أنا لستُ من متابعي برنامج (الدَّحِّيح) لكن لَفَتت نظري حلقةٌ كَثُرَ الكلام عنها، تابعتُها، ففهمتُ طريقة (الدَّحِّيح) لذلك ردِّي هنا ليس على هذه الحلقة بالذات، بل على طريقته بشكلٍ عامٍّ، والحلقة بعنوان: (يا محاسن الصُّدَفْ)
ليس أي شيءٍ فيه كلمة (نظريَّةٍ) معناه: محترمٌ وله وزنٌ، أنا بيّنتُ بالتفصيل في حلقة: (نظريَّة البان كيك)، وحلقة: (كل الطرق تؤدِّي إلى الخرافة) أنَّ كلمة: (نظريَّة) هذه تُوضَع قبل سخافاتٍ مضحكةٍ لإعطائها: هَيْبةً، مع أنها مجرَّد: خيْبةٍ.
هل تذكرون لويس باستور؟ ومن قبله: فرانسيسكو ريدي في القرن (17) اللّذين أثبتا بُطلان نظريَّة: (النشوءِ التلقائيِّ للكائنات الحيَّة من الجمادات)؟ أي أن المتخلِّفين في أوروبا كانوا يظنّون أنَّ الذُّباب ينشأ تلقائيًا من القمامة، وأنَّ الفئران تنشأ تلقائيًّا من اللحم المتعفِّن.
(لويس) وقَبْلَه (رِدِي) بيَّنَا بُطْلان هذه النظريَّة المتخلِّفة، وأنَّ الكائنات الحيَّة -كالذُّباب- تنشأ في الواقع من كائناتٍ مِجهريَّةٍ كبيوض الذُّباب، فالّذي يقول هذه الأيام: المادة تنشأ من لا شيء، المادة تخلق نفسها بنفسها هو أشدُّ تخلفًا من المتخَلِّفين الأوروبيِّين في القرون الوسطى، لأنه يقول لك: لا، ليست الكائنات الحيَّة تنشأ تلقائيا من الجمادات فقط، بل الجمادات تَنشأ تلقائيًّا من لا شيء، يعني في مثال الغرفة والعجلات، كأنَّ صاحبنا لمَّا سألناه:حسنًا، وأين العجلات والأولاد؟ قال: افترِض أنهم ينشؤون تلقائيًا، وسنسمِّي هذا الافتراض (نظريَّة العجلات الذاتيَّة) (ونظريَّة الأولاد الذاتِيِّين) فهل هذا علمٌ أم سخافةٌ؟!
لو رأيتَ سيَّارةً تَصلُح لركوب الإنسان، ومليارات المليارات من المَرْكبَاتِ الأخرى المتناسِقة التي أجزاؤها متكامِلةٌ، لكن لا تَصْلُح لركوب الإنسان، فهل سيكون الاستنتاج: أنَّ هذه السيارة والَمركْبَات كلَّها جاءت بالصُّدْفة؟ أم أنَّ وراءَها صانعًا عليمًا؟
(الدَّحِّيح) يكرِّر كلمة (ثوابت فيزيائيَّة) هل هناك -أصلًا- شيءٌ اسمه (ثوابت فيزيائيَّة) دون وجود خالق؟! يعني حتى لو تجاوزنا أنَّ العدم لا يخلُق المادَّة، هل العدم -اللاشيء- سيجعل المادَّة أيضًا تسير بانتظامٍ دون اضطراب؟ مِنْ أكثر طرائف الملحدين حمقًا أنَّهم يجعلون النظام -الدَّالَّ على وجود إلهٍ منظِّمٍ- بديلًا عن وجود الله.
(الدَّحِّيح) يمارس (التَّسطِيحَ) المضحِك عندما يقيس الكون -بتعقيده الشديد- على مثال ارتفاع سوق الأوراق الماليَّة أو انخفاضها، أو الربح والخسارة. هل تعرفون -إخواني- ما معنى انضباط الكون؟ تعالوا نأخذ أبسط شيءٍ فيه: أكثر من (90) عنصرًا طبيعيًا مُكتَشفًا في الأرض، ورُتِّبت النيوترونات في كلٍّ منها -والبروتونات- في أَنْوِيَةٍ محدَّدةِ الحجم بدقَّةٍ تَجذِب إلكترونات في مداراتٍ بالأبعاد اللازمة.
هذه العناصر تفاعلت بقوانين كيميائيةٍ ثابتةٍ، لتعطيَ مُرَكَّباتٍ لازمةً للحياة ومرةً أخرى: هذه القوانين، لا بدَّ لها من فاعلٍ، منظِمٍ، متقِنٍ.
جاذبيَّةٌ أرضيَّةٌ بالمقدار اللازم، بحيث لا نَسْبح في الهواء، ولا تلتصق أقدامنا بالأرض.
أرضٌ تدور بسرعةٍ دقيقة؛ من أجل ليل ونهارٍ يتعاقَبان للنوم والعمل.
بُعْدٌ دقيقٌ عن الشمس: فلا تُحرقُنا ولا نتجمَّد. درجة تبخُّر الماء، كثافة الهواء، نِسَبُ العناصر في الهواء، كلُّه بما يُناسب حياتَنا. آلاف المليارات من الكواكب والنجوم، تسير بسرعةٍ مناسبةٍ في مداراتٍ محدَّدَةٍ، بدقَّةٍ شديدةٍ.
هل افتراض أكوان متعدِّدةٍ علمٌ تجريبيٌّ؟ هل الأكوان اللانهائيَّة الصُّدَفيَّة التلقائيَّة هذه هي علمٌ تجريبيٌّ مرصودٌ محسوسٌ مُشاهَدٌ، أو آثاره مُشاهَدة؟ هل يمكن أن تجيبونا يا جماعة الأكوان المتعدِّدة؟ هل يمكن أن تجيبونا: مم تألفت هذه الأكوان؟ ما نوع ذرَّاتها؟ ما عدد عناصرها؟ ما القوانين التي تَصِف نظامها؟ الذرَّاتُ تحتاج إلى ثوابتَ فيزيائيَّةٍ دقيقةٍ جدًّا تربط نيوتروناتها ببروتوناتها وإلكتروناتها، وتلاعبٌ بسيطٌ بالعلاقة بين هذه الجسيمات يعطينا انفجارًا نوويًّا. هل هذه الضوابط هي نفسُها محفوظةٌ في الأكوان الأخرى؟ وكيف تكون هي نفسُها؟ طيّب، إذا كانت غير محفوظةٍ، فما هي الثوابت البديلة في هذه الأكوان؟ هذه الأكوان، لماذا لا يصطدم بعضها ببعض؟ ولماذا لم تدمِّر كوننا بما أنَّها لانهائيَّةٌ؟ أليست الأكوان تتمدَّد؟ وإذا كانت تتمدَّد لماذا لا يصطدم بعضها ببعض وبكوننا؟ أم ستقولون: أنّ هناك فراغًا ضخمًا جدًا جدًا؟ حسنًا، من أين جاء هذا الفراغ؟ يعني هذا المكان؟ هل (أكوانكم المتعدِّدة) تُجيب عن أيٍّ من هذه الأسئلة؟ إذَن، هل هي علم تجريبيٌّ مرصودٌ محسوسٌ مشاهَدٌ، أو آثار مشاهَدة؟ أم هو ردٌّ غبيّ -من شخصٍ مُحرَج- على سؤال: فمَن أَوجدَ الكَون إن لم يكن الخالق؟!