِّ من وراء تطويع تسخير تلك القوانين لصالحه عند التطبيق في الحياة اليوميَّة الراهنة، بما يتاح له من وسائلَ عبر الزمن؛ فإنه في نفس الوقت مطالَب بإعمال النظر في السُّنَن التي تحكُم الأُمَم والظواهر الاجتماعية في الزمان والمكان والسلوك الإنسانيِّ بنفس الدرجة من الاهتمام؛ لكي ينتفع من فضائل التعامل الصحيح مع أعمال تلك القوانين التي تحكمها، والتساوق معها سلوكيًّا بالشكل الذي يخدُم مصلحته في الدنيا والآخرة، وبالتالي يتفادى الوقوع تحت طائلة العقوبات التي تفرزها أعمالُ تلك السُّنَن والقوانين الإلهيَّة بالتقاطع؛ لتكون – عندئذٍ – مدعاةً لهلاكه وعذابه في الدارين.

لذلك فإنَّ سبر الإنسان لأحكام الله، والتعرُّف على قوانين فعله في الظواهر الإنسانيَّة بالحكم العادل على الأُمَم والمجتمعات الكافرة بالعقاب – ينبغي أن يكون هاجسًا مُلحًّا عنده؛ لاعتمادها في الظاهرة الاجتماعيَّة موانعَ صارمةً للمجتمعات من ارتكاب الكفر، واقتراف الفجور؛ تلافيًا لوقوع العذاب عليهم ﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾ [الأنبياء: 11].

وبالمثل، فإنه يتوجَّب أن يسعى الإنسان بجدٍّ وبكل همَّة لسبر أحكام وقوانين الله بحكمه بالثواب لكلِّ أُمَّةٍ أطاعَتْه؛ لكي يضعها أمامه خارطةَ طريق هداية؛ للعمل بموجبها، وتنفيذ متطلباتها بكلِّ تفاصيلها، وبدقَّة تامَّة؛ لكي يحظى برضا الله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 30].

وهنا لا بد من الإشارة إلى أنَّ السنن الإلهيَّة في الظاهرة الاجتماعيَّة تتسم بالثبات والاطراد، إيجابًا بالرضا، وسلبًا بالغضب الإلهيِّ؛ وذلك استنادًا إلى القانون الإلهيِّ المركزيِّ، الذي يحكمها كسنَّةٍ ثابتةِ التحقُّق: ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 62]، وأنها مقدَّرة بآجال في الوقوع على مَن حقَّت عليهم: ﴿ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [يونس: 49]، وهي في ذات الوقت سننٌ حتمية على الناس في تداول الأحوال؛ تمشِّيًا مع قاعدة: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140].

ولذلك فإنَّه إذا كان المطلوب من الإنسان التحرُّك الجاد لتفعيل التعامل مع السُّنَن الإلهيَّة الكونيَّة، وتنشيط التفاعل مع علومها، والعمل على توظيف ما استُكشف، وما سيُستكشف من قوانين تحكمها والمباشرة بتسخيرها؛ لغرض توليد أقصى ما يمكن من منافعَ تُرتَجى من وراء ذلك التسخير العمليِّ في التنمية، والارتقاء بالحال الاجتماعيِّ بيئيًّا وتنمويًّا إلى آفاق مستهدفة، بتحقيق الانتفاع الكليِّ من قانون التسخير الذي ساقه القرآن الكريم، باعتبار الإنسان خليفة الله على الأرض، وأنه مطالَب بإعمارها؛ من غير تكاسلٍ في نشاطه الدنيويِّ عن تحقيق هدف الإعمار والتنمية وإشاعة الإصلاح، تناغمًا مع قاعدة: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 105]، فلا شك أنَّ المطلوب منه العمل في نفس الوقت على سبر السُّنن والقوانين والأحكام الإلهيَّة التي تضبط حركةَ الأُمَم والمجتمعات والظواهر الإنسانيَّة بقصد التناغم مع مبتغياتها، والالتزام بمحدداتها، بهدف التطابق مع مرادات الخالق من وراء تلك السُّنن، وتوظيف الفعل الإنسانيِّ في الزمان والمكان بما يضمن رضا الله تعالى، ويحقق له الصلاح والفلاح والطُّمأنينة في الحياة الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة.

المصدر
شبكة الألوكة
زر الذهاب إلى الأعلى